المرحلة الانتقالية واستيلاء البروليتاريا على السلطة
دكتاتورية البروليتاريا وشكلها السوفييتي
دكتاتورية البروليتاريا وانتزاع ملكية المالكين
أسس سياسة دكتاتورية البروليتاريا في الاقتصاد
دكتاتورية البروليتاريا والطبقات الاجتماعية
المنظمات الجماهيرية في نظام دكتاتورية البروليتاريا
دكتاتورية البروليتاريا والثورة الثقافية
النضال في سبيل دكتاتورية البروليتاريا وأنواع الثورة الرئيسية
النضال في سبيل دكتاتورية البروليتاريا العالمية والثورة الوطنية
إن المغزى الرئيسي لبرنامج الأممية الشيوعية أنه يصوغ علميا المهمات الأساسية في الحركة الشيوعية، ويحدد الوسائل الرئيسية لإنجاز تلك المهمات، وبالتالي يقدم لفروع الأممية الشيوعية هذا الوضوح في الأهداف والطرق التي دونها يستحيل السير إلى الأمام بثقة.
ستالينمرحلة الإمبريالية هي مرحلة الرأسمالية المحتضرة. لقد كانت حرب 1914–1918 العالمية وما فجرته من أزمة عامة في الرأسمالية، نتيجة تناقض عميق بين تطور قوى الاقتصاد العالمي المنتجة وحدود الدول. فقد أظهرا وأثبتا أن الظروف المادية للاشتراكية قد نضجت صلب المجتمع الرأسمالي، وأن التاريخ قد وضع قلب نير رأس المال بالثورة على جدول الأعمال، في وقت أصبح فيه الغلاف الرأسمالي للمجتمع عائقا لا يمكن أن يحتمله تطور الإنسانية اللاحق.
تُخضع الإمبرياليةُ الجماهيرَ الغفيرةَ من العمال في جميع البلدان (في متروبولات القوة الرأسمالية كما في أكثر مناطق العالم المستعمَر تأخرا) لدكتاتورية طغمة من أصحاب رأس المال المالي. وهي تكشف جميع تناقضات المجتمع الرأسمالي وتعمقها بالقوة. وتطور الاضطهاد الطبقي إلى أقصى حد. وتشدد حدة الصراع بين الدول الرأسمالية إلى أعلى درجة. وتخلق حتمية الحروب الإمبريالية العالمية التي تهز كامل نظام العلاقات القائم، وتقود المجتمع نحو الثورة البروليتارية العالمية بضرورة لا تقاوم.
تُقيد الإمبرياليةُ العالمَ بسلاسل رأس المال المالي. وتجبر العمالَ في كل البلدان ومن كل القوميات والأعراق على الخضوع لنيرها بالدم والحديد والجوع. وتشدد خطورة استغلال البروليتاريا واضطهادها واستعبادها بشكل كبير، واضعة إياها أمام مهمة التعجيل بالاستيلاء على السلطة. وتخلق الإمبرياليةُ بكل ذلك، ضرورة انصهار العمال انصهارا متينا في جيش عالمي واحد من عمال جميع البلدان متجاوزا حدود الدول والاختلاف في القومية والثقافة واللغة والعرق والجنس والمهنة؛ فالإمبريالية بعد أن طورت تكون الظروف المادية للاشتراكية على ذلك النحو وأتمته، تضع البروليتاريا أمام ضرورة الانتظام في جمعية نضال بروليتارية عالمية، مسهلةً بذلك انصهار جيش حافري قبرها.
تفصل الإمبرياليةُ الفئةَ الأكثرَ رفاهية من العمال عن مجمل البروليتاريا؛ إنها «الأرستقراطية» البروليتارية التي أفسدتها الإمبريالية، وقوامها العناصر القيادية في أحزاب الاشتراكية–الديمقراطية، التي تهتم بالنهب الإمبريالي في المستعمرات، وتسخر نفسها لبرجوازيتـ«ها» ولدولتـ«ها» الإمبريالية. وتقف إلى جانب عدو البروليتاريا الطبقي زمن المعارك الفاصلة. ولقد أثبتَ انقسامُ الحركة الاشتراكية، الناتج عن خيانة الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية في 1914 وخياناتها اللاحقة بعد أن أصبحت في الواقع أحزابا بروليتارية برجوازية، أن البروليتاريا العالمية لا يمكنها أن تنجز مهمتها التاريخية (تحطيم نير الإمبريالية وتحقيق دكتاتورية البروليتاريا) دون أن تناضل ضد الاشتراكية–الديمقراطية نضالا لا هوادة فيه. إذن، فتنظيم قوى الثورة العالمية غير ممكن إلا على أساس الشيوعية.
إن الأممية الشيوعية الثالثة، المنظمة العالمية للبرولتاريا، والمجسدة لوحدة العمال الثوريين الحقيقية في جميع البلدان، تعارض حتما، الأممية الثانية الاشتراكية–الديمقراطية الانتهازية التي أصبحت عميل الإمبرياليين صلب البروليتاريا.
لقد خَلقت حرب 1914–1918 أولى محاولات بعث أممية جديدة ثورية كقوة مضادة للأممية الثانية الاشتراكية–القومية، وكأداة لمقاومة الإمبريالية المتعطشة للحرب (زيمرويلد، كنتال). ولقد أعطى انتصار الثورة البروليتارية في روسيا دفعا لتأليف أحزاب شيوعية في البلدان الاحتكارية الرأسمالية وفي المستعمرات. وتأسست الأممية الشيوعية عام 1919 لتوحد فعلا ولأول مرة في التاريخ العناصر المتقدمة من البروليتاريا في أوروبا وأمريكا مع عمال الصين والهند والشغيلة السوداء في إفريقيا وأمريكا في نضال ثوري.
إن الأممية الشيوعية، حزب البروليتاريا العالمي الوحيد الممركَز، هي المواصِلة الوحيدة لمبادئ الأممية الأولى، مطبقة على أساس جديد لحركة بروليتارية ثورية جماهيرية. إن تجربة الحرب الإمبريالية الأولى وما تلاها من أزمة ثورية في الرأسمالية والثورات في أوروبا والمستعمرات وتجربة دكتاتورية البروليتاريا وبناء الاشتراكية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وتجربة عمل جميع فروع الأممية الشيوعية المضبوطة في قرارات مؤتمراتها وأخيرا اتخاذ الصراع بين البرجوازية الإمبريالية والبروليتاريا بعدا عالميا أكثر فأكثر – كل ذلك يجعل من الضروري صياغة برنامج شيوعي للأممية: برنامجا واحدا ومشتركا لجميع فروعها. وهكذا ينجز برنامج الأممية الشيوعية أعلى تأليف نقدي لتجربة الحركة الثورية العالمية البروليتارية. إنه برنامج نضال في سبيل الدكتاتورية العالمية البروليتارية؛ برنامج نضال في سبيل الشيوعية العالمية. إن الأممية الشيوعية، التي توحد العمال الثوريين وتدفع بملايين المضطهَدين والمستغَلين ضد البرجوازية وعملائها «الاشتراكيين» تعتبر نفسها مواصلا تاريخيا لـ«رابطة الشيوعيين» والأممية الأولى اللتان كانتا تحت قيادة كارل ماركس المباشرة، ووريثا لأحسن تقاليد الأممية الثانية قبل الحرب. لقد وضعت الأممية الأولى الأسس النظرية لنضال البروليتاريا العالمي في سبيل الاشتراكية. وهيأت الثانية، في أحسن مراحلها، المجال لانطلاق واسع للحركة البروليتارية بين الجماهير. وتواصل الأممية الشيوعية الثالثة عمل الأولى قاطفة ثمار نشاط الثانية قبل الحرب بعد أن لفظت انتهازية هذه الأخيرة بحزم، أي الاشتراكية القومية: التحريف البرجوازي للاشتراكية، ومدشنة انجاز دكتاتورية البروليتاريا. لذلك تواصل الأممية الشيوعية التقاليد البطولية المجيدة في الحركة البروليتارية العالمية: تقاليد الشارتيين الإنجليز والمنتفضين الفرنسيين (1830)، وعمال فرنسا وألمانيا الثوريين (1848)، والمناضلين الخالدين وشهداء كومونة باريس (1871)، والجنود الأبطال في ثورات ألمانيا والمجر وفنلندا، والعمال الذين أصبحوا صانعين مظفرين لدكتاتورية البروليتاريا بعد أن كانوا منحنين أمام الحكم المطلق القيصري، والعمال الصينيين أبطال كانتون وشنغهاي.
وإذ تنهل الأممية الشيوعية من التجربة التاريخية للحركة البروليتارية الثورية في كل القارات وفي كل البلدان، فإنها تقف كليا ودون تحفظ، في نشاطها النظري والعملي، على أساس الماركسية الثورية التي اللينينية (التي ليست سوى ماركسية عصر الإمبريالية والثورات البروليتارية) تطورها اللاحق. إن الأممية الشيوعية تحارب بحيوية كل ضروب الفكر البرجوازي والانتهازية في النظرية والممارسة بدفاعها عن مادية ماركس وأنجلس الجدلية ونشرها وتطبيقها كطريقة ثورية لمعرفة الواقع من أجل تغييره ثوريا. وهي تفضح، دون رحمة، نظرية «السلم الاجتماعي» مهما كان شكلها التي أخذها الإصلاحيون عن البرجوازية، فتبقى الأممية الشيوعية على أرض النضال الطبقي البروليتاري المنسجم، مسخرة مصالح البروليتاريا الآنية والجزئية والمهنية والقومية لمصالحها الثابتة والعامة والعالمية. وإذ تمتلك برنامج دكتاتورية البروليتاريا والشيوعية، فإنها تعمل في وضح النهار كمنظمة للثورة البروليتارية العالمية، ومعبرة عن الضرورة التاريخية للتنظيم العالمي للعمال الثوريين حافري قبر النظام الرأسمالي.
يتميز المجتمع الرأسمالي القائم على تطور إنتاج البضائع، باحتكار طبقة الرأسماليين وكبار المالكين العقاريين وسائل الإنتاج الأكثر أهمية والأكثر حسما، وباستغلال اليد العاملة المأجورة من طبقة العمال المجردين من وسائل الإنتاج والمجبورين على بيع قوة عملهم، وبإنتاج بضائع لاستخلاص الأرباح منها، وبغياب التخطيط، وبالفوضى في مجمل عملية الإنتاج الناتجة عن تلك الأسباب. وتجد العلاقات الاجتماعية والاستغلال والهيمنة الاقتصادية للبرجوازية تعبيرا سياسيا عنها في تنظيم الدولة الرأسمالية؛ آلة ردع في وجه البروليتاريا.
يؤكد تاريخ الرأسمالية بصورة تامة مذهب ماركس في قوانين تطور المجتمع الرأسمالي، وفي التناقضات التي تلازم ذلك التطور تلازما وثيقا والذي ينتهي بالنظام الرأسمالي إلى خسران لا مرد له.
لقد وجدت البرجوازية نفسها مجبرة، خلال سعيها وراء الأرباح، إلى أن تطور القوى المنتجة بنسب مطردة النمو وأن تقوي علاقات الإنتاج الرأسمالية وأن توسع هيمنتها. لهذا السبب يعيد تطور الرأسمالية، بانتظام، إنتاج جميع تناقضات النظام الداخلية؛ وفي مقدمتها التناقض الحاسم القائم بين الطابع الاجتماعي للعمل والطابع الخاص للتملك وبين نمو القوى المنتجة وعلاقات الملكية الرأسمالية.
إن تملك وسائل الإنتاج تملكا خاصا، وسير الإنتاج نفسه سيرا عفويا وفوضويا يؤديان إلى انقطاع التوازن الاقتصادي بين مختلف فروع الإنتاج إثر تطور التناقض بين النزوع إلى إنتاج محتد مطلق العنان وبين الاستهلاك المحدود عند الجماهير البروليتارية (فائض عام في الإنتاج) مما يؤدي إلى أزمات دورية مهدمة ويدفع بجماهير بروليتارية إلى البطالة.
تظهر هيمنة الملكية الخاصة في تنافس مطرد النمو داخل كل بلد رأسمالي وفي السوق العالمية على حد سواء. يؤدي هذا الشكل الأخير من التناحر بين الرأسماليين إلى الحروب التي تلازم حتما التطور الرأسمالي العالمي.
تؤدي الفضائل التقنية والاقتصادية في الإنتاج الكبير، خلال المنافسة، إلى إلغاء أشكال الاقتصاد السابقة عن الرأسمالية وتحطيمها؛ وإلى تركز رأس المال وتمركزه باطراد. ويظهر هذا القانون (تركز رأس المال وتمركزه) في الصناعة، قبل كل شيء، في تلاشي أشكال الإنتاج الصغير أو في اختزالها في دور ثانوي ملحق بالمؤسسات الكبرى. وفي الفلاحة، حيث التطور بالضرورة متأخر بسبب احتكار ملكية الأرض والريع المطلق، يظهر هذا القانون لا فقط في تمايز الفلاحين وتحول فئات واسعة من الفلاحين إلى عمال، بل أيضا وخصوصا في أشكال ملحوظة وغير ملحوظة لهيمنة رأس المال الكبير على الاقتصاد الفلاحي الصغير الذي لا يستطيع في تلك الحالة أن يحافظ على مظهر الاستقلال إلا مقابل درجة قصوى من حدة العمل وتقليص منتظم في الاستهلاك.
إن الاستعمال المتنامي للآلات والتحسين الدائم للتقنية، وبالتالي، النمو المستمر في تركيبة رأس المال العضوية مرفقة باطراد تقسيم العمل وازدياد إنتاجيته وحدته، يعني أيضا، استعمال اليد العاملة من النساء والأطفال استعمالا أكثر اتساعا، وتكون جيوش صناعية احتياطية هائلة مطردة النمو من فلاحين أصبحوا عمالا بعد أن أبعدوا عن الأرياف، ومن البرجوازيتين الصغرى والوسطى المفقرتان في المدن. ففي أحد أقطاب العلاقات الاجتماعية تتكون جماهير هائلة من العمال واشتداد متواصل في استغلال البروليتاريا وإعادة إنتاج التناقضات العميقة في الرأسمالية على قاعدة واسعة وما ينتج عنها من نتائج وخيمة (أزمات، حروب...) وتعمق دائم للحيف الاجتماعي، وتنامي غضب البروليتاريا المجتمعة والمنظمة بآليات الإنتاج الرأسمالي نفسه. كل ذلك ينخر أسس الرأسمالية بشكل ثابت ويعجل ساعة انهيارها.
حدث انقلاب، في ذات الوقت، في مجمل نظام الأخلاق والثقافة في المجتمع الرأسمالي: تفسخ مجموعات الريع البرجوازية، انحلال العائلة كتعبير عن التناقض المتنامي بين الاشتراك الجماهيري للمرأة في الإنتاج الاجتماعي وبين أشكال العائلة وحياة الأسرة الموروثة بأكبر قسط عن المراحل الاقتصادية السابقة، والتطور الهائل للمدن الكبيرة وهامشية الحياة الريفية نتيجة تقسيم العمل وتخصصه، وإفقار وتفسخ الحياة الفكرية والثقافة بوجه عام، وعجز البرجوازية عن وضع تأليف فلسفي علمي للعالم رغم التقدم الهائل في العلوم الطبيعية، وتطور معتقدات مثالية وصوفية ودينية. كل هذه الظواهر تشير إلى قرب النهاية التاريخية للنظام الرأسمالي.
كانت مرحلة الرأسمالية الصناعية، عموما، مرحلة «منافسة حرة» تطورت الرأسمالية فيها ببعض الانتظام، وانتشرت في كل العالم عبر تقاسم المستعمرات التي كانت لا تزال حرة، بالاستيلاء عليها بقوة السلاح. وسقط، أساسا، ثقل تناقضات الرأسمالية الداخلية المحتدة دوما على المحيط المستعمَر المضطهَد والمقموع والمنهوب بانتظام.
تركت تلك المرحلة المكانَ لمرحلة الإمبريالية في بداية القرن العشرين. لقد تميزت هذه الأخيرة بتطور الرأسمالية بقفزات فجائية وصدامات. وسرعان ما عَوض الاحتكارُ المنافسةَ الحرة. واقتُسمت الأراضي المستعمَرة بعد أن كانت «حرة». وبدأ الصراع من أجل تقاسم المستعمرات ومناطق النفوذ من جديد يتخذ، حتما، وفي المقام الأول شكل صراع مسلح.
وهكذا اكتسبت تناقضات الرأسمالية كامل مداها العالمي ومظهرها الأكثر وضوحا في مرحلة الإمبريالية (الرأسمالية المالية)، التي تمثل شكلا تاريخيا جديدا من الرأسمالية نفسها وعلاقة جديدة بين مختلف أجزاء الاقتصاد الرأسمالي العالمي وتغيرا في علاقة الطبقات الرئيسية في المجتمع الرأسمالي بعضها بالآخر.
هذه المرحلة التاريخية الجديدة، هي نتيجة فعل القوانين الأساسية في المجتمع الرأسمالي. لقد نضجت خلال تطور الرأسمالية الصناعية وهي تواصلها التاريخي. إنها تزيد من حدة بروز اتجاهات المجتمع الرأسمالي الرئيسية وقوانين حركته، وتزيد في تناقضاتها وصراعاتها الرئيسية. وانتهى قانون تركز رأس المال وتمركزه إلى قيام تجمعات احتكارية قوية (كارتيلات، سنديكات، تروتسات)، وإلى شكل جديد من مؤسسات عملاقة مندمجة، مرتبطة في هيئة شبكة بالبنوك.
إن اندماج رأس المال الصناعي برأس المال البنكي، ودخول الملكية العقارية الكبرى نظام الرأسمالية العام الذي أصبح متميزا بالاحتكارات، حولا مرحلة رأس المال الصناعي مرحلةَ رأس المال المالي، و«المنافسة الحرة» في الرأسمالية الصناعية التي كانت قد عوضت الاحتكار الإقطاعي واحتكار رأس المال التجاري، تحولت بدورها إلى احتكار رأس المال المالي. لا تُلغي الاحتكارات الرأسمالية الناجمة عن المنافسة الحرة، هذه الأخيرةَ بل تهيمن عليها أو تتعايش معها خالقة بذلك تناقضات وتشنجات وصدامات ذات حدة وخطورة خصوصيتين.
إن الاستعمال المتنامي لآلات معقدة وأساليب كيميائية والطاقة الكهربائية ونمو تركيبة رأس المال العضوية على ذلك الأساس وتقلص نسب الربح كنتيجة لذلك، – تقلص لا يُكبح إلا قسط منه لصالح أكبر التجمعات الاحتكارية بسياسة رفع الأسعار التي تفرضها الكريتلات – كل ذلك يؤدي إلى الجري وراء فائض الأرباح في المستعمرات وإلى صراع من أجل تقاسم العالم من جديد. فتكثيف الإنتاج وقولبته يتطلب مناطق تسويق خارجية. ويؤدي الطلب المتزايد على المواد الأولية والمحروقات إلى تناحر مسعور للاستحواذ على مصادرها. وأخيرا، يخلق الاحتكار المنفرد العالي، الذي يمنع تصدير البضائع ويضمن فائض ربح لرأس المال المصدر، مساهمات إضافية لتصدير رؤوس المال الذي أصبح الشكل الحاسم والخصوصي للصلة الاقتصادية بين مختلف أجزاء الاقتصاد الرأسمالي العالمي. الخلاصة هي أن التملك الاحتكاري لمناطق التسويق في المستعمرات ومصادر المواد الأولية ومناطق استثمار رؤوس المال، ينمي بسرعة عالية عدم التكافؤ في التطور الرأسمالي، ويشدد خطورة النزاعات من أجل تقاسم المستعمرات ومناطق النفوذ بين «قوى» رأس المال المالي «العظمى» من جديد.
إذن، يؤدي نمو قوى الإنتاج في الاقتصاد العالمي إلى عولمة الحياة الاقتصادية على النحو الأكثر اتساعا، وفي ذات الوقت، إلى صراع من أجل تقاسم العالم من جديد بعد أن كان قد اقتُسم بين دول رأس المال المالي الكبرى. كما يؤدي إلى تغير في أشكال ذلك الصراع ويشدد خطورتها.
فمن ذلك تزايد تعويض المنافسة القائمة على تخفيض الأسعار بإعلان القوة مباشرة (المقاطعة، الاحتكار المنفرد العالي، حروب جمركية، وحروب بالمعنى الأصلي للكلمة...)؛ وبالتالي، فالرأسمالية في شكلها الاحتكاري إنما هي مرفقة بحروب إمبريالية حتمية لا مثيل لها في تاريخ العالم من جهة مداها وقوة التدمير فيما تستخدم فيها من تقنية.
إن شكل الرأسمالية الإمبريالي فيه نزوع نحو انسجام مختلف فِرق الطبقة المهيمنة، يجعل جماهيرَ البروليتاريا الغفيرة، تعارض باطراد لا عرفا مفردا، بل مجمل طبقة الرأسماليين ودولتهم؛ كما أن هذا الشكل من الرأسمالية يتجاوز حدود الدولة القومية التي باتت جد ضيقة؛ فهو يوسع مجال نفوذ القوى العظمى الرأسمالية جاعلا ذلك النفوذ في تعارض مع ملايين البشر في الأمم المضطهَدة والقوميات «الصغيرة» والشعوب المستعمَرة. وأخيرا، يجعل هذا الشكل من الرأسمالية الدول الإمبريالية يعارض بعضُها البعضَ الآخر بأكثر حدة.
تكتسب السلطة السياسية في هذا الحال أهمية خاصة عند البرجوازية؛ فتصبح دكتاتوريةَ طغمة مالية ورأسمالية كتعبير مكثف عن قوتها. وتتطور وظيفة تلك الدولة الإمبريالية متعددة الجنسيات في جميع الاتجاهات. ويُسهل تطورُ أشكال رأسمالية الدولة الصراعَ في الأسواق الخارجية (عسكرة الاقتصاد) والصراعَ ضد البروليتاريا في ذات الوقت. فمن ذلك التطوير الرهيب والأقصى لآلة الحرب (جيش، أساطيل جوية وبحرية، أسلحة كيميائية وجرثومية)، وضغط الدولة الإمبريالية المتنامي على البروليتاريا (استغلال فاحش وقمع مباشر من جهة، وفساد منتظم تمارسه البيروقراطية الإصلاحية القائدة من جهة أخرى) – كل ذلك يُظهر تعاظم دور الدولة الهائل.
يتحول كل عمل له بعض أهمية تمارسه البروليتاريا في هذا الحال إلى عمل ضد الدولة، أي إلى عمل سياسي.
وهكذا، فإن تطور الرأسمالية، ومرحلة الإمبريالية على الأخص، يعيد إنتاج تناقضات الرأسمالية الرئيسية على نطاق متسع دوما. ويترك تنافسُ رأسماليين صغار المجالَ لتنافس رأسماليين كبار. وعندما يهدأ هذا الأخير ينطلق عنان تنافس تجمعات أثرياء رأس المال ودولهم، وتمتد الأزمات المحلية والقومية إلى عديد البلدان لتشمل العالم بأسره في آخر الأمر. وتترك الحروب المحلية المكان لحروب التحالفات والحروب العالمية. وينتقل النضال الطبقي من أعمال منعزلة تخوضها مجموعات من العمال إلى نضال قومي ثم إلى نضال عالمي تخوضه البروليتاريا العالمية ضد البرجوازية العالمية. وأخيرا، تقوم وتنتظم ضد قوى رأس المال المالي شديدة الانتظام، قوتان ثوريتان عظيمتان: الأولى عمال الدول الرأسمالية، والثانية الجماهير الشعبية في المستعمرات المنحنية أمام نير رأس المال الأجنبي، لكنها تناضل بقيادة الحركة الثورية البروليتارية العالمية وتحت هيمنة هذه الأخيرة.
إن هذا التوجه الثوري الرئيسي مشلول بصورة مؤقتة بفساد بعض العناصر البروليتارية التي كسبتها البرجوازية الإمبريالية في أوروبا وأمريكا الشمالية واليابان، وبخيانة البرجوازية الوطنية في المستعمرات وأشباه المستعمرات خوفا من حركة الجماهير الثورية. تجني برجوازية القوى الإمبريالية العظمى أرباحا إضافية سواء بفعل وضعها في السوق العالمية عموما (تقنية أكثر تطورا، تصدير رؤوس المال إلى بلدان نسبة الربح فيها أكثر ارتفاعا...) أو بفعل نهبها المستعمرات وأشباه المستعمرات، فاستطاعت بفضل فوائض ذلك الربح أن ترفع أجور جزء من عمالـ«ها» لافتة اهتمامهم على هذا النحو إلى تطوير رأسمالية «وطنـ»ـهم ونهب المستعمرات والوفاء للدولة الإمبريالية.
لقد ظهر بوجه خاص هذا الفساد المنتظم ولا يزال يظهر على نطاق واسع في البلدان الإمبريالية الأكثر قوة، ويجد هذا الفساد تعبيرا أوضح له في فكر الأرستقراطية العمالية ونشاطها والشرائح البيروقراطية من البروليتاريا، أي الكوادر القيادية في الاشتراكية–الديمقراطية وفي النقابات وقد تبين أنهم الأداة المباشرة لتأثير البرجوازية في البروليتاريا وأنهم أحسن سند للنظام الرأسمالي.
لكن بعد أن خلقت الإمبريالية الأرستقراطية المفسدة في البروليتاريا فإنها تحطم في آخر المطاف تأثيرها على البروليتاريا طالما أن تناقضات النظام تحتد وتزداد ظروف العيش خطورة وبطالة جماهير بروليتارية غفيرة ومصاريف واعتمادات هائلة بسبب النزاعات المسلحة وفقدان بعض القوى لما كان لها من احتكارات في السوق العالمية وانفصال مستعمرات... كل ذلك يهز قاعدة الاشتراكية–الإمبريالية بين الجماهير. كذلك فإن الإفساد المنتظم في مختلف شرائح برجوازية المستعمرات وأشباه المستعمرات وخيانتها الحركةَ الوطنية الثورية وتقربها من القوى الإمبريالية لا يشل تطور الأزمة الثورية إلا مؤقتا. فهذا الأسلوب يؤدي في آخر الأمر، إلى تقوية الاضطهاد الإمبريالي وإضعاف تأثير البرجوازية الوطنية في الجماهير الشعبية وتشديد الأزمة الثورية واندلاع الثورة الزراعية بين جماهير الفلاحين الواسعة وخلق ظروف مسهلة لهيمنة البروليتاريا في البلدان المستعمَرة والتابعة على نضال الجماهير الشعبية في سبيل الاستقلال وتحرر وطني تام.
لقد ارتقت الإمبريالية بقوى الإنتاج إلى درجة عالية من التطور في الرأسمالية العالمية، وأنهت تحضير البدايات المادية لتنظيم المجتمع تنظيما اشتراكيا. كما بينت حروبها أن قوى الإنتاج في الاقتصاد العالمي تجاوزت أطر الدول الإمبريالية القومية الضيقة وأنها تفرض تنظيم الاقتصاد على نطاق أممي كوني. وتعمل الإمبريالية عبثا على حل هذا التناقض بشق طريق لتروست رأسمالي حكومي عالمي وحيد ينظم الاقتصاد العالمي بالحديد والنار. يمجد مفكرو الاشتراكية–الديمقراطية هذا الوهم الدموي، فهم يجدون فيه طريقا سليمة للرأسمالية الجديدة «المنظمة». وفي الواقع يصطدم هذا الوهم بعوائق موضوعية لا يمكن تجاوزها مما يجعل الرأسمالية تنهار تحت وطأة تناقضاتها. إن قانون التطور غير المتكافئ في الرأسمالية الذي تشتد حدته في مرحلة الإمبريالية يجعل من المستحيل قيام تجمعات قوى إمبريالية بصورة ثابتة ودائمة أيضا. إن الحروب الإمبريالية، التي تتحول إلى حروب عالمية، والتي من خلالها يحاول قانون تركز رأس المال أن يبلغ حده الأقصى في تروست عالمي وحيد – يرافقها تدمير ويفرض تكاليف على عاتق البروليتاريا وعلى ملايين العمال والفلاحين في المستعمرات، مما يجعل الرأسمالية تنهار قبل أن تبلغ ذلك الهدف.
الإمبريالية هي أعلى مراحل تطور الرأسمالية. إنها ترتقي بقوى الإنتاج في الاقتصاد العالمي إلى مدى هائل من التطور معيدة خلق العالم بأسره على صورتها. وتزج بكل المستعمرات وكل العروق وكل الشعوب في حقل استغلال رأس المال المالي. لكن الشكل الاحتكاري في رأس المال يطور في ذات الوقت وبنسق مطرد النمو، عناصرَ الانحلال ويصبح «عنصرا» طفيليا و«عامل» تفكك الرأسمالية وتعفنها وانطفائها. فإذ يحطم رأس المال الاحتكاري المنافسة الحرة، هذه القوة المحركة، بنسب معينة وبنهجه سياسة رفع الأسعار التي تحددها الكرتيلات واحتكاره السوق دون قيد، فإنه يسعى إلى كبح تطور قوى الإنتاج واستخلاص فوائض ربح طائلة على حساب ملايين العمال والفلاحين في المستعمرات ومراكمة هائلة من دخل ذلك الاستغلال. وتخلق الإمبريالية ضربا من دولة الريع في طريق الانحلال والتعفن، وشرائح كاملة من الطفيليين تعيش من جذاذات الريع. وإذ تكمل الإمبريالية مسار خلق البدايات المادية للاشتراكية (تمركز وسائل الإنتاج، اجتماعية عمل جد واسعة، تعاظم المنظمات البروليتارية...) فإن مرحلة الإمبريالية تشدد من خطورة التناقضات القائمة بين القوى العظمى وتؤدي إلى حروب تنتهي إلى انحلال وحدة الاقتصاد العالمي؛ لذلك فالإمبريالية هي الرأسمالية المتعفنة والمحتضرة. وهي آخر مراحل التطور الرأسمالي عموما. إنها عشية الثورة الاشتراكية. وهكذا تنشئ الثورة البروليتارية العالمية من ظروف التطور الرأسمالي عموما ومن مرحلتها الإمبريالية خصوصا. وينتهي النظام الرأسمالي في مجمله إلى إفلاس نهائي. وتترك دكتاتورية رأس المال المالي المنهار المكانَ لدكتاتورية البروليتاريا.
لقد تسبب صراع الدول الرأسمالية الرئيسية من أجل تقاسم العالم من جديد في الحرب الإمبريالية العالمية الأولى (1914–1918). لقد هزت هذه الحرب النظام الرأسمالي العالمي ودشنت مرحلة أزمته العامة. لقد وضعت في خدمتها كامل الاقتصاد القومي في البلدان المتحاربة خالقة على هذا النحو قبضة حديدية لدى رأسمالية الدولة. وتطلبت تكاليف خيالية غير منتجة. وحطمت كمية هائلة من وسائل الإنتاج واليد العاملة. وأفقرت جماهير شعبية واسعة. وفرضت أعباء لا تحصى على العمال الصناعيين وعلى الفلاحين والشعوب المستعمَرة. وشددت من خطورة الصراع الطبقي بشكل سافر فتحول إلى عمل ثوري جماهيري وحربا أهلية. وخُرقت جبهة الإمبريالية في أضعف فروعها: روسيا القيصرية. لقد حطمت ثورة شباط (فيفري) 1917 الروسية سلطة حكم كبار المالكين العقاريين المطلق. وقلبت ثورة تشرين الأول (أكتوبر) سلطة البرجوازية. لقد انتزعت هذه الثورة البروليتارية المظفرة وسائل الإنتاج من البرجوازية وكبار المالكين العقاريين وشيدت وقوت لأول مرة في تاريخ البشرية دكتاتورية البروليتاريا في بلد شاسع وخلقت نوعا جديدا من الدولة هو الدولة السوفييتية. ودشنت الثورة البروليتارية العالمية.
إن اهتزاز الرأسمالية العالمية العميق، واشتداد خطورة الصراع الطبقي، وتأثير ثورة أكتوبر (تشرين الأول) البروليتارية المباشر، حددت نهوض ثورات وحركات ثورية في أوروبا وفي في المستعمرات وأشباه المستعمرات على حد سواء: ثورة بروليتارية في فنلندا في كانون الثاني 1918 و«انتفاضة الأرز» في اليابان في آب 1918 وثورات في النمسا وألمانيا في تشرين الثاني 1918، مطيحة بالتراتب شبه الإقطاعي. وثورة بروليتارية في المجر وانتفاضة في كوريا في آذار 1919 وجمهورية سوفييتات في بافيار في نيسان 1918 وثورة وطنية برجوازية في تركيا في كانون الثاني 1920، وانتفاضة طليعة البروليتاريا في ألمانيا في آذار 1921. وانتفاضة في بلغاريا في أيلول 1923 وأزمة ثورية في ألمانيا في خريف 1923 وانتفاضة في استونيا في كانون الأول 1924. وانتفاضة في المغرب في نيسان 1925 وانتفاضة في سوريا في آب 1925 وإضراب عام في إنجلترا في أيار 1926 وانتفاضة بروليتارية في فيينا في تموز 1927. إن هذه الوقائع وأحداث أخرى مثل انتفاضة إندونيسيا والغليان القوي في الهند والثورة الصينية الكبرى التي هزت كامل القارة الآسيوية، تمثل كلها، حلقات من العمل الثوري الأممي وهي العناصر المكونة لأزمة الرأسمالية العامة والخطيرة. وينطوي سير الثورة العالمية هذا على نضال مباشر في سبيل دكتاتورية البروليتاريا وحروب تحرر وطني ونهوض المستعمرات ضد الإمبريالية. وكل ذلك في صلة لا انفصام لها عن الحركة الزراعية لجماهير الفلاحين الغفيرة. وهكذا وجدت جماهيرٌ لا تحصى من البشر نفسها منخرطة في العمل الثوري.
لقد دخل التاريخ العالمي مرحلة جديدة، هي مرحلة أزمة النظام الرأسمالي العامة والدائمة. وأصبحت وحدة العالم الاقتصادية تتجسد في طابع الثورة الأممي. وأصبح عدم تكافؤ تطور مختلف أجزاء الاقتصاد العالمي يتجسد في واقع أن الثورات لا تندلع في مختلف البلدان في آن واحد.
إن أولى محاولات الثورة، وقد برزت خلال الأزمة الحادة في الرأسمالية (1918–1921)، انتهت بانتصار وتقوية دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وبهزيمة البروليتاريا في بلدان مختلفة أخرى. نتجت تلك الهزائم قبل كل شيء عن تكتيك الخيانة عند القادة الاشتراكيين–الديمقراطيين والزعماء الإصلاحيين في الحركة النقابية، وعن أن الشيوعيون لم يجذبوا أغلبية البروليتاريا حولهم، وعن أن كثيرا من البلدان لم تكن فيها أحزاب شيوعية بعد.
على إثر تلك الهزائم التي تجعل من الممكن استغلال الجماهير البروليتارية والشعوب المستعمَرة استغلالا حادا وتقليصا فجائيا في مستوى عيشها، استطاعت البرجوازية أن تحقق استقرارا نسبيا في النظام الرأسمالي.
لقد اكتسبت قيادات الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية والنقابات الإصلاحية ومنظمات القتال الرأسمالية من الطراز الفاشي خلال الثورة العالمية أكبر أهمية كقوة رجعية تحارب الثورة بشراسة وتدافع أيضا عن الاستقرار النسبي في رأس المال.
لقد رافق حرب 1914–1918 إفلاس الأممية الثانية الاشتراكية-الديمقراطية إفلاسا مخزيا. ففي تناقض مطلق مع أطروحة بيان الحزب الشيوعي الذي وضعه ماركس وأنجلس التي تؤكد أنْ ليس للعمال وطنا في النظام الرأسمالي، وفي تناقض مطلق مع القرارات التي اتخذتها المؤتمرات الاشتراكية الأممية في شتوتغارت وبال، صوت قادة الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية القومية، ما عدى استثناءات ضعيفة، لفائدة اعتمادات الحرب، لينظموا بذلك إلى «الدفاع القومي» عن «أوطانـ»ـهم الإمبريالية (أي دول البرجوازية الإمبريالية) بكل حزم. وعوض أن يعارضوا الحرب الإمبريالية، أصبحوا جنودها المخلصين ومحرضين عليها ويقرعون لها الطبول. وهكذا تحولت الاشتراكية–الديمقراطية خلال سير نموها إلى اشتراكية–إمبريالية. ولقد دافعت الاشتراكية–الديمقراطية في المرحلة الثانية عن صلحي برست–ليوتوفسكي وفرساي الناهبان، لتقف بذلك إلى جانب جنرالات القمع الدموي لنهوض البروليتاريا (نوسك) وحاربت بالسلاح أول جمهورية بروليتارية (روسيا السوفييتات). وخانت بخزي البروليتاريا في السلطة (المجر). وانخرطت في جمعية الأمم الإمبريالية (أ. توماس وبول بنكور وفندرنالد). واتخذت موقف حزب الإستعباديين الإمبرياليين ضد عبيد المستعمرات («حزب العمل» الإنجليزي). ودافعت بنشاط عن أكثر العناصر رجعية ودموية في البروليتاريا (بلغاريا، بولونيا). وأخذت الأسبقية في وضع «القوانين العسكرية» الإمبريالية (فرنسا). وخانت إضراب البروليتاريا العام العظيم (إنجلترا). وساعدت على إخماد إضراب عمال المناجم (إنجلترا). وساعدت على اضطهاد الصين والهند (حكومة ماكدونالد في إنجلترا) ولا تزال تقوم بذلك. وهي داعية لجمعية الأمم الإمبريالية وناطقة باسم رأس المال ومنظمة العدوان على دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية (كاوتسكي وهيلفردنغ).
وإذ تواصل الاشتراكية–الديمقراطية هذه السياسة المعادية للثورة بانتظام فإنها تعمل بجناحيها الاثنين: الجناح اليميني المعادي للثورة علنا. وهو ضروري للمفاوضات وللصلة المباشرة بالبرجوازية. أما الجناح اليساري فهو موجه لتضليل العمال بدهاء خاص. فـ«يسار» الاشتراكية–الديمقراطية يستعمل الجملة السلمية وحتى الجملة الثورية في بعض الأحيان. وهو يعمل في الواقع ضد العمال، خاصة في الأوقات الأكثر دقة (المستقلون الإنجليز و«يسار» المجلس العام لاتحاد النقابات أثناء الإضراب العام عام 1926، وأوتو باور وشركائه خلال انتفاضة فيينا...). لذلك يمثل يسار الاشتراكية–الديمقراطية الفرقة الأكثر خطورة في الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية. وإذ تخدم الاشتراكية–الديمقراطية مصالح البرجوازية داخل البروليتاريا وتقف على أرضية التعاون الطبقي والتحالف مع البرجوازية، تجد نفسها مجبرة في بعض الأوقات على الانتقال إلى المعارضة وحتى إلى مسايرة الدفاع عن مصالح البروليتاريا في نضالها الاقتصادي. وهي تقوم بذلك من أجل هدف واحد هو كسب ثقة جزء من البروليتاريا وخيانة مصالحها الثابتة بأكثر الطرق خزيا زمن المعارك الفاصلة.
إن دور الاشتراكية–الديمقراطية الرئيسي الآن هو ضرب وحدة البروليتاريا الضرورية لنضالها ضد الإمبريالية. فإذ تعمل الاشتراكية–الديمقراطية على تفكيك وتقسيم الجبهة الحمراء الوحيدة للنضال البروليتاري ضد رأس المال، فإنها تمثل السند الرئيسي للإمبريالية داخل البروليتاريا. إن الاشتراكية–الديمقراطية العالمية بجناحيها والأممية الثانية ووليدها النقابي: الفيدرالية النقابية العالمية في أمستردام، أصبحت هي الأخرى احتياطيا للمجتمع البرجوازي وأكثر دروعه متانة.
إلى جانب الاشتراكية–الديمقراطية، التي بواسطتها تقمع البرجوازية الحركة البروليتارية أو تخمد بها يقظتها الطبقية، تنتصب الفاشية.
إن مرحلة الإمبريالية واشتداد خطورة الصراع الطبقي ونمو عوامل الحرب الأهلية، بعد الحرب الإمبريالية العالمية بوجه خاص، أدى كل ذلك إلى إفلاس البرلمانية. وإذا بأساليب وأشكال جديدة من الحكم تبرز (نظام «المكاتب الصغيرة» وتكون طغمة تتحرك في الكواليس، وانحطاط «التمثيل الشعبي» وتزويره. وتقييد «الحريات الديمقراطية»، تلك الحريات التي تقلب في بعض الأحيان، وغير ذلك). يأخذ هذا الهجوم الذي تقوم به الرجعية البرجوازية الإمبريالية، شكل الفاشية في بعض الظروف التاريخية. فمن تلك الظروف عدم استقرار العلاقات الرأسمالية، ووجود عناصر اجتماعية غير محددة الملامح الطبقية، وإفقار شرائح واسعة من البرجوازية الصغيرة في الأرياف، وأخيرا وجود عمل جماهيري من جانب البروليتاريا يمثل تهديدا ثابتا. إن البرجوازية، بغية ضمان الاستقرار وصلابة الدولة واستمرارها، تجبر باطراد على الانتقال من النظام البرلماني إلى الأسلوب الفاشي المستقل عن علاقات الأحزاب وتركيبتها. هذا الأسلوب هو الدكتاتورية المباشرة مقنعة فكريا بـ«فكرة القومية» والتمثيل «الجسدي» (الذي هو تمثيل لمختلف المجموعات من الطبقات السائدة)، وهي تستغل غضب الجماهير البرجوازية الصغيرة والمثقفين وأوساطا اجتماعية أخرى بواسطة تضليل اجتماعي خاص (معاداة السامية، هجمات جزئية على رأس مال الربا، وغضب على «الخطابات البرلمانية»)، وبواسطة الرشوة: خلق تراتب قوي ذي رواتب يرافق التكوين الفاشي، وخلق آلة حزب وهيكل من الموظفين. وتجهد الفاشية نفسها لاختراق الأوساط البروليتارية، حيث تنتقي منها العناصر الأكثر تأخرا، مستغلة عدم الرضا الناتج عن سلبية الاشتراكية–الديمقراطية، الخ. لقد وضعت الفاشية على عاتقها مهمة رئيسية هي تحطيم الطليعة البروليتارية الثورية أي العناصر الشيوعية في البروليتاريا وقادتها. تضليل اجتماعي ممزوج بالفساد والإرهاب الأبيض، ومرتبط بسياسة خارجية إمبريالية شديدة الشراسة، تلك هي الخطوط المميزة للفاشية. وإذ تلجأ الفاشية إلى الجمل المعادية للرأسمالية في أكثر أوقات البرجوازية حرجا، فإنها تفقد في الطريق ذلك النعيق المعادي للرأسمالية، لتظهر باطراد كدكتاتورية رأس المال الكبير الإرهابية ما إن تتقوى في السلطة.
تستعمل البرجوازية الأساليب الفاشية طورا والتحالف مع الاشتراكية–الديمقراطية طورا آخر لكي تتأقلم مع تغيرات الظرف السياسي. فهذه الأخيرة غالبا ما تلعب هي نفسها دورا فاشيا في أكثر أوقات الرأسمالية حرجا. فهي تظهِر خلال كامل تطورها توجهات فاشية. لكن ذلك لا يمنعها، في ظروف سياسية أخرى، من أن تنتقد الحكومة البرجوازية من موقع حزب معارض. إن الأساليب الفاشية والتحالف مع الاشتراكية–الديمقراطية هي أساليب غير اعتيادية بالنسبة للرأسمالية «العادية» وتشهد على أزمة النظام العامة. إن البرجوازية تستعملها لتبطئ سير الثورة الصاعد.
تبين تجربة كامل المرحلة التي تلت الحرب أن استقرار الرأسمالية، الذي تحقق بالقمع الرهيب للبروليتاريا والتشديد المنتظم من خطورة ظروف حياتها، لا يمكن أن يكون إلا جزئيا ومؤقتا وهشا. إن التطور المحموم والفجائي للتقنية الذي كان بمثابة ثورة تقنية في بعض البلدان، واحتداد سرعة تركز رأس المال وتمركزه، وقيام احتكارات عملاقة واحتكارات «قومية» و«عالمية» وتداخل المؤسسات الاحتكارية والدولة، لم يمكن الاقتصاد الرأسمالي العالمي من تفادي أزمة النظام الرأسمالي العامة. إن انقسام الاقتصاد العالمي إلى قطاعين رأسمالي واشتراكي، وتقلص مناطق التسويق، والحركة المعادية للإمبريالية في المستعمرات –كل ذلك يشدد، إلى أقصى حد، من خطورة جميع تناقضات الرأسمالية التي تتطور على قاعدتها الجديدة التي تلت الحرب؛ فالتقدم التقني نفسه وترشيد الصناعة اللذان لهما وجه آخر وهو غلق المؤسسات وتصفيتها، وتحديد الإنتاج، والاستغلال الرهيب والوحشي لليد العاملة، إنما ينتهيان إلى بطالة مزمنة ذات مدى لم يسبق له مثيل. وأصبحت الخطورة المطلقة في ظروف حياة البروليتاريا، حتى في البلدان الرأسمالية عالية التطور واقعا بديهيا. ويخلق تنافس الدول الإمبريالية والتهديد الثابت بالحروب وتعاظم احتداد الصراع الطبقي ظروفَ مرحلة جديدة وعالية من تطور الأزمة العامة في الرأسمالية والثورة البروليتارية العالمية.
إثر الجولة الأولى من الحروب الإمبريالية (حرب 1914–1918 العالمية) والانتصار الذي حققته البروليتاريا في تشرين الأول (أكتوبر) 1917 في الإمبراطورية القيصرية القديمة وانقسام الاقتصاد العالمي إلى قسمين متناقضين تناقضا لا يمكن تذليله؛ هما الدول الإمبريالية ودكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. فهنالك اختلاف في البيئة الاجتماعية والطبيعة الطبقية للسلطة. كما يختلف أيضا الموقف الأساسي من الأهداف النهائية المتبعة في السياستين الداخلية والخارجية، مثلما تختلف التوجهات، من حيث المبدأ في السياستين الاقتصادية والثقافية، مما يجعل العالم الرأسمالي في تناقض عنيف مع دولة البروليتاريا المظفرة. إنهما نظامان متناحران يتصادمان في إطار الاقتصاد العالمي الذي كان واحدا: الرأسمالية والاشتراكية. إن الصراع الطبقي الذي لم يكن فيه للبروليتاريا دولة خاصة بها يعاد الآن على نطاق واسع وكوني حقا بعد أن أصبح للبروليتاريا العالمية دولتها ووطنها الوحيد. فوجود الاتحاد السوفييتي وما يحدثه من تأثير في الجماهير الشغيلة المضطهَدة في كل مكان إنما ذلك تعبير صارخ عن الأزمة العميقة في النظام الرأسمالي العالمي واحتداد الصراع الطبقي واشتداد خطورته بشكل لم يسبق له مثيل.
يحاول العالم الرأسمالي الذي عجز عن تجاوز تناقضاته الداخلية، أن يخلق تجمعات عالمية (جمعية الأمم المتحدة) هدفها الرئيسي إيقاف التطور القوي للأزمة الثورية وإطفاء شعلة اتحاد الجمهوريات البروليتارية بالحصار أو الحرب. وتتمركز في ذات الوقت كل قوى البروليتاريا وجماهير المستعمرات المضطهَدة حول اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية: ينتصب عالم العمل المتحد أمام تحالف رأس المال العالمي ذلك التحالف غير الثابت والمنقسم على نفسه، لكنه مسلح حتى أخمص قدميه. وهكذا برز تناقض جديد رئيسي له مدى ومغزى تاريخيين عالميين على إثر الجولة الأولى من الحروب الإمبريالية: التناقض بين اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والعالم الرأسمالي.
لقد اشتدت أيضا خطورة التناحر في القطاع الرأسمالي في الاقتصاد العالمي. وشمل انتقال مركز اقتصاد العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحول «جمهورية الدولار» إلى مستغل عالمي، شمل العلاقات بين الولايات المتحدة والرأسمالية الأوروبية وفي المقام الأول بريطانيا العظمى. وأصبح النزاع بين أقدم الدول الإمبريالية والمحافظة (بريطانيا العظمى) وأعظم دولة في الإمبريالية الفتية التي استطاعت أن تكتسب هيمنة عالمية (الولايات المتحدة الأمريكية)، محور النزاعات العالمية بين دول رأس المال المالي. وألمانيا التي أثقل كاهلها بشدة صلح فرساي، تدخل ساحة السياسة الإمبريالية وتبدأ في الظهور في السوق العالمية كمنافس جدي. وحول المحيط الأطلسي، لاحت بوادر تناحر محوره الرئيسي النزاع الأمريكي–الياباني. وتتطور، موازاة لهذا التناحر الرئيسي، نزاعات مصالح بين التجمعات الصناعية. وأصبحت الدول ذات المرتبة الثانية تلعب دور مرافق بين أيدي العمالقة الإمبرياليين وتحالفاتهم.
إن نمو القدرة الإنتاجية للآلة الصناعية في الرأسمالية العالمية في الوقت الذي تتقلص فيه الأسواق الأوربية الداخلية إثر الحرب، وخروج الاتحاد السوفييتي من مجال المبادلات الرأسمالية الصرفة، والاحتكار الأقصى لأهم مصادر المواد الأولية والمحروقات، كان نتيجة كل ذلك أن تطورت النزاعات بين الدول الرأسمالية. إن الصراع «السلمي» من أجل النفط والمطاط والقطن والزيت والمعادن، ومن أجل تقاسم جديد لمناطق التسويق واستثمار رؤوس المال، يؤدي حتما إلى حرب عالمية جديدة، ستكون أكثر تدميرا طالما أن التقنية الحربية تتقدم بصورة جنونية.
إن التناقض بين البلدان الاحتكارية وفي المستعمرات وأشباه المستعمرات، ينمو موازاة لذلك. كذلك سهل الضعف النسبي في الإمبريالية الأوروبية نتيجة الحرب، وتطور الرأسمالية في المستعمرات، وتأثير الثورة السوفييتية، والنزاعات داخل بريطانيا العظمى لإبعادها من المركز (كندا، أستراليا، إفريقيا الجنوبية)، – سهل نهوض المستعمرات وأشباه المستعمرات. ولقد أحدثت الثورة الصينية الكبرى، التي هزت ملايين الصينيين، شرخا هائلا في نظام الإمبريالية. ويهدد الغليان الثوري في الهند بتحطيم هيمنة بريطانيا العظمى، صرح الإمبريالية العالمية.
وفي أمريكا اللاتينية، تنمو الصراعات المعادية لإمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية لتمثل قوة معارضة لتوسع رأس المال الأمريكي الشمالي. إن الحركة الثورية في المستعمرات تجذب إلى النضال ضد الإمبريالية الأغلبية الساحقة من سكان العالم الخاضع للنفوذ المالي والرأسمالي الذي تمارسه أقلية من «القوى العظمى» الإمبريالية. إنما يبين ذلك بدوره الأزمةَ العامة العميقة في النظام الرأسمالي. لكن في أوروبا أيضا، حيث تقيد الإمبريالية الأمم الصغيرة بالحديد، تظهر المسألة القومية كعامل يشدد من خطورة التناقضات الداخلية للرأسمالية.
أخيرًا، إن الأزمة الثورية أخذت تنضج بشكل لا مرد له، في المراكز الإمبريالية نفسها: هجوم البرجوازية ضد البروليتاريا، ضد مستوى عيشها، ضد منظماتها وحقوقها السياسية، واتساع الإرهاب الأبيض الذي أدى إلى مقاومة متعاظمة في صفوف الجماهير البروليتارية الهائلة، واشتداد خطورة الصراع الطبقي بين البروليتاريا ورأس المال المتحد. فالمعارك الكبيرة بين العمل ورأس المال، وتعاظم تجذر الجماهير وتعاظم تأثير الأحزاب الشيوعية وتعاظم نفوذها، وحركة عطف الجماهير البروليتارية الهائلة على بلد دكتاتورية البروليتاريا، إنما تعني كلها بوضوح، قرب نهوض ثوري جديد في البلدان الاحتكارية الإمبريالية.
إن نظام الإمبريالية العالمية والاستقرار النسبي في الرأسمالية مفخخان في جميع الجهات: تناقضات ونزاعات بين القوى الإمبريالية، وتعدد الشعوب المستعمَرة التي نهضت للنضال، والبروليتاريا في البلدان الاحتكارية، ودكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية (الاتحاد السوفييتي) التي تضمن هيمنة الحركة الثورية العالمية. إن الثورة العالمية تسير.
تجمع الإمبريالية قواها ضد نفسها: فتوحات استعمارية، وحرب عالمية جديدة، وحملة ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، – كل ذلك مهمات الساعة وينتج عنها حتما انطلاق جميع قوى الثورة العالمية وحتمية سقوط الرأسمالية.
إحلال نظام الشيوعية العالمية محل الاقتصاد الرأسمالي العالمي، ذلك هو الهدف الذي تصبو إليه الأممية الشيوعية. إن المجتمع الشيوعي، وقد تهيّأ عبر كل التطور التاريخي، هو مخرج الإنسانية الوحيد. وهو الوحيد الذي سيحطم تناقضات النظام الرأسمالي التي تهدد الإنسانية بالتفسخ وتدفعها إلى الهلاك.
سيقضي المجتمع الشيوعي على انقسام المجتمع إلى طبقات: أي أنه في ذات الوقت الذي يلغي فيه فوضى الإنتاج، يلغي فيه كل مظاهر وكل أشكال استغلال واضطهاد الإنسان للإنسان. فلن تكون هنالك طبقات متصارعة، بل سيكون هنالك أعضاء اتحاد عمل عالمي واحد ووحيد. وستضع الإنسانية مصيرها بين يديها لأول مرة في التاريخ. وعوض أن تهدر نفوس عدد لا يحصى من البشر والثروات الهائلة في صراعات بين الطبقات وبين الشعوب، ستضع الإنسانية كل طاقاتها في صراع ضد قوى الطبيعة لتقوية قوتها الجماعية وتنميتها.
وإذ تلغَى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لتصبح ملكية جماعية، فإن النظام الشيوعي العالمي يقام محل القوانين الأولية للسوق العالمية والمنافسة والسير الأعمى للإنتاج، التنظيم الواعي والطوعي –على أساس تخطيط شامل– لتلبية حاجيات المجتمع سريعة النمو. وتختفي الأزمات المدمرة والحروب وهي أكثر تدميرا مع فوضى الإنتاج والمنافسة. وتعارض الشيوعية التبذير الهائل للقوى المنتجة والتطور المتشنج للمجتمع، بالاستخدام المنظم لجميع الموارد المادية في المجتمع وبالنمو الاقتصادي غير المؤلم المرتكز على طور القوى المنتجة تطورا غير محدود ومنسجما وسريعا.
بالقضاء على الطبقات والملكية الخاصة يلغَى استغلال الإنسان للإنسان، ويكف العمل على أن يكون لصالح العدو الطبقي ومجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة ليصبح حاجة أساسية وحيوية. ويضمحل الفقر والحيف الاقتصادي وبؤس الطبقات المستعبَدة ومستوى الحياة المادية التعيس بوجه عام. ويزول كذلك تراتب الناس على أساس تقسيم العمل، والتناقض بين العمل الفكري والعمل الجسدي وكذلك جميع مخلفات الحيف الاجتماعي والجنسي. وتزول في ذات الوقت أجهزة الهيمنة الطبقية وفي مقدمتها الدولة. إذ تزول الدولة، من جهة أنها تجسيدا للهيمنة الطبقية، بزوال الطبقات وجميع أشكال الإكراه.
يرافق انتفاء الطبقات، القضاء على كل احتكار للتربية وتصبح الثقافة ملكا للجميع وتترك المذاهب الفكرية الطبقية القديمة المكان لمفهوم مادي علمي للعالم، وتصبح منذ ذلك الوقت كل هيمنة للإنسان على الإنسان مستحيلة. وينفتح حقل غير محدود للتباري الاجتماعي والتطور المنسجم لجميع قدرات الإنسانية.
سوف لن يصد نهوض القوى المنتجة أي حاجز اجتماعي. فلن تكون في المجتمع الشيوعي ملكية خاصة لوسائل الإنتاج وروح الربح وعدم مبالاة الجماهير التي يُحافَظ عليها اصطناعيا، وفقرهم – وهي عوامل تعوق التقدم التقني في المجتمع الرأسمالي، والمصاريف غير المنتجة الهائلة. إن كل ذلك سيزول في المجتمع الشيوعي. وسيقوم مقامه استخدام عقلاني قدر الإمكان لقوى الطبيعة وللظروف الطبيعية للإنتاج في مختلف أجزاء العالم والقضاء على التناقض بين المدينة والريف (الذي يعود إلى التأخر المنتظم للفلاحة عن الصناعة والمستوى الأضعف لتقنية الفلاحة)، واتحاد متين بين العلم والتقنية وبين البحث وتطبيقه في أوسع نطاق اجتماعي. وتنظيم عقلاني للنشاط العلمي واستعمال أكثر طرق الإحصاء اكتمالا، وتنظيم الاقتصاد وفق تخطيط شامل، ونمو سريع للحاجيات الاجتماعية من جهة أنها المحرك الأساسي لمجمل النظام. إن كل ذلك يضمن مردودية قصوى للعمل الجماعي ويحرر بدوره الطاقة البشرية من أجل أعلى ارتقاء في العلم والفن.
يمكن تطور القوى المنتجة في المجتمع الشيوعي العالمي من الارتقاء بمستوى عيش الإنسانية قاطبة، وتقليص الوقت المخصص للإنتاج المادي إلى الحد الأدنى متيحا بذلك المجال لازدهار ثقافي لم يشهده التاريخ. إن هذه الثقافة الجديدة للإنسانية المتحدة لأول مرة – بعد القضاء على جميع حدود الدول– ترتكز، خلافا للثقافة الرأسمالية، على علاقات واضحة وواعية بين الناس، وستُدفَن إلى غير رجعة كل ضروب التصوف والدين وكل حكم مسبق وكل تطير، لتعطي دفعا قويا لتطوير المعرفة العلمية تطويرا لن يشهد أي عائق.
إن هذه المرحلة العليا من الشيوعية، التي تتطور فيها الشيوعية على أساس قاعدتها الخاصة، وحيث يترافق التطور المنسجم للبشر بنمو هائل للقوى المنتجة، وحيث يسجل المجتمع على شعاره: من كل حسب قدراته، ولكل حسب حاجياته، إن هذه المرحلة تستوجب كشرط تاريخي مسبق، مرحلة دنيا في تطور المجتمع الشيوعي هي الاشتراكية، في هذه المرحلة بالكاد يخرج المجتمع الشيوعي من المجتمع الرأسمالي مغطى من جميع نواحيه، في الاقتصاد والأخلاق والفكر، بأوحال المجتمع القديم الذي ولد فيه. وليست القوى المنتجة في الاشتراكية متطورة كفاية بعدُ لتضمن توزيع منتجات العمل حسب الحاجيات، بل توزع حسب العمل.
ويستمر أيضا تقسيم العمل أي إعطاء بعض الوظائف الخاصة لمجموعات محددة. ولا يلغَي جذريا التعارض بين العمل الفكري والعمل الجسدي. فرغم القضاء على الطبقات، تبقى مخلفات التقسيم القديم للمجتمع، وبالتالي تبقى بقايا السلطة والردع والقانون، وتبقى كذلك بقايا متأخرة من الحيف ولا ينتفي كليا التناقض بين المدينة والريف. لكن ما من قوة اجتماعية تدافع عن مخلفات المجتمع القديم هذه. بل هي مرتبطة بدرجة معينة من تطور القوى المنتجة. وستزول تدريجيا بقدر ما تسيطر الإنسانية المتحررة من قيود النظام الرأسمالي على قوى الطبيعة، وتعيد تربية نفسها بروح الشيوعية لتمر من الاشتراكية إلى الشيوعية التامة.
تمتد من المجتمع الرأسمالي إلى المجتمع الشيوعي مرحلة تحولات ثورية تقابلها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن أن تكون الدولة فيها إلا دكتاتورية ثورية بروليتارية. ويتضمن الانتقال من الدكتاتورية العالمية الإمبريالية إلى الدكتاتورية العالمية البروليتارية مرحلة طويلة من الصراعات والانتكاسات والانتصارات. إنها مرحلة أزمة دائمة في النظام الرأسمالي، ونمو الثورات الاشتراكية، أي مرحلة حروب أهلية تخوضها البروليتاريا ضد البرجوازية، مرحلة حروب قومية ونهوض المستعمرات التي رغم أنها ليست حركات اشتراكية بروليتارية إلا أنها تصبح، موضوعيا، كذلك، لأنها تهز الهيمنة الإمبريالية وهي جزء مكون للثورة البروليتارية العالمية. إنها مرحلة تتضمن تعايشَ أنظمة اجتماعية واقتصادية رأسمالية واشتراكية بعلاقاتها «السلمية» وصراعاتها المسلحة صلب الاقتصاد العالمي، مرحلة تكون اتحاد الدول السوفييتية الاشتراكية، مرحلة الحروب الإمبريالية، مرحلة الصلة الأكثر متانة دوما بين الدول السوفييتية والشعوب المستعمَرة.
التطور الاقتصادي والسياسي غير المتكافئ قانونٌ مطلقٌ في الرأسمالية. ويحتد هذا القانون وتشتد خطورته في مرحلة الإمبريالية؛ فيجب، بالتالي، ألا نعتبر الثورة البروليتارية العالمية عملا واحدا على النطاق العالمي، إذنْ، فانتصار البروليتاريا ممكن، في البداية، في بعض الدول الرأسمالية إن لم يكن ذلك في بلد واحد على انفراد، لكن أي انتصار للبروليتاريا يوسع قاعدة الثورة العالمية، ويشدد، بالتالي، من خطورة الأزمة العامة في الرأسمالية. فيسير كامل النظام الرأسمالي، على هذا النحو، إلى إفلاسه النهائي، وتترك دكتاتورية رأس المال المالي المحتضرة المكان لدكتاتورية البروليتاريا.
يكمن قوام الثورات البرجوازية في تحرير نظام علاقات إنتاج كان مهيمنا في الاقتصاد تحريرا سياسيا، وانتقال السلطة من طبقة إلى أخرى من المستغِلين. أما الثورة البروليتارية فيكمن قوامها، خلافا لذلك، في أن تتدخل البروليتاريا بعنف في نظام ملكية المجتمع البرجوازي، وتجرد الطبقات المستغِلة من ملكياتها وتنقل السلطة إلى طبقة مهمتها الأساسية إعادة بناء كامل قاعدة المجتمع الاقتصادية وتحطيم كل أنواع استغلال الإنسان للإنسان. فإذا كانت الثورات البرجوازية قد تطلبت قرونا لقلب هيمنة النبلاء الإقطاعيين السياسية في كل العالم، محطمة تلك الهيمنة بثورات متتالية، فإن الثورة البروليتارية العالمية، رغم أنها ليست عملا واحدا وتمتد على مرحلة كاملة، يمكنها بفضل أكثر الصلات متانة بين البلدان، أن تحقق تلك المهمة بأكبر سرعة. إذ فقط بعد انتصار البروليتاريا انتصارا تاما في العالم وتقوية سلطتها العالمية، تبدأ مرحلة طويلة من بناء الاقتصاد الاشتراكي العالمي بوتيرة حادة.
إن استيلاء البروليتاريا على السلطة هو الشرط الأولي لنمو قوى الاقتصاد الاشتراكية ورقي البروليتاريا الثقافي التي تتحول بشكل واعي إلى قائد المجتمع في جميع ميادين الحياة مدمجة الطبقات الأخرى في مسار إعادة البناء وتخلق بنفسها مجالا ملائما لاضمحلال الطبقات.
في النضال في سبيل دكتاتورية البروليتاريا والتحول اللاحق في النظام الاجتماعي، ينتظم اتحاد العمال والفلاحين، وهو أساس دكتاتورية البروليتاريا، ويتحقق تحت سيادة البروليتاريا فكرا وسياسة، ضد حلف المالكين العقاريين والرأسماليين.
تتميز مرحلة الانتقال في مجملها بمواجهة مقاومة المستغِلين مواجهة صلبة وبتنظيم البناء الاشتراكي، وإعادة تربية الناس جماهيريا بروح الاشتراكية وبالتحطيم التدريجي للطبقات. فلا يبدأ المجتمع المرور من المرحلة الانتقالية إلى المجتمع الشيوعي إلا إذا أنجز هذه المهمات التاريخية.
وهكذا، فدكتاتورية البروليتاريا العالمية هي الشرط اللازم والضروري لانتقال الاقتصاد الرأسمالي العالمي إلى اقتصاد اشتراكي. ولا يمكن أن تتأسس هذه الدكتاتورية إلا بانتصار الاشتراكية في بلدان مختلفة أو في مجموعة من البلدان. فتتحد الجمهوريات البروليتارية الجديدة بروابط اتحادية مع سابقاتها. وتتسع شبكة تلك الاتحاديات لتكون في النهاية اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية العالمي، وتنجز توحيد الإنسانية تحت السيادة العالمية للبروليتاريا المنظمة في دولة.
ليس امتلاك البروليتاريا على السلطة «امتلاكا» سلميا لآلة الدولة البرجوازية الجاهزة عبر رغبة أغلبية برلمانية. فالبرجوازية تستعمل كل وسائل القسر والإرهاب لتدافع وتقوي ملكيتها التي اكتسبتها بالنهب، والدفاع عن هيمنتها السياسية. فهي مثل النبلاء الإقطاعيين فيما مضى، لا تستطيع أن تتخلى عن مكانها التاريخي لطبقة جديدة، دون أن تواجهها بمقاومة شرسة وميؤوس منها. ولا يمكن تحطيم عنف البرجوازية إلا بعنف البروليتاريا الصلب. إن استيلاء البروليتاريا على السلطة هو القلب العنيف لسلطة البرجوازية وتحطيم جهاز الدولة الرأسمالية (جيش برجوازي، شرطة، تراتب بيروقراطي، محاكم، برلمان...) وتعويضها بالمنظمات الجديدة للسلطة البروليتارية التي هي قبل كل شيء أدوات ردع لتحطيم مقاومة المستغِلين.
بينت تجربة ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 الروسية والثورة المجرية، اللتان وسعتا إلى ما لا نهاية له، تجربة كومونة باريس (1781)، أن شكل السلطة البروليتارية الأحسن استجابة للهدف هو النوع الجديد من الدولة، الذي يختلف، أساسا، عن الدولة البرجوازية، لا بمحتواه الطبقي فحسب، بل أيضا ببنيته الداخلية: إنه الدولة السوفييتية؛ لقد نشأ هذا النوع من الدولة من خلال حركة الجماهير الواسعة مباشرة، وهو يمكنها من أقصى نشاط ويوفر بالتالي أكبر ضمانات للانتصار النهائي.
تحقق الدولة من النوع السوفييتي أعلى أشكال الديمقراطية: إنها الديمقراطية البروليتارية. لذلك تتعارض بشكل واضح مع الديمقراطية البرجوازية ذلك الشكل المستتر لدكتاتورية البرجوازية. الدولة السوفييتية هي دكتاتورية البروليتاريا، يمتلك العمال فيها احتكار السلطة، وتعلن الدولة السوفييتية عاليا روحها الطبقية على عكس الديمقراطية البرجوازية، وتوكل لنفسها مهمة سحق مقاومة المستغِلين لصالح الأغلبية الساحقة من السكان علنا. وتجرد أعداءها الطبقيين من الحقوق السياسية. ويمكن أن تقدم للبروليتاريا امتيازات ظرفية لتقويتها في دورها كقائد للفلاحين البرجوازيين الصغار الذين هم في غاية التشتت. وتجرد الدولةُ السوفييتية أعداءها الطبقيين من السلاح وتكسر مقاومتهم. وتعتبر إلغاء حقوقهم السياسية والحد من حرياتهم إجراءا وقتيا لمقاومة محاولات المستغِلين الدفاعَ عن امتيازاتهم أو استرجاعها. وتخط على رايتها أن البروليتاريا لا تمسك بالسلطة لترسيخها أو لاستخدامها لمصالحها الضيقة والمهنية، بل لتجمع باطراد الجماهير المتأخرة المتشتتة من البروليتاريا ومن شبه العمال في الأرياف ولتوحيد الشغيلة الفلاحية مع العمال الأكثر تقدما، لتلغي انقسام المجتمع إلى طبقات تدريجيا وبانتظام.
االسوفييتات هي شكل عالمي لتوحيد الجماهير وتنظيمها تحت قيادة البروليتاريا. فهي تدفع في الواقع أوسع جماهير العمال والفلاحين وكل الشغيلة في النضال وبناء الاشتراكية وتسيير الدولة. وترتكز المجالس البروليتارية في كامل عملها على ما للبروليتاريا من منظمات جماهيرية، وتحقق ديمقراطية واسعة بين الشغيلة، وهي أكثر أشكال السلطة قربا من الجماهير؛ حق تنظيم انتخابات جديدة وعزل المنتخَبين، وحدة التشريع والتنفيذ في السلطة، انتخابٌ أساسه المؤسسة (المصنع، الورشة...) عوض الدوائر الترابية – كلها عوامل تمكن البروليتاريا والجماهير الواسعة من الشغالين الخاضعين لتأثيريها، من مشاركة منتظمة وثابتة ونشيطة في جميع المسائل العمومية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية.
تضع المجالس البروليتارية، على هذا النحو، خط تمايز عميق بين الجمهورية البرلمانية البرجوازية والدكتاتورية السوفييتية البروليتارية.
ترتكز الديمقراطية البرجوازية على حيف طبقي صارخ في المجال المادي والاقتصادي بمساواتها المواطنين شكلا أمام القانون. وتدافع الديمقراطية البرجوازية عن انفراد طبقة الرأسماليين وكبار المالكين العقاريين بتملك أهم وسائل الإنتاج، وتقوي ذلك التملك وتعتبره واقعا لا يمكن خرقه أبدا. وهي تحول بذلك حقوق الطبقات المستغَلة، وفي مقدمتها البروليتاريا، وحرياتها الديمقراطية، وفي مقدمتها المساواة الشكلية المحضة أمام القانون إلى طلسم تشريعي وهو يتحول نتيجة لذلك إلى أداة تحايل على الجماهير واستعبادها. فتلك الديمقراطية المزعومة تعبر عن هيمنة البرجوازية في السياسة، لذلك فهي ديمقراطية رأسمالية. أما الدولة السوفييتية التي تجرد الطبقة المستغِلة من وسائل الإنتاج وتجعلها محتكرة بين أيدي البروليتاريا، الطبقة القائدة، فإنها تضمن قبل كل شيء وخاصة الظروف المادية لتحقيق حقوق البروليتاريا والشغيلة عموما، وامتلاكهم للعمارات والبناءات العمومية والمطابع ووسائل النقل...
في مجال الحقوق السياسية البروليتارية. تجردُ الدولة السوفييتية أعداء الشعب والمستغِلين من الحقوق السياسية، فتحطم لأول مرة وبصورة تامة الحيف بين المواطنين الذي يقوم في نظام الاستغلال على أساس التفرقة في الجنس والدين والقومية. وتشيد في هذا المجال مساواة لا تقوم في أي بلد برجوازي. تُشيد دكتاتورية البروليتاريا القاعدة المادية الصلبة التي تتحقق عليها تلك المساواة. تلك هي الإجراءات لتحرير المرأة وتصنيع المستعمرات القديمة...
وهكذا، فإن الديمقراطية السوفييتية هي ديمقراطية بروليتارية، ديمقراطية الجماهير الكادحة، ديمقراطية موجهة ضد المستغِلين.
تجردُ الدولةُ السوفييتية البرجوازيةَ من السلاح على نحو تام، وتجمع كل الأسلحة في أيدي البروليتاريا: إنها دولة البروليتاريا المسلحة. ويقوم تنظيم القوى المسلحة في الدولة السوفييتية على المبدأ الطبقي الذي يقوم عليه كامل نظام دكتاتورية البروليتاريا. فهو يمكن العمال الصناعيين من دور قيادي؛ إن هذا التنظيم المصقول بالانضباط الثوري يقيم صلات متينة وثابتة بالجماهير الكادحة ويمكن، في ذات الوقت، جنودَ الجيش الأحمر والأسطول البحري الأحمر من إدارة البلاد وبناء الاشتراكية.
تستعمل البروليتاريا المظفرة السلطةَ المكتسبة كأداة للثورة الاقتصادية؛ أي تحويل نظام الملكية الرأسمالية نظاما اشتراكيا تحويلا ثوريا. إن نقطة انطلاق هذه الثورة الاقتصادية العميقة هي تجريد كبار المالكين العقاريين والرأسماليين من الملكية، أي تحويل الملكية الاحتكارية البرجوازية ملكيةً للدولة البروليتارية.
توكل الأممية الشيوعية، في هذا المجال، إلى دكتاتورية البروليتاريا المهمات الأساسية التالية:
الصناعة، النقل، البريد.
أ. حجز وتأميم بروليتاريين لجميع المؤسسات الصناعية الكبرى (مصانع، مناجم، مراكز توليد الكهرباء...) التابعة لرأس المال الخاص، وانتقال جميع مؤسسات الدولة والبلديات إلى السوفييتات؛
ب. حجز وتأميم بروليتاريين للنقل الحديدي والبري والمائي التابع لرأس المال الخاص، وكذلك النقل الجوي (أسطولا السفر والتجارة)، وانتقال جميع وسائل النقل التابعة للدولة والبلديات إلى السوفييتات.
ت. حجز وتأميم بروليتاريين لخدمات الاتصال التابعة لرأس المال الخاص (التلغراف، الهاتف، الإذاعة...)، وانتقال كل خدمات الاتصال التابعة للدولة والبلديات إلى السوفييتات؛
ث. تنظيم تسيير العمال للصناعة، وخلق منظمات تسيير حكومية بمشاركة مباشرة من النقابات. نفس الدور يوضع على عاتق لجان المصانع والورشات وغيرها؛
ج. ملائمة النشاط الصناعي لحاجيات الجماهير الواسعة من الشغيلة، وإعادة تنظيم فروع الصناعة المخصصة لاستهلاك الطبقات القائدة (صناعات البذخ والترف...). وتقوية فروع الصناعة التي تسهل رقي الفلاحة لتمتين الصلة بالاقتصاد الفلاحي، وتمكين المزارع التابعة للدولة من التقدم والتسريع من تطور الاقتصاد الوطني بوجه عام.
الفلاحة.
أ. حجز وتأميم بروليتاريين للملكية العقارية الكبيرة في المدن والأرياف (ملكية خاصة، ملكية الكنيسة والمؤسسات الدينية...)، ونقل الملكية العقارية التابعة للدولة والبلديات إلى السوفييتات، بما في ذلك الغابات والأرض والمياه... وتأميم كل الأرض فيما بعد؛
ب. حجز كل الممتلكات التي تمثل أدوات في الملكيات العقارية الكبيرة (مباني، مختلف الأدوات، العلف، ومؤسسات تحويل الإنتاج الفلاحي ومراكز الطحن والجبن والحليب والتجفيف، وغيرها)؛
ت. نقل الزراعات الكبرى وخصوصا تلك التي لها أهمية اقتصادية كبرى أو يمكن اعتمادها كمؤسسات نموذجية، إلى أجهزة دكتاتورية البروليتاريا وتنظيم المزارع السوفييتية؛
ث. إعطاء جزء من الملكيات العقارية القديمة وأراضي أخرى محجوزة – خاصة تلك التي كان الفلاحون يكترونها ومستغَلين اقتصاديا فيها – للفلاحين (الفلاحون الفقراء وجزء من الفلاحين المتوسطين) ليستغلوها بحرية. إن الجزء المقدم للفلاحين تحدده الحاجيات الاقتصادية وضرورة تحييد الفلاحين وجذبهم نحو البروليتاريا. فهو يختلف باختلاف الظروف؛
ج. منع بيع الأرض وشرائها للحفاظ على بقاء الأرض عند الفلاحين ومنع انتقالها إلى الرأسماليين والسماسرة وغيرهم. وردع كل خرق لهذا القانون بصرامة؛
ح. النضال ضد الربا. إلغاء عقود الاستعباد. إلغاء ديون الفلاحين المستغَلين. إعفاء الفلاحين الأكثر فقرا من الضريبة، وغير ذلك.
خ. إجراءات عامة وواسعة من جانب الدولة لتنمية القوى المنتجة الفلاحية. وتطوير شبكة الكهرباء في الأرياف وصناعة الجرارات والأسمدة الكيميائية والمشاتل المنتقاة. وتنمية العلف الجيد في مجالات الفلاحة السوفييتية وتنظيم وتقديم قروض فلاحية بشكل واسع لتحسين الأرض...؛
د. دعم عام ومالي للتعاون الفلاحي ولجميع أشكال الإنتاج الجماعي في الأرياف (جمعيات، كومونات...) والدعاية المنتظمة للتعاون الفلاحي (تعاونيات البيع والتجميع والسلفة...) على أساس مبادرة جماهير الفلاحين ونشاطها. والدعاية إلى الانتقال إلى الإنتاج الزراعي الكبير، الذي بحكم تفوقه التقني والاقتصادي، الذي لا جدل فيه، وبحكم فضائله الاقتصادية المباشرة، يمثل أسهل السبل لانتقال جماهير الشغيلة الفلاحية الواسعة إلى الاشتراكية.
التجارة والقروض.
أ. تأميم بروليتاري للبنوك الخاصة (ونقل كل احتياطي الذهب والقيم والودائع إلى الدولة البروليتارية) ونقل البنوك الوطنية والبلدية إلى الدولة البروليتارية؛
ب. مركزة جميع العمليات البنكية، وتبعية البنوك المؤممة لبنك الدولة المركزي؛
ت. تأميم تجارة الجملة والمؤسسات التجارية التفصيلية الكبرى (مخازن، مغازات...) ونقلها إلى أجهزة الدولة السوفييتية؛
ث. تشجيع تعاونية الاستهلاك، بكل الوسائل فهي جزء مكون عالي الأهمية في جهاز التوزيع. وتوحيد نظام عمل التعاونية وتشريك الجماهير في بنائها بنشاط؛
ج. احتكار التجارة الخارجية؛
ح. إلغاء كل ما على الدولة من ديون تجاه الرأسماليين الأجانب والمحليين.
حماية العمل، ظروف حياة العمال.
أ. تقليص يوم العمل إلى سبع ساعات، وتقليصه إلى ست ساعات في المصانع المضرة بالصحة. زيادة تقليص يوم العمل فيما بعد، والانتقال إلى الأسبوع من خمسة أيام عمل في البلدان ذات الإنتاج المتطور، ويوم عمل يوافق ازدياد مردود العمل؛
ب. قاعدة عامة: يمنع عمل النساء في الليل وفي الصناعات المضرة بالصحة. ويمنع عمل الأطفال. وتمنع الساعات الإضافية؛
ت. تقليص يوم عمل الشباب (يوم عمل أقصاه ست ساعات بالنسبة للمراهقين من سن ثمانية عشر سنة). وإعادة تنظيم عمل الشباب على أساس اشتراكي، فيدمج الإنتاج المادي بالتربية العامة والسياسية؛
ث. تأمين اجتماعي من كل نوع (قصور، شيخوخة، حادث، بطالة...) على حساب الدولة (على حساب العرف إذا ما كانت لا تزال مؤسسات خاصة). ويسير التأمينات المؤمنون أنفسهم (ذاتيا).
ج. إجراءات واسعة للسلامة الاجتماعية، والعناية الطبية المجانية، ونضال ضد الأمراض الاجتماعية (الإدمان على الكحول، الأمراض الجنسية، ومرض السل)؛
ح. المساواة بين الجنسين أمام القانون وفي العلاقات العامة. وتغيير جذري للتشريع الخاص بالزواج والعائلة. اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية. حماية الأمومة والطفل. وضع إجراءات أولية قصد العناية بالشباب وتربيته من جانب المجتمع (دور الرضع، دور الأطفال...). خلق مؤسسات تمكن من تقليص العمل المنزلي تدريجيا (مطاعم، غسالات عمومية...). ونضال منتظم في ميدان الثقافة العامة ضد المذاهب والعادات التي تستعبد المرأة.
السكن.
أ. حجز الملكية العقارية الكبيرة؛
ب. وضع العقارات المحجوزة تحت سلطة السوفييتات المحلية التي تضمن تسييرها؛
ت. إسكان العمال الأحياء البرجوازية؛
ث. وضع القصور والبناءات الهامة الخاصة والعمومية على ذمة المنظمات البروليتارية؛
ج. القيام ببرنامج واسع لبناء المساكن.
المسألتين القومية والاستعمارية.
أ. الاعتراف دون تفرقة عرقية بحق جميع القوميات في تقرير مصيرها بما في ذلك حقها في تكوين دول مستقلة؛
ب. توحيد ومركزة القوى العسكرية والاقتصادية في جميع الدول المتحررة من الرأسمالية في سبيل النضال ضد الإمبريالية وبناء الاقتصاد الاشتراكي بشكل حر؛
ت. نضال حيوي ضد كل تحفظ أو حد من حقوق شعب من الشعوب أو أمة من الأمم أو عرق من العروق مهما كان بكل الوسائل. مساواة الأمم والعروق مساواة تامة؛
ث. ضمان تطور الثقافة القومية في الأمم المتحررة من الرأسمالية والدفاع عنها بكل قوى ووسائل الدولة السوفييتية. وإتباع سياسة بروليتارية صارمة لتطوير تلك الثقافات؛
ج. عناية كبيرة بالتطور الاقتصادي والسياسي والثقافي في «المناطق» و«المستعمرات» التي كانت مضطهَدة، لإقامة أسس صلبة لمساواة فعلية وتامة بين الأمم؛
ح. النضال ضد جميع بقايا التعصب القومي والحقد القومي والميز العرقي وكل المنتجات الأخرى الوحشية الإقطاعية والرأسمالية.
وسائل التأثير الفكري.
أ. تأميم المطابع؛
ب. احتكار الجرائد ودور النشر؛
ت. تأميم المؤسسات الكبرى للسينما والمسرح وغيرها؛
ث. استعمال وسائل «الإنتاج الفكري» المؤممة لتربية الشغيلة تربية عميقة سياسية وعامة، وبناء ثقافة جديدة اشتراكية على أساس طبقي بروليتاري.
يجب أخذ القواعد التالية بعين الاعتبار أثناء تحقيق مختلف تلك المهمات الملقاة على عاتق دكتاتورية البروليتاريا:
1. إن الإطاحة التامة بالملكية الخاصة للأرض وتأميمها لا يمكن أن يكونا فوريان في البلدان الرأسمالية الأكثر تطورا حيث مبدأ الملكية الخاصة متجذر بعمق في جماهير الفلاحين. فلا يمكن أن يتحقق تأميم الأرض في هذه البلدان إلا تدريجيا، وعبر إجراءات انتقالية.
2. لا يجب أن يمتد تأميم الإنتاج، بوجه عام، إلى المؤسسات الوسطى والصغرى (مؤسسات الفلاحين والحرفيين والتجار الصغار والمتوسطين).
أولا. لأن على البروليتاريا أن تقوم بتمييز قويم بين ملكية المنتج البسيط للبضائع التي تنتجها، أساسا، عمله بالذات، وبالتالي من الممكن والضروري إدماجه تدريجيا في طريق البناء الاشتراكي، وبين ملكية الرأسمالي الذي يستغل غيره والذي تصفيته شرط ضروري لكل بناء اشتراكي.
ثانيا. لأن البروليتاريا وقد وصلت إلى السلطة، ليس لها القوى التنظيمية الكافية خاصة خلال المراحل الأولى من الدكتاتورية، لتحطم الرأسمالية ولتنظم في ذات الوقت ربط وحدات الإنتاج المنفردة – الصغيرة والمتوسطة – على قاعدة اشتراكية. إن هذه الاستثمارات الفردية (وفي مقدمتها الاستثمارات الفلاحية)، لا تنخرط إلا تدريجيا في طريق التنظيم الاشتراكي العام للإنتاج والتوزيع، وبفضل السند المنتظم والقوي الذي تقدمه الدولة البروليتارية لجميع قوى تعاونياتهم؛ فكل سعي لتحويل نظامهم الاقتصادي بالإكراه لا ينتهي إلا بنتائج سلبية. وكذا مآل كل تعاونية إجبارية.
3. إن وجود عدد كبير من الوحدات الإنتاجية الصغيرة (وفي مقدمتها الاستثمارات الفلاحية، الضيعات، الورشات، صناديق صغار التجار، وغيرها)، لا فقط في المستعمرات وأشباه المستعمرات والمتأخرة اقتصاديا حيث تشكل الجماهير البرجوازية الصغيرة أغلبية السكان الساحقة، بل أيضا في مراكز الاقتصاد الرأسمالي العالمي (الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، وفي إنجلترا إلى حد معين) – يجعل من الضروري بقدر معين، وفي أولى درجات التطور، الحفاظ على السوق من جهة كونه صلة اقتصادية، الحفاظ على النظام النقدي، الخ. إن تنوع الأشكال الاقتصادية (من الصناعة الاشتراكية الكبيرة إلى الإنتاج الصغير الحرفي والفلاحي) الذي لا يمكن أن ينتفي فيه الصراع، وتنوع الطبقات وما يقابلها من تجمعات طبقية التي لها دوافع اقتصادية مختلفة في نشاطها وتناضل من أجل مصالحها الاقتصادية، وأخيرا، توجد في جميع ميادين الحياة الاقتصادية أعراف وعادات موروثة عن المجتمع البرجوازي لا يمكن أن تضمحل دفعة واحدة. كل ذلك يفترض أن تمزج الإدارة الاقتصادية البروليتارية بنسب صحيحة على أساس السوق، بين الصناعة الاشتراكية الكبيرة واستثمارات منتجي البضائع العاديين. بعبارات أخرى: إن تحقق مزجا من شأنه أن يضمن، في ذات الوقت، الدور القيادي للصناعة الاشتراكية وأقصى نهوض عند الكتلة الرئيسية من الاستثمارات الفلاحية. فكلما عظمت أهمية عمل الفلاحين الصغار المشتتين في مجمل الاقتصاد الوطني إلا وعظمت أهمية دور السوق، وضعفت أهمية التسيير المباشر وفق تخطيط وخضع تخطيط الاقتصاد الإجمالي لتوقعات العلاقات الاقتصادية العفوية. والعكس، كلما كان ثقل الاقتصاد الصغير في الاقتصاد الوطني ضعيفا إلا وكان جزء العمل الاشتراكي عظيما، وعظمت كتلة القوى المنتجة الممركزة والمشتركة، وتقلص مدى السوق، وعظمت أهمية تخطيط إجمالي تجاه عفوية قوانين التبادل، وعظمت أهمية طرق التسيير المباشر للإنتاج والتوزيع وفق تخطيط مرسوم ومطبقا عالميا.
إن الفضائل التقنية والاقتصادية للصناعة الاشتراكية الكبيرة ومركزة الدولة البروليتارية لجميع ركائز الاقتصاد (صناعة، نقل، بنوك، استثمارات فلاحية كبيرة...) وتسيير الاقتصاد وفق مخطط، وقوة الدولة في مجملها (مخطط، ضرائب، تشريع إداري وتشريع عام)، كل ذلك يؤدي، شرط أن تتبع دكتاتورية البروليتاريا سياسة صحيحة – أي أن تأخذ ميزان القوى بعين الاعتبار بشكل صحيح – إلى إزالة مخلفات رأس المال الخاص والعناصر الرأسمالية الجديدة، التي تُولد في المدن كما في الأرياف (فلاحون أغنياء وكولاك)، من تطور الإنتاج البسيط للبضائع في إطار الظروف التي تخلقها حرية كبيرة نسبيا للتجارة والسوق، إزالة ثابتة ومنتظمة. إن الكتلة الرئيسية من الاستثمارات الفلاحية (أي الصغيرة والمتوسطة) تندمج بانتظام بواسطة التعاونية وتوسيع أشكال التعاون الفلاحي في النظام العام للاشتراكية المتطورة.
إن أشكال النشاط الاقتصادي وطرائقه، ذات المظهر الرأسمالي، هي مرتبطة بعلاقات السوق الاقتصادية (استخلاص القيمة، النقد بدل العمل، شراء وبيع، قروض بنكية، وغيرها)، تلعب دور مساعد للاشتراكية طالما أنها تخدم، أكثر فأكثر، ما يقابلها من مؤسسات اشتراكية، أي القطاع الاشتراكي في الاقتصاد.
وهكذا، تحمل علاقات السوق الاقتصادية – طالما هنالك دكتاتورية البروليتاريا وسياسية صحيحة من جانب الدولة السوفييتية – خلال تطورها بذور تحطمها. تساهم تلك العلاقات في إلغاء رأس المال الخاص، وتحول الاقتصاد الفلاحي وتمركز وسائل الإنتاج وتركزها بين يدي الدولة البروليتارية، فتسهل إلغاء علاقات السوق الاقتصادية.
يجب على الإدارة الاقتصادية أن تنطلق قبل كل شيء من مصالح الدفاع عن دكتاتورية البروليتاريا عند احتمال تدخل عسكري من جانب الرأسماليين وحرب مضادة للثورة طويلة الأمد ضد دكتاتورية البروليتاريا. ويمكن أن تفرض الضرورة سياسة شيوعية قوامها اقتصاد الحرب («شيوعية الحرب») التي ليست سوى ترشيد الاستهلاك من أجل الدفاع مرفقة بضغط حاد على العناصر الرأسمالية (حجز، سحب شبه تام لحرية التجارة ولعلاقات السوق وقلب عميق لانطلاق الفردية في الإنتاج الصغير وكل ما يرتبط بالتخفيض من القوى المنتجة في البلاد). تضرب هذه السياسة («شيوعية الحرب») القاعدة المادية لدى أعداء البروليتاريا داخل البلاد وتضمن التوزيع العقلاني للمخزون الموجود، وتساهم في الدفاع المسلح عن دكتاتورية البروليتاريا. وإنها لتجد في ذلك تبريرا تاريخيا لها. لكن لا يكن اعتبارها نظاما «عاديا» في سياسة دكتاتورية البروليتاريا الاقتصادية.
تواصل دكتاتورية البروليتاريا الصراع الطبقي في ظروف جديدة. إنه صراع عنيد، دموي وغير دموي، عنيف وسلمي، عسكري واقتصادي، تربوي وإداري، ضد قوى المجتمع القديم وتقاليده، ضد رأسماليي الخارج وضد حطام الطبقات المستغِلة داخل البلاد، وضد بروز برجوازية جديدة تولد من الإنتاج البضاعي ولم يقضى عليها بعدُ.
يتواصل الصراع الطبقي العنيد بأشكال جديدة بعد تصفية الحرب الأهلية، أولها شكل صراع بين مخلفات النظام الاقتصادي القديم وبروزه من جديد، من جهة أولى، والأشكال الاشتراكية في الاقتصاد، من جهة ثانية، وتتغير أشكال هذا الصراع نفسها بتغير مراحل التطور الاشتراكي ويمكنها أن تكتسي بعض الحدة في بداية ذلك التطور.
تتحدد سياسة البروليتاريا تجاه الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى بالمبادئ التالية في بداية دكتاتورية البروليتاريا:
1. البرجوازية الكبيرة وكبار المالكين العقاريين والأعوان القدامى المسخرين نفوسهم لطبقاتهم والجنرالات والبيروقراطية العليا، هم أعداء البروليتاريا السافرين. ويقوم ضدهم أكثر النضال شراسة. ولا يمكن، كقاعدة عامة، استعمال القدرات التنظيمية عند جزء منهم، إلا بعد أن تتقوى دكتاتورية البروليتاريا وتقمع نهائيا كل مؤامرات المستغِلين وهجماتهم.
2. المثقفون الفنيون. لقد تربوا على التقاليد البرجوازية. والفئات العليا منهم مرتبطة بمتانة بمراكز قيادة رأس المال؛ فعلى البروليتاريا أن تأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن تستعمل تلك القوة الاجتماعية المختصة في عمل البناء الاشتراكي وأن تشجع بكل الوسائل المحايدين منهم وخصوصا المتعاطفين مع الثورة البروليتارية، في الوقت الذي تقمع فيه بشدة كل حركة مضادة للثورة من جانب المثقفين الذين يناصبونها العداء. فإذ تطور البروليتاريا آفاق البناء الاقتصادي والتقني والثقافي للاشتراكية إلى أقصى مداها، فإنها تعمل على كسب المثقفين الفنيين بانتظام وتجعلهم تحت تأثيرها الفكري وتضمن عونهم في عملية التحول الاجتماعي.
3. تتمثل مهمة الحزب الشيوعي تجاه الفلاحين، في أن يكسب لقضيته كل السكان المستغَلين والكادحين في الأرياف، معتمدا في ذلك على عمال الفلاحة. وتقوم البروليتاريا المظفرة بتمييز بين مختلف شرائح الفلاحين. وتأخذ بعين الاعتبار ما لكل منها من أهمية؛ ويجب عليها أن تدافع بكل الوسائل عن الفلاحين الفقراء وشبه العمال وأن تعطيهم جزءا من أراضي المالكين العقاريين، وأن تضع الفلاحين المتوسطين موضع حياد. وأن تقمع كل مقاومة تبديها البرجوازية الفلاحية المتحالفة من المالكين العقاريين. ويجب على البروليتاريا، أن تمر بعد أن تقوي دكتاتوريتها وتطور البناء الاشتراكي، من سياسة تحييد الفلاحين المتوسطين إلى سياسة تحالف دائم معهم، دون أن تقبل أي تقاسم للسلطة معهم؛ فدكتاتورية البروليتاريا إنما تعبر عن أمر مفاده أن ما من أحد في مقدوره قيادة مجمل الشغيلة سوى العمال الصناعيين، وأنها احتكار بروليتاري للسلطة، وهي أيضا شكل خاص من تحالف البروليتاريا، طليعة الشغيلة، مع عديد الشرائح غير البروليتارية من الشغيلة ضد رأس المال للإطاحة به نهائيا، ولقمع مقاومة ومحاولات إعادة تركيز البرجوازية قمعا تاما، ولإرساء الاشتراكية وتقويتها.
4. تتأرجح البرجوازية الصغيرة الحضرية، بين أكثر الرجعية سوادا والتعاطف مع البروليتاريا، دون توقف. يجب وضعها موضعا محايدا أيضا، وأن تكسبها البروليتاريا قدر الإمكان. ولتحقيق هذا الهدف، يُحافظ على ملكيتها الصغيرة وبعض الحرية في المعاملات الاقتصادية، وتحرر من نير قرض الربا وتقدم لها البروليتاريا مساعدات متنوعة في النضال ضد جميع أشكال الاضطهاد الرأسمالي.
يتغير هدف المنظمات الجماهيرية وعلاقاتها، وفي مقدمتها المنظمات البروليتارية، جذريا، خلال تحقيق تلك المهام الملقاة على عاتق دكتاتورية البروليتاريا. فالنقابات، وهي منظمات بروليتارية جماهيرية تنتظم فيها وتتربى لأول مرة أوسع شرائح البروليتاريا، هي في النظام الرأسمالي الأداة الرئيسية للنضال بالإضراب، ثم بالعمل الجماهيري ضد رأس المال المتمركز ودولته. وتتحول النقابات في ظل دكتاتورية البروليتاريا إلى سند أساسي للدكتاتورية ومدرسة للشيوعية، التي تجذب الجماهير الواسعة من البروليتاريا في عملية التسيير الاشتراكي للصناعة، وإلى منظمات مرتبطة مباشرة بجميع أجهزة الدولة وتتدخل في جميع فروع نشاطها ساهرة في ذات الوقت على مصالح البروليتاريا الثابتة والمباشرة، ومحارِبةً التشويه البيروقراطي في أجهزة الدولة السوفييتية. وتقدم النقابات الكوادر القيادية للبناء جاذبة في هذا العمل الشرائح الواسعة من البروليتاريا، وتناضل ضد التشويه البيروقراطي الذي يولد من تأثير الطبقات القريبة من البروليتاريا ومن النقص في ثقافة الجماهير. فتمثل النقابات، على هذا النحو، هيكل المنظمات الاقتصادية والاجتماعية عند البروليتاريا.
التعاونيات البروليتارية في ظل النظام الرأسمالي، محكوم عليها بدور متواضع نسبيا، رغم الأوهام الإصلاحية؛ فدوما تتحول إلى ملحق للنظام. لكن يمكنها أن تصبح عناصر أساسية مكونة لجهاز التوزيع في ظل دكتاتورية البروليتاريا.
وأخيرا، التعاون الفلاحي (تعاونيات البيع والشراء والقرض والإنتاج)، يمكنه ويجب –إذا كان جيد القيادة، ويناضل بانتظام ضد العناصر الرأسمالية ويمكن من إشراك أوسع جماهير الفلاحين الشغالين المدعمين البروليتاريا، أن يصبح أحد الأشكال الرئيسية التي تربط المدينة بالريف. إن الشركات التعاونية التي أقامها الفلاحون والتي – طالما أنها ثابتة – تتحول في معظم الأحيان في ظروف الرأسمالية، إلى مؤسسات رأسمالية (توضع بشكلٍ تكون فيه تابعة للصناعة الرأسمالية والبنوك الرأسمالية والوسط الاقتصادي الرأسمالي بوجه عام) تنحى في نظام دكتاتورية البروليتاريا منحى آخر مختلفا تماما. فهي تتبع الصناعة البروليتارية والبنوك البروليتارية... فإذا ما اتبعت البروليتاريا سياسة صحيحة وحوربت العناصر الرأسمالية بانتظام داخل التعاونيات وخارجها وقامت الصناعة الاشتراكية بدورها القيادي، فإن التعاون الفلاحي يصبح أحد الركائز الرئيسية للتحول الاشتراكي في الأرياف واشتراكية الفلاحة. يمكن أن تكون تعاونيات الاستهلاك، وخصوصا التعاونيات الفلاحية التي تقودها البرجوازيات وأعوانها الاشتراكيون–الديمقراطيون، في أول الأمر، في بعض البلدان، أطرا للعمل المضاد للثورة وعرقلة البناء الاقتصادي للثورة البروليتارية.
تضمن البروليتاريا وحدة الإرادة والعمل في كامل عمل النضال والبناء في منظماتها المتنوعة جدا. وتدعوها لأن تكون ركائز الدولة السوفييتية وربط ذلك النضال بالجماهير الواسعة من شرائح البروليتاريا عبر الدور القيادي للحزب الشيوعي في نظام دكتاتورية البروليتاريا.
يعتمد حزب البروليتاريا مباشرة على النقابات والمنظمات الأخرى التي تجمع البروليتاريا، ويعتمد، من خلال تلك المنظمات، على الفلاحين (السوفييتات، التعاونيات، الشبيبة الشيوعية...). فيقود، على هذا النحو، كامل النظام. فلا يمكن للبروليتاريا أن تؤدي دورها كمنظم للمجتمع الجديد إلا بفضل السند المخلص والمطلق الذي تتلقاه سلطة السوفييتات من المنظمات الجماهيرية التي تحركها إرادة طبقية تامة الإجماع يقودها الحزب.
يتطلب هذا الدور القيادي في المجتمع الجديد، في مجال الثقافة العامة، نضجا ثقافيا لدى البروليتاريا نفسها، وإعادة صهر طبيعتها الخاصة بجهدها الخاص وأن تكوّن دون انقطاع كوادر جديدة مكافحة من صفوفها الخاصة تكون مؤهلة لاكتساب جميع منابع العلم والتقنية والإدارة لتضعهم في خدمة عملية البناء الاشتراكي والثقافة الاشتراكية الجديدة.
فإذا كانت الثورة البرجوازية، التي قامت ضد الإقطاع، تطلبت وجود طبقة جديدة راقية بنضجها الثقافي عن الطبقة المهيمنة، صلب المجتمع القديم نفسه، وتمارس هيمنتها في الحياة الاقتصادية بعد، فإن الثورة البروليتارية، تتطور في ظروف أخرى؛ فالبروليتاريا في النظام الرأسمالي، مستغَلةٌ في الاقتصاد، ومضطهَدةٌ في السياسة ومقيدةٌ في الثقافة، ولا تتحول هي نفسها إلا في مرحلة الانتقال، بعد أن تستولي على السلطة وتحطم احتكار البرجوازية للصناعة وتستخدم العلم وتثري نفسها بدروس عمل البناء الأكثر اتساعا. إن تكون وعي شيوعي جماهيري وتحقيق الاشتراكية يتطلبان تغير جماهير الناس، وهو تغير غير ممكن إلا بالممارسة؛ بالثورة. فالثورة إذن ضرورية لا فقط لأن الطبقة المهيمِنة لا يمكن إسقاطها إلا بتلك الوسيلة، بل أيضا لأن الطبقة التي تطيح بها لا تستطيع أن تخرج من أوحال المجتمع القديم وتصبح قادرة على خلق المجتمع الجديد إلا بالثورة.
يجب على البروليتاريا التي أطاحت بالاحتكار الرأسمالي لوسائل الإنتاج، أن تطيح أيضا بالاحتكار البرجوازي للمؤسسات العمومية: أي أن تسيطر على كل المدارس بما في ذلك المدارس العليا وأن تكون في صفوف البروليتاريا اختصاصيين في الإنتاج (مهندسين، فنيين، منظمين...) واختصاصيين عسكريين وعلماء وفنيين... كل ذلك إنما هو، من جهة قضية البروليتاريا، مهمة ذات أهمية خاصة تضاف إلى مهمة التطوير العام لثقافة الجماهير البروليتارية، تكوينها سياسيا وتنمية معارفها واختصاصاتها التقنية، وأن تنشئ فيها تقاليد العمل الاجتماعي والإداري والنضال ضد بقايا الأحكام المسبقة البرجوازية والبرجوازية الصغرى.
عندما تكون البروليتاريا قواها الطليعية الخاصة لتضعها في «مراكز قيادة» الثقافة والبناء الاشتراكي، وعندما تتعاظم تلك القوى على الدوام، مدمجة عناصر جديدة من البروليتاريا في مسار تحول الثقافة الثوري وملغية انقسام البروليتاريا نفسها إلى عناصر «متقدمة» وأخرى «متأخرة»، عندئذ يمكن ضمان نجاح بناء الاشتراكية المظفر ضد الفساد البيروقراطي وتفسخ البروليتاريا.
لكن البروليتاريا، تحول أيضا، خلال الثورة، الطبقاتَ الأخرى وعديدَ العناصر من البرجوازية الصغرى في المدن والأرياف وفي مقدمتها وعلى الأخص الشغيلة الفلاحية. وإذ تشرك البروليتاريا الجماهيرَ العظيمة في الثورة الثقافية وتدمجها في البناء الاشتراكي وتوحدها وتربيها بروح الشيوعية بكل ما أوتيت من وسائل وإذ تناضل بحيوية ضد جميع المذاهب المعادية للبروليتاريا والنفعية وإذ تناضل بعناد وانتظام ضد ظلامية الريف، فإنها تحضر إلغاء انقسام المجتمع إلى طبقات (على قاعدة تطوير الأشكال الجماعية في الإقتصاد).
من بين أهداف الثورة الثقافية التي تهم أوسع الجماهير، يأخذ النضال ضد الدين، أفيون الشعوب، منزلة خاصة. ويجب أن يتابع هذا النضال دون كلل وبانتظام. ويجب أن تلغيَ سلطةُ البروليتاريا كل دعم للكنيسة، التي هي عون الطبقات المهيمنة، من جانب الدولة. وأن تنهي كل تدخل للكنيسة في التربية والتعليم الحكوميين، وأن تقمع دون رحمة، النشاط المعادي للثورة الذي تمارسه المنظمات الدينية. وإذ تقبل السلطة البروليتارية الحريةَ الدينية، وتطيح بامتيازات الدين الذي كان مهيمنا، فإنها في ذات الوقت تقوم بنشاط دعائي ضد الدين بل ما لديها من وسائل، وتعيد بناء التعليم وكامل التربية على قاعدة المفهوم العلمي المادي للعالم.
تنتج الثورة البروليتارية عن مسارات مختلفة وغير متزامنة، فهنالك ثورات بروليتارية بالمعنى الأصلي للكلمة، وثورات من النوع الديمقراطي–البرجوازي التي تتحول إلى ثورات بروليتارية، وحروب التحرر القومي والثورات الوطنية. ولا تنتهي المسارات الثورية إلى الدكتاتورية العالمية البروليتارية إلا في آخر الأمر.
إن التطور الرأسمالي غير المتكافئ، الذي يحتد في مرحلة الإمبريالية، يسبب تنوع أشكال الرأسمالية ونموا غير متكافئ في مختلف البلدان وتنوع ظروف المسارات الثورية وخصوصياتها، وتؤدي هذه المعطيات إلى تنوع طرق وطابع استيلاء البروليتاريا على السلطة أمرا لا مفر منه تاريخيا. وتجعل من الضروري في بعض البلدان قيام بعض المراحل الانتقالية نحو دكتاتورية البروليتاريا وتنوع أشكال الاشتراكية في طريق البناء. يمكن اختزال الظروف والطرق المؤدية إلى دكتاتورية البروليتاريا في مختلف البلدان إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1. بلدان رأسماليتها عالية التطور (الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، إنجلترا، الخ)، تمتلك قوى إنتاجية قوية، وإنتاجا شديد التمركز، وليس للاقتصاد الصغير فيها سوى أهمية ضعيفة نسبيا، وتمتلك، منذ زمن بعيد، أنظمة سياسية ديمقراطية برجوازية. إن قوام المطلب السياسي الرئيسي في البرنامج، في هذه البلدان، هو الانتقال المباشر إلى دكتاتورية البروليتاريا.
النقاط الجوهرية في مجال الاقتصاد هي: انتزاع الإنتاج الكبير وتنظيم عدد كبير من المؤسسات الفلاحية السوفييتية تابعة للدولة. ومقابل ذلك يوزع جزء ضعيف نسبيا من الأرض على الفلاحين، واستمرار نسبي على علاقات السوق الاقتصادية العفوية، وتسريع نمو الاشتراكية بوجه عام والتعاون في الاقتصاد الفلاحي بوجه خاص.
2. بلدان ذات تطور رأسمال متوسط (إسبانيا، البرتغال، بولونيا، المجر، البلقان، الخ)، التي تحافظ على مخلفات هامة نسبيا من النظام شبه الإقطاعي في الزراعة، وتملك في ذات الوقت حداً أدنى من الظروف المادية اللازمة لبناء الاشتراكية، لكنها لم تنه بعد تحولها الديمقراطي البرجوازي. من الممكن، في بعض هذه البلدان، أن يكون تحول الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة اشتراكية سريعا نسبيا. ويمكن في البعض الآخر، أن تقوم أنواع مختلفة من الثورة البروليتارية، لكن عليها انجاز مهمات ذات طابع برجوازي ديمقراطي عميقة. فمن الممكن هنا، ألا تقوم دكتاتورية البروليتاريا دفعة واحدة، بل تتركز خلال تحول دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية إلى دكتاتورية العمال الاشتراكية. وحالما تأخذ الثورة طابعا بروليتاريا، فإنها تستوجب أن تقود البروليتاريا حركةً فلاحية–زراعية واسعة. إذ تلعب الثورة الزراعية فيها، بوجه عام، دورا كبيرا جدا، وفاصلا في بعض الأحيان. وأثناء انتزاع الملكية العقارية الكبيرة يوضع تحت تصرف الفلاحين جزء كبير من الأراضي المحجوزة. وتحافظ علاقات السوق الاقتصادية على أهمية كبيرة غداة انتصار البروليتاريا. وإحدى أكثر مهمات البناء الاشتراكي أهمية هي السير بالفلاحين نحو التعاون، ثم تجميعهم في جمعيات إنتاج. إن سمة هذا البناء هي أنه بطيء نسبيا.
3. بلدان مستعمَرة وشبه مستعمَرة (الصين، الهند، الخ) وتابعة (الأرجنتين، البرازيل، الخ) تملك جنين الصناعة وفي بعض الأحيان صناعة متطورة، لكنها غير كافية في أغلب الأحيان لبناءٍ الاشتراكية بناء مستقلا. وهي بلدان تهيمن فيها العلاقات الاجتماعية من القرون الوسطى والإقطاع أو «نمط الإنتاج الآسيوي» في الحياة الاقتصادية والبنية الفوقية على حد سواء. وأخيرا، إن أهم المؤسسات الصناعية والتجارية والبنكية وأهم وسائل النقل وأكبر الضيعات والمزارع هي بين أيدي المجموعات الإمبريالية الأجنبية. إن للنضال ضد الإقطاع وأشكال الاستغلال السابقة عن الرأسمالية والنضال في سبيل الثورة الزراعية بنفس متواصل، من جهة أولى، والنضال في سبيل الاستقلال الوطني من جهة ثانية، لهما، هنا، أهمية أولية. إن الانتقال إلى دكتاتورية البروليتاريا في هذه البلدان، غير ممكن، كقاعدة عامة، إلا عبر جملة من المراحل التحضيرية؛ عبر مرحلة كاملة من تحول الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية. ونجاح البناء الاشتراكي فيها مشروط، في أغلب الحالات، بما تقدمه لها دول دكتاتورية البروليتاريا من مساعدة مباشرة.
في البلدان التي لا تزال متأخرة جدا (مثلا، في جزء من إفريقيا)، حيث لا يوجد عمال أجراء أو تقريبا لا يوجدون، وحيث تعيش أغلبية السكان في قبائل وحيث لا تزال توجد أشكال بدائية من التنظيم الاجتماعي وحيث البرجوازية الوطنية منعدمة تقريبا، وحيث تقوم الإمبريالية بدور المحتل العسكري المستحوذ على الأراضي. هنا يكون النضال في سبيل التحرر الوطني في الصدارة. إن النهوض الوطني وانتصاره، يمكن أن يفتح هنا طريقا للارتقاء نحو الاشتراكية دون المرور بمرحلة الرأسمالية إذا قدمت لها دول دكتاتورية البروليتاريا مساعدة فعلية وقوية.
هكذا، ففي المرحلة التي يوضع فيها استيلاء البروليتاريا على السلطة على جدول الأعمال في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وحيث دكتاتورية البروليتاريا قائمة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية التي تمثل عاملا ذا أهمية عالمية، –في هذه المرحلة يمكن للبلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة التي استفاقت بفعل تغلغل الرأسمالية العالمية، أن تبلغ تطورها الاشتراكي بفضل مساعدة وسند دكتاتورية البروليتاريا والحركة البروليتارية العالمية عموما، رغم عدم نضج العلاقات الاجتماعية بوجه كاف في تلك البلدان مأخوذة على انفراد.
إن خصوصية ظروف النضال الثوري في المستعمرات وأشباه المستعمرات ومرحلة النضال الطويلة التي لا مفر منها في سبيل دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية وفي سبيل تحولها إلى دكتاتورية بروليتارية، وأخيرا، الأهمية الحاسمة للعوامل الوطنية – كل ذلك يفرض على الأحزاب الشيوعية في تلك البلدان مهمات خصوصية مختلفة يجب أن يهيئ تحقيقها الطريق أمام دكتاتورية البروليتاريا.
ترى الأممية الشيوعية أن أهم تلك المهمات هي:
1. قلب هيمنة الإمبريالية الأجنبية والإقطاعيين والبيروقراطية الزراعية؛
2. إرساء دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية على أساس سوفييتات؛
3. الاستقلال الوطني التام وتكوين الدولة الوطنية؛
4. إلغاء ديون الدولة؛
5. تأميم مؤسسات الإمبرياليين الكبرى (صناعة، نقل، بنوك...)؛
6. حجز المزارع التابعة للمالكين العقاريين الكبار والكنائس والمؤسسات الدينية. تأميم الأرض؛
7. يوم عمل من ثمان ساعات؛
8. تنظيم جيش ثوري بروليتاري وفلاحي.
خلال اتساع الصراع واحتداده (عرقلةٌ من جانب البرجوازية، حجز المؤسسات التابعة للعناصر البرجوازية المعرقلة، مما يؤدي حتما إلى تأميم الصناعة الكبرى) في المستعمرات وأشباه المستعمرات، وحيث تقوم البروليتاريا بدور قيادي ومهيمنا، تتحول الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة بروليتارية، وفي البلدان التي لا توجد فيها بروليتاريا، يجب أن يعني قلب سلطة الإمبرياليين تنظيم سلطة السوفييتات الشعبية (من الفلاحين) وتأميم المؤسسات والأراضي التابعة للأجانب لصالح الدولة.
من جهة نضال البروليتاريا ضد الإمبريالية من أجل الاستيلاء على السلطة، تلعب الثورات الوطنية وحركات التحرر الوطني دورا عظيما. إن أهمية المستعمرات وأشباه المستعمرات في مرحلة الانتقال تنجم أيضا من واقع أنها، بمعنى معين، ريفا عالميا إلى جانب الدول الصناعية التي تلعب دور مدينة عالمية. وإن تنظيم الاقتصاد الاشتراكي والتعاون العقلاني بين الصناعة والفلاحة يتحدد بدرجة كبيرة، بالموقف تجاه المستعمرات. إنه إذن، أحد الأهداف الرئيسية للبروليتاريا الصناعية العالمية التي تمارس هيمنة على النضال ضد الإمبريالية وتقوده.
إن سير الثورة العالمية الذي يدفع عمال البلدان الاحتكارية إلى النضال في سبيل دكتاتورية البروليتاريا، يُنهض أيضا مئات الملايين من العمال والفلاحين في المستعمرات ضد الإمبريالية الأجنبية. ونظرا لوجود أوطان الاشتراكية المنتظمة في جمهوريات سوفييتية وتعاظم قوتها الاقتصادية فإن المستعمرات، وهي أجزاء تابعة للإمبريالية، تقترب في مجال الاقتصاد من مراكز صناعة الاشتراكية العالمية لتتحد بها، لتدخل شيئا فشيئا البناء الاشتراكي متجنبة، على هذا النحو، مرحلة التطور الرأسمالي كنظام مهيمن فتكتسب إمكان تقدم اقتصادي وثقافي سريع. فعندما تتجمع، سياسيا، سوفييتات عمال وفلاحي أكثر المستعمرات القديمة تطورا حول مراكز دكتاتورية البروليتاريا تندمج في نظام فيدرالية الجمهوريات السوفييتية المتعاظم ولتندمج بذلك في نظام دكتاتورية البروليتاريا العالمي.
تبلغ الاشتراكية، على هذا النحو، مدى عالميا في نهضتها من جهة أنها نمط إنتاج جديد.
إن التعبير الجوهري عن الأزمة العميقة في النظام الرأسمالي هو انقسام الاقتصاد العالمي إلى بلدان رأسمالية وأخرى اشتراكية في طريق البناء. وتشهد التقوية الداخلية لدكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ونجاحات البناء الاشتراكي والتأثير والنفوذ المتناميان لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بين الجماهير البروليتارية والشعوب المضطهَدة في المستعمرات – تشهد على تواصل الثورة الاشتراكية العالمية وتقويتها وتطورها.
فلا يمتلك عمال الجمهوريات السوفييتية الأوليات المادية الضرورية والكفاحية في بلادهم للإطاحة بكبار المالكين العقاريين والبرجوازية فحسب، بل أيضا لبناء الاشتراكية بناء كاملا. وصدوا عدوان القوى المسلحة الرجعية في الداخل والخارج ببطولة بمساعدة البروليتاريا العالمية. وقووا تحالفهم مع جماهير الفلاحين العظيمة، وحققوا نجاحات مهمة في البناء الاشتراكي.
يمكن ارتباط الاقتصاد الريفي الصغير بالصناعة الاشتراكية البروليتارية، في ذات الوقت من نمو القوى المنتجة الفلاحية، وتوفير دور قيادي للصناعة الاشتراكية وصهر هذه الأخيرة بالفلاحة، والاستعاضة عن الإنتاج الرأسمالي المخصص للاستهلاك غير المنتج للطبقات الطفيلية، بإنتاج ليس غرضه الربح، بل تلبية الحاجيات مطردة النمو عند الجماهير، التي تمثل في آخر الأمر، دافعا قويا للإنتاج. وأخيرا، التمركز الأقصى لدعائم التوجيه الاقتصادي بين أيدي الدولة البروليتارية، والأهمية المتنامية لقيادةٍ وفق تخطيط إجمالي وما ينجم عنه من اقتصاد وتوزيع أكثر عقلانية لوسائل الإنتاج. كل ذلك يمثل عوامل توفر للبروليتاريا إمكانية السير السريع إلى الأمام في طريق البناء الاشتراكي.
الارتقاء بالقوى المنتجة في كامل اقتصاد البلاد. إتباع سياسة تصنيع صلبة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، تصنيع سريع يمليه كامل الوضع العالمي والداخلي. وإذ تقوم البروليتاريا بكل ذلك فإنها، رغم تكرر محاولات القوى الرأسمالية لمقاطعة مالية واقتصادية، توسع القطاع الاشتراكي في الاقتصاد الوطني وذلك في مجال وسائل الإنتاج كما في مجالات الإنتاج العام وتصريف البضائع. إن الصناعة والنقل والنظام البنكي في الدولة الاشتراكية، تجذب وراءها، باطراد مستمر، الاقتصاد الريفي الصغير الذي تؤثر فيه بدعائم تجارة الدولة، والتعاون الذي ينمو بسرعة في إطار تأميم الأرض ورقي التصنيع.
ترتقي القوى المنتجة الفلاحية، بوجه خاص، في ظروف تحُد من تمايز الفلاحين (تأميم الأرض، وبالتالي منع بيع الأرض وشرائها، ضرائب تصاعدية بقوة، قروض لفائدة التعاونيات الفلاحين الفقراء والمتوسطين وجمعياتهم الإنتاجية، تشريع ينظم استخدام اليد العاملة الأجيرة، إلغاء بعض حقوق أغنياء الفلاحين – الكولاك – السياسية والاجتماعية...). لكن لما لم تتطور القوى المنتجة في الصناعة الاشتراكية بما يكفي لتوفر للفلاحة تقنية جديدة، وتجمع بسرعة، منذ الآن، الاستثمارات الفلاحية في ضيعات فلاحية جماعية، فإن عدد الكولاك ينمو نسبيا، وهم يقيمون صلة اقتصادية بعناصر «البرجوازية الجديدة» أولا، ثم صلة سياسية.
للبروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية السيادة على المواقع الإستراتيجية والمهيمنة في الحياة الاقتصادية. وهي تزيح بانتظام مخلفات رأس المال الخاص في المدن، تلك المخلفات التي قلصت بشكل محسوس خلال المرحلة الأخيرة من «السياسة الاقتصادية الجديدة»، وتضع حدًا، بجميع الوسائل، لنشاط مستغلي سكان الريف، أولئك المستغلون الذين يولدون من تطور علاقات تبادل البضاعة والنقد. وتدافع عن مجالات الاستثمار التابعة للدولة وتشجع على خلقها. وتدمج الجماهير الرئيسية من الفلاحين، منتجو بضائع عاديون، إلى النظام العام للتنظيم الاقتصادي السوفييتي وبالتالي إلى البناء الاشتراكي من خلال التعاونيات ذات التقدم السريع، في نظام دكتاتورية البروليتاريا وتحت التوحيد الاقتصادي الذي تقوم به الصناعة الاشتراكية فيتمثلوا رقي الاشتراكية. وهي تنتقل من طور الترميم إلى طور الإنتاج الموسع لكامل القاعدة التقنية في إنتاج البلاد. وتضع على عاتقها مهمة قد شرعت في تحقيقها بناء أساسي وشاسع (إنتاج وسائل الإنتاج بوجه عام، والصناعة الثقيلة وشبكة الكهرباء بوجه خاص). وتنظيم مطرد الاتساع في تعاونيات إنتاج تقوم على قاعدة تعاونية وتتطلب سندا قويا من جانب الدولة البروليتارية. وذلك موازاة لتطور تعاونية البيع والشراء والقرض.
إن الاشتراكية، وهي العنصر الاقتصادي الحاسم في تطور اقتصاد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، تقوم، على ذلك النحو، بتقدم كبير، وتتجاوز، بجهد منتظم، الصعوبات الناجمة عن طابع البلاد البرجوازي الصغير، والمرتبطة باشتداد خطورة الصراعات الطبقية مؤقتا.
سوف لن تخلو ضرورة تجديد معدات الصناعة وخلق مؤسسات شاسعة جديدة، من خلق صعوبات جدية في تطور الاشتراكية، وهي صعوبات تفسر في آخر الأمر، بالحالة المتأخرة في تقنية البلاد واقتصاده، وبدمار سنوات الحرب الإمبريالية والحرب الأهلية. ورغم ذلك لم تكف ظروف البروليتاريا والجماهير الكادحة عن التحسن. فموازاة للعقلانية الاشتراكية والتنظيم العلمي في الصناعة، طُبّق يوم العمل من سبع ساعات على نطاق واسع، إن ذلك مما يخلق آفاقا جديدة لتحسين ظروف عمل البروليتاريا وعيشها.
إن البروليتاريا متحدة تحت قيادة حزب متمرس في النضال الثوري، ومعتمدة على الفلاحين الفقراء في الريف ومتحالفة أوثق تحالف مع جماهير الفلاحين المتوسطين ومحاربة الكولاك دون انقطاع. وإذ تقوم بذلك فإنها تجتذب جمهورا يتعاظم باطراد من عشرات الملايين من الشغيلة في عملية بناء الاشتراكية على قاعدة النمو الاقتصادي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وما للقطاع الاشتراكي من أهمية متعاظمة في اقتصاده.
إن الوسائل الرئيسية لبلوغ هذا الهدف هي: تطوير منظمات جماهيرية واسعة (الحزب كقوة قائدة، النقابات كأساس لنظام دكتاتورية البروليتاريا، الشباب الشيوعي، التعاونيات بشتى أنواعها، منظمات العاملات والفلاحات، مختلف الجمعيات، منظمات العمال والفلاحين للمراسلات الصحفية، منظمات الرياضة والعلم والتربية والثقافة)، وتشجيع على المبادرة الجماهيرية، وتعيين العمال في مراكز مسؤولة في كل أجهزة الاقتصاد والإدارة. والمشاركة المستمرة والمتنامية للجماهير في البناء الاشتراكي. والتجديد الدائم لجهاز الدولة والهياكل الاقتصادية والنقابات والحزب بمناضلين بروليتاريين جدد، وتوفير التعليم العالي للعمال وخاصة للشباب البروليتاري لتكوين كوادر جدد من الفنيين الاشتراكيين في جميع فروع البناء – تلك هي الضمانات الرئيسية ضد البيروقراطية وضد انحلال الكوادر البروليتارية القيادية اجتماعيا.
بعد اندحار الإمبريالية الروسية وتحررت المستعمرات والقوميات التي كانت تضطهدها الإمبريالية القيصرية، فإن دكتاتورية البروليتاريا تضمن قاعدة صلبة لتطور ثقافي وسياسي للقوميات بتصنيع أراضيها بجهد قوي. وإذ يعتني دستور الاتحاد بحق الأقاليم والجمهوريات ذات الحكم الذاتي والجمهوريات الفيدرالية ويرسي بشكل تام حق الأمم في تقرير مصيرها بنفسها، فإن دكتاتورية البروليتاريا لا تضمن المساواة الشكلية بين مختلف قوميات الاتحاد فحسب، بل تضمن أيضا المساواة الفعلية بينها.
إن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية هو بلد دكتاتورية البروليتاريا وبناء الاشتراكية، بلد المكاسب العظيمة للبروليتاريا، بلد اتحاد العمال والفلاحين، وبلد ثقافة جديدة تسير تحت راية الماركسية. لذا فقد أصبح، بالضرورة، قاعدة للحركة العالمية للطبقات المضطهَدة، وموطنا للثورة العالمية، وأعظم عامل في تاريخ العالم.
فلأول مرة يجد عمال كل البلدان في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وطنا حقيقيا، وتجد فيه الحركات الوطنية مركز جذب قوي. وهكذا فإن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية من أكثر العوامل أهمية في الأزمة العامة في الرأسمالية، لا فقط لأنه وضع أسس نظام اقتصادي جديد اشتراكي بعد أن انفصل عن النظام الرأسمالي العالمي، بل أيضا لأنه يلعب دورا ثوريا ذا أهمية استثنائية وعظيمة: إنه محرك أممي للثورة البروليتارية يحرض عمال كل البلدان على الاستيلاء على السلطة، وهو مثال حي يبين أن البروليتاريا التي استطاعت أن تحطم الرأسمالية، إنما هي قادرة أيضا على بناء الاشتراكية. وهو أنموذج للعلاقات الأخوية بين جميع القوميات في اتحاد عالمي من الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، واتحاد عمال كل البلدان في نظام اقتصادي عالمي واحد اشتراكي ستبنيه البروليتاريا بعد الاستيلاء على السلطة.
إن وجود نظامين من الاقتصاد في آن واحد: النظام الاشتراكي في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والنظام الرأسمالي في البلدان الأخرى، يفرض على الدولة البروليتارية واجب رد هجمات العالم الرأسمالي (المقاطعة، الحصار...) وقيادة المجال الاقتصادي واستغلال العلاقات الاقتصادية مع الدول الرأسمالية (بفضل احتكار التجارة الخارجية الذي يمثل شرطا من الشروط الجوهرية للبناء الاشتراكي القويم، والقُروض والسلفة والمناقصات...). يتعلق الأمر في المقام الأول، بربط صلات مع الخارج أينما كان ذلك تخدم مصلحة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية لتقوية صناعته وإرساء أسس الصناعة الثقيلة وشبكة الكهرباء، وأخيرا تركيز صناعة تركيب ميكانيكي اشتراكية. إذ فقط عندما يحقق اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية استقلاله الاقتصادي، رغم الحصار الرأسمالي، يمكنه أن يحس بجد أنه محمي من تحطيم وارد لعملية البناء الاشتراكي ومن خضوع للنظام الرأسمالي العالمي.
إن الدول الرأسمالية، مهما كانت مصالحها في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، مترددة، مدفوعة إلى الاتجاه العكسي بفعل مصالحها التجارية والخوف من تطور اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية الذي هو تطور الثورة العالمية في ذات الوقت.
إن التوجه نحو محاصرة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والحرب المعادية للثورة قصد تركيز نظام إرهاب أبيض عالمي، هو التوجه الجوهري والأساسي في سياسة القوى الرأسمالية.
إن المحاولات المنتظمة لحصار سياسي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، تعاظم خطر عدوان لا تمنع الحزب الشيوعي في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية – فرع الأممية الشيوعية وقائد دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية من انجاز واجباته الأممية والدفاع عن كل المضطهَدين: الحركة البروليتارية في البلدان الرأسمالية وحركة الشعوب المستعمَرة ضد الإمبريالية والنضال ضد كل أشكال الاضطهاد القومي.
على البروليتاريا، التي اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وطنها الوحيد وصرح مكتسباتها والعامل الجوهري لتحررها العالمي، واجب المساهمة في نجاحات البناء الاشتراكي في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والدفاع عنه بكل الوسائل ضد هجمات القوى الرأسمالية.
يطرح الوضع السياسي العالمي الآن دكتاتورية البروليتاريا على جدول الأعمال. فكل الأحداث السياسية العالمية تتركز، بصورة لا مرد لها حول هذه النقطة المركزية: صراع البرجوازية العالمية ضد جمهورية السوفييتات في روسيا، التي عليها حتما أن تجمع حولها حركات العمال المتقدمين السوفييتية في جميع البلدان وجميع حركات التحرر القومي والوطني والقوميات المضطهَدة (لينين).
واجبُ البروليتاريا العالمية هو أن تصد اعتداء الدولة الإمبريالية وحربها على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بأكثر الأعمال الجماهيرية مثابرة وحزما وبنضال لقلب الحكومات الإمبريالية تحت شعار دكتاتورية البروليتاريا والتحالف مع اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
سيكون من الضروري في المستعمرات، وخصوصا في مستعمرات الدول الإمبريالية التي تهاجم اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، أن تستغل انتقال قوات الإمبريالية المسلحة، لتطوير النضال المعادي للإمبريالية إلى أقصى درجة للإطاحة بنير الإمبريالية بالعمل الثوري واكتساب الاستقلال التام.
يثير تطور الاشتراكية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وتأثيره العالمي حقد القوى الرأسمالية ووكيلها: الاشتراكية–الديمقراطية. لكنه يثير تعاطفا حيويا من جانب الجماهير العظيمة من الشغيلة في العالم أجمع. ويخلق في الطبقات المضطهَدة في كل البلدان إرادة صلبة للصراع بجميع الوسائل لصالح بلد دكتاتورية البروليتاريا في حال اعتداء إمبريالي.
وهكذا فإن تطور تناقضات الاقتصاد العالمي، وتطور الأزمة العامة في الرأسمالية والاعتداء الإمبريالي على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، تنتهي بشكل لا مرد له إلى انفجار ثوري عظيم سيحطم الرأسمالية في البلدان «المتمدنة» ويفجر الثورة المظفرة في المستعمرات ويوسع بصورة كبيرة قاعدة دكتاتورية البروليتاريا، وتتكون منذ ذلك الوقت خطوة عظيمة نحو انتصار الاشتراكية في العالم نهائيا.
تصطدم الشيوعية الثورية، خلال نضالها ضد الرأسمالية في سبيل دكتاتورية البروليتاريا، باتجاهات عديدة داخل البروليتاريا. تعبر تلك الاتجاهات، بدرجات متفاوتة، عن خضوع البروليتاريا فكريا للبرجوازية أو ضغطا على البروليتاريا من جانب البرجوازيتين الصغرى والوسطى، اللتان تعارضان من حين لآخر، نظام رأس المال المالي القاسي، لكنهما غير قادرتين على إتباع استراتيجيا وتكتيك متينين قائمين على فكر علمي، وغير قادرتين على خوض نضال منتظم وصارم التنظيم خاص بالبروليتاريا.
إن القوة الهائلة الاجتماعية في الدولة الإمبريالية وفي جميع مؤسساتها الثانوية –مدرسة، صحافة، مسرح، كنيسة – تظهر في البروليتاريا، في المقام الأول، من خلال وجود نزعة إيمانية وإصلاحية، وهي عائق رئيسي للثورة الاشتراكية البروليتارية.
إن النزعة الإيمانية المغلفة بالدين صلب البروليتاريا تجد تعبيرا عنها في النقابات الإيمانية التي غالبا ما تكون مرتبطة بما يقابلها من منظمات سياسية برجوازية أو مرتبطة بإحدى المنظمات الدينية التابعة للطبقات المهيمنة (النقابات الكاثوليكية، الشبيبة المسيحية، منظمات صهيونية، الخ...). إن جميع هذه النزعات التي تظهر بوضوح سيطرة مذهبية في بعض الأوساط البروليتارية لها غالبا سمة رومانسية إقطاعية.
تمثل الإصلاحية «الاشتراكية» المعاصرة الوجهَ التجاري والوقح والعلماني والإمبريالي لخضوع البروليتاريا لتأثير البرجوازية. إن أنموذجها الناجز في أيامنا هذه هو فيدرالية العمل الأمريكية بعدائها الواعي للاشتراكية ومعاداتها البينة للثورة، وذلك بمباشرتها تطبيق القانون الأمريكي. وأصبحت الدكتاتورية «الفكرية» للبيروقراطية النقابية الأمريكية (التي أصبحت مألوفة، وتعبر هي نفسها عن دكتاتورية الدولار «الفكرية») جزءا جوهريا مكونا لنظرية وممارسة الاشتراكية–الديمقراطية العالمية وزعماء أممية أمستردام عبر وساطة المذهب الإنجليزي والاشتراكيين الرجعيين في حزب العمل. ويعكف قادة الاشتراكية–الديمقراطية في ألمانيا والنمسا على اكساء تلك النظريات نفسها جملا ماركسية لستر خيانتهم التامة للماركسية.
تملك الإصلاحية «الاشتراكية»، وهي العدو الرئيسي للشيوعية الثورية داخل الحركة البروليتارية، قاعدة تنظيمية عريضة قوامها الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية والنقابات الإصلاحية عبر تلك الأحزاب. وتظهر كقوة موجهة ضد الثورة البروليتارية من خلال كامل سياستها ونظريتها.
في السياسة الخارجية، شاركت الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية في الحرب الإمبريالية، تحت شعار «الدفاع الوطني»، فقدمت مساندتها لتوسع الدول الإمبريالية و«السياسة الاستعمارية» في كل لحظة. فمن ذلك أنها ساندت التوجه المضاد للثورة للقوى الإمبريالية نحو «الحلف المقدس» (عصبة الأمم). وبشّر بـ«الإمبريالية العليا». ووجهت الجماهير على أساس شعارات سلمية زائفة. وساندت بنشاط التحضير لحرب إمبريالية على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. تلك هي الخصائص المميزة للسياسة الخارجية عند الإصلاحية.
في السياسة الداخلية، وضعت الاشتراكية–الديمقراطية على عاتقها مهمة الدفاع عن النظام الرأسمالي والتعاون معه. فساندت دون تحفظ، ترشيد الرأسمالية واستقرارها، والسلم الطبقي و«السلم الصناعي» وسياسة إدماج المنظمات البروليتارية في منظمات الأعراف ودولة النهب الإمبريالية، وتطبيق «الديمقراطية الاقتصادية» التي ليست في الواقع سوى الخضوع التام لرأس المال الاحتكاري، وعبادة الدولة الإمبريالية وخصوصا تعاليمها الديمقراطية الزائفة.
وشاركت في إنشاء أجهزة تلك الدولة (شرطة، جيش، حرس، عدالة طبقية). وذادت عن الدولة من كل هجوم تشنه عليها البروليتاريا الشيوعية الثورية. وقامت بدور الجزار في الأزمات. تلك هي السياسة الداخلية عند الإصلاحية، وعندما تمارس النضال النقابي، تضع على عاتقها فيه مهمة تجنيب الطبقة الرأسمالية أي اهتزاز وتضمن عدم الخرق التام للملكية الرأسمالية مهما كان الأمر.
في مجال النظرية، ارتدت الاشتراكية–الديمقراطية نهائيا عن الماركسية وذلك بمرورها من التحريفية إلى الإصلاحية الليبرالية البرجوازية. فقد استبدلت المذهب الماركسي حول تناقضات الرأسمالية بالتطور المنسجم للنظام. ووضعت في رفوف الأرشيف مذهب الأزمات واستمرار إفقار البروليتاريا. وحولت نظرية الصراع الطبقي العنيدة والمهددة إلى تبشير ساذج بالسلم الطبقي. وحولت مذهب اشتداد خطورة التناحر الطبقي إلى موعضة برجوازية صغيرة توصي بـ «إحلال الديمقراطية» في رأس المال. واستبدلت نظرية حتمية الحروب في النظام الرأسمالي بتضليل برجوازي قوامه نزوع إلى السلم وتبشير باطل بالإمبريالية العليا. واستبدلت نظرية سقوط الرأسمالية بالثورة بعملة زائفة قوامها أن تتحول الرأسمالية «النقية» إلى اشتراكية سلميا. واستبدلت الثورة بالنمو. واستبدلت تحطيم الدولة البرجوازية بالاقتصار على المشاركة فيها. وأحلت نظرية دعم البرجوازية محل دكتاتورية البروليتاريا. وأحلت الدفاع عن الوطن الإمبريالي محل مذهب التضامن البروليتاري الأممي. وأحلت فلسفة مثالية منمقة بمخلفات دينية محل مادية ماركس الجدلية.
توجد عدة تيارات صلب هذه الإصلاحية الاشتراكية–الديمقراطية، تبين بوضوح خاص التفسخ البرجوازي عند الاشتراكية–الديمقراطية.
«الاشتراكية البنّاءة» (ماكدونالد وشركائه)، وصلت إلى حد الدعوة إلى النضال ضد الثورة البروليتارية وإقرار النظام الرأسمالي. وهي تواصل تقاليد الاتجاه الفابياني الليبرالي والبرجوازي (ويب، برنار شو، اللورد أوليفي وغيرهم). فهي تنكر مبدئيا دكتاتورية البروليتاريا واعتماد العنف ضد البرجوازية وتعتمده ضد البروليتاريا والشعوب المستعمَرة. وتذود عن الدولة الرأسمالية. وتدعو إلى رأسمالية الدولة تحت غطاء الاشتراكية. وتنادي (مثلما هو الحال عند أكثر مفكري الإمبريالية ابتذالا في العالم) بنظرية غير علمية في الصراع الطبقي. فـ«الاشتراكية البنّاءة» تدعوا لفظا إلى برنامج مسالم قوامه التأميم بعوضٍ، وضرائب على الريع العقاري والميراث والربح المضاف، كوسيلة للقضاء على الرأسمالية. وإذ تعادي اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بحزم، فإنها تمثل عدوا نشيطا للحركة الشيوعية للبروليتاريا والثورات الوطنية.
مذهب التعاون أو اشتراكية التعاون (شارل جيد، توتوميانتز وشركائهما). يرفض هذا المذهب، بكل قوة الصراع الطبقي. وينادي بالتعاون الاستهلاكي كوسيلة للانتصار على الرأسمالية. وهو يساهم في ذات الوقت، عمليا، وبكل الوسائل في تقوية النظام الرأسمالي. إنه ضرب من ضروب «الاشتراكية البناءة». ويمتلك «مذهب التعاون» هذا جهازا دعائيا واسع في المنظمات الجماهيرية وتعاونيات الاستهلاك. ويقوم بتأثير منتظم في الحياة اليومية لأوسع الجماهير. وهو يحارب بشراسة الحركة البروليتارية الثورية ويعرقل تحقيق أهدافها. هذا المذهب هو أحد أكثر عناصر الإصلاحية المضادة للثورة نشاطا.
«الجمعية الاشتراكية» (بانتي، أراج، هبسن وغيرهم). يحاول هذا الاتجاه بالاعتماد على الانتخابات أن يجمع بين النزعة النقابية «الثورية» والمذهب الفابياني الليبرالي البرجوازي، وبين اللامركزية الفوضوية (الجمعيات الصناعية القومية) ومركزة رأسمالية الدولة، وبين التعاون الحرفي المحدود والتقليدي والرأسمالية المعاصرة. وينطلق من مطلب لفظي قوامه «الإطاحة بالأجرة» التي يعتبرها «غير أخلاقية» وينبغي أن تعوض بالمراقبة البروليتارية للصناعة. ويتجنب هذا الاتجاه المسألة الجوهرية: مسألة السلطة، ويسعى لجمع العمال والمثقفين والفنيين في فيدرالية قومية صناعية قوامها «الجمعيات» ثم تحويلها سلميا إلى أجهزة إدارية للصناعة في إطار الدولة البرجوازية («المراقبة الداخلية»). والواقع أن هذا الاتجاه يدافع عن تلك الدولة. ويخفي طابعها الطبقي والإمبريالي المعادي للبروليتاريا. وهو يوكل للدولة، التي يعتبرها «فوق الطبقات»، دور ممثل لمصالح «المستهلكين» المشتركة كمركز ثقل يقابل «المنتجين» المنظمين في جمعيات، أي دور ممثل لطبقات المجتمع الرأسمالي على أساس المهن ومالها من دور اجتماعي في الإنتاج. إن «الجمعية الاشتراكية» تفتح بذلك الطريق أمام «دولة التعاون» الفاشية. ومعظم أنصار هذه الحركة يرفضون البرلمانية و«العمل المباشر» وهم يحصرون الطبقة في خمول تام وخضوع سلبي أمام البرجوازية. إن هذه الاشتراكية هي ضرب من ضروب الانتهازية خيالي وذا نزعة نقابية، وبالتالي لا يمكن ألا يكون لها دور مضاد للثورة.
الماركسية النمساوية، هي ضرب آخر خاص من ضروب الإصلاحية الاشتراكية–الديمقراطية وجزء مكون لـ«يسار» الاشتراكية–الديمقراطية. إنها تمثل أكثر الطرق دهاء لتضليل الجماهير البروليتارية. فهي تتكلم بجمل ماركسية في الوقت الذي تقطع فيه صلتها بالمبادئ الأساسية للماركسية الثورية (يعلن الماركسيون النمساويون أنهم من أتباع كانط وماخ في الفلسفة...)
ويمتزج هذا الاتجاه بالدين دون حرج. ويستعير من الإصلاحيين الإنجليز نظرية «الديمقراطية الوظيفية». ويقف على أرضية بناء الجمهورية، أي بناء الدولة البرجوازية. توصي الماركسية النمساوية بالتعاون الطبقي خلال ما تسميه بفترات «توازن القوى الاجتماعية»، أي بالضبط عندما تنضج الأزمة الثورية. ليست هذه النظرية سوى تبرير دعم البرجوازية لتحطيم الثورة البروليتارية تحت قناع حماية «الديمقراطية» من الهجمات الرجعية؛ فما تقبله الماركسية النمساوية من عنف حال هجوم رجعي إنما يتحول موضوعيا، في الواقع العملي إلى عنف رجعي ضد الثورة البروليتارية. إن «الدور الوظيفي» الذي تمارسه الماركسية النمساوية يكمن في تضليل العمال الذين يتوجهون نحو الشيوعية. إنها أكثر أعداء البروليتاريا عنادا، وهي على عناد أكبر من عناد أنصار القرصنة الاشتراكية–الديمقراطية المكشوفين.
فإذا كان جميع هذه الاتجاهات، وهي أجزاء مكونة للإصلاحية الاشتراكية–الديمقراطية، يشكل ما نسميه وكيل البرجوازية الإمبريالية داخل البروليتاريا، فإن الشيوعية تعارض أيضا تيارات أخرى برجوازية صغيرة تعبر عن تقلبات الشرائح الاجتماعية غير المستقرة، (البرجوازية الصغرى الحضرية، برجوازية وسطى في طور الانحلال، شريحة رثة من البروليتاريا، مثقفون هُمشٌ غير واضحي المعالم الطبقية، حرفيون أصبحوا بؤساء، بعض مجموعات الفلاحين، وغيرهم من العناصر كثير). وتتميز هذه التيارات بتذبذب سياسي كبير جدا. وتمرر من خلال جمل يسارية سياسةً يمينية أو تَسقط في المغامرة، وتستند على ضجيج سياسي في كل صوب وحدب عوض معرفة موضوعية بالقوى. وغالبا ما تمر من أكثر «المغالاة» الثورية قرفا إلى أعمق تشاؤم وانهزام أمام العدو، ويمكن لهذه التيارات في بعض الظروف، وخاصة عند التغيرات الفجائية في الوضع السياسي وضرورة التراجع المؤقت، أن تقوم بدور تشتيت صفوف البروليتاريا بشكل كبير الخطورة لتعرقل بذلك الحركة البروليتارية الثورية.
الفوضوية. سقط أكثر ممثلوها شهرة (كروبتكين، جان كراف) في الخيانة. وانتقلوا أثناء حرب 1914–1918 إلى جانب البرجوازية. ينفي هذا الاتجاه ضرورة منظمات كبيرة ممركزة ومنضبطة للبروليتاريا لتبقى عاجزة أمام منظمات رأس المال القوية. ويحيد البروليتاريا عن طرق التنظيم والنضال الجماهيري وذلك بالدعوة إلى الإرهاب الفردي. ويرفض دكتاتورية البروليتاريا باسم «حرية» مجردة، ليجرد بذلك البروليتاريا من سلاحها الأكثر نجاعة ضد البرجوازية ومالها من جيوش وأجهزة ردع. وإذ تبتعد الفوضوية عن أي حركة جماهيرية في أكثر مراكز النضال البروليتاري أهمية، فإنها تسير نحو تقلص مطرد لتصبح فرقة تندمج موضوعيا في جبهة القوى المضادة للثورة وذلك من خلال كامل تكتيكها ونشاطاتها وخاصة منها تلك الموجهة ضد دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
النزعة النقابية «الثورية». شأنها شأن الفوضوية، مر عديد من مفكريها، في أكثر الأوقات حرجا من الحرب إلى الثورة المضادة «المعادية للبرلمانية» من الطراز الفاشي أو أصبحوا دعاة سلم وإصلاح من طراز الديمقراطية–الاشتراكية وذلك برفضهم النضال السياسي (وخصوصا البرلمانية الثورية) ودكتاتورية البروليتاريا الثورية وبدعوتهم إلى لامركزية هيكل الحركة البروليتارية بوجه عام والحركة النقابية بوجه خاص وبرفضهم لضرورة حزب البروليتاريا وبرفضهم الانتفاضة، وأخيرا باستنقاصهم من أهمية الإضراب العام. («تكتيك الأيادي المكتوفة»). وأينما كان لها بعض تأثير إلا وعرقلت تجذر الجماهير البروليتارية، مما يجعلها، من هذه الزاوية، تقف على نفس الأرضية التي تقف عليها الاشتراكية–الديمقراطية.
تلتقي جميع تلك الاتجاهات والضروب مع الاشتراكية–الديمقراطية؛ وذلك يجعل جميعها يكون جبهة موحدة مع الاشتراكية–الديمقراطية ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وإن تباينت في درجة الحزم. لقد أخذت الاشتراكية–الديمقراطية، التي ارتدت نهائيا عن الماركسية، تستند باطراد، في جزء منها، على مذهب ليبرالي–إصلاحي رسمي «للاشتراكية» البرجوازية لدى الأممية الثانية.
في البلدان المستعمَرة وضمن الشعوب والعروق المضطهَدة، تعارض الشيوعية داخل الحركة البروليتارية، تأثير اتجاهات خصوصية تلعب ضربا من الأدوار الإيجابية في بعض مراحل محددة، لكنها تصبح قوى رجعية في مراحل جديدة.
كان مذهب صن–يات–صن في الصين، مذهبا «اشتراكيا» برجوازيا صغيرا وشعبيا. فمفهوم الشعب في مذهب المبادئ الثلاثة (القومية، الديمقراطية، الاشتراكية) يحجب مفهوم الطبقات الاجتماعية ويزيحه. فليست الاشتراكية في هذا المذهب نمطا خاصا من الإنتاج تحققه طبقة معينة ألا وهي البروليتاريا، بل هي وضع غير محدد المعالم من الرخاء العام، ولا يرتبط النضال ضد الإمبريالية بتطور الصراع الطبقي في البلاد. لذلك فإن مذهب صن–يات–صن الذي لعب دورا إيجابيا كبيرا في المرحلة الأولى من الثورة الصينية، أصبح بفعل التمايز الاجتماعي اللاحق وسير الثورة الصينية، عائقا لتلك الثورة. إن أتباع مذهب صن–يات–صن الذين يعظمون بوجه خاص سمات ذلك المذهب الذي أصبح رجعيا من الناحية الموضوعية، يتخذون منه مذهبا رسميا للكيومنتانغ الذي أصبح معاديا للثورة بصورة مكشوفة. ويجب بالتالي، أن يرفَق التكوين الفكري عند جماهير البروليتاريا والشغيلة الفلاحية في الصين بنضال حيوي ضد أحابيل الكيومينتانغ وأن يقع تجاوز مخلفات مذهب صن–يات–صن.
إن اتجاهات من قبيل مذهب غاندي المشبعة بأفكار دينية بشكل عميق والتي ترفع أشكال الاقتصاد الاجتماعي الأكثر رجعية وتأخرا إلى مرتبة المثل ولا ترى من مخرج إلا في الرجوع إلى تلك الأشكال المتأخرة لا في الاشتراكية البروليتارية. وتبشر بالسلبية ورفض الصراع. تُصبح مثل هذه الاتجاهات قوى رجعية مكشوفة خلال تطور الثورة. ويصبح مذهب غاندي باطراد في تعارض مع ثورة الجماهير الشعبية، ويجب على الشيوعية أن تحاربه بحيوية.
يمثل مذهبُ غارفي المالكينَ الصغار والعمال السود في أمريكا. وحافظ على بعض تأثير على جماهير السود. لقد أصبح، أيضا، عائقا أمام دخول تلك الجماهير الطريق الثوري. فبعد أن طالب بمساواة اجتماعية تامة للسود، تحول إلى ضرب من الـ«صهيونية» سوداء. فعوض أن يتشبث بالنضال ضد الإمبريالية الأمريكية رفع شعار «العودة إلى إفريقيا». لا يحتوي هذا المذهب الخطير على أي شيء ديمقراطي حقا، وينساق في إثارة السمات الأرستقراطية لـ«مملكة سوداء» لا وجود لها، ويجب أن يواجَه بمقاومة حيوية؛ فهو لا يساهم في نضال الجماهير السود التحرري ضد الإمبريالية الأمريكية، بل يعرقل ذلك النضال.
تعارض الشيوعية البروليتارية كل تلك الاتجاهات. إنها مذهب البروليتاريا الثورية العالمية العظيم. وهي تتمايز عن كل تلك الاتجاهات، وفي مقدمتها الاشتراكية–الديمقراطية، بالنضال الثوري، النظري والعملي، الذي تخوضه في اتفاق تام مع مذهب ماركس وأنجلس في سبيل دكتاتورية البروليتاريا، مستخدمة جميع أشكال عمل البروليتاريا الجماهيري.
يفترض نضال الأممية الشيوعية المظفر في سبيل دكتاتورية البروليتاريا، وجود حزب شيوعي متمرس في المعارك ومنضبط وممركز وله وثيق الارتباط بالجماهير. إن الحزب هو طليعة البروليتاريا، طليعة مؤلفة من خيرة عناصر تلك الطبقة وأكثرهم وعيا وأكثرهم نشاطا وأكثرهم شجاعة. فالحزب الشيوعي يجسد كامل النضال البروليتاري. وهو مصقول بالنظرية الثورية الماركسية. ويمثل المصالح العامة والثابتة لكامل الطبقة. فهو يجسد وحدة مبادئ البروليتاريا ووحدة إرادتها ووحدة عملها الثوري. إنه يشكل منظمة ثورية درعُها الانضباطُ الحديدي ونظامٌ ثوري من المركزية الديمقراطية الأكثر استقامة. ويمكن بلوغ تلك النتائج بوعي الطليعة البروليتارية وتسخير نفسها للثورة وصلتها الدائمة بالجماهير البروليتارية وصحة قيادتها السياسية التي تنيرها وتتحقق منها عبر تجربة تلك الجماهير نفسها.
ولكي يحقق الحزب الشيوعي مهمته التاريخية (إرساء دكتاتورية البروليتاريا) يجب عليه أن يتبع في المقام الأول، الأهداف الاستراتيجية التالية وأن يبلغها:
أن يجتذب إليه أغلبية طبقته الخاصة، بما فيها العاملات والشبيبة البروليتارية. فيجب عليه في هذا المضمار أن يضمن تأثيرا حاسما للحزب الشيوعي على المنظمات الجماهيرية الواسعة للبروليتاريا (سوفييتات، نقابات، لجان المؤسسات، تعاونيات، منظمات رياضية وثقافية وغيرها). ومما له أهمية خاصة في جذب أغلبية البروليتاريا، أن يسيطر الحزب على النقابات تلك المنظمات الجماهيرية حقا للبروليتاريا، والمرتبطة بنضالها اليومي. وإن إحدى أهم مهمات المرحلة التحضيرية هي العمل في النقابات الرجعية التي تجب السيطرة عليها بهمة وكسب ثقة أوسع جماهيرها النقابية وإزاحة قادتها الإصلاحيين.
كما يفترض كسب دكتاتورية البروليتاريا، أن تهيمن البروليتاريا على الشرائح الواسعة من الجماهير الكادحة. ويجب على الحزب الشيوعي لبلوغ هذا الهدف أن يجذب إليه الجماهير الفقيرة من سكان المدن والأرياف والشرائح الدنيا من المثقفين وفي كلمة واحدة «ضعاف الناس»، أي السكان البرجوازيين الصغار بوجه عام. وإن توجيه العمل نحو تأثير الحزب على الفلاحين له أهمية خاصة. إذ يجب على الحزب أن يضمن مساندة تامة من جانب أكثر العناصر قربا للبروليتاريا في الريف: عمال الزراعة والفلاحون الفقراء. فتنشأ إذن ضرورة تنظيم العمال الزراعيين بوصفهم ذاك، ومساندة نضالهم ضد البرجوازية الفلاحية بكل الوسائل. وإتباع نشاط حيوي بين الفلاحين الصغار والفلاحين المشتتين. ويجب على سياسة الحزب الشيوعي أن يبذل الجهد لتحييد الفلاحين المتوسطين (في البلدان الرأسمالية المتطورة). إن تحقيق مختلف هذه المهمات من جانب البروليتاريا، التي أصبحت ممثلا لمصالح الشعب بأسره وقائدا للجماهير الشعبية الواسعة في نضالها ضد اضطهاد رأس المال المالي، هو الشرط الضروري الذي لابد منه لثورة شيوعية مظفرة.
يمثل النضال الثوري في المستعمرات وأشباه المستعمرات والبلدان التابعة، من جهة النضال العالمي الذي تخوضه البروليتاريا، إحدى أهم مهمات الأممية الشيوعية الاستراتيجية. ويفترض هذا النضال كسب أوسع جماهير البروليتاريا والفلاحين في المستعمرات تحت راية الثورة. ويستحيل كسبهم على ذلك النحو دون تعاون وثيق بين البروليتاريا في الأمم المضطهِدة والجماهير الكادحة في الأمم المضطهَدة. فإذ تنظم الأممية الشيوعية الثورةَ ضد الإمبريالية تحت راية دكتاتورية البروليتاريا في بلدان القوى المسماة «متمدنة»، فإنها تدافع عن كل مقاومة للعنف الإمبريالي في المستعمرات وأشباه المستعمرات والبلدان التابعة (مثال ذلك، أمريكا اللاتينية). وهي تحارب بدعايتها كل ضروب التعصب القومي وكل الأساليب الإمبريالية التي تمارسها هذه الأخيرة تجاه العروق والشعوب المظلومة أكانت كبيرة أم صغيرة (النظرة إلى السود، و«اليد العاملة الصفراء»، ومعاداة السامية). إنها تساند نضال تلك العروق وتلك الشعوب ضد برجوازية الأمم المضطهِدة. وتحارب الأممية الشيوعية، في المقام الأول، التعصب القومي لدى القوى العظمى، ذلك التعصب الذي يقدسه كل من البرجوازية الإمبريالية وعونها الاشتراكي–الديمقراطي: الأممية الثانية. وتعارض الأممية الشيوعية، دوما، ممارسات الإمبريالية بسلوك الاتحاد السوفييتي الذي استطاع أن يقيم علاقات أخوية بين شعوب متساوية الحقوق.
يجب على الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية، أن تساعد بانتظام الحركات الثورية التحررية في المستعمرات، وحركات القوميات المضطهَدة بوجه عام. إن واجب تقديم العون الأكثر نشاطا لتلك الحركات، مُلقى بالدرجة الأولى، على عاتق عمال البلد الذي تخضع له أمة مضطهَدة خضوعا سياسيا أو اقتصاديا أو ماليا. ويجب على الأحزاب الشيوعية أن تهتف عاليا بحق انفصال المستعمرات وأن تتشبث بذلك الانفصال، أي استقلال المستعمرات عن الدول الإمبريالية. ويجب عليها أن تعترف بحق المستعمرات في الدفاع المسلح ضد الإمبريالية (الحق في الانتفاضة والحرب الثورية). وأن يتشبث وأن يساند ذلك النضال بكل الوسائل. وعلى الأحزاب الشيوعية نفس الواجبات تجاه جميع الأمم المضطهَدة.
يجب على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات وأشباه المستعمرات، أن تحارب الإمبريالية الأجنبية بشراسة في الوقت الذي تتشبث فيه، وجوبا، بالتقارب والتحالف مع البروليتاريا في البلدان الإمبريالية، وأن ترفع وتنشر وتطبق شعار الثورة الزراعية علنا وذلك بإنهاض جماهير الفلاحين للإطاحة بنير المالكين العقاريين. وأن تحارب التأثير الرجعي والتقليدي لرجال الدين وبعثات التبشير ومجموعات أخرى تشبهها.
إن المهمة الأساسية هنا هي تكوين منظمات مستقلة للعمال والفلاحين (حزب شيوعي كحزب خاص بالبروليتاريا، نقابات، رابطات ولجان الفلاحين، سوفييتات في الحالات الثورية وغيرها) وسحبها من تحت تأثير البرجوازية الوطنية، التي لا يمكن قبول اتفاقات مؤقتة معها إلا إذا لم تعرقل تنظيم العمال والفلاحين تنظيما ثوريا وإذا كانت تحارب الإمبريالية فعلا.
على الحزب الشيوعي عند وضع تكتيكه أن يأخذ بعين الاعتبار الوضع الملموس في الداخل والخارج وميزان القوى الاجتماعي ودرجة استقرار البرجوازية وقوتها ودرجة استعداد البروليتاريا وموقف الشرائح الوسطى... فبالاعتماد على هذه الظروف العامة وضرورة تحريك أوسع الجماهير وتنظيمها في أكثر لحظات النضال حرجا، يضع الحزب شعاراته ويحدد أساليبه في الصراع. وإذ يرفع الحزب شعارات انتقالية ويصوغ مطالب جزئية يحددها الوضع الملموس، وجب عليه أن يخضع تلك المطالب وتلك الشعارات للهدف الثوري الذي هو الاستيلاء على السلطة والإطاحة بالمجتمع الرأسمالي. وسيكون من غير المقبول أيضا أن يهمل الحزب حاجياتَ النضال اليومي للبروليتاريا أو أن ينحصر، عكس ذلك، في حدود تلك الحاجيات وذلك النضال. فمهمته هي أن يستند على تلك الحاجيات كنقطة انطلاق وأن يقود البروليتاريا نحو المعركة الثورية من أجل السلطة.
إذا كان هنالك نهوض ثوري والطبقات القائدة مشتتة والجماهير في حالة غليان ثوري والشرائح الوسطى مستعدة، خلال ترددها، أن تلتحق بالبروليتاريا وإذا كانت الجماهير مهيأة للصراع والتضحيات، فإن هدف حزب البروليتاريا هو أن يقودها مباشرة إلى الهجوم على الدولة البرجوازية. وخلال قيامه بذلك يعلن شعارات انتقالية مطردة الحدة (سوفييتات، مراقبة بروليتارية للإنتاج، لجان فلاحية لانتزاع الملكية العقارية الكبيرة، نزع سلاح البرجوازية، تسليح البروليتاريا وغيرها) وتنظيم أعمال جماهيرية، يخضع لها، وجوبا، كامل تحريض الحزب ودعايته بما في ذلك التحريض البرلماني. ومن ضمن تلك الأعمال الجماهيرية: الإضرابات والمظاهرات المندمجة والإضرابات المرفقة بالمظاهرات المسلحة، وأخيرا الإضراب العام المشفوع بالانتفاضة المسلحة ضد سلطة الدولة البرجوازية. يخضع هذا الشكل الأخير، وهو أعلى أشكال النضال، لقواعد الفن العسكري ويفترض خطة استراتيجية للعمليات الهجومية ومثابرة البروليتاريا وبطولتها. وتكون أعمال هذا الشكل بالضرورة مشروطة بتنظيم الجماهير الهائلة على أساس قتالي حيث أن شكله بالذات يدفع ويعبئ أكبر عدد ممكن من الشغيلة (سوفييتات نواب العمال والفلاحين، سوفييتات الجنود وغيرها) وبتقوية العمل الثوري في الجيش والأسطول.
من الضروري أثناء الانتقال إلى شعارات جديدة أكثر حدة، الاعتماد على القاعدة اللينينية الأساسية في التكتيك السياسي. إن قوام تلك القاعدة هو أن نعرف كيف نسير بالجماهير إلى مواقف ثورية مع تمكينهم من الاقتناع بصحة سياسة الحزب عبر تجربتهم الخاصة. إن عدم ملاحظة هذه القاعدة، يؤدي حتما إلى القطيعة مع الجماهير وإلى «الانقلابية» وإلى التفسخ الفكري للشيوعية الذي يؤدي إلى تشيع «يساري» وإلى نزوع إلى المغامرة «الثورية» البرجوازية الصغيرة. ولكن سوف لن يكون أقل خطرا إن لم يقع استغلال ذروة وضع ثوري عندما يكون من واجب الحزب الهجوم على العدو بشجاعة وصلابة. إن تفريطا في مثل تلك الفرصة وعدم إشعال الانتفاضة إنما يعني ذلك ترك المبادرة للعدو وهزم الثورة.
إذا لم يكن هنالك نهوض ثوري، وجب على الأحزاب الشيوعية أن تستند على حاجيات الشغيلة اليومية لتصوغ شعارات ومطالب جزئية رابطة إياها بأهداف الأممية الشيوعية الأساسية. وأن تتجنب، رغم ذلك، اعلان الشعارات الانتقالية التي تلائم بصورة خاصة الوضع الثوري والتي تتحول في غياب مثل ذلك الوضع إلى شعارات اندماج في المنظمات الرأسمالية (مثال ذلك المراقبة البروليتارية...)، إن الشعارات والمطالب الجزئية هي عموما إطار مطلق لتكتيك جيد. فلا تنفصل الشعارات الانتقالية عن الوضع الثوري. كما أن رفض المطالب الجزئية والشعارات الانتقالية «من حيث المبدأ» لا يتفق والمبادئ الشيوعية في التكتيك. فسيكون ذلك في الواقع الحكم على الحزب بالسلبية والانعزال عن الجماهير.
إن تكتيك الجبهة الموحدة، وهي أكثر الطرق نجاعة في النضال ضد رأس المال وتحريك الجماهير بروح طبقية، وهي طريقة لفضح وعزل القادة الإصلاحيين، هو أحد عناصر تكتيك الأحزاب الشيوعية خلال كامل المرحلة التي تسبق النهوض الثوري.
يفترض التطبيق الصحيح لتكتيك الجبهة الموحدة، وبوجه عام، حل مشكل كسب الجماهير، بدوره، عملا منتظما وثابتا في النقابات وباقي المنظمات الجماهيرية للبروليتاريا. والواجب المباشر على كل شيوعي أن ينخرط في النقابات ولو كانت أكثرها رجعية طالما أنها منظمات جماهيرية.
فلا نستطيع أن نكون على رأس النضال البروليتاري وأن نجذب حول الحزب جماهير النقابيين، دون أن نقوم بعمل ثابت ومستمر في النقابات والمؤسسات قوامه الدفاع الحيوي والصلب عن مصالح العمال ترافقه محاربة البيروقراطية الإصلاحية محاربة لا رحمة فيها.
فعلى عكس سياسة الإصلاحيين الانقسامية، يدافع الشيوعيون عن الوحدة النقابية على أساس الصراع الطبقي في كل بلد وعلى النطاق العالمي بدفاعهم وتقويتهم الأممية النقابية الحمراء، بكل قواهم.
تضع أحزاب الأممية الشيوعية على عاتقها مهمة الدفاع عن المصالح المباشرة واليومية لجماهير العمال والشغيلة بوجه عام أينما كان ذلك، مستغلة منبر البرلمان البرجوازي لغاية التحريض والدعاية الثوريين ومخضعة كل أهداف النضال الجزئية للنضال في سبيل دكتاتورية البروليتاريا. وإذ تقوم بكل ذلك فإنها تصوغ مطالب جزئية وتضع شعارات في المجالات الرئيسية التالية:
المسألة البروليتارية (بالمعنى الضيق للكلمة)، المسائل المتعلقة بالنضال الاقتصادي (النضال ضد رأس المال الاحتكاري، الأجور، يوم العمل، التحكيم الإجباري)، التي تصبح مسائل نضال سياسي عام (احتجاجات صناعية كبرى، حقوق التعاون والإضراب وغيرها)، والمسائل المحض سياسية (ضرائب، غلاء المعيشة، فاشية، هجوم على الأحزاب الثورية، إرهاب أبيض، السياسة العامة للحكومة)، ومسائل السياسة العالمية (الموقف تجاه اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والثورات الوطنية، النضال في سبيل وحدة الحركة النقابية الأممية، النضال ضد الإمبريالية والتهديد بالحرب، التحضير المنتظم للنضال ضد الحرب الإمبريالية.)
في المسألة الفلاحية، يخلق مشكل الضرائب والرهن والنضال ضد رأس مال الربا ونقص الأرض الذي يعاني منه الفلاحون الفقراء والريع (كراء الأرض أو الضيعة) والمكوس...، يخلق كل ذلك مطالب جزئية من نفس الدرجة. يجب على الحزب الشيوعي انطلاقا من ذلك، أن يقوي ويعمم شعاراته إلى حد إعلان مطلب حجز ضيعات كبار المالكين العقاريين، وإعلان الحكومة البروليتارية والفلاحية (رديف دكتاتورية البروليتاريا في البلدان الرأسمالية المتطورة ورديف دكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية في البلدان المتأخرة ومختلف المستعمرات).
ومن الضروري أيضا إتباع عمل منتظم بين الشباب البروليتاري والفلاحي (أساسا عبر أممية الشباب الشيوعية وفروعها). وكذلك بين النساء العاملات والفلاحات بالاعتماد على ظروف حياتهن ونضالهن مع ربط مطالبهن بالمطالب العامة وبشعارات كفاح البروليتاريا.
في النضال ضد اضطهاد الشعوب المستعمَرة، تصوغ الأحزاب الشيوعية، في المستعمرات، حتى المطالب الجزئية التي يمليها الوضع الخاص في كل بلد: مساواة تامة بين القوميات والعروق والإطاحة بامتيازات الأجانب وحرية العمال والفلاحين في تكوين الجمعيات؛ تقليص يوم العمل؛ منع تشغيل الأطفال؛ الإطاحة بعقود النهب والربا؛ تقليص الإيجار وتحضير إلغائه؛ تقليص الضرائب ورفض تسديدها... يجب أن تكون كل هذه الشعارات الجزئية خاضعة للمطالب الجوهرية عند الأحزاب الشيوعية: استقلال البلاد استقلالا تاما؛ طرد الإمبرياليين؛ حكومة بروليتارية وفلاحية؛ الأرض للشعب ويوم عمل من ثماني ساعات...
على الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية واجب الدفاع عن ذلك النضال في المستعمرات والمطالبة بعناد بعودة الجيوش الإمبريالية إلى بلدانها، والدفاع عن البلدان المضطهَدة المناضلة في سبيل التحرر وذلك بالدعاية في الجيش والأسطول، وتحريك الجماهير لمقاطعة نقل الجيوش والأسلحة. كما تنظم إلى جانب هذه الأعمال، إضرابات وأشكالا أخرى من الاحتجاج الجماهيري...
على الأممية الشيوعية أن تقدم انتباها خاصا للتحضير المنتظم ضد أخطار حرب إمبريالية. وفضح، بلا رحمة، الاشتراكية–القومية والاشتراكية–الإمبريالية والجمل السلمية التي تخفي أهدافا إمبريالية لدى البرجوازية. ونشر شعارات الأممية الشيوعية الجوهرية. وإتباع عمل تنظيمي في هذا الاتجاه كل يوم مع المزج فيه وجوبا الأشكال الشرعية بالأشكال غير الشرعية. وإتباع عمل منتظم في الجيش والأسطول. ذلك ما يجب أن يكون قوام نشاط الأحزاب الشيوعية. ويجب أن تكون شعارات الأممية الشيوعية الأساسية كما يلي: تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية. هزيمة حكومته الإمبريالية. الدفاع عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والمستعمرات بكل الوسائل والدعاية لتلك الشعارات. وفضح الخطب «الاشتراكية» والقناع «الاشتراكي» عند عصبة الأمم، والتذكير الدائم بتجربة حرب 1914–1918. كل ذلك واجبات إجبارية تشمل جميع فروع الأممية الشيوعية وجميع أعضائها.
يستوجب التعاون في النشاط والأعمال الثورية وحسن قيادته، انضباطا طبقيا أمميا عند البروليتاريا، انضباطا أساسه الجوهري هو أكثر الانضباط الأممي صرامة في صفوف الأحزاب الشيوعية. ويجب أن يتجسد ذلك الانضباط الشيوعي الأممي في إخضاع المصالح الجزئية والمحلية للحركة لمصالحها العامة والثابتة وفي التطبيق المستقيم لجميع قرارات الأجهزة القيادية في الأممية الشيوعية من جانب كل الشيوعيين.
خلافا للأممية الثانية الاشتراكية–الديمقراطية، حيث يخضع كل حزب لانضباط برجوازيته القومية و«وطنيته»، لا تعرف فروع الأممية الشيوعية إلا انضباطا واحدا ألا وهو انضباط البروليتاريا الأممية. انضباطا يمكن عمال كل البلدان من نضال مظفر في سبيل الدكتاتورية العالمية البروليتارية. وخلافا للأممية الثانية التي تقسم النقابات وتحارب الشعوب المستعمَرة وتتحد مع البرجوازية، فإن الأممية الشيوعية هي المنظمة التي تدافع عن وحدة عمال كل البلدان، وحدة الشغيلة من كل عرق وشعب في النضال ضد الاضطهاد الإمبريالي.
ومهما كان إرهاب البرجوازية دمويا، يخوض الشيوعيون ذلك الصراع بمثابرة وشجاعة، في جميع نقاط جبهة النضال الأممية، مقتنعين بحتمية انتصار البروليتاريا اقتناعا راسخا.
لا يتواطأ الشيوعيون لإخفاء أفكارهم وبرامجهم. إنهم يعلنون في وضح النهار أن أهدافهم لا يمكن بلوغها إلا بالقلب العنيف لكامل النظام الاجتماعي القديم
فلترتبك الطبقات القائدة من فكرة الثورة الشيوعية. فليس للعمال سوى القيود فيها يخسرون، وإن عالما منها سيكسبون
يا عمال العالم، اتحدوا!
الأممية الشيوعية هي منظمة عالمية تنتظم فيها الأحزاب الشيوعية من مختلف البلدان في حزب واحد عالمي وحيد وهو مرشد الحركة الثورية العالمية للبروليتاريا ومنظمها، ومنتصر لمبادئ الشيوعية وأهدافها. لذلك تناضل الأممية الشيوعية من أجل كسب البروليتاريا والفئات الكبيرة من الفلاحين الفقراء، ومن أجل مبادئ الشيوعية وأهدافها، ومن أجل إرساء دكتاتورية البروليتاريا على النطاق العالمي، ومن أجل إرساء فيدرالية عالمية من الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، ومن أجل الإطاحة بالطبقات إطاحة كاملة وتحقيق الاشتراكية: أولى مراحل المجتمع الشيوعي.
تحمل الأحزاب المنخرطة في الأممية الشيوعية اسم: «الحزب الشيوعي الـفلاني (فرع الأممية الشيوعية)». لا يكون في الأممية الشيوعية إلا فرعا واحدا من البلد الواحد.
يكون عضوا في حزب شيوعي وفي الأممية الشيوعية كل من قبل برنامج الحزب الشيوعي في البلد الذي يقطنه ونظامه الداخلي وقبل برنامج الأممية الشيوعية ونظامها الداخلي، وانخرط في إحدى منظمات الحزب القاعدية وناضل فيها بنشاط، وخضع لجميع قرارات الحزب والأممية الشيوعية ودفع معلوم مساهمته بانتظام.
قاعدة الحزب الشيوعي التنظيمية هي خلية المؤسسة (خلية المصنع، الورشة، المنجم، المكتب، المغازة، الضيعة، الخ)، وهي تجمع كل أعضاء الحزب العاملين في تلك المؤسسة.
الأممية الشيوعية وفروعها مؤسسة على مبادئ المركزية الديمقراطية وأهمها:
أ. تنتخِب اجتماعاتُ الأعضاء العامة والندواتُ والمؤتمراتُ هيئاتَ الحزب القيادية العليا والدنيا.
ب. تقدم هيئاتُ الحزب القيادية، وجوبا، تقارير دورية في نشاطها لمنتَخِبيها.
ج. تطبيق قرارات هيئات الحزب العليا واجب على هيئاته الدنيا. والانضباط القويم في الحزب، وتنفيذ قرارات الأممية الشيوعية وهيئاتها ومراكز الحزب القيادية بصحة ودون تأخير كذلك واجبان.
لا يناقش أعضاءُ الحزب والمنظماتُ القضايا إلا بقرار من الهيئات المؤهلة لذلك في الحزب. وما إن تتخذ مؤتمراتُ الأممية الشيوعية أو مؤتمراتُ فروعها أو الهيئاتُ القيادية في هذه الأخيرة القرارَ إلا ووجب تطبيقه حتى إنْ لم يوافق عليه جزء من أعضاء الحزب أو منظماته المحلية.
يُقبل، في ظروف لا شرعية الحزب، أنْ تعيِن الهيئاتُ العليا الهيئات الدنيا. كما يُقبل التنسيق الذي تصادق عليه الهيئات العليا.
يجب تنظيم فرقة شيوعية – ليس أقل من عضوين – في جميع المنظمات الخارجة عن الحزب وفي منظمات الجماهير البروليتارية والفلاحية (نقابات، تعاونيات، جمعيات رياضية، جمعيات المناضلين القدامى)؛ في هيئاتها القيادية ومؤتمراتها وندواتها وكذلك في المجالس البلدية والبرلمانات، وغيرها لتوسيع تأثير الحزب وتطبيق سياسته في تلك المنظمات والمؤسسات.
تخضع الفرق الشيوعية لما يقابلها في هيئات الحزب.
ملاحظة أولى: تخضع الفرق الشيوعية في المنظمات الأممية (الأممية النقابية الحمراء، النجدة الأممية الحمراء، النجدة الأممية البروليتارية، أممية الشباب الشيوعي، الخ) لتنفيذية الأممية الشيوعية.
ملاحظة ثانية: تحدد تنفيذيةُ الأممية الشيوعية ولجنةُ الفرع المركزية تركيبة الفرق الشيوعية وشكل قيادة عملها بتوصيات خاصة.
المؤتمر الشيوعي العالمي هو أعلى هيئة في الأممية الشيوعية، ويتألف من ممثلي كل الأحزاب (الفروع) والمنظمات المنخرطة في الأممية الشيوعية.
يدرس المؤتمر الشيوعي العالمي أهم قضايا البرنامج والتكتيك والتنظيم وعمل الأممية الشيوعية وفروعها، ويفصل في جميع تلك القضايا. وهو الوحيد الذي يستطيع تعديل برنامج الأممية الشيوعية ونظامها الداخلي.
ينعقد المؤتمر الشيوعي العالمي مرة كل سنتين. وتحدد تنفيذية الأممية الشيوعية تاريخ انعقاده وعدد ممثلي كل فرع.
يحدد المؤتمر الشيوعي العالمي عدد المصوتين من كل فرع في المؤتمر الشيوعي العالمي بقرار خاص وفق تعداد كل حزب وأهمية بلده السياسية. ولا يُقبل الإكراه على النيابة.
يجب عقد مؤتمر شيوعي عالمي استثنائي إذا ما طلب ذلك بعض الأحزاب عدد المصوتين منها في آخر مؤتمر هو نصف مجموع عدد الأصوات في ذات المؤتمر.
ينتخب المؤتمر الشيوعي العالمي لجنة تنفيذية (تنفيذية الأممية الشيوعية) ولجنة المراقبة الأممية.
يعين المؤتمر الشيوعي العالمي مقر تنفيذية الأممية الشيوعية.
تنفيذية الأممية الشيوعية هي الهيئة التي تقود الأممية الشيوعية طيلة المدة الممتدة بين مؤتمراتها، وهي التي تقدم توجيهاتها إلى جميع فروع الأممية الشيوعية وتراقب أنشطتها. وتحرر تنفيذيةُ الأممية الشيوعية لسانَ الأممية الشيوعية المركزي.
على كل فرع أن يلتزم بقرارات تنفيذية الأممية الشيوعية وأنْ يطبقها فورا. ويحق للفرع أنْ يستأنف النظر في قرارات تنفيذية الأممية الشيوعية أمام المؤتمر الشيوعي العالمي، لكن الفرع ملزم بتطبيق تلك القرارات حتى يلغيها المؤتمر الشيوعي العالمي.
لجنة الفرع المركزية مسؤولة أمام مؤتمرها وأمام تنفيذية الأممية الشيوعية. ويحق لهذه الأخيرة أن تلغي قرارات مؤتمر الفرع وقرارات لجنته المركزية أو أنْ تعدلها، وأنْ تتخذ قرارات يلتزم الفرع بتنفيذها (أنظر المادة 13).
يحق لتنفيذية الأممية الشيوعية أنْ تفصل فروعا بأكملها أو مجموعات أو أعضاء فرادى من الأممية الشيوعية إذا ما خرقوا برنامج الأممية الشيوعية أو نظامها الداخلي أو قرارات مؤتمراتها العالمية. ويحق للفروع والمجموعات والأعضاء المفصولين أنْ يستأنفوا النظر في ذلك أمام المؤتمر الشيوعي العالمي.
تصادق تنفيذية الأممية الشيوعية على برنامج كل فرع في الأممية الشيوعية، ويحق للفرع الذي لم ينل برنامجه تلك المصادقة أنْ يستأنف النظر في ذلك أمام المؤتمر الشيوعي العالمي.
على الصحافة المركزية في كل فروع الأممية الشيوعية أن تنشر جميع قرارات اللجنة التنفيذية وجميع وثائقها الرسمية. يجب نشر تلك الوثائق في صحف أخرى تابعة للفرع قدر المستطاع.
يحق لتنفيذية الأممية الشيوعية أنْ تقبل منظمات وأحزابا متعاطفة مع الشيوعية بأصوات استشارية.
تنتخب تنفيذية الأممية الشيوعية مجلس رئاسة دائم فيها يقوم بكامل عمل تنفيذية الأممية الشيوعية طيلة المدة الفاصلة بين اجتماعات هذه الأخيرة.
يحق لتنفيذية الأممية الشيوعية ولمجلس رئاستها أن يكونا مكاتب دائمة (لأوروبا الغربية، لأمريكا الجنوبية، للشرق...) لإقامة صلة أكثر متانة بين فروع الأممية الشيوعية وقيادة عملها بأكثر صحة.
ملاحظة: تحدد تنفيذية الأممية الشيوعية أو مجلس رئاستها مجال عمل مكاتبها الدائمة. ويجب إعلام الفروع الداخلة في مجال المكتب الدائم بسلطات هذا الأخير.
يجب على الفرع أن يطبق تعاليم وتوجيهات مكتب تنفيذية الأممية الشيوعية الدائم المعني به. ويمكنه أن يعارض تلك القرارات أمام اللجنة التنفيذية أو مجلس رئاستها، لكن ذلك لا يعفيه من تطبيقها حتى تلغيها تنفيذية الأممية الشيوعية أو مجلس رئاستها.
يجب على تنفيذية الأممية الشيوعية ومجلس رئاستها أنْ يوفدا مندوبيها إلى فروع الأممية الشيوعية. يتلقى المندوبون التوجيهات من تنفيذية الأممية الشيوعية وهم مسؤولون عن عملهم أمامها. ويحق لهم أن يشرفوا على جميع اجتماعات وجلسات المنظمات المركزية والمحلية في الفروع الموفدين إليها. ويقومون بمهمتهم في صلة وثيقة باللجان المركزية في الفروع المعنية. ويمكنهم أنْ يتدخلوا في مؤتمرات الفروع ومجالسها واجتماعاتها ضد لجنة الفرع المركزية إذا لم يطابق خطها السياسي توجيهات تنفيذية الأممية الشيوعية؛ فعليهم بوجه خاص أن يسهروا على تطبيق قرارات المؤتمرات الشيوعية العالمية وقرارات تنفيذية الأممية الشيوعية. يحق لتنفيذية الأممية الشيوعية، أيضا، ولمجلس رئاستها أن ترسل معلمين إلى مختلف فروع الأممية الشيوعية فتحدد واجباتهم وحقوقهم. وهم مسئولون أمامها.
تعقد تنفيذية الأممية الشيوعية اجتماعا واحدا على الأقل كل ستة أشهر. والاجتماع تام إنْ حضره نصف عدد الأعضاء على الأقل.
يعقد مجلس رئاسة تنفيذية الأممية الشيوعية اجتماعا واحدا على الأقل كل خمسة عشر يوما. والاجتماع تام إن حضره نصف عدد الأعضاء على الأقل.
يعين مجلس رئاسة تنفيذية الأممية الشيوعية لنفسه مكتبا سياسيا كهيئة مصوتة. ويعد المكتب السياسي أيضا قضايا اجتماعات تنفيذية الأممية الشيوعية ومجلس رئاستها: إنه هيئتها التنفيذية.
يعين مجلس رئاسة اللجنة التنفيذية هيئةَ تحرير المنشورات الدورية وغيرها التابعة للأممية الشيوعية.
ينظم مجلس رئاسة اللجنة التنفيذية فرعا للعمل بين النساء وكذلك مندوبات دائمات لقيادة عمل مختلف المجموعات وفروع الأممية الشيوعية (مكتب البلد) وغيرها من الفروع الضرورية لعملها.
تهتم لجنة المراقبة الأممية بالقضايا المتعلقة بوحدة وانسجام الفروع التي أقرتها الأممية الشيوعية وبالقضايا المتعلقة بسلوك الأعضاء في مختلف الفروع من جهة أنهم شيوعيون.
لذا، تنظر لجنة المراقبة الأممية في:
أ. ما يوجهه أعضاء حزبيون من تهم ضد اللجان المركزية في الأحزاب الشيوعية بعد أن سلطت عليهم عقوبات تأديبية إثر خلافات سياسية.
ب. ما ماثل ذلك وتعلق بأعضاء في الهيئات المركزية في الأحزاب الشيوعية وبعناصر مفردة في الأحزاب، إذا ما رأت في ذلك ضرورة أو إذا ما اِقترحت ذلك الهيئاتُ التنفيذية في الأممية الشيوعية.
ت. ميزانية الأممية الشيوعية فتراقبها وتحقق فيها.
لا تتدخل لجنة المراقبة الأممية في الخلافات السياسية والقضايا الإدارية والتنظيمية التي تنشأ في الأحزاب، ولها أن تختار مقر رئاستها باتفاق مع تنفيذية الأممية الشيوعية.
يجب على لجنة الفرع المركزية التي أقرتها الأممية الشيوعية وكذلك اللجنة المركزية المقبولة كمتعاطفة أن ترسل محاضر جلساتها وتقارير في أعمالها إلى تنفيذية الأممية الشيوعية بانتظام.
إن استقالة عناصر فرادى أو مجموعة بأكملها من لجنة الفرع المركزية إنما هو صفة من صفات تفكك الحركة الشيوعية؛ فلا ينتمي كل مركز قيادي في الحزب إلى صاحبه بل ينتمي إلى الأممية الشيوعية بأكملها. ولا يمكن للعضو المنتخَب إلى هيئة الفرع القيادية المركزية أن يتخلى عن مدته النيابية قبل إعادة الانتخابات إلا بمصادقة تنفيذية الأممية الشيوعية. والاستقالة التي تقبلها لجنة الفرع المركزية دون مصادقة تنفيذية الأممية الشيوعية غير صالحة.
يجب على الفروع المنخرطة في الأممية الشيوعية، وبوجه خاص فروع الدول الإمبريالية وفروع مستعمراتها وكذلك فروع الدول المجاورة لها، أن تقيم الصلة الأكثر متانة تنظيميا وإعلاميا بتمثيل مشترك في المجالس والمؤتمرات وبتبادل مناضلين قياديين بمصادقة تنفيذية الأممية الشيوعية.
يمكن لفرعين أو أكثر من فروع الأممية الشيوعية مرتبطة سياسيا بظروف النضال المشتركة (مثل فروع البلدان الاسكندينافية والبلقانية) أن تنتظم بمصادقة من تنفيذية الأممية الشيوعية في اتحاد يعمل تحت قيادة تنفيذية الأممية الشيوعية ويخضع لمراقبتها في سبيل تضافر جهود تلك الفروع.
يدفع كل فرع مساهمة لتنفيذية الأممية الشيوعية تحددها هذه الأخيرة.
لا تنعقد مؤتمرات الفرع عادية كانت أم استثنائية إلا بمصادقة تنفيذية الأممية الشيوعية. وإن فرعا لم ينعقد مؤتمره قبل انعقاد المؤتمر الشيوعي العالمي ملزم بأن يعقد مجلسا للحزب أو اجتماعا موسعا للجنته المركزية ليدرس القضايا التي ستطرح في المؤتمر الشيوعي العالمي قبل أن ينتخب الوفد الذي سيوفده إلى المؤتمر الشيوعي العالمي.
منظمة الشباب الشيوعي الأممية (أممية الشباب الشيوعي) هي فرع من فروع الأممية الشيوعية يتمتع بكامل حقوق الفرع ويخضع لتنفيذية الأممية الشيوعية.
يجب على الأحزاب الشيوعية أن تكون جاهزة للانتقال إلى السرية. ويجب على تنفيذية الأممية الشيوعية أن تساعدها على تحضير ذلك.
لا يحق لعضو في فرع من فروع الأممية الشيوعية أن يهاجر بلده إلا بترخيص من لجنة فرعه المركزية. فمن كان له ذلك انخرط في فرع البلد الذي حل فيه، وأما من كانت هجرته على خلاف ذلك فلا يقبل في أي فرع من فروع الأممية الشيوعية.
1
مرت الحركة البروليتارية العالمية بعد الحرب الإمبريالية العالمية الأولى بمراحل تاريخية خلال تطورها تعبر عن مختلف مراحل أزمة النظام الرأسمالي العامة.
المرحلة الأولى هي مرحلة أزمة حادة في النظام الرأسمالي؛ مرحلة هجمات ثورية شنتها البروليتاريا، وبلغت ذروتها عام 1921، وانتهت بانتصار اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية على قوى التدخل من الخارج والرجعية في الداخل، وتقوية دكتاتورية البروليتاريا وتنظيم الأممية الشيوعية من جهة أولى، وبهزائم وخيمة تكبدتها البروليتاريا في أوروبا الغربية، وبداية هجوم عام من جانب البرجوازية من جهة ثانية. وكانت هزيمة البروليتاريا الألمانية عام 1923 آخر حلقات تلك المرحلة ونقطة بداية المرحلة الثانية التي شهدت تدريجيا استقرارا جزئيا في النظام الرأسمالي وسير «نهوض» الاقتصاد الرأسمالي وتطور هجوم رأس المال واتساعه، ومعارك دفاعية جديدة خاضها جيش العمال المنهوك بهزائمه الخطيرة. كما شهدت هذه المرحلة سيرا سريعا في نهوض اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ونجاحاته الجدية في بناء الاشتراكية، وتأثيرا سياسيا قويا متعاظما عند الأحزاب الشيوعية في جماهير العمال العظيمة. وأخيرا المرحلة الثالثة وهي أساسا مرحلة نهوض الاقتصاد الرأسمالي موازاة لنهوض اقتصاد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية تقريبا. لقد تجاوز هذا الأخير ما كان عليه من مستوى قبل الحرب (بداية مرحلة ما سُمي بـ«إعادة البناء»، نمو جديد في أشكال الاقتصاد الاشتراكية على قاعدة تقنية جديدة). وكانت هذه المرحلة بالنسبة للعالم الرأسمالي، مرحلة تطور سريع في التقنية ونمو حاد في الاحتكارات (كارتيلات، تروستات) ونزوع إلى رأسمالية الدولة. كما شهدت في ذات الوقت، تطورا قويا في تناقضات الاقتصاد العالمي وهي تناقضات تتحرك ضمن الأشكال التي حددها سير أزمة الرأسمالية السابق (تقلص الأسواق، اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، الحركات الوطنية، نمو التناقضات داخل الإمبريالية). تجعل هذه المرحلة الثالثة، التي شددت بوجه خاص خطورة التناقض القائم بين القوى المنتجة وتقلص الأسواق، من الحتمي قيام مرحلة جديدة من الحروب الإمبريالية بين الدول الإمبريالية وحروب هذه الأخيرة على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وحروب التحرر الوطني على الإمبرياليين المحتلين، ومعارك طبقية عملاقة. وإذ تشدد هذه المرحلة حدة التناقضات العالمية (تناقضات بين البلدان الرأسمالية واتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، الاحتلال العسكري لشمال الصين كبداية لتقسيمه وبداية الصراع بين الإمبرياليين، الخ)، والتناقضات الداخلية في البلدان الرأسمالية (تجذر جماهير البروليتاريا، احتداد الصراع الطبقي، الخ)، وتفجر الحركات الوطنية (الصين، الهند، مصر، سوريا، الخ)، فإنها ستنتهي حتما بتطور جديد في تناقضات الاستقرار الرأسمالي وباهتزازه من جديد، واحتداد خطورة الأزمة العامة في الرأسمالية.
2 مما لا شك فيه أن يكون للنهوض الهائل في تقنية بعض الدول الرأسمالية طابع ثورة تقنية (الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا). فمن جهة أولى هناك نمو عملاق في عدد المحركات ذات المحروقات الداخلية والشبكة الكهربائية وتطور أساليب كيماوية في الصناعة وطريقة جديدة في استخراج المحروقات والمواد الأولية التأليفية (بنزين، حرير اصطناعي، الخ) واستعمال معادن خفيفة وتوسيع هائل في استعمال وسائل النقل ذات المحرك؛ ومن جهة ثانية هناك أشكال تنظيم العمل الجديدة المقترنة بالتطوير المفرط السرعة للعمل المتسلسل. رفع كل ذلك القوى المنتجة في الرأسمالية من جديد، ويتطور على نفس تلك القاعدة رقم المعاملات في التجارة الخارجية وينمو تصدير رؤوس المال بشكل هائل. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الشكل الأخير من العلاقات الاقتصادية بين البلدان تعاظم بشكل محسوس عما كان عليه في المرحلة السابقة عن الحرب.
3 نلاحظ في المجال الاقتصادي نموا مفرط السرعة في الاحتكارات الرأسمالية (كارتيلات، تروستات، تجمعات بنكية لها أيضا تأثير متزايد في الفلاحة). ويتطور أيضا بالتوازي مع تنظم رأس المال في شكل كارتيلات وتروستات داخل الحدود «القومية» سير نمو التجمعات المالية الرأسمالية العالمية، ونلاحظ أيضا، نمو النزوع إلى رأسمالية الدولة سواء كان ذلك بمعناه الأصلي (محطات كهرباء الدولة، مؤسسات الصناعة والنقل البلدية) أم في شكل اندماج المنظمات المالية القومية بأجهزة سلطة الدولة بصورة متزايدة.
4
تأخذ الأزمة العامة في الرأسمالية أشكالا جديدة. وتتطور تناقضات خصوصية على قاعدة تلك التغيرات الجذرية في بنية كامل النظام الاقتصادي العالمي. فينتقل مركز الاقتصاد الرأسمالي من أوروبا إلى أمريكا، وينشأ نزوع متزايد في أوروبا التي انتظمت في تروستات وتصلبت بذلك، نحو التحرر من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية. وتتطور الرأسمالية في بلدان الجنوب المستعمَرة وشبه المستعمَرة. ويقوم اختلاف شاسع في نسق نمو القوة الاقتصادية والعسكرية بين مختلف البلدان وتباين في استحواذها الاستعماري.
فضلا عن تطور اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية كعامل تجذر البروليتاريا في كل البلدان والجماهير الكادحة في المستعمرات وكعامل مضاد للعدوان الرأسمالي العالمي، ينشأ خطر يهدد مواقع الإمبرياليين في المستعمرات وفي مقدمتها الصين. فلا يمكن لجميع تلك التناقضات ألا تنتهي إلى انفجار جديد في آخر الأمر.
5 تدخل قوى الإنتاج الرأسمالي المتنامية في تصادم مطرد مع تقلص حدود الأسواق الداخلية في مختلف البلدان الإمبريالية بفعل الدمار الذي خلفته الحرب وتزايد إفقار جماهير الفلاحين في المستعمرات. كما تتصادم قوى الإنتاج مع بنية الاقتصاد العالمي بعد الحرب، تلك البنية التي تعاظمت تناقضاتها وتعقدت إلى درجة قصوى بفعل التناحر الرئيسي الجديد بين اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والبلدان الرأسمالية. ويجد انقطاع التوازن بين أمريكا وأوروبا أوضح تعبيرا عنه في «المشكل الألماني» وانطفاء الإمبريالية البريطانية. فألمانيا التي سرعان ما تطورت بفضل القروض الأمريكية أساسا، والمجبورة على دفع ثمن الإصلاحات وفوائد الديون، لا تجد أسواقا كافية لتصدير بضائعها، وكامل نظام علاقاتها مشدود إلى القروض الأمريكية المجددة باستمرار، وهي بدورها تزيد من قدرة ألمانيا على المنافسة في السوق العالمية. ويظهر انطفاء الإمبريالية البريطانية مباشرة في توقف الصناعة البريطانية، تلك الصناعة التي غدت باطراد غير قادرة على حماية منافستها في السوق العالمية رغم كل محاولات العقلنة واطراد الهجوم على مستوى عيش البروليتاريا. كما يظهر ذلك في استمرار تقلص تصدير رؤوس المال البريطانية وخسران البرجوازية الإنجليزية منزلة الهيمنة بوصفها مقرضة وبنكية عالمية. كما يظهر ذلك خصوصا في بطالة مزمنة وهائلة. إن هذا الانطفاء الاقتصادي، إلى جانب تطور بلدان التاج، والنهوض الثوري في المستعمرات، يظهر من خلال نزوع نحو تفكك الإمبراطورية البريطانية.
6 ساهمت نجاحات التقنية والتنظيم في بطالة هائلة ومزمنة في البلدان الصناعية الرئيسية. وأصبح جيش العاطلين أكبر بعديد المرات مما كان عليه الجيش الصناعي الاحتياطي قبل الحرب. ولم يقع احتواؤه بصورة كاملة في الفترات المناسبة لذلك. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، حيث شهدت التقنية أهم تقدم، كان هنالك، إلى جانب تطور قوى الإنتاج، تقليص اليد العاملة التي يستخدمها رأس المال الصناعي. وحتى في البلدان التي يوجد فيها تطور تقني من ذلك القبيل، تسببت العقلنة (وهي من أسباب انطلاقة كبرى في الإنتاج) في تقوية هائلة في العمل وتسريعه بشكل هائل. وأدت إلى استنزاف اليد العاملة بصورة هائلة. ومكنت آلية العمل، باطراد، من استغلال اليد العاملة غير المختصة (نساء وأطفال). وإجمالا، استبدلت اليد العاملة المختصة بأخرى غير مختصة. ولقد أدت محاولات تخفيف تلك الصعوبات بتكوين كارتيلات أوروبية وعالمية، وإلى إعادة إنتاج تلك الصعوبات على نطاق واسع وفي أشكال جديدة من المنافسة (تحديد حصص الإنتاج، صراع بين المؤسسات غير المنظمة في كارتيلات) بين إنجلترا ودول قارة أوروبا وفي القارة الأوروبية نفسها لما فيها من انقسامات سياسية واقتصادية وتعدد الحواجز الجمركية. ويصبح مشكل الأسواق ومناطق استثمار رؤوس المال في مثل هذه الظروف مفرط الحدة. وينجم عن ذلك اقتراب مرحلة جديدة قوامها تحالفات عسكرية وحرب تدخل في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. وينجم عن ذلك سرعة اقتراب تدخل في الصين. وأخيرا، ينتهي تطور تناقضات «الاستقرار» الرأسمالي حتما إلى أن تنقلب مرحلة «الاستقرار» الحالي إلى مرحلة كوارث هائلة.
7 علاقات الدول الرأسمالية باتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. موقف الإمبريالية من الصين. علاقات دول أوروبا بالولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصا علاقات هذه الأخيرة ببريطانيا العظمى. كل ذلك هو قاعدة العلاقات الدولية العامة في المرحلة الراهنة. إن تطور ألمانيا الذي كان نتيجة تجمع القوى هو أحد العناصر الرئيسية في تغير علاقات دول أوروبا بعضها ببعض.
8 يجب أن نفهم أن العنصر الجوهري في التطور الحالي في الرأسمالية عموما هو انتقال المركز الاقتصادي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي اشتداد عدوانيتها الإمبريالية. فالولايات المتحدة الأمريكية، من جهة كونها مقرض أوروبا الدائم، تمثل سند نهوض أوروبا الوسطى. وهي تعزز في ذات الوقت مواقعها في جميع بقاع العالم تقريبا. فقد أصبحت أمريكا اللاتينية، تدريجيا، وبإزاحة رأس المال البريطاني، «منطقة نفوذ» هائلة للولايات المتحدة الأمريكية التي تقمع في القارة الأمريكية كل مقاومة بالحديد والنار (نيكارغوا...). وهي تجذب، دوما، كندا وحتى أستراليا على أساس «التعاون الاقتصادي» نحو ذلك الخط الذي تضمن فيه هيمنتها مسبقا. وتتبع الولايات المتحدة الأمريكية خطة واسعة في العالم أجمع للسطو على أهم مصادر المواد الأولية وإضعاف مواقع إنجلترا بتحطيم احتكار هذه الأخيرة للنفط والمطاط وذلك بتدمير قاعدتها في إنتاج القطن في مصر والسودان... وتطور الولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا مخططات واسعة لتدمير قوة إنجلترا في إنتاج القطن. وتصطدم الولايات المتحدة الأمريكية في الصين باليابان وإنجلترا. وتحتل موقعا أكثر قوة محتمية في الوقت الحاضر بمبدأ «الباب المفتوح» لكنها تشترك في الواقع في اقتسام الصين. وهكذا، فإن إمبريالية أمريكا الشمالية تمر بثبات أكبر من سياسة «الاختراق السلمي» إلى سياسة احتلال المستعمرات عسكريا مباشرة.
9 تصطدم الانطلاقة السريعة في الولايات المتحدة الأمريكية بمصالح الرأسمالية البريطانية السائرة نحو الانطفاء لكن التي لا تزال قوية. فالتناقضات بين جمهورية الدولار –بما لتطورها من نسق حاد لكن مع امتلاك إلا القليل من المستعمرات– والإمبراطورية الاستعمارية البريطانية السائرة نحو الانطفاء –رغم ما تملكه من احتكار استعماري هائل– هي محور التناقضات العالمية في المرحلة الراهنة. وتكمن في ذلك حلقة الصراع المقبل لاقتسام العالم المستعمَر من جديد (وليس فقط العالم المستعمَر). لقد أصبح «التعاون» الأنجلو–أمريكي تناحرا أنجلو–أمريكيا شرسا ينذر بآفاق تآمر القوى العظمى تآمرا هائلا.
10 لقد ظهر تأثير رأس المال الأمريكي خصوصا في نهوض اقتصاد ألمانيا. فمن تحت أنقاض الدمار الاقتصادي انتصبت ألمانيا في علو هائل من جديد بفضل قروض الولايات المتحدة الأمريكية فتعاظم دور ألمانيا السياسي نتيجة ذلك. وتسبب نمو الرأسمالية الاحتكارية في ألمانيا في انحلال تدريجي في اتفاقية فرساي وسير ألمانيا في اتجاه غربي؛ أي إمبريالي ومعادي للاتحاد السوفيتي، وهو اتجاه يزداد تأكدا باستمرار. فإذا كانت ألمانيا زمن انهيارها الاقتصادي والسياسي والقومي تسعى إلى وفاق مع الدولة البروليتارية، الدولة الوحيدة التي انتصبت ضد الاستعباد الإمبريالي لألمانيا، فإن النزعة الإمبريالية الجديدة المتنامية في ألمانيا تدفع أكثر دوما البرجوازية الألمانية إلى موقع معاداة الاتحاد السوفييتي.
11 لابد أن يستوجب ذلك الواقع نفسه تغيرا في تجمعات القوى الأوروبية. فوجود عدة تناقضات داخلية في أوروبا (في مقدمتها التناحر الفرنسي–الإيطالي في البلقان وإفريقيا الشمالية) على أساس علاقات عدم استقرار عام، يسبب تجمعا دائما للقوى. ورغم تلون تلك التجمعات المتغيرة، يرتسم توجه أساسي هو الصراع ضد الاتحاد السوفييتي. فالاتفاقيات العديدة بين الدول الصغيرة (بولونيا، رومانيا، إيطاليا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، الدول الحدودية) هي اتفاقيات موجهة ضد الاتحاد السوفييتي وقامت وفق توجيهات لندن وباريس، وهي اتفاقيات تعبر عن ذلك التوجه بصورة مطردة الوضوح. ويختتم موقف ألمانيا، بمقدار معين، مرحلة من ذلك التوجه الذي يهدف إلى التحضير لحرب حلف الإمبرياليين الرجعي على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
12 ليس في الصراع من أجل الأسواق ومناطق استثمار رؤوس المال تهديدا بحرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وبين الدول الإمبريالية فقط، بل أدى إلى حرب تدخل لاقتسام السوق الصينية الشاسعة. فأينما كان الإمبرياليون أمام موضوع استغلال وحركة ثورية تدمر أسس هيمنة الرأسماليين إلا وكان قيام أحلاف إمبريالية عامة أكثر الأمور احتمالا. فلذلك السبب يوجد، موازاة لتحالف القوى الإمبريالية ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، اتفاق عسكري رجعي عام ضد قوى الثورة الصينية يطور تناقضات مصالح عميقة صلب تحالف الإمبرياليين وفي مقدمتها التناقض بين الإمبريالية اليابانية الدموية الإلحاقية علنا والقوة الهائلة عند الإمبريالية الأمريكية التي تستتر بستار سلمي في الوقت الراهن. وهكذا يمكن لحرب الإمبرياليين على الشعب الصيني أن تفجر صداما هائلا فيما بينها.
13 تتحدد سياسة البرجوازية الآن في أغلب البلدان الرأسمالية بمهمتين جوهريتين؛ الأولى الزيادة في «قدرة المنافسة» أي تطوير ترشيد الرأسمالية، والثانية تحضير الحرب. وتؤدي هذه السياسة من الجهة الاجتماعية إلى تقوية الضغط على البروليتاريا ورفع نسب استغلالها واستخدام سبل الإفساد الاقتصادي والسياسي الذي تمثل الاشتراكية–الديمقراطية أداته على نحو مطرد وذلك لمجابهة نتائج ذلك الاستغلال الفاحش.
14 يقوي تمركز رأس المال ومشاركة الملكية العقارية الكبيرة في تنظيم رأس المال بوجه عام عبر النظام البنكي، دوما، قوى المستغِلين الكبار الذين تندمج منظماتهم بأجهزة سلطة الدولة مباشرة. فإذا كان نظام «رأسمالية الدولة الحربية»، بقدر كبير، «نظام اقتصاد الدولة العسكرية» قد «قلب» إثر الحرب، فإن النزوع إلى رأسمالية الدولة الذي يرتكز حاليا على تطوير قوى الإنتاج وتمركز الاقتصاد بسرعة، إنما هو بدوره بداية أساس موضوعي للتحالفات الاقتصادية–العسكرية في اتجاه الصدامات المقبلة. ويلعب التوجه الذي يتم نحو الصناعة الكيميائية في تحضير قوى الإنتاج دورا جوهريا في الحرب المعاصرة ويزيد من وضوح أهمية ذلك الواقع.
15 إن نمو تلك العلاقات بين الدولة ومنظمات الأعراف وتمركز كل قوى البرجوازية في الدولة البرجوازية ينتج عنه في جميع البلدان الرأسمالية نموا رجعيا في كامل «النظام الحكومي البرجوازي». ويظهر ذلك النمو (وهو تعبير خاص عن المرحلة الراهنة من الرأسمالية) في المجال السياسي من خلال الأزمة العامة في الديمقراطية والبرلمانية البرجوازيتين. ويضع بصمته على جميع الصدامات الاقتصادية بين رأس المال والعمل ويعطيها حدة قصوى. فكل إضراب اقتصادي كبير يضع العمال في مواجهة التروستات الرأسمالية العملاقة المرتبطة أوثق ارتباط بسلطة دولة الإمبرياليين. لذلك يكتسب أي واحد من تلك الإضرابات طابعا سياسيا أي طابعا طبقيا عاما، ويطبع تطور أي واحد من تلك الإضرابات بطابع الإضراب «الموجه» ضد الدولة. وتُكرِه تلك الأوضاعُ البرجوازيةَ وسلطة دولتها على اللجوء إلى أشكال معقدة لإفساد بعض شرائح البروليتاريا ومنظماتها السياسية والنقابية إفسادا اقتصاديا وسياسيا. فارتباط الكوادر العليا في النقابات الإصلاحية والأحزاب «الإصلاحية» بمنظمات الأعراف والدولة البرجوازية –يصبح العمال موظفين في الدولة وموظفين في منظمات الأعراف، نظرية الديمقراطية الاقتصادية وممارستها، «السلم الصناعي»، الخ، – هي وسائل بمثابة حواجز تمنع تطور الصراع الطبقي.
16 تشحذ الدول الإمبريالية، باستمرار وفي ذات الوقت، وسائل القمع وطرقه لمواجهة الطلائع الثورية في البروليتاريا وخاصة الأحزاب الشيوعية وهي الأحزاب الوحيدة التي تنظم وتخوض نضال البروليتاريا الثوري ضد الحرب الإمبريالية والاستغلال المتعاظم. ترتبط تلك الإجراءات أيضا ومباشرة بتحضير الدول الإمبريالية الحرب. لكنها تعكس أيضا في ذات الوقت التناقضات الطبقية وخصوصا حدة كل أشكال وطرق الصراع الطبقي الذي يظهر من خلال توسيع تطبيق البرجوازية الطرق الفاشية في الاضطهاد. ونذكر هنا القانون البرلماني حول النقابات في إنجلترا. وقانون بول بنكور العسكري وقمع الشيوعيين في فرنسا. وقوانين أمن الدولة (في البلقان، مثلا). وتحطيم النقابات وقمع الشيوعيين في إيطاليا. الإرهاب في اليابان وبولونيا. ومذابح في حق الشيوعيين والعمال والفلاحين الثوريين في الصين. وقمع الثوريين في المستعمرات عموما. ومحاولات حل اتحاد مقاتلي الجبهة الحمراء في ألمانيا، الخ، الخ. وفي البلدان التي لا تزال فيها الأحزاب الشيوعية علنية تعمل البرجوازية بعون الاشتراكية–الديمقراطية على أن تكون تلك الأحزاب الشيوعية غير علنية. لذا، فإن تحضير الجماهير للنضال والقتال الحيويين ضد محاولات الهجوم المتكررة من جانب البرجوازية إنما هو على جدول الأعمال.
17 ينمو موازاة لذلك، وفي أشكال جد متنوعة، صمود البروليتاريا التي تخلصت من هزائمها الثقيلة في المرحلة السابقة. فتطور تناقضات الاستقرار الرأسمالي، والعقلنة، والبطالة المتنامية، وتزايد قمع البروليتاريا، وإفقار البرجوازية الصغيرة، وما إلى ذلك، إنما يعجل الصراع الطبقي واتساع قاعدته أمرا محتما. ويضاف إلى ذلك سير «تجذر البروليتاريا» العام في بلدان أوروبا وضعف تأثير الأحزاب البرجوازية الخالصة في جماهير العمال الذين التف جزء منهم حول الاشتراكية–الديمقراطية وجزء آخر حول الشيوعية. ويزداد اعتماد الاشتراكية–الديمقراطية على البرجوازية الصغيرة مغيرة، على ذلك النحو، قاعدتها الاجتماعية من البروليتاريا إلى البرجوازية الصغيرة. وينمو تأثير الأحزاب الشيوعية صلب البروليتاريا. فإذا كانت بداية مرحلة استقرار رأس المال وهجومه قد شهدت نضالات دفاعية كبرى، فإن المرحلة الجديدة تحدد أيضا ظهور نضالات جماهيرية واسعة وفي مقدمتها موجة الإضرابات في مختلف البلدان (ألمانيا، فرنسا، تشيكوسلوفاكيا...)، وانتفاضة البروليتاريا في فيينا، والمظاهرات المناهضة لإعدام ساكو وفانزيتي، وحركة الدفاع عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، الخ. وهكذا، فإن إعادة إنتاج تناقضات الاستقرار الرأسمالي وتعاظم حدة الصراع الطبقي إنما يؤدي، رغم ما تتخذه البرجوازية والاشتراكية–الديمقراطية من إجراءات، إلى التمايز الفكري وتعاظم القوى الثورية صلب البروليتاريا وتقوية مواقع الشيوعية صلب الحركة البروليتارية العالمية.
18 تقدم الإصلاحية مؤشرات تبين ما لها من حيوية وصلابة سياسية داخل الحركة البروليتارية في أوروبا وأمريكا رغم اشتداد خطورة الصراع الطبقي. إن السبب الاجتماعي والاقتصادي العام لهذا الوضع الأساسي إنما يكمن في التطور البطيء في أزمة الرأسمالية ونمو بعض أجزائها الرئيسية المكونة لها وانطفاء أجزاء أخرى ببطء نسبي. وترتبط الوقائع التالية بذلك: تعاظم قوة مواقع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة كونها مستغِل ومقرض وربوي عالمي («نجاحات» الولايات المتحدة الأمريكية). قوة استعمارية كبرى لدى إنجلترا، تفقد تدريجيا فقط مواقعها في السوق العالمية. نهوض الاقتصاد الألماني، وغير ذلك. وارتباطا بهذا المسار، يقوم مسار آخر ثانوي قوامه دمج أجهزة الدولة ومنظمات الأعراف بالكوادر العليا في المنظمات التي تقودها الاشتراكية–الديمقراطية. وتكوين موظفين جدد من البيروقراطيين العمال (موظفين في الدولة والبلديات ومنظمات الأعراف، وموظفين في خدمة المنظمات «المشتركة» التي تضم العمال والرأسماليين، و«ممثلي البروليتاريا» في إدارة المراكز ومجالس سكك الحديد أين تأخذ الكلمة باسم النقابات والتعاونيات، الخ).
19 تساند الاشتراكية–الديمقراطية مسار تبرجز الكوادر العليا في البيروقراطية البروليتارية وتسهله عن وعي، وقد مرت من الدفاع المحتشم عن الرأسمالية إلى أزرها جهرا والمساهمة في تشييدها بنشاط، ومرت من الحديث عن الصراع الطبقي إلى التبشير بـ«السلم الصناعي»، ومرت من «الدفاع عن الوطن» إلى تحضير الحرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية (كاوتسكي)، ومرت من الدفاع عن المستعمرات بالألفاظ إلى المساندة المباشرة لسياسة الاضطهاد الاستعماري، ومرت من النزعة السلمية البرجوازية الصغيرة إلى بناء عصبة الأمم، ومرت من نزعة التحريف الخاطئة ماركسيا إلى ليبرالية حزب العمل البريطاني.
20 يوافق هذا الموقف الفكري نشاط الاشتراكية–الديمقراطية والزعماء النقابيين الإصلاحيين تماما وعمليا وفي مقدمة ذلك حملتهم لتطبيق عام للطرق «الأمريكية» في الإفساد وتشتيت البروليتاريا (نشاط مكتب العمل العالمي، ندوات مندوبي المجلس العام وحزب العمل البريطاني مع منظمات الأعراف في إنجلترا، المجلس الاقتصادي الوطني في فرنسا وفي ألمانيا، قوانين التحكيم الإجباري في مختلف البلدان الاسكندنافية، تكوين جهاز مشترك «غرفة تجارية» و«غرفة بروليتارية» في النمسا). وتقوم الاشتراكية–الديمقراطية وزعماء النقابات الإصلاحية بدور مضلل خلال الإضرابات والأزمات السياسية وخلال الصدامات والانتفاضات في المستعمرات وتبريرهم الإرهاب الموجه ضد العمال (الإضراب الإنجليزي، انتفاضة فيينا، إضراب عمال المعادن في ألمانيا، إعدام العمال في تشيكوسلوفاكيا وبولونيا رميا بالرصاص، انتفاضة اندونيسيا، الثورة في الصين، انتفاضات في سوريا والمغرب، وغيرها كثير). ويكتمل كل ذلك الآن بهجماتها الشرسة ضد الشيوعيين والعمال الثوريين (سياسة الإقصاء من النقابات والتعاونيات وغيرها من المنظمات الجماهيرية في عديد البلدان، وسياسة تقسيم تلك المنظمات).
21
إن هذه السياسة التي ترمي إلى تقسيم البروليتاريا يطبقها الزعماء الإصلاحيون على نطاق واسع، فهم يقصون من المنظمات الجماهيرية عند البروليتاريا أحسن العناصر الثورية. وهذه السياسة هي جزء مكون لسياسة تعاونهم مع البرجوازية، وهدفها ضرب وحدة الصفوف البروليتارية لتضعف، على هذا النحو، مقاومتهم لهجمات رأس المال. وهذه السياسة هي حلقة ضرورية في كامل سلسلة سياستهم الاشتراكية–الإمبريالية (سياسة التسلح، سياسة معاداة الاتحاد السوفييتي ونهب المستعمرات). ويجب على الشيوعيين للإيقاع بهذه المحاولات الإصلاحية التي ترمي إلى تفكيك الجبهة البروليتارية من الداخل، أنْ يتابعوا ويطوروا، الآن خاصة، هجوما مضادا حيويا قوامه نضال جماهيري في سبيل الوحدة الطبقية لصد السياسة الإصلاحية لتقسيم المنظمات الجماهيرية البروليتارية (نقابات، تعاونيات، جمعيات ثقافية ورياضية، الخ).
يلعب من يسمون بزعماء «يسار» الاشتراكية–الديمقراطية دورا حقيرا في مؤامرة التقسيم الإصلاحية. فهم يدعون إلى الوحدة قولا، لكنهم، في الواقع، يساندون دوما ودون تحفظ الطرق الإجرامية عند الأممية الثانية وأنصار أمستردام.
22 تعبر هيئة أركان الاشتراكية–الديمقراطية والنقابات الإصلاحية في البلدان الإمبريالية عن مصالح الدولة البرجوازية في مجال السياسة الخارجية على نحو منسجم. وتتمثل المعالم الجوهرية لخط سلوك الاشتراكية–الديمقراطية الفعلي في مجال السياسة الخارجية في ما يلي: دعم الدولة البرجوازية؛ ودعم قواتها المسلحة؛ وشرطتها؛ وشراهتها للتوسع؛ وعدائها المبدئي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية؛ ودعمها لاتفاقيات ومعاهدات النهب؛ ودعمها لسياسة الاستعمار والاحتلال والإلحاق؛ ودعمها عصبة الأمم؛ ودعمها حملة الحقد على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية من جانب القوى الإمبريالية؛ ومشاركتها في خداع الجماهير بـ«السلم»؛ ومشاركتها في تحضير الحرب على الجمهوريات البروليتارية؛ ومشاركتها في خداع عمال المستعمرات (بيرسل في الهند، قرارات الأممية الثانية في القضية الاستعمارية).
23
لعبت الاشتراكية–الديمقراطية، خلال كامل الفترة الماضية، دور آخر احتياطي عند البرجوازية؛ دور حزب «عمالي» برجوازي. فقد استطاعت البرجوازية أن تشق الطريق إلى الاستقرار النسبي في الرأسمالية بعناية الاشتراكية–الديمقراطية (جملة من مكاتب التحالف في أوروبا). لقد جعل الاستقرارُ النسبي في الرأسمالية وظيفةَ الاشتراكية–الديمقراطية كحزب قائد ضبابيا إلى حد معين. إن التخلي عن التحالفات وتأليف حكومات «برجوازية خالصة» قد عوض ما يسمى بـ«ـعهد السلم الديمقراطي». وإذ تلعب الاشتراكية–الديمقراطية دور المعارض من جهة أولى، ودور محرض وداعية لسياسة «السلم الواقعي» من جهة ثانية، فقد حافظت على تأثيرها على شرائح هامة من البروليتاريا، وحققت تأثيرا في شرائح البرجوازية الصغيرة السائرة في طريق التجذر (الانتخابات في فرنسا وألمانيا). وشاركت من جديد في الحكومة في أوروبا الوسطى. لكن يجب الانتباه إلى أن هذه الحكومات الائتلافية الجديدة ليست مجرد تكرار للتركيبات القديمة ولا يمكن أن يكون لها ذلك، خصوصا فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية بوجه عام، وما يتعلق بقضايا السياسة العسكرية بوجه خاص؛ فهنا ستلعب الاشتراكية–الديمقراطية دورا أكثر خيانة مما كان لها في الفترات الماضية.
كما يجب الانتباه إلى أنه وبالارتباط خاصة بما تقوم به الاشتراكية–الديمقراطية من تحالفات وتطور زعمائها الرسميين من الممكن أن يتقوى «جناح» الاشتراكية–الديمقراطية اليساري (الماركسية النمساوية، الترنمالية، مذهب حزب العمل المستقل في إنجلترا، الماكييفيلية في إيطاليا). فهذا الجناح يخدع الجماهير البروليتارية بطرق أكثر نعومة وبالتالي أكثر خطرا على قضية الثورة البروليتارية. فقد بينت تجربة الفترات الدقيقة (ثورة 1923 في ألمانيا، الإضراب الإنجليزي، انتفاضة فيينا) وكذلك موقف الاشتراكيين–الديمقراطيين اليساريين في قضية تحضير الإمبرياليين الحرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية أن الزعماء الاشتراكيين–الديمقراطيين اليساريين هم في الواقع أخطر أعداء الشيوعية ودكتاتورية البروليتاريا. ولقد تأكد هذا الأمر بشكل خاص بسلوك الاشتراكية–الديمقراطية النمساوية، هذا «الحزب الأنموذج» للجناح «اليساري» في الأممية الثانية، زمن المعارك الدموية التي خاضتها البروليتاريا في فيينا في تموز 1927. هذا الإفلاس التام عن رهط باور وأدلر وشركائهما يبين أن «الماركسية النمساوية»، والتي تشدد من حدة توجهها الرجعي خاصة بعد قمع انتفاضة فيينا، تخون على الدوام، عمليا، وبكل خزي، القضية البروليتارية وأنها أحسن أداة بين أيدي الإصلاحيين لخداع الجماهير الثورية.
لذا، يجب على الشيوعيين، آخين في الحسبان مسار تجذر العمال داخل الاشتراكية–الديمقراطية نفسها وساعين دوما إلى توسيع تأثيرهم ليشمل أولئك العمال، أنْ يفضحوا، دون رحمة، الزعماء الاشتراكيين–الديمقراطيين اليساريين من جهة أنهم أخطر أعوان البرجوازية داخل البروليتاريا، وأنْ يكسبوا الجماهير البروليتارية التي تتخلى عن الاشتراكية–الديمقراطية بقوة.
24
تنظم البرجوازية، إضافة إلى ضمان عون الاشتراكية–الديمقراطية، شكلا فاشيا من الحكم في أوقات حرجة وظروف محددة.
إن العلامة المميزة للفاشية، هي أنه زمن اهتزاز النظام الاقتصادي الرأسمالي وبسبب ظروف موضوعية وذاتية، تستغل البرجوازية غضب البرجوازيتين الصغرى والوسطى في المدينة والريف وحتى بعض الفئات البروليتارية غير المحددة المعالم الطبقية لتخلق حركة جماهيرية رجعية قصد سد الطريق أمام تطور الثورة. وتعتمد الفاشية طرق العنف المباشر لتحطيم قوة منظمات البروليتاريا والفلاحين الفقراء والاستيلاء على السلطة. وحالما تملك الفاشية السلطة تسعى جاهدة إلى إقامة الوحدة السياسية لكل الطبقات السائدة في المجتمع الرأسمالي (بنوك، الصناعة الكبيرة، الزراعات الكبرى) وتنجز دكتاتوريتهم الكاملة المكشوفة والمنسجمة. وتضع الفاشية على ذمة الطبقات السائدة قواتها المسلحة المنصبة خصيصا للحرب الأهلية. وتُنشأ نوعا جديدا من الدولة يعتمد على العنف المكشوف والإكراه والإفساد المسلط لا على فئات البرجوازية الصغرى فحسب وإنما على بعض العناصر من البروليتاريا (أعوان، زعماء إصلاحيون قدامى أصبحوا موظفين في الدولة، موظفو النقابات أو الحزب الفاشي، فلاحون فقراء وعمال عديمي المعالم الطبقية انتدبوا في «الميليشيات الفاشية»).
لقد تمكنت الفاشية الإيطالية من التقليص من تبعات الأزمة السياسية والاقتصادية في الداخل خلال السنوات الأخيرة بطرق مختلفة (مساعدة من رأس المال الأمريكي، أقصى اضطهاد الجماهير اجتماعيا واقتصاديا، بعض أشكال رأسمالية الدولة)، وخلقت نمطا كلاسيكيا من النظام الفاشي.
توجد، الآن، توجهات وبدايات فاشية في كل مكان تقريبا لها بعض التطور. ومذهب التعاون الطبقي، وهو المذهب الرسمي عند الاشتراكية–الديمقراطية، يلتقي ومذهب الفاشية في عدة نقاط. والطرق الفاشية المطبقة في محاربة الحركة الثورية توجد على نحو جنيني في ممارسة العديد من الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية والبيروقراطية النقابية الإصلاحية.
تتبع الفاشية سياسة عنف واستفزاز في مجال العلاقات الدولية. وتظهِر الدكتاتورية الفاشية في بولونيا وإيطاليا، أكثر فأكثر، توجها عدائيا. إنهما، بالنسبة لعمال العالم، تهديد ثابت للسلم وخطر مغامرات عسكرية وحروب.
25 تجد أزمة النظام الرأسمالي العالمي العامة تعبيرا واضحا عنها الآن في الانتفاضات والثورات في المستعمرات وأشباه المستعمرات. إن مقاومة السياسة الإمبريالية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية (المكسيك، نيكاراغوا)، وحركة أمريكا اللاتينية ضد الولايات المتحدة، والانتفاضة الوطنية في سوريا والمغرب، والغليان المستمر في مصر وكوريا، وانتفاضة إندونيسيا، وسير تطور الأزمة الثورية في الهند، وأخيرا، الثورة الكبرى في الصين، – كل تلك الأحداث تبين ما للمستعمرات وأشباه المستعمرات من دور عملاق في النضال الثوري ضد الإمبريالية.
26 إن الرئيسي في تلك الأحداث والظاهرة التي لها أهمية تاريخية عالمية هو الثورة الصينية الكبرى. فهي تجذب في مدارها عشرات الملايين مباشرة ومئات الملايين بصورة غير مباشرة؛ جمهور بشري هائل يشارك لأول مرة بمثل تلك القوة في النضال ضد الإمبريالية. إن مجاورة الصين كلا من الهند والهند الصينية يرفع أهمية الثورة الصينية إلى درجة كبيرة. وأخيرا، إن مسار هذه الثورة نفسه وطابعها الديمقراطي وتطورها الحتمي في اتجاه ثورة بروليتارية – إنما يوضح كل ذلك دور الثورة الصينية العالمي بكل مداه أمام أنظار البروليتاريا العالمية.
27
الثورة الصينية ثورة معادية للإمبريالية وثورة تحرر وطني. وهي في ذات الوقت ومن جهة محتواها الموضوعي وفي طورها الحالي، ثورة ديمقراطية برجوازية ستتحول حتما إلى ثورة بروليتارية. أثناء تطور الثورة؛ أثناء تحرك أوسع الجماهير البروليتارية والفلاحية والتطور الفعلي في الثورة الزراعية، التي تصفي بطريقة عامية حساباتها مع المالكين العقاريين: «الجنتري» و«التوكاوس»، انتقلت البرجوازية الوطنية (في الكيومنتانغ) نهائيا إلى معسكر الثورة المضادة فتحالفت مع الإقطاعيين واتفقت مع اللصوص الإمبرياليين بعد أن قامت بعدة انقلابات. لذلك لا ينفصل النضال ضد الإمبريالية عن النضالِ في سبيل الأرض والنضالِ ضد سلطة البرجوازية الرجعية. إنه لا ينفصل عن النضالِ ضد المزارعين (الجنتري والتوكاوس)، وضد العسكريين وضد حروبهم الداخلية التي تضعف الجماهير الشعبية وتقوي مواقع الإمبرياليين. ولا يمكن أن تتحرر الصين دون نضال ضد البرجوازية الصينية، ودون نضال في سبيل الثورة الزراعية وحجز أراضي المزارعين وإعفاء الفلاحين من الضرائب المجحفة التي تثقل كاهلهم. ولا يمكن أن تتحرر الصين دون انتصار دكتاتورية العمال والفلاحين، ودون حجز الأراضي وتأميم المؤسسات الأجنبية والبنوك والنقل، الخ، الخ...
لا يمكن حل هذه المهمات إلا شرط أن تقوم انتفاضة مظفرة تقوم بها أوسع الجماهير الفلاحية سائرة تحت قيادة البروليتاريا الثورية الصينية وهيمنتها.
يتميز الطور الحالي من الثورة الصينية بالخصائص التالية: كَبد معسكر الإمبرياليين والإقطاعيين والبرجوازية، رغم ما فيه من تناقضات، البروليتاريا والفلاحين هزيمة خطيرة، وحطمَ، جسديا، جزءا هاما من كوادر الحزب الشيوعي. ولم تتجاوز الحركة البروليتارية هزائمها بصورة تامة. وتتواصل حركة الفلاحين في عدة مناطق. وأينما تكللت انتفاضتهم بالظفرِ إلا وتكونت أجهزة سلطة فلاحية وأحيانا سوفياتات فلاحية. ويتقوى الحزب الشيوعي داخليا، ويصبح أكثر انسجاما، ويزداد نفوذه وتأثيره في أوسع الجماهير البروليتارية والفلاحية. وعموما، وأخذا بعين الاعتبار اختلاف تطور مختلف أرجاء تراب الصين الشاسع، يجب تحديد الطور الحالي كطور تحضر فيه الجماهير لدفع ثوري جديد.
28 بدأ نهوض جديد في الحركة الوطنية الثورية في الهند. وتتميز هذه الموجة الجديدة بتدخل البروليتاريا تدخلا مستقلا (إضرابات النسيج في بومباي وسكك الحديد في كلكوتا، تظاهرات الأول من أيار، الخ...) ولهذه الموجة جذورا عميقة في كامل وضع البلد. فالتصنيع الذي تسارع بقدر كبير أثناء الحرب وبعدها تباطأ الآن. وسياسة الإمبريالية البريطانية تعرقل تطور الهند الصناعي وتؤدي إلى تجريد الفلاحين من ملكياتهم وتفقرهم. كانت هناك محاولة خلق شريحة صغيرة من الفلاحين الأغنياء لتكون سند الحكومة البريطانية والإقطاع وذلك عبر إصلاحات زراعية لا أهمية لها، فرافقها إفقار واستغلال لأوسع الجماهير الفلاحية متناميان. إن استغلال العمال بشكل محموم إنما يرافقه تشديد وتيرته إلى أقصى حد، وهو استغلال يحافظ على شكل شبه عبودي في بعض المناطق. في النضال ضد هذا الاستغلال الوحشي تتخلص البروليتاريا من تأثير البرجوازية الإصلاحية، رغم أن الجهاز النقابي لا يزال بين أيدي الإصلاحيين. وتسير الحركة الفلاحية ببطء، لكن حتما نحو نهوض جديد، بعد أن تفككت عام 1922 بسبب خيانة غاندي وكونها كانت هدف قمع عنيف من جانب الرجعية الإقطاعية. وأخذت البرجوازية الليبرالية الوطنية (الجناح القيادي في حزب السوارجيين)، مكرهة من جديد على تجديد موقع ولائها للإمبريالية البريطانية بفعل تعنت هذه الأخيرة، تسعى، رغم تدخلاتها المعادية لبريطانيا، إلى إقامة اتفاق معها على حساب الجماهير الكادحة. ثم إن كامل تطور الهند يدفع أوسع جماهير المدينة والريف، وفي مقدمتها الفلاحين المدمرين والمفقرين، في طريق الثورة. فقط معسكر العمال والفلاحين والجزء الثوري من المثقفين يمكنه أن يكون مستعدا، تحت قيادة البروليتاريا، لخرق معسكر الإمبرياليين والمالكين العقاريين والبرجوازية الانتهازية، ولتفجير الثورة الزراعية وشق جبهة الإمبرياليين في الهند. إن مهمات البروليتاريا الضرورية والشروط اللازمة لنضال ثوري في سبيل استقلال الهند هي: توحيد جميع العناصر والمجموعات الشيوعية في حزب شيوعي قوي، وتوحيد الجماهير البروليتارية في النقابات، والنضال المنتظم حتى يفضَح فيها نهائيا الزعماء الاشتراكيون الخونة ويطردون منها.
29 يمكن لنهوض الثورة الصينية من جديد، وحتمية اشتداد خطورة الوضع الثوري في الهند أن يخلقا وضعا سياسيا عالميا جديدا، وأن يقلبا الاستقرار النسبي في النظام الرأسمالي. ويؤكد تطور النزاعات فيما بين القوى الإمبريالية، وتجمعهم في معسكر معادي لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وعمق احتداد الصراع القائم بين الإمبريالية وعالم المستعمرات، مرة أخرى، أن طابع المرحلة إنما هو «مرحلة الحروب والثورات».
30 النضال ضد الحرب الإمبريالية المقبلة. الدفاع عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. النضال ضد التدخل في الصين وضد تقسيمها. الدفاع عن الثورة الصينية والانتفاضات الوطنية. تلك هي مهمات الحركة الشيوعية الأساسية في المرحلة الراهنة. ويجب أن يرتبط تحقيق هذه المهمات بنضال البروليتاريا اليومي ضد هجوم رأس المال ويجب أن يخضع كل ذلك للنضال في سبيل دكتاتورية البروليتاريا.
31 يجب أن يكون النضال ضد خطر حروب إمبريالية فيما بين البلدان الإمبريالية وضد خطر حرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، نضالا منتظما اليوم تلو اليوم، ويستحيل قيام هذا النضال دون أن تفضح فيه بلا رحمة نزعة السلم، التي هي في الظروف الراهنة إحدى الأدوات الرئيسية في أيدي الإمبرياليين لتحضير الحروب وإخفاء ذلك التحضير، كما يستحيل قيام هذا النضال دون أن تفضح فيه عصبة الأمم التي هي واحدة من أدوات «السلم» الإمبريالي، وأخيرا يستحيل قيام هذا النضال دون أن تفضح فيه الاشتراكية–الديمقراطية التي تساعد الإمبريالية على تغطية التحضير لحروب جديدة بعَلم السلم. إن مهمات الأحزاب الشيوعية الجوهرية في هذا المجال هي فضح نشاط عصبة الأمم باستمرار وبالوقائع، ومساندة اقتراحات اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية حول نزع السلاح باستمرار، وأن تَفضح الأحزاب الشيوعية حكوماتَها في هذا المجال (مداخلات في البرلمان، مظاهرات جماهيرية في الشوارع، الخ)، وتوضيح تسلح الدول الإمبريالية الفعلي والصناعة الكيميائية باستمرار، وميزانيات الحروب والاتفاقيات والصفقات العلنية والسرية عند الدول الإمبريالية، ودور الإمبرياليين في الصين. وكشف أكاذيب أنصار «السلم الواقعي» الاشتراكيين–الديمقراطيين حول الإمبريالية العليا ودور عصبة الأمم، وتوضيح وتفسير مستمرين لـ«نتائج» الحرب العالمية الأولى وكيف أُعد لها عسكريا ودبلوماسيا سرا. نضال ضد كل ضروب نزعة السلم، وتحريض قوامه شعارات شيوعية في مقدمتها شعار هزيمة الوطن الإمبريالي وتحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية، والعمل بين الجنود والبحرية، وخلق خلايا سرية، والعمل بين الفلاحين.
32
سوف لن يكون لانتصار الإمبرياليين في صراعهم ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية معنى هزيمة البروليتاريا في هذا البلد فقط بل سيكون معناه أيضا أخطر هزيمة تمنى بها البروليتاريا منذ وُجدت. وستتراجع الحركة البروليتارية طوال عقود من الزمن، وستسود كامل أوروبا أعنف رجعية؛ فإذا كانت البروليتاريا قد حققت مكاسب هامة بفضل تأثير ثورة أكتوبر وكنتيجة لثورات ألمانيا والنمسا وبلدان أخرى، فإن هزيمة البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ستفتح صفحة من التاريخ بإرهاب رجعي محتد العنف والوحشية. فلا يمكن، إذن، أن يكون الدفاعُ عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية خارج مركز الاهتمام.
لذا، يجب أن يخلق التنبيه إلى مصير اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، الذي تنتصب ضده قوات الإمبرياليين العسكرية، عملا منتظما لتحضير تحويل الحرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية حربا أهلية على الحكومات الإمبريالية، حربَ دفاع عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
33 يستوجب النضال ضد الحرب الإمبريالية والنضال من أجل الدفاع عن الثورة الصينية وعن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية أن تقوي البروليتاريا نزعتَها الأممية الكفاحية. فقد بينت التجربة أن لم تكن الأحزاب الشيوعية في مستوى هذه المهمات الأممية. ثم إن تنفيذية الأممية الشيوعية رأت في اجتماعها الموسع السابع أن كل أحزاب الأممية الشيوعية تقريبا لم تظهِر حيوية كافية في النضال من أجل الدفاع عن الإضراب الإنجليزي والثورة الصينية. ولقد أكدتِ التجربة اللاحقة أن لم تكن تلك المهمات مفهومة بما فيه الكفاية؛ ففي عديد الحالات وخاصة في النضال ضد التدخل في الصين ظهرت قدرة فروع الأممية الشيوعية على التحرك غير كافية. إن المؤتمر الشيوعي العالمي السادس يلفت انتباه كل الأحزاب الشيوعية إلى ضرورة التخلص من هذه النقائص بحزم وخوضِ نضال منتظِم في هذه المسائل (بسط موسع في الصحافة وأدب الدعاية والتحريض، الخ)، ومباشرة تربية ذاتية بأكثر حيوية وتربية أوسع الجماهير البروليتارية بروح أممية ونضالية.
34
الدفاع عن الحركة الوطنية، خاصة في البلدان الإمبريالية المضطهِدة إنما هو من أهم مهمات الوقت الراهن. النضال ضد التدخل في الصين، ضد قمع حركات التحرر في جميع المستعمرات والعمل في جيشي البر والبحر والدفاع الحيوي عن الشعوب المستعمَرة المنتفضة، ذلك ما يجب أن يكون من إجراءات تتخذ في المستقبل الأقرب. ويكلف المؤتمر الشيوعي العالمي السادس تنفيذية الأممية الشيوعية بأن تولي أكبر اهتمام بالحركات الوطنية وبإعادة تنظيم الفروع المكلفة بذلك العمل وتقويتها.
كما يشير المؤتمر الشيوعي العالمي السادس بوجه خاص إلى ضرورة تنظيم حركة السود في الولايات المتحدة الأمريكية كما في البلدان الأخرى (خاصة في جنوب إفريقيا) بكل الوسائل؛ وبالتالي يفرض المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أن يقوم نضال فاصل لا رحمة فيه ضد جميع مظاهر «العنصرية البيضاء».
35 يجب أن يكون تكتيك الأحزاب الشيوعية العام في البلدان الرأسمالية «المتقدمة»، حيث تدور المعارك الأكثر حسما في سبيل دكتاتورية البروليتاريا والاشتراكية، موجها ضد أي «إدماج» للمنظمات البروليتارية في المنظمات الرأسمالية الخاصة أو الحكومية وضد إدماج النقابات في التروستات وضد «السلم الصناعي» وضد التحكيم الإجباري وضد سلطة حكومة البرجوازية وضد التروستات. يجب على الأحزاب الشيوعية أن تفسر للجماهير البروليتارية، دون كلل، الصلة الوثيقة القائمة بين التبشير بـ«السلم الصناعي» والتحكيم وبين قمع الطليعة الثورية للحركة البروليتارية والتحضير للحرب الإمبريالية.
36 نظرا لاشتداد النزوع إلى خلق التروستات في الصناعة والنزوع نحو رأسمالية الدولة وتداخل منظمات الدولة والتروستات وجهاز النقابات الإصلاحية، ونظرا للمذهب الجديد البرجوازي تماما والإمبريالي عمليا عند الاشتراكية–الديمقراطية، يجب أيضا تقوية النضال ضد هذه «الأحزاب البروليتارية البرجوازية». إن تقوية هذا النضال إنما تنتج عن تغير ميزان القوى وعن موقع الاشتراكية–الديمقراطية التي دخلت طورا أكثر «نضجا» – من الوجهة الإمبريالية – من تطورها. إذن، يقر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس تماما التكتيك الذي رسمته تنفيذية الأممية الشيوعية في اجتماعها الموسع السابع. ولقد أكدت تجربة الانتخابات الفرنسية والحركة الإنجليزية صحة اختيار هذا التكتيك المطلقة.
37
يغير هذا التكتيك شكل تكتيك الجبهة المتحدة ولا يغير محتوى هذا الأخير أبدا؛ فتقوية النضال ضد الاشتراكية–الديمقراطية تنقل مركز الثقل فيه إلى الجبهة المتحدة أي إلى القاعدة، ولا يضعِف واجب الشيوعيين في أن يميزوا بين العمال الاشتراكيين–الديمقراطيين المضللين بكل بساطة عن الزعماء الاشتراكيين–الديمقراطيين الذين هم خدم الإمبرياليين أقذار بل يقوي ذلك التمييز.
لا يزاح كذلك شعار «فلنذهب إلى الجماهير!» (بما فيها الجماهير التي تسير وراء الأحزاب البرجوازية والتي تسير وراء الاشتراكية–الديمقراطية) من جدول الأعمال أبدا، بل هو في مركز كامل عمل الأممية الشيوعية.
العناية بحاجيات البروليتاريا اليومية، والدفاع الحيوي عن أصغر مطالب الجماهير البروليتارية، والتوغل العميق في منظمات الجماهير البروليتارية مهما كانت (نقابية، ثقافية، رياضية، وغيرها)، وتقوية مواقع الحزب في الورشات والمصانع وخاصة في المؤسسات الكبرى، والعمل بين الشرائح البروليتارية المتأخرة (العمال الزراعيون) وبين العاطلين؛ كل ذلك إنما يكون بربط المطالب الصغيرة اليومية بشعارات الحزب الأساسية ربطا مطلقا. تلك هي مهمات الحزب الجوهرية. ولا يمكن كسب الجماهير وتحريكها فعلا إلا بانجاز تلك المهمات.
38
في مجال الحركة النقابية، يقدم المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أقوى نداء إلى جميع الأحزاب الشيوعية بأن تقوم بعمل أقصى، خاصة في هذا القطاع من الجبهة. ويجب أن يكون النضال من أجل تأثير الشيوعيين في النقابات الآن بأكثر قوة في وقت يقوم فيه الإصلاحيون في عديد البلدان بإقصاء الشيوعيين (وعناصر اليسار عموما) من المنظمات النقابية. فبدون تقوية المواقع الضرورية يكون الشيوعيون مهددين بالانعزال عن كامل الجماهير البروليتارية المنظمة في النقابات. لذلك وجب على الشيوعيين أن يقوموا بعمل يومي، صبور ومثابر، في النقابات، وأن يكسبوا في عيون أوسع الجماهير النقابية نفوذا من جهة أنهم منظمين محنكين قويمين ومقاتلين لا فقط في سبيل دكتاتورية البروليتاريا بل أيضا في سبيل المطالب الجزئية الجارية لدى الجماهير البروليتارية، ونفوذا من جهة أنهم قادة تسيير الإضرابات. ولا يمكن للأحزاب الشيوعية والمعارضة النقابية الثورية أن تكتسب دورا قياديا في تلك النضالات إلا بنضال شرس ضد الاشتراكية–الديمقراطية والبيروقراطية النقابية الفاسدة سياسيا. فلتحقيق نجاحات فاصلة في عملية كسب الجماهير، يجب، إذن، قبل كل شيء، الاهتمام بالتحضير الدقيق للإضرابات (عمل جماهيري، تقوية الفرق النقابية، الخ) وانجازها باستقامة (خلق لجان الإضراب واستعمال لجان المؤسسة) وتقديم التفسير السياسي لأسباب وظروف نجاح أو إخفاق أي إضراب أو صدام اقتصادي تمارسه الجماهير.
أمام الجبهة الموحدة للدولة البرجوازية ومنظمات الأعراف والبيروقراطية النقابية الإصلاحية الذين يبذلون جميعا الجهد لخنق حركات الإضراب بالتحكيم الإجباري، فإن المهمة الجوهرية تتمثل في إطلاق حر لطاقة الجماهير ومبادرتها، وتفجير الإضراب إذا ما توفرت الفرصة حتى لو كان ذلك ضد إدارة البيروقراطية النقابة الإصلاحية. ولا يأبه الشيوعيون باستفزاز من جانب الإصلاحيين الذين يرمون إلى إقصائهم وتقسيم الحركة النقابية. وإنما على الشيوعيين أن يتخذون التدابير اللازمة لشل ضربات الإصلاحيين المباغتة. فمن الضروري النضال بكل الوسائل ضد تكتيك الهزيمة (الوحدة «مهما كان الثمن»، التخلي عن الدفاع عن الرفاق الذين أقصوا، التخلي عن خوض نضال حيوي ضد التحكيم الإجباري، خضوع مطلق للجهاز النقابي البيروقراطي، إضعاف نقد القيادة الإصلاحية، وغير ذلك). وعلى الشيوعيين أن ينظموا من لم ينتظموا بعد، وأن يكسبوا النقابات الإصلاحية، وأن ينظموا الذين أقصوا، وعليهم أن يربطوا المنظمات المحلية التي كسبتها الحركات النقابية الثورية بالفيدرالية النقابية الثورية إذا ما كانت الظروف ملائمة (في البلدان حيث الحركة النقابية فيها منقسمة). تلك هي مهمات جدول الأعمال. ولا يجب على الشيوعيين أن يتخلوا بأي وجه من الوجوه عن المبادرة بالنضال من أجل وحدة الحركة النقابية قوميا وأمميا. ويجب عليهم أن يخوضوا نضالا حيويا ضد سياسة التقسيم التي تمارسها أممية أمستردام وفروعها القومية، وتبعا لاشتداد خطورة الصراع بين الشيوعية والإصلاحية فإنه من البديهي أن يطور الشيوعيون عمل الفرق النقابية الشيوعية والمعارضة النقابية والنقابات الثورية، وأن يدعموا عمل الأممية النقابية الحمراء ونشاطها بكل الوسائل.
على الأحزاب الشيوعية أن تساند الأمانة الأطلسية والأمانة النقابية لأمريكا اللاتينية طالما تقفان على أرضية الصراع الطبقي وتخوضان نضالا ثوريا ضد الإمبريالية وتبذلان الجهد لكسب استقلال المستعمرات وأشباه المستعمرات.
39
إن تعاظم أهمية الشباب في الصناعة بفعل ترشيد الرأسمالية وتعاظم خطر الحرب، إنما يطرح ذلك مسألة تقوية العمل بين الشباب بشكل من الحدة خاص. ويكلف المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أممية الشباب الشيوعي بدراسة مسألة تكتيكها وطرقها في العمل بالانطلاق من ضرورة توسيع تنظيم الشباب العمالي، واعتماد طرق أكثر تنوع في استقطابه، والإجابة بأكثر حيوية ونشاط عن طموحاته الاقتصادية والثقافية العامة والنظرية مع المحافظة في ذات الوقت على طابع الشبيبة الشيوعية السياسي الكفاحي.
ونظرا لتعاظم أهمية الشباب في الإنتاج فإنه من الضروري من جهة أولى، تقوية عمل الفروع النقابية، ومن جهة ثانية، اتخاذ تدابير لتنظيم جمعيات شباب خاصة تحت قيادة فيدرالية الشبيبة الشيوعية، مهمتها النضال من أجل مطالب الشباب العمالي الاقتصادية أينما لم يُقبل في النقابات. إن مهمات أممية الشباب الشيوعي الأساسية هي: النضال الاقتصادي، والمشاركة في قيادة الإضرابات وتنظيم إضرابات الشباب في بعض الحالات، والعمل في النقابات، والنضال من أجل قبول الشباب فيها، واختراق الشبيبة الشيوعية جميعَ المنظمات مهما كانت طالما فيها شباب عمالي (نقابات، جمعيات رياضية، الخ)، والعمل ضد التجنيد، وانعطاف فاصل في التكتيك والطرق لتقوية العمل الجماهيري؛ فبدون تحقيق هذه المهمات سوف لن تكون أممية الشباب الشيوعي في مستوى تنظيم نضال جماهيري حقيقي ضد الإمبريالية والحرب. وإذ يرى المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أن تغيير ذلك التكتيك في اتجاه العمل الجماهيري ضروريا فإنه يُلزِم كل فروع الأممية الشيوعية بتقديم مساعدة أكثر انتظاما لمنظمات الشبيبة الشيوعية، وأن تكون هذه الأخيرة تحت قيادة أكثر انتظام، وعلى الأحزاب الشيوعية أن تولي اهتماما مضاعفا بالعمل بين أطفال العمال وبنشاط فيدراليات الأطفال الشيوعية.
ويكلف المؤتمر الشيوعي العالمي السادسُ تنفيذية الأممية الشيوعية بأن تتخذ، عبر أمانة النساء الأممية، تدابير قصد تقوية العمل بين العاملات الصناعيات وبين جماهير الشغيلات عموما بالاعتماد في ذلك على تجربة «مجالس نائبات» العاملات.
40 يكتسي عمل الأحزاب الشيوعية بين أوسع شرائح شغيلة الأرياف أهمية خاصة مع نمو التهديد بحرب إمبريالية جديدة، ويقرر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس اعتمادا على نتائج الانتخابات في فرنسا وألمانيا تقوية العمل بين العمال الزراعيين وصغار الفلاحين، ويلفت الانتباه بوجه خاص إلى ضرورة تقوية العمل بين الفلاحين ملاحظا أن معظم الأحزاب الشيوعية كانت قد تركته. ويكلف تنفيذية الأممية الشيوعية باتخاذ جميع التدابير لإحياء العمل بين الفلاحين خاصة في البلدان الزراعية (رومانيا، بلدان البلقان، بولونيا، الخ) وكذلك في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وغيرها. كما يكلفها باتخاذ تدابير عاجلة لإحياء عمل أممية الفلاحين. ويُلزِم جميع فروع الأممية الشيوعية بمساندة ذلك العمل.
41 ويكلف المؤتمر الشيوعي العالمي السادس تنفيذية الأممية الشيوعية باتخاذ جميع التدابير الضرورية لمساعدة المنظمات التي تخوض نضالا تحرريا في البلدان الرأسمالية وفي البلدان المستعمَرة والتي تحرك أوسع جماهير الشغيلة من أجل الدفاع عن الثورة الصينية واتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والتي تساعد ضحايا الإرهاب الأبيض، الخ. ومن الضروري أن يقوي الشيوعيون عملهم ويصقلوه في منظمات من قبيل «مجموعات الوحدة» و«رابطة النضال ضد الإمبريالية» و«جمعية أصدقاء الاتحاد السوفييتي» و«النجدة الحمراء الأممية» و«النجدة البروليتارية الأممية»، وغيرها، ويجب على الأحزاب الشيوعية أن تساعد تلك المنظمات بكل الوسائل، وأن تساهم في نشر صحافتها، وأن تدافع عن فروعها المحلية، الخ.
42 إن نمو القمع واشتداد الصراع الطبقي من جديد، مع إمكانية الحرب، إنما يضعان أمام الأحزاب الشيوعية مهمة تناول مسألة الجهاز السري وحلها في الوقت المناسب؛ ذلك الجهاز الذي بإمكانه أن يضمن تسيير المعارك المقبلة ووحدة الخط والعمل الشيوعيين.
43 لكن يجب في ذات الوقت أن نلاحظ عدة نقائص هامة في فروع الأممية الشيوعية. فتطور الروح الأممية الكفاحية ضعيف. ويظهر ضرب من الجهوية من خلال الاستنقاص من المسائل ذات المدى الكبير. كما أن العمل في النقابات غير كاف، وتنعدم القدرة على تقوية التأثير السياسي بالتنظيم. وتعداد الحزب مستقر، وبعض الأحزاب لا تهتم بالعمل بين الفلاحين والأقليات القومية المضطهَدة بما فيه الكفاية، وضرب من البيروقراطية في أجهزة الأحزاب وأساليب عملها (صلة بالجماهير غير كافية، مبادرة لاستقطاب الأعضاء غير كافية، عمل الخلايا القاعدية ليس حيويا بما فيه الكفاية، انتقال مركز ثقل العمل إلى موظفي الحزب). والمستويان النظري والسياسي ضعيفان نسبيا لدى كوادر الأحزاب. وأحيانا تكون الصلة بالمؤسسات الكبرى ضعيفة، وإعادة تنظيم الأحزاب على قاعدة خلايا المؤسسات أبعد من أن تكون قد انتهت بعد، وغير ذلك من الأمور كثير.
44 يجد الحزب الشيوعي الإنجليزي الذي أشادت تنفيذية الأممية الشيوعية بنشاطه في اجتماعها الموسع السابع نفسه الآن أمام مهمات جديدة؛ من ذلك انتقال زعماء المجلس العام وحزب العمل إلى اليمين فجأة، ومسار تحول حزب العمل حزبا اشتراكيا–ليبراليا من طراز الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية في القارة (تطبيق انضباط سياسي أكثر تناسبا، مركزة الجهاز مركزة عالية، الخ). وإقصاء الشيوعيين والعمال الثوريين عموما من النقابات. و«شروع الإصلاحية في تقسيم النقابات (ومثال ذلك اسكتلندا). لكن، من ناحية أخرى، هنالك نمو النزوع إلى اليسار عند طليعة العمال. كل ذلك يضع على عاتق الحزب الشيوعي الإنجليزي موقفا طبقيا واضحا وحزما ضد حزب العمل. فقد أظهر الحزب الشيوعي الإنجليزي نجاحا في الاقتراب من النقابات، ويقوم بنشاطه باستقامة في عدة مجالات عملية، لكنه لم يفهم رغم ذلك الوضع الجديد في حينه. ففي آخر مؤتمراته، ارتكب خطأ كبيرا بإعلانه عن شعار مركزي قوامه حكومة بروليتارية تراقبها لجنة حزب العمل التنفيذية. والحال أن تنفيذية الأممية الشيوعية كانت قد اتخذت في اجتماعها الموسع التاسع، قرارا تكتيكيا في وضع إنجلترا الجديد، سجل انعطافا في كامل عمل الحزب الشيوعي الإنجليزي وفي الحركة البروليتارية الإنجليزية؛ وقوامه استقلال الحزب الشيوعي استقلالا طبقيا تاما، ونضال لا تراجع فيه ضد حزب العمل، وفضح «السلم الصناعي» وموند؛ ملك الصناعة الكيميائية الفاشي، وتوسيع التحركات الصغيرة وتقوية تنظيمها، وقيادة الإضرابات، ونضال حيوي ضد سياسة الحكومة الخارجية وضد حزب العمل، والنضال ضد التدخل في الصين وضد تحضير الحرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، ومساندة الثورة الهندية؛ تلك هي مهمات الحزب الشيوعي الرئيسية في الوقت الراهن. وعلى الحزب في ذات الوقت أن يتخذ كل التدابير ليزيد في تعداده، ويطور عمله في المؤسسات، ويقوي جهازه، وأن يرتبط أكثر بالجماهير في الورشات والمعامل، وأن يزيل من مذهبه ومن مبادئه السياسية ما فيهما من ضيق النظر، وغير ذلك. ويُلزِم المؤتمرُ الشيوعي العالمي السادس الحزبَ بأن يطور نقاشا موسعا حول تغيير تكتيكه وحول طرق تطبيقه.
45 قدمت تنفيذية الأممية الشيوعية تقديرا صحيحا لخط الحزب الشيوعي الفرنسي السياسي وعمله في اجتماعها الموسع السادس وخاصة في جلستها الموسعة التاسعة؛ فقد قررت في الاجتماع الموسع الأخير أن من الضروري أن يقوم تغيير تكتيكي في سياسة الحزب الشيوعي الفرنسي فيما تعلق بالانتخابات البرلمانية، وقررت في ذات الوقت أن من الضروري أن يغير الحزب الشيوعي الفرنسي موقفه من الحزب الاشتراكي، وضرورة أن تصفى نهائيا بقايا التقاليد البرلمانية والأحلاف من صفوفه. فقد بينت تجربة النضال الانتخابي صحة الحملة الانتخابية. فقد كانت هنالك أخطاء مختلفة وظهرت نقائص في نشاط الحملة الانتخابية، كغياب صلة بين العمل ونضال البروليتاريا المباشر، وضعف كوادر الحزب القيادية، وعمل منقوص بين العمال الفلاحيين والحرفيين والفلاحين. لهذا السبب، تقوم أمام الحزب الشيوعي الفرنسي الآن مهمات جديدة؛ من ذلك تقوية العمل في صفوف الجماهير (العمال الصناعيون عامة وعمال المصانع والمعامل خاصة)، وتقوية الحركة البروليتارية، وتحسين العمل النقابي جذريا، وبذل مزيد من النشاط في قيادة الإضرابات وفي عموم نضال البروليتاريا المباشر، وتنظيم العمال غير النقابيين، وتطبيق ديمقراطية نقابية أكثر اتساعا على جميع هياكل منظمات كنفدرالية العمل الموحدة العامة، وتحسين عمل الشيوعيين في النقابات، ويجب على الحزب الشيوعي الفرنسي أن يقوي نشاطه المعادي للاستعمار، وأن يقوي من نشاطه بين العمال الأجانب. وعليه، فيما يخص حياته الداخلية أن يناضل بقوة، قبل كل شيء، ضد اتجاهات اليمين التي تعارض خطه السياسي الجديد ببعض الجهر (الانحرافات البرلمانية، وبعض الاتجاهات الفوضوية النقابية، نزعة إعادة المنظمات الترابية)، وعليه في ذات الوقت أن يهزم اتجاهات «اليسار» (إفراط في تقدير دور الحزب، تسلط بعض القيادات النقابية، رفض تكتيك الجبهة المتحدة، الخ). ويجب عليه في مجال التنظيم، أن يتخذ كل التدابير لتوسيع قاعدته في المؤسسات الكبرى، وأن يقوي فيها خلاياه حتى يدير الحياة السياسية فيها ويستقطب منها منخرطين جدد.
46
استطاع الحزب الشيوعي الإيطالي، رغم ما يتعرض له من إرهاب استثنائي، أنْ يحافظ على منظماته السرية وأن يواصل دعايته وتحريضه، بصفته الحزب الوحيد الذي يناضل فعلا من أجل قلب الفاشية والنظام الرأسمالي. واستطاع أن يحقق تأثيرا فاصلا في أنشط عناصر البروليتاريا الذين أمكن بفضلهم أن تظل كنفدرالية العمل العامة قائمة رغم خيانة الزعماء الإصلاحيين. لكن الحزب ارتكب خطأ مفاده أنه لم يغير طرق عمله في الوقت المناسب حتى يحافظ على كامل كفاحيته الثورية في الوضع الجديد؛ في وضع الرجعية والقوانين الاستثنائية الفاشية. لذا تكتسي المهمات التنظيمية في هذه الآونة أهمية استثنائية عند الحزب الشيوعي الإيطالي (تكوين كوادر جديدة، استرجاع منظمات جماهيرية قوية، طرق جديدة في العمل والتحريض).
كان هذا الحزب من جهة حياته الداخلية، قد صفى خليط المذاهب الذي كان مهيمنا على أعضاء الحزب، وحقق وحدة وجهة النظر في المذهب والسياسة على قدر كبير، وستمكنه هذه النجاحات من مواصلة نضاله ضد الانحرافات اليمينية (رفض النضال من أجل دور البروليتاريا القيادي) بحيوية مضاعفة. فتلك الانحرافات خطر جدي عليه في الوضع الراهن، وعلى الحزب في ذات الوقت أن يناضل بحيوية ضد كل اتجاه يرفض أو يقلل من إمكانيات عمل واسع قصد كسب أوسع الجماهير التي تخضع لتأثير التيارات غير الشيوعية المعادية للفاشية أو التي تحاول الفاشية أن تؤثر فيها.
47 بلغ عدد المصوتين للحزب الشيوعي الألماني ثلاثة ملايين وربع المليون في الانتخابات الأخيرة. يبين هذا العدد تأثير الشيوعية الهائل في الجماهير البروليتارية، من جهة أولى، والتناقض الشديد بين تأثير الحزب وحجم تعداد أعضائه (استقرار تعداد الحزب: 3250000 ناخب لـ 125000 عضو حزبي). وما حققه هذا الحزب من نجاحات بقدر معين في الحركة النقابية لا توافق أبدا عمق المهمات المنتصبة في وجهه في هذا المجال. ويجب أن نبرز النجاحات العظيمة؛ تطور جمعية مقاتلي الجبهة الحمراء نحو جمعية جماهيرية، وتجاوز انحرافات أقصى اليسار نهائيا، وتفسخ «مجموعة لينين» التى نواتها الاشتراكية–الديمقراطية كشفت جوهرها الحقيقي بنفسها. وكل ذلك نصر عظيم في ذلك الحزب. والحزب الشيوعي الألماني واحد من أجود طلائع الجيش العمالي الثوري الأممي، تنتصب ضده في ذات الوقت اشتراكية–ديمقراطية تمتاز بأجود تنظيم ولا يزال عندها احتياطي قوي كل القوة في البلاد: وإن ذلك يخلق مجالا ملائما للانحرافات اليمينية داخل الحركة الشيوعية نفسها. لذا، وجب نضال منسجم ضد الانحرافات اليمينية (شعار المراقبة البروليتارية على الصناعة في الوقت الحاضر، معارضة قرارات المؤتمر الرابع للنجدة الحمراء الأممية، دعوة التعاون مع يسار الاشتراكية–الديمقراطية، وغير ذلك)، وتصفية مطلقة لمنزع الوفاق مع هذه الانحرافات، جاذبين في ذات الوقت أجود قوى الحزب التي تقف على أساس قرارات الأممية الشيوعية ومؤتمر الحزب الشيوعي الألماني في إسن، والتوجه جذريا نحو تقوية الحزب بتلاحم جميع قوى القيادة الحالية، وتقوية طابعه الجماعي، والتمسك بخضوع الأقلية للأغلبية خضوعا مطلقا – تلك هي المهمة الحالية. وما يجب أن نفهمه هنا إنما هو: تكوين كوادر بروليتارية جديدة، والعناية بالنشاط الجماهيري عند الحزب، والعناية بالمستوى الثقافي والسياسي والنظري عند مناضليه النشطين، وتحسين الصحافة والرفع من عدد نسخها، وتحسين العمل النقابي وقيادة الإضرابات.
48 يواصل الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي التقدم في طريق تحوله حزبا بروليتاريا جماهيريا. لكن لا تزال فيه نقائص كبيرة: ضرب من السلبية الانتهازية عند القيادة، ونقص في القدرة على تعبئة الجماهير بسرعة لمواجهة جماهيرية (مثلا، الاحتجاج على منع سبارتاكييد) ، والمبالغة في تقدير مبادئ الشرعية في النشاط العملي، نقص في الاهتمام بالمسألتين الفلاحية والقومية، وبطئ كبير في تجاوز أخطاء العمل النقابي (غياب خط شيوعي واضح المعالم، والنقابات الحمراء منطوية على نفسها، ونقص في الصلات داخل النقابات الإصلاحية، بعض الشيوعيين تأثروا بإيديولوجيا الإصلاحيين، الخ). ويجب التشديد، في ذات الوقت، بوجه خاص، على ضرورة النضال الحيوي ضد الحكومة، والدفاع عن مواقع الحزب العلنية، والاستعداد للظروف السرية في العمل والنضال.
49 لقد استطاع الحزب الشيوعي البولوني (السري)، رغم تعقد ظروف الإرهاب الفاشي، لا أن يحافظ على مواقعه فحسب، بل زاد من تعداد أعضائه مثلما زاد من تأثيره السياسي. إن الحزب الشيوعي البولوني يتحول عاملا سياسيا جديا في كامل البلاد وخاصة في المراكز الصناعية. فبعد أن صحح الحزب أكثر الأخطاء الانتهازية صلفا عند انقلاب بيلسودسكي، يتبع الآن خطا سياسيا صحيحا. لكن الصراع الداخلي، وهو صراع لا تبرره اختلافات كبيرة فضلا عن كونها غير سياسية حقا، يمثل واحدا من أكبر الأخطار. ونظرا للأهمية الخاصة للحزب الشيوعي البولوني الملقاة على عاتقه في حال حرب فإن المؤتمر الشيوعي العالمي السادس يطلب وقفا تاما لنزاع الفرق ويمد تنفيذية الأممية الشيوعية بإذن خاص باسم المؤتمر لاتخاذ التدابير الضرورية في هذا الغرض.
50
توضع أمام الأحزاب الشيوعية في البلقان، حاليا، مهمات بالغة الأهمية؛ وهي ناتجة عن عدم استقرار الوضع السياسي في بلدان البلقان وتزايد حدة الأزمة الزراعية وتعقد القضايا القومية وكون هذه البلدان في عداد المواطن الأكثر خطورة لتحضير الحروب المقبلة.
الآن وقد بذل الحزب الشيوعي الروماني جهودا كبيرة لتصفية الأزمة الداخلية الثقيلة التي كانت تكبل عمله إلى وقت قريب، فإن المؤتمر الشيوعي العالمي السادس، يؤكد، بإلحاح، على المهمات السياسية والتنظيمية الملقاة على عاتقه إزاء سعي البرجوازية والإقطاعيين الرومانيين أن يكونوا طلائع تحضير العدوان الرجعي على الاتحاد السوفييتي.
لقد مرت كل الأحزاب الشيوعية البلقانية، تقريبا، في الأوقات الأخيرة، بأزمة داخلية جدية نتجت عن الأخطاء السياسية وانحراف بعض المجموعات القيادية انحرافا يمينيا ونزاع الفرق نزاعا شرسا، هذا النزاع الذي كان مصدره الهزائم الوخيمة والوضع الموضوعي شديد التعقيد. الآن، جميع الأحزاب الشيوعية البلقانية تقريبا، في طريق تصفية هذه الأزمة الداخلية، ويتقوى جميعها تقريبا، رغم الإرهاب الحكومي، توسع صلاتها بالجماهير البروليتارية والفلاحية. ويؤكد المؤتمر الشيوعي العالمي السادس، بوجه خاص، على ضرورة أن تتبع الأحزاب الشيوعية البلقانية سياسة صحيحة في القضية القومية وأن تباشر عملا واسعا من التحريض والتنظيم بين الجماهير الفلاحية.
يجب على الأحزاب الشيوعية البلقانية، أن تنسق وتربط عملها بالشعار السياسي المشترك فيما بينها: تكوين كنفدرالية البلقان البروليتارية والفلاحية.
51
أما البلدان الاسكندينافية، فيقف فيها المؤتمر الشيوعي العالمي السادس على اشتداد خطورة التناقضات الطبقية وانزلاق فجائي جديد تقوم به الاشتراكية–الديمقراطية نحو اليمين، وانهزام الوسطية (ترانمايلية) في النروج أمام الاشتراكية–الديمقراطية انهزاما تاما ومرورها المباشر إلى الاشتراكية الحكومية. وموازاة لذلك، يقوم تجذر الجماهير البروليتارية التي تتجمع أكثر على الدوام حول الشعارات الكفاحية عند الأحزاب الشيوعية (إضراب عمال الكِتاب، إضراب الاحتجاج على قوانين الإضراب الجديدة في السويد، نضال عمال البناء ضد قانون التحكيم الإجباري، تأليف منظمات دفاع ذاتي مسلحة من عمال الأرض والغابات قصد صد مخربي الإضرابات في النروج).
يظهر هذا التجذر عند الجماهير في حركة لصالح اتفاق بين النقابات الاسكندينافية والنقابات في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وفي ندوة كوبنهاغ الروسية–الفنلندية–النرويجية التي تشهد على إرادة الجماهير في تأليف وحدة عالمية للنقابات. ورغم هذه النجاحات، يجب على الأحزاب الشيوعية الاسكندينافية، وبأكثر حيوية من ذي قبل، أن تبذل الجهد لتقوية تأثيرها السياسي والإيديولوجي على الجماهير الشغيلة من خلال تقوية تنظيمها ومن خلال تقوية وتوسيع تجذر البروليتاريا بطرق تنظيمية مناسبة.
52
أحيا حزب العمال (الشيوعي) الأمريكي نشاطه بأن استغل الأزمة التي تظهر، بقدر معين، في الصناعة الأمريكية وتعاظم البطالة (نتيجة النمو ذي السرعة القصوى للجزء الثابت من رأس المال على حساب رأس المال المتغير وتقدم التقنية في الإنتاج). العديد من المعارك الطبقية العنيدة والقوية (في مقدمتها إضراب عمال المناجم) كان الحزب الشيوعي قائدها الصلب والحيوي. والحملة ضد إعدام ساكو وفانزيتي سارت كذلك بقيادة الحزب الشيوعي. لكن نلاحظ في الحزب الشيوعي الأمريكي بعض الضعف ناتج عن نزاع الفرق منذ سنوات عديدة. وموازاة للنجاحات، يجب أن نلاحظ أخطاء يمينية مختلفة تجاه الحزب الاشتراكي، ونقصا في تنظيم غير المنتظمين وفي تنظيم حركة بين السود، ولا يناضل نضالا صريحا ضد سياسة النهب التي تقوم بها الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية. لكن لا أن نرجع هذه الأخطاء إلى غالبية القيادة حصرا.
فيما يتعلق بقضية تأليف «حزب عمالي»، يقرر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس، أن ينتقل مركز الجذب إلى العمل في النقابات وتنظيم غير المنظمين في نقابات حتى يصبح من الممكن خلق قاعدة لإنجاز شعار «حزب عمالي» واسع منظم من القاعدة. ومهمة الحزب الجوهرية هي أنْ يضع حدا لنزاع الفرق الذي لا يرتكز على خلافات مبدئية لها بعض الجدية، وأنْ يقوي انتداب العمال، وأنْ يقوم بتغيير فاصل بأن يضع العمال في المواقع القيادية في الحزب.
53 لقد ظهر الحزب الشيوعي الياباني في الحملة الانتخابية بجهازه السري لأول مرة. لقد أنجز تحريض الجماهير رغم الإرهاب. وله منظمته السرية. ويقوم بحملات جماهيرية (مثال ذلك حملة الاحتجاج على حل المنظمات الجماهيرية الثلاث: رودو نومنتو وفيدرالية النقابات اليسارية (هيوغيكا) ومنظمة الشبيبة). ومهمة الحزب الجوهرية التي تزيح تأرجحه المذهبي هي أنْ يتبع طريق تحويل الحزب الشيوعي حزبا جماهيريا. ولهذا الغرض من الضروري أنْ يقوم بعمل ثابت بين الجماهير البروليتارية وأنْ يعمل في النقابات، وأنْ يناضل في سبيل وحدتها، ويقوم بنشاط بين الجماهير الفلاحية مرتكزا، خاصة، على حركة الضيعات. رغم أن عمل الحزب على درجة قصوى من الصعوبة (قانون يعاقب «الأفكار الهدامة» بالإعدام) وتعداده غير كاف، وجب عليه أنْ يبذل كل جهده للذود عن الثورة الصينية والنضال ضد سياسة النهب عند الإمبريالية اليابانية.
54 لقد تكبد الحزب الشيوعي الصيني عدة هزائم بالغة الوحشية ناتجة عن الأخطاء الانتهازية بالغة الخطورة التي وقعت في الماضي: غياب الاستقلال عن الكيومينتانغ وحرية نقده، عدم فهم الانتقال من مرحلة إلى أخرى في الثورة وضرورة الاستعداد للمقاومة في الوقت المناسب، وأخيرا، عرقلة الثورة الزراعية. ولقد صحح هذا الحزب البطل أخطاءه تحت ضربات الهزائم. وشن حربا لا ترحم على الانتهازية. لكن قيادة الحزب الشيوعي الصيني وقعت في خطئ آخر لما لم تقاوم بما فيه الكفاية التوجهات الواضحة من «الانقلابية» والمغامرة التي تسببت في نهوض في أوهان وهوبي وغيرهما والذي انتهى بهزائم. من جهة أخرى، وقع بعض الرفاق في خطئ انتهازي عندما رفعوا شعار مجلس وطني. ويعتقد المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أن محاولة اعتبار انتفاضة كانتون انقلابا أمر خاطئ تماما. فانتفاضة كانتون التي كانت معركة بطولية شنتها مؤخرة البروليتاريا في المرحلة المنقضية من الثورة الصينية، رغم الأخطاء الكبيرة في قيادتها، كان فضلها على المرحلة الجديدة من الثورة: المرحلة السوفييتية. ومهمة الحزب الشيوعي الصيني، حاليا، في مرحلة بين موجتين من النهوض الثوري، هي النضال لكسب الجماهير، القيام بعمل جماهيري بين العمال والفلاحين، وترميم منظماتهم، واستغلال كل غضب على الإقطاعيين والبرجوازيين والجنرالات والإمبرياليين الأجانب لتطوير النضال الثوري. ولهذا الغرض يجب تقوية الحزب نفسه بكل الوسائل. ويصبح شعار انتفاضة الجماهير شعارا دعائيا. وفقط شرط استعداد الجماهير استعدادا حقيقيا، ونهوضا ثوريا جديدا، عندها يصبح ذلك الشعار من جديد شعار انجاز مباشر على أساس أعلى وتحت راية دكتاتورية العمال والفلاحين المرتكزة على السوفييتات.
55
مهمة الشيوعيين الرئيسية في بلدان أمريكا اللاتينية هي تنظيم أحزاب شيوعية وتقويتها. ففي بعض البلدان (الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، الإيرغواي) نشأت الأحزاب الشيوعية منذ بضع سنوات فقط ولهذا السبب فإن مهمتها الآن هي أن تقوي مذهبها ومنظماتها وأن تصبح أحزابا جماهيرية حقا. وفي البعض الآخر من تلك البلدان لا توجد، بعدُ، أحزاب شيوعية مستقلة ومنتظمة كأحزاب بروليتارية.
يطلب المؤتمر الشيوعي العالمي السادس من تنفيذية الأممية الشيوعية أنْ تولي مزيدا من الاهتمام ببلدان أمريكا اللاتينية بوجه عام، وأنْ تصوغ «برنامج عمل» لتلك الأحزاب (القضية الزراعية–الفلاحية وقضية النضال ضد إمبريالية الولايات المتحدة هما القضيتان الهامتان بوجه خاص) وتنظيم تلك الأحزاب وخلق علاقات صحيحة بين تلك الأحزاب والمنظمات غير الحزبية (النقابات، المنظمات الفلاحية) وعملها بين الجماهير وتقوية النقابات وتوسيعها وتوحيد تلك الأحزاب وتمركزها، الخ.
56 يلاحظ المؤتمر الشيوعي العالمي السادس تعاظم تأثير الشيوعية في جنوب إفريقيا. ويُلزِم الشيوعيين بالمهمة الجوهرية: تنظيم جماهير الشغيلة السوداء، وتقوية نقاباتها بكل الوسائل، والنضال ضد العنصرية «البيضاء»، والنضال ضد كل ضروب الإمبريالية الأجنبية، والدفاع عن المساواة المطلقة في الحقوق، والنضال الشرس ضد كل القوانين الاستثنائية المسلطة على السود، والدعم الأكثر حزما لنضال الفلاحين ضد انتزاع أراضيهم وتحضيرهم للثورة الزراعية، وتقوية المجموعات والأحزاب الشيوعية – تلك هي مهمات الشيوعيين الرئيسية.
57 يلاحظ المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أن الحزب الشيوعي في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية قد لاحظ في الوقت المناسب العناصر البيروقراطية في بعض مراتب جهاز الدولة وجهاز الاقتصاد وجهاز النقابات وحتى جهاز الحزب وخاض نضالا عنيدا ضد تلك التوجهات. تطوير النقد الذاتي، تقوية النضال ضد البيروقراطية، تناسق قوى البروليتاريا وتطوير نشاطها وهي تسود التطور الثوري في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية – تلك هي مهمات الحزب الرئيسية. ويعبر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس عن ثقته في أنْ يخرج الحزب منتصرا لا من الصعوبات الاقتصادية المرتبطة بحالة البلد المتأخرة، فحسب، بل سيخرج منتصرا، بعون البروليتاريا العالمية، من كل نزاع خارجي يحضره بانتظام قادة الدول الإمبريالية.
58
أمام ضخامة صعوبات فترة الاستقرار في البلدان الرأسمالية وصعوبات فترة إعادة البناء في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية تألفت مجموعات معارضة داخل الأممية الشيوعية وحاولت أن تنتظم على النطاق العالمي. وأوضح تعبير عن شتى فرق وضروب هذه المجموعات (من أقصى اليمين إلى أقصى «اليسار») هو ما قدمته من نقدها لدكتاتورية اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بأن نعتته باطلا بالبرجوازي الصغير والتشكيك في إمكان تعبئة البروليتاريا العالمية.
ارتبطت هذه المفاهيم، في الفروع القومية، بمفاهيم أقصى اليمين (مجموعة سوفارين في فرنسا) وأقصى «اليسار» (كورش وماسلو في ألمانيا). كل هذه التيارات، بفكرها وتجمعها التروتسكي، وبعد أن ألفت كتلة وحيدة، سرعان ما تفسخت بعد هزيمة المعارضة في الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي؛ والنواة الرئيسية لتلك الكتلة كانت «مجموعة لينين» المرتكزة على أرضية التروتسكية ومنتظمة في حزب مستقل، والتي كشفت نفسها بنفسها بصفتها وكيل اشتراكي–ديمقراطي حقيقي. لقد مر عدد كبير من عناصرها، مباشرة، إلى الاشتراكية–الديمقراطية، هذا العدو السافر والمسعور لنظرية وتطبيق دكتاتورية البروليتاريا.
59
الانحرافات داخل الأحزاب الشيوعية، حاليا، هي انحرافات يمينية من جهة الموقف السياسي الصحيح، نتيجة الاستقرار الجزئي في الرأسمالية وتأثير الاشتراكية–الديمقراطية. وتظهر تلك الانحرافات من خلال بقايا «العلنية» والإفراط في طاعة القوانين والتذيل لحركة إضراب والموقف الخاطئ من الاشتراكية–الديمقراطية (مثال ذلك صد قرارات اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع التاسع الذي ظهر بقدر معين في فرنسا) وتحرك غير كاف تجاه الأحداث العالمية، الخ.
نظرا لوجود أحزاب اشتراكية–ديمقراطية قوية نسبيا، فإن تلك الانحرافات اليمينية تكتسي خطورة خاصة ويجب أن يوضع النضال ضدها في الصدارة، مما يفترض نضالا منتظما ضد الموقف المساوم للتيار اليميني داخل الأحزاب الشيوعية.
لكن توجد أيضا انحرافات «يسارية» تظهر في نزوع إلى رفض تكتيك الجبهة المتحدة وعدم فهم ما للعمل النقابي من أهمية كبيرة؛ كما تظهر من خلال «الجمل» الثورية وتظهر في الصين من خلال نزوع إلى الانقلاب.
60 يُلزِم المؤتمر الشيوعي العالمي السادس كل الأحزاب بواجب النضال ضد تلك الانحرافات بالإقناع قبل كل شيء. ويلاحظ أن قرارات اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع السابع حول النهوض بمستوى الكوادر ومشاركة مناضلين جدد في العمل المسؤول، وما إلى ذلك، لم تتحقق في عديد البلدان الأكثر أهمية. ويشير إلى أنه نظرا للتعقد الأقصى في كامل الوضع العالمي وإمكانية قيام تغيرات تاريخية كبرى، من الواجب أخذ جميع التدابير للارتقاء بالمستوى النظري في الأحزاب الشيوعية عموما وكوادرها خاصة. ونظرا لضرورة تقوية القيادة المركزية في الأممية الشيوعية وتأمينها صلة أكثر متانة بالفروع يقرر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس أن المرخص لهم من ممثلي الأحزاب الأكثر أهمية أن يكونوا تحت تصرف الأممية الشيوعية كمناضلين دائمين في قيادتها.
61 يُلزِم المؤتمر الشيوعي العالمي السادسُ تنفيذية الأممية الشيوعية بأن تضمن في المستقبل أيضا وحدة الأممية الشيوعية ووحدة فروعها. وفقط شرط عمل منسق لتصفية الخلافات على قاعدة حزبية طبيعية، وقبل كل شيء بطرق الديمقراطية الداخلية، يمكن تجاوز الصعوبات الهائلة في الحاضر وحل المسائل الكبرى في المستقبل القريب. إن الأخطاء الخطيرة التي تظهر حاليا داخل أحزابنا (نزعات بيروقراطية في بعض البلدان، تراجع في التعداد، نقص في نشاط المنظمات القاعدية السياسي، الخ) لا يمكن تصفيتها إلا بالارتقاء بمستوى الأحزاب الشيوعية السياسي؛ وذلك في جميع مستويات منظماتها على قاعدة ديمقراطية داخلية كبرى. ولا ينفي ذلك أبدا الانضباط الحديدي داخل الحزب وخضوع الأقلية للأغلبية خضوعا تاما وخضوع الأجهزة العليا ومختلف منظمات الحزب الأخرى (الفرق البرلمانية، الفرق النقابية، الصحافة، الخ) لمركزية الحزب، وخضوع جميع فروع الأممية الشيوعية لتنفيذية الأممية الشيوعية، بل يفترض كل ذلك. فتقوية الانضباط البروليتاري في الأحزاب وتقوية هذه الأخيرة وتصفية نزاع الفرق فيها، الخ، إنما هي الشروط المطلقة لنضال البروليتاريا المظفر ضد كل القوى التي تشحذها الإمبريالية.
البروليتاريا تذود عن الاتحاد السوفييتي دون الإمبريالية
الفقرات:
26،
27،
28،
29،
30،
31،
32
البروليتاريا تذود عن الحروب الوطنية الثورية للشعوب المضطهَدة ضد الإمبريالية وتخوضها
الفقرات:
33،
34،
35،
36،
37،
38،
39،
40
1
توقع القوى العظمى الإمبريالية، بعد عشر سنوات من الحرب، على اتفاقية كيلودج واضعة الحرب خارج القانون. وتتحدث عن نزع السلاح. وتسعى جاهدة، وهي تدعم زعماء الاشتراكية-الديمقراطية العالمية، حتى يذهب في اعتقاد العمال والشغيلة أن هيمنة رأس المال الاحتكاري ستضمن السلام في العالم أجمع.
يفضح المؤتمر الشيوعي العالمي السادس جميع تلك المساعي التي ترمي إلى تضليل الجماهير الشغيلة بكل خزي. ويذكر البروليتاريا العالمية والشعوب الكادحة والمضطهَدة في العالم أجمع بتجربة السنوات الأخيرة، وبحروب النهب الصغرى المتواصلة التي تقوم بها القوى الإمبريالية ضد شعوب المستعمرات، وبأحداث هذه السنة الأخيرة وما كان فيها من تدخل في الثورة الصينية، واشتداد خطورة الصدام فيما بين القوى التي تحضر لاقتسام الصين من جديد، وتمركز الجيوش في بولونيا، والتهديد المباشر الذي يستهدف استقلال ليتوانيا. ويذكر في ذات الوقت تزايد خطورة وضع الاتحاد السوفييتي الذي يجد نفسه في مواجهة معسكر الإمبرياليين الذي تقف على رأسه إنجلترا. يذكر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس بكل تلك الوقائع التي تبين جُرم سياسة الحرب عند الإمبرياليين، تلك السياسة التي يمكنها أن تتسبب في كارثة عالمية هائلة بشكل مباغتٍ.
لقد قدم المؤتمر الشيوعي العالمي السادس تحليلا للقوى السياسية والاقتصادية التي شرعت في التحضير للحرب المقبلة.
لقد تميزت التحولات التي حدثت في الوضع العالمي منذ المؤتمر الشيوعي العالمي الخامس باشتداد هائل في خطورة جميع التناحرات الرأسمالية، وبتعاظم قوة الاتحاد السوفييتي اقتصاديا وسياسيا بقدر كبير، وبنمو الحركة الوطنية الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات وفي مقدمتها الصين، نموا سريعا، وباشتداد خطورة الصراع الطبقي بين البورجوازية والبروليتاريا في البلدان الرأسمالية.
يزداد تناحر القوى الإمبريالية من أجل الأسواق وضوحا أكثر فأكثر. ولكن بالإضافة إلى تلك التناحرات يرتسم الصدام الرئيسي الذي يقسم العالم أجمع إلى معسكرين: في الجهة الأولى كل العالم الرأسمالي؛ وفي الجهة الثانية اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية الذي تتجمع حوله البروليتاريا العالمية والشعوب المضطهَدة في المستعمرات.
الصراع من أجل تحطيم السلطة السوفييتية والثورة الصينية، ومن أجل هيمنة مطلقة على الصين، ومن أجل الاستحواذ على السوق الروسية؛ أي من أجل إمكانية استغلال الاحتياطات التي لا تحصى من المواد الأولية والاستثمارات المتوفرة في تلك البلدان – إن ذلك الصراع هو قضية على أعلى أهمية عند رأس المال العالمي، وعلى هذه النقطة يقوم الآن خطر حرب إمبريالية جديدة.
2
سوف لن تكون الحرب الإمبريالية العالمية المقبلة، فقط حرب آلات تستخدم فيها كميات هائلة من الموارد المادية، وإنما ستطال الملايين والملايين من البشر. وستضرب جماهير سكان البلدان المتحاربة، وستضمحل أكثر فأكثر خطوط التمايز بين الجبهة والمؤخرة.
يشير المؤتمر الشيوعي العالمي السادس إلى النمو الهائل في التسلح، والتجديد الكبير في التقنية العسكرية، وما اتخذ من إجراءات لعسكرة السكان والحياة الاقتصادية في كل البلدان الرأسمالية، وعسكرة إيطاليا الفاشية، والإصلاح العسكري في فرنسا، والقوانين العسكرية التي جادت بها الرجعية في تشيكوسلوفاكيا، وتقوية الاستعدادات الحربية في بولونيا ورومانيا بتوجيه من هيئات أركان القوى العظمى الإمبريالية، وما وقع في ألمانيا من استعدادات لإعادة العسكرة القديمة في أشكال جديدة، والعسكرة العامة في أمريكا، واستعدادات بريطانيا العظمى الحربية في بلدان التاج التابعة لها وفي مقدمتها الهند وغيرها. إن تنافس أمريكا وإنجلترا، من جهة كونهما قوتان بحريتان، يستوجب أسلحة جديدة.
في العسكرة المعاصرة للجماهير، من المهم جدا أن نأخذ بعين الاعتبار واقعا مفاده أن تلك التدابير العامة تمتد إلى الشباب، وتمتد جزئيا إلى النساء، نظريا على الأقل (فرنسا، بولونيا، بلغاريا، الخ).
3
في الوقت الذي يواصل فيه الإمبرياليون تسلحهم وتحضيرهم للحرب التي تفرضها السياسة الخارجية، يشددون من حدة الرجعية داخل بلدانهم. فطالما لم «تمكث» المؤخرة «هادئة» لا يمكن للإمبرياليين أن يتحاربوا. والبرجوازية تتخذ كل التدابير لتتقي شر مقاومة منظمة من جانب العمال ضد سياسة الحرب.
تتخذ البورجوازية كل التدابير لتحصل على تلك «التغطية من المؤخرة». فمن ذلك القوانين المسلطة على النقابات في إنجلترا والنروج، والتحكيم المفروض في ألمانيا، ومخطط موند المتعلق بتعاون شركات الكيمياء الصناعية. والحملة لصالح «السلم الصناعي» والنقابات غير المتسيسة «مذهب سبنسر في إنجلترا» والشركة المتحدة في أمريكا والنقابات الفاشية التابعة للدولة الإيطالية، وقانون عسكرة النقابات زمن الحرب في فرنسا. تهدف تلك التدابير كلها إلى ضمان تحطيم كامل حركة البروليتاريا بقوة السلاح لحظة إعلان الحرب.
كما توجد، على نحو غير رسمي، فرق مسلحة كـ«الخوذة الفولاذية» في ألمانيا وفي فنلندا و«القناصة» في بولونيا و«الدفاع الوطني» في النمسا، الخ، وجميع هذه التشكيلات يهدف إلى كسر الإضرابات وتحطيم الحركات البروليتارية لا فقط زمن الحرب، بل زمن التحضير لها أيضا. وترتبط بهذه المنظمات العسكرية وشبه العسكرية بعض الرابطات النسائية في عدد كبير من البلدان. وتدعم القوى الإمبريالية العظمى الفاشيةَ في جنوب أوروبا الشرقي كما في بولونيا وفي رومانيا؛ ذلك أن الطرق الفاشية لها عظيم الأهمية من جهة تحضير الحرب الإمبريالية واندلاعها، خصوصا ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
وتشتد بانتظام خطورة تدابير تشويه وقمع الأحزاب الشيوعية؛ وقريبا، ستجد فروع الأممية الشيوعية نفسها مهددة بأن ينحصر وجودها على نحو غير شرعي في كل البلدان الرأسمالية.
4
بينما يستمر التسلح والاستعدادات الهائلة للحرب الإمبريالية، تبذل البورجوازية وأنصار السلم البرجوازيون الصغار الجهد لتضليل الجماهير الكادحة وصرفهم عن حقيقة الوقائع بخطابات منافقة. وإنهم يحاولون بانتظام تأليب البروليتاريا على الاتحاد السوفييتي بما يروجونه من روح سلمية وسياسة «السلم». وسيطلق البرجوازيون في حربهم المقبلة على الاتحاد السوفييتي الصيحة التالية: «الحرب من أجل السلم! ضد البُلشفية مدمرة الحضارة!». تتحدث البرجوازية وأذنابها الاشتراكيون–الديمقراطيون وأنصار السلم البرجوازيون الصغار، كثيرا، عن نزع السلاح والأمن والتحكيم؛ إن الأمر، على ما يبدو، هو وضع الحرب خارج القانون. لا يمكن لكل تلك الثرثرة إلا أن تخدم السياسة القومية، وما ذلك إلا نفاقا كبيرا.
إن عصبة الأمم التي تألفت منذ تسع سنين خلت، كجمعية من الإمبرياليين للحفاظ على «سلم» فرساي القائم على اتفاقية النهب ولسحق الحركة الثورية في العالم أجمع، إن هذه العصبة، أصبحت، أكثر فأكثر الأداة المباشرة لتحضير الحرب الإمبريالية ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية... فكل ما قام من تحالفات واتفاقيات تحت رعاية عصبة الأمم لا ترمي إلا لستر تحضير الحرب وتسهيله، خصوصا ضد الاتحاد السوفييتي.
5
لا يمكن للإمبرياليين أن يواصلوا سياستهم الحربية إلا بتعاون نشيط مع الاشتراكية–الديمقراطية العالمية. فقد أظهرت حرب 1914–1918 العالمية الإصلاحيين على وجههم الحقيقي كاشتراكيين–وطنيين وشوفينيين. ومنذ ذلك الحين، شرعت سياسة الاشتراكية–الديمقراطية تتبلور لتصبح اشتراكية–إمبريالية مكشوفة. وأصبح زعماء الاشتراكية–الديمقراطية ونقابات أمستردام، في جميع المسائل الفاصلة، لا فقط مدافعين بل مقاتلين نشطين وطليعة الإمبريالية، ولا يدخرون جهدا لتسهيل تحضير الحرب الإمبريالية ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية كلما وجدوا لذلك سبيلا.
يسعى الزعماء الاصلاحيون لمضاعفة انقسام الحركة البروليتارية، بتشديد صراعهم ضد الحركة الشيوعية وبإثارة خلافات في النقابات وفي منظمات الجماهير البروليتارية (في ألمانيا وإنجلترا). إن هذه الأساليب، إضافة إلى إستراتيجيتهم الانهزامية في المعارك الاقتصادية الكبرى، ترمي إلى تقوية البرجوازية، وإلى إضعاف مواقع البروليتاريا، وبالتالي تخلق الظروف التي تمكن البرجوازية من خوض حروب إمبريالية جديدة. ويجب على البروليتاريا أن تولي أكبر انتباه إلى الطرق التي تحضر بها الاشتراكية–الديمقراطية الحرب على الاتحاد السوفييتي فكريا. وهذا بعض منها:
أ. تروج خرافات من قبيل «الإمبريالية الحمراء» و«العسكرية الحمراء» ومماثلة الفاشية بالبلشفية، وما شابه ذلك؛
ب. تنشر فكرة مفادها أن دكتاتورية البروليتاريا ستكون سبب حرب، أو ستكون إحدى أسبابها على الأقل؛
ت. يقدم موقف منافق مفاده أن بالإمكان مساندة السوفييت، لكن مع معارضة الشيوعيين والأممية الشيوعية؛
ث. تروج مواقف انهزامية نحو الحكومة السوفييتية بصيغ «يسارية» مضللة.
قدم لنا خطر الحرب، في هذه السنة الأخيرة، عدة أمثلة لتطبيق تلك الطرق، خصوصا عند الاشتراكيين–الديمقراطيين في ألمانيا. كما استخدمها حلفاؤهم التروتسكيون، ولم يكن ذلك بأقل وضوح، عندما حدثونا، مثلا، عن «الترميدور» وعن «غزو الكولاك»، الخ.
لقد أكد زعماء «يسار» الاشتراكية–الديمقراطية موقف اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع الثامن القاضي بأنهم أخطر الأعداء داخل الحركة البروليتارية تأكيدا تاما بسياسة الخيانة خلال السنة الأخيرة وبسلوكهم في مؤتمر الأممية الثانية في بروكسل؛ إنهم هم الذين ينقذون زعماء اليمين الإصلاحي والبرجوازية بجمل «يسارية» في اللحظات الحرجة. ويعلنون أن النظام السوفييتي والحركة الشيوعية عدوا الجبهة البروليتارية المتحدة، وعدوا «السلم العالمي» وحليفا «الرجعية» حتى يضل العمال وتضطرب أفكارهم؛ فيتيسر للبرجوازية تطبيق سياستها الحربية.
6
لقد بينت أحداث السنوات الأخيرة أن الجبهة الرئيسية لسياسة كل القوى الإمبريالية تتجه بأكثر وضوح ضد الاتحاد السوفييتي والثورة الصينية. لكن تناحرات القوى الإمبريالية تشتد خطورة نتيجة الخلاف فيما بينها على الهيمنة. فإذا كانت حرب 1914–1918 العالمية الأولى قد انتهت مباشرة بقيام ثورة بروليتارية وانتصارها في الإمبراطورية القيصرية القديمة، وإذا كانت تلك الحرب قد طورت حركة التحرر في المستعمرات، وأثارت انتفاضات وحركات ثورية جماهيرية بروليتارية في أوروبا؛ فإن الحرب المقبلة، ستُنهض حركاتً ثورية قوية ستمتد إلى عمال الصناعة الأمريكية، وإلى أوسع جماهير الفلاحين في بلدان الاقتصاد الزراعي وإلى الملايين من سكان المستعمرات المضطهَدة. إن أزمة الرأسمالية، والحرب أجلى مظاهرها، يمكنها أن تخلق حركة ثورية جماهيرية واسعة حتى قبل أن اندلاع الصدام. يجب على الشيوعيين أن يجمعوا الجماهير وأن يقودوها في تلك الحركة كما في النضال اليومي حتى يبلغوا، بأنشطة ثورية، كسبَ السلطة البروليتارية والإطاحة بالبرجوازية وتركيزَ دكتاتورية البروليتاريا.
إذا لم ينجح الشيوعيون في أوروبا في تشديد وتيرة النضال اليومي من أجل مطالب العمال الأكثر إلحاحا وتحويل ذلك النضال إلى نضال مفتوح من أجل السلطة والإطاحة بالبرجوازية – فلا يمكن أن يمنع قيام الحرب في الدول الإمبريالية الرئيسية إلا الإطاحة بالبرجوازية –، فإن ذلك النضال الثابت من أجل المصالح المباشرة للشغيلة ممزوجا بالنضال العام الواجب خوضه ضد الإمبريالية، سيضاعف بدرجة هائلة نشاط البروليتاريا ويحرج البرجوازية سواء في التحضير للحرب أو فيما ستعتمده فيها. ومن الواضح أن محاولات الإمبرياليين شن الحرب ستتباطأ نتيجة المظاهرات الجماهيرية للبروليتاريا، وسيصبح من الأسهل فيما بعد تحويل تلك الحرب الإمبريالية حربا أهلية وبالتالي قلب الإمبرياليين. وفي جميع الأحوال، تُظهر البروليتاريا والشرائح الأخرى من الشغيلة، نزوعا نحو اليسار أكثر فأكثر. وتتطور الحركة الوطنية الثورية في المستعمرات بصورة هائلة. إن ذلك يخلق قاعدة عريضة لنشر تأثير الأممية الشيوعية ولتقوية نضال الشيوعيين ضد كامل سياسة البرجوازية العالمية تلك السياسة التي تؤدي إلى اشتداد خطورة الاستغلال والاضطهاد مثلما تثير الصدامات وتسبب في الحروب.
7
لا تنفصل الحرب عن الرأسمالية! ويستوجب النضال ضد الحرب، في المقام الأول، أن نفهم بوضوح، بأي حرب تعلق الأمر، وما هي أسبابها، في كل حالة خاصة. ويحاول الرجعيون تبرير الحرب بتقديمها على أنها ظاهرة طبيعية «لا مفر منها». ولا يقل عنهم رجعية أولئك الذين يزعمون الوصول إلى إزالة الحرب بمخططات خيالية وبجمل جوفاء واتفاقيات وعهود. وتعارض البروليتاريا كل ذلك بالنظرية الماركسية اللينينية عميقة الفكر، وهي القاعدة العلمية الوحيدة لنضال فعلي ضد الحرب.
إن سبب الحرب الأصلي، من جهة كونها ظاهرة تاريخية، لا يكمن في «مبدأ سيئ» طبيعي وفطري عند البشر، كما لا يكمن في سياسة «سيئة» تنتهجها الحكومات. وإنما يكمن ذلك السبب في انقسام المجتمع إلى طبقات بعضها يتألف من مستغِلين ويتألف بعضها الآخر من مستغَلين. والرأسمالية هي سبب الحروب في التاريخ المعاصر. وليس في تلك الحرب ما هو غريب، ولا تتعارض وأسس الرأسمالية والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. كما لا تتعارض ونظام المنافسة والاستغلال: فتلك الحروب هي نتيجتها المباشرة.
إن الإمبريالية، من جهة كونها مرحلة من الرأسمالية بلغت طور الاحتكارات، تشدد من حدة التناحرات إلى حد لا يصبح فيه «السلم» سوى استراحة في انتظار حروب جديدة. إن مساحة الكون وثرواته الاقتصادية (باستثناء الأرض التي قامت فيها دكتاتورية البروليتاريا) هي كلها تقريبا موضوع احتكار من جانب عدد ضئيل من القوى العظمى. لكن لما كان التطور الاقتصادي والسياسي في مختلف البلدان لا يتم وفق وتيرة متساوية، نتج عن ذلك ضرورة دائمة لإعادة اقتسام العالم. وفي آخر الأمر، لا يمكن أن يتم هذا الاقتسام إلا بحروب تقوم بين القوى الإمبريالية الرئيسية. وفي ناحية أخرى، لا يمكن الحفاظ على استغلال مئات الملايين من العمال والعبيد في المستعمرات إلا بحروب الاضطهاد يهدر فيها الكثير من الدم.
لا تنفصل الحرب عن الرأسمالية: إذن، لا يمكن القضاء على الحرب إلا بالقضاء على الرأسمالية. إذن يجب الإطاحة بطبقة الرأسماليين المستغِلين، ووجب تركيز دكتاتورية البروليتاريا ووجب بناء الاشتراكية وأن نصل إلى إزالة الفوارق الطبقية. إن كل نظرية أخرى وكل اقتراح آخر مهما ظهر «واقعيا» إنما هو تضليل ولا يمكنه إلا أن يطيل عمر نظام الاستغلال والحروب.
لذا، تلفظ اللينينية كل النظريات السلمية حول «إزالة الحرب» من النظام الرأسمالي، وتبين للجماهير البروليتارية وكل المضطهَدين الطريق الوحيد الموصل إلى الهدف: الإطاحة بالرأسمالية.
8
لكن من غير الممكن قلب الرأسمالية دون عنف، ودون انتفاضة مسلحة ودون جملة من الحروب تشنها البروليتاريا على البرجوازية. ففي المرحلة الراهنة، مرحلة الحروب الإمبريالية والثورة العالمية، لا مفر، مثلما بين ذلك لينين، من أن تشن البروليتاريا حروبا أهلية على البرجوازية، ولا يمكن تفادي حروب تشنها دكتاتورية البروليتاريا على الدول البرجوازية والرأسمالية العالمية، ولا يمكن تفادي حروب وطنية ثورية تشنها الشعوب المضطهَدة ضد الإمبريالية. لهذا السبب على وجه التحديد، لا يمكن للبروليتاريا الثورية خلال نضالها في سبيل الاشتراكية، ولوضع حد لجميع الحروب، أن تعلن أنها ضد كل حرب دون تمييز.
«تنتج» كل حرب، على وجه الحصر، عن سياسة طبقات معينة تلتجئ في ظروف معينة إلى «وسائل أخرى»، وإلى أساليب عنف أخرى. لذا، وجب على البروليتاريا أن تحلل بعناية المغزى التاريخي والسياسي والمعنى الطبقي لكل حرب معلنة، ووجب عليها أنْ تقيم دور الطبقات القائدة في كل البلدان المتاحربة من وجهة نظر الثورة البروليتارية العالمية، بانتباه خاص.
تفرض علينا المرحلة الراهنة أن نميز بين ثلاثة أنواع من الحروب: أولها حروب بين الدول الإمبريالية نفسها؛ وثانيها حروب الثورة المضادة موجهة ضد الدول البروليتارية حيث تشيد الاشتراكية؛ وثالثها حروب وطنية ثورية أساسا في المستعمرات، ضد الإمبريالية، وهي حروب تقاوم ما تمارسه تلك القوى من اضطهاد وعدوان.
في الحالة الأولى، (ولنا منها مثال تقليدي وهو حرب 1914–1918 العالمية الأولى) يخوض الطرفان حربا إمبريالية رجعية.
في الحالة الثانية، (مثال ذلك التدخل ضد روسيا السوفييتية في 1918–1921) وحدهم الإمبرياليون يخوضون الحرب الرجعية، وفي مواجهتهم تخوض دكتاتورية البروليتاريا حربا ثورية في سبيل قضية الاشتراكية وفي صالح البروليتاريا العالمية.
في الحالة الثالثة، (مثال ذلك الحرب التي شنها الإمبرياليون على الثورة الصينية) وحدهم الإمبرياليون يقومون بالأنشطة الرجعية والنهب، لكن الحرب التي يخوضها السكان المضطهَدون على الإمبريالية هي حرب عادلة وهي إحدى وسائل توسع الثورة البروليتارية العالمية.
بعد تحليل طابع كل حرب بروح ماركسية على هذا النحو، تحدد البروليتاريا موقفها المبدئي وتكتيكها. تناضل البروليتاريا، خلال حرب بين الإمبرياليين، ووجهة نظرها، حينئذ، هي هزيمة حكومتها وتحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية على البرجوازية. وتقبل البروليتاريا في البلدان الإمبريالية الموقف المبدئي ذاته إذا ما تعلق الأمر بحرب اضطهاد موجهة ضد حركة وطنية ثورية، وخاصة الشعوب المستعمَرة. كما يجب على البروليتاريا أن تسلك ذات السلوك إذا ما تعلق الأمر بحرب إمبريالية مضادة للثورة تهدد دكتاتورية البروليتاريا. وتدافع البروليتاريا في ذات الوقت، عن جميع الحروب الوطنية الثورية وتخوضها. كما تدافع عن حروب الاشتراكية على الإمبريالية وتخوضها وتنظم الدفاع عن كل ثورة وطنية والدفاع عن كل دولة قامت فيها دكتاتورية البروليتاريا.
9
طالما لم تركز البروليتاريا دكتاتوريتها، وجب عليها، كي تحدد تكتيكها زمن الحرب في بلادها، أن تحلل بعناية وبالتفصيل الحربَ التي تدور وكل طور من أطوارها. فمن الممكن أن تتحول حروب وطنية حروبا إمبريالية.
لا يعوض تحليل طابع حرب بسماتها الشكلية والمظاهر ومَثَلُ ذلك أنْ نعتبر أن الأمر يتعلق باعتداء. ففي حرب 1914 على سبيل المثال كان من العبث أن نأخذ مثل تلك المظاهر بعين الاعتبار. فلا يخدم ذلك إلا خداع الجماهير.
ويجب، خلال حروب القوى الإمبريالية على الدول الثورية، أن نتناول قضية تلك المظاهر العدوانية لا من جهة إستراتيجية، وإنما من جهة المعنى التاريخي والسياسي. فمن يبدأ بالهجوم ليس بالضرورة هو من يقوم بحرب ظالمة. فالظلم يأتي من جانب من يمثل الرجعية والثورة المضادة والاستغلال والإمبريالية ضد ثورة وطنية أو بروليتارية.
يمكن تطبيق حجة الاعتداء تطبيقا أخرق. وقد قدم الاشتراكيون الفرنسيون مثالا لذلك عام 1925 عندما وقفوا إلى جانب الدولة الفرنسية التي أعلنت الحرب على المغرب الأقصى المنتفض. وقد زعموا، حينئذ، أن المغرب الأقصى هو المعتدي. وذلك ما كان فعلا. والموقف عينه اتخذه الإمبرياليون الاشتراكيون الإنجليز (حزب العمل) عندما تدخلت بريطانيا العظمى في الصين عام 1927. فقد تحدثوا، حينئذ، على «حماية الرعايا البريطانيين وممتلكاتهم».
10 إن الموقف المبدئي الذي تتبناه البروليتاريا والذي يحدد كل حرب تحديدا خاصا، ينجر عنه الموقف الذي يجب أن تتخذه أيضا في قضية «الدفاع عن الوطن». ليس للبروليتاريا وطنا طالما لم تستولي على السلطة السياسية ولم تجرد المستغِلين من وسائل الإنتاج. إن مصطلح «الدفاع عن الوطن» هو واحد من تلك المصطلحات التي تعترضنا دوما في جميع الأوساط والتي تصلح بكل بساطة لتبرير الحرب. عندما يكون للبروليتاريا دولة بروليتارية تناضل ضد الإمبريالية، على العمال حينئذ واجب الدفاع عن وطنهم الاشتراكي. وفي الحروب الوطنية الثورية، يجب على البروليتاريا أن تدافع عن بلدها ضد الإمبرياليين. لكن في الحروب الإمبريالية، يجب على البروليتاريا أن ترفض بكل ما أوتيت من قوة «الدفاع عن الوطن» الذي إن هو حينئذ إلا دفاعا عن المستغِلين وخيانة للاشتراكية.
11
يختلف نضال الشيوعيين ضد الحرب الإمبريالية عن شتى ضروب سياسة الإصلاحيين اختلافا جذريا. ولا يفصل الشيوعيون النضال ضد الحرب عن النضال الطبقي. فنضال البروليتاريا من أجل السلم هو جزء من عملها العام في سبيل الإطاحة بالبرجوازية. ويعلم الشيوعيون أن الحروب الإمبريالية حتمية طالما لا تزال سيادة البرجوازية قائمة.
إن الذين يقدرون هذا الاتجاه الموضوعي الذي يسير فيه التاريخ ربما يستنتجون من ذلك أن من العبث النضال ضد الحرب نضالا خاصا. أكثر من ذلك: يتهم بعض الاشتراكيين–الديمقراطيين الشيوعيين بتشجيع الحروب الإمبريالية على أمل حفز الثورة.
تنطوي الفكرة الأولى على خطأ. أما الثانية فهي ذريعة حمقاء.
إن الشيوعيين، فضلا عن كونهم مقتنعين بأن الحرب الإمبريالية حتمية، يبذلون الجهد قصد النضال بكل الوسائل ودون كلل ضد الحرب الإمبريالية واستباقها بالثورة وذلك في صالح الجماهير البروليتارية وكل الشغيلة الذين تفرض عليهم تلك الحروب أثقل التضحيات.
يبذل الشيوعيون في ذلك النضال الجهد ليجمعوا الجماهير حولهم؛ فإن لم يستطيعوا منع قيام الحرب على ذلك النحو، حاولوا على الأقل تحويلها حربا أهلية للإطاحة بالبرجوازية.
12
إن أولى واجبات الشيوعيين في النضال ضد الحرب الإمبريالية، هو أن يزيحوا الستار الذي تحضر البرجوازية من وراءه الحرب. وأن يشرحوا للجماهير الوضع الحقيقي. وذلك يعني قبل كل شيء أنه يجب خوض أشرس نضال ضد نزعة السلم في السياسة والتحريض.
يجب على الشيوعيين أن يقدروا بعناية وأن يميزوا بوضوح كل ضروب النزعة السلمية التي يمكن أن نقدمها كما يلي ذاكرين ما هو رئيسي منها:
أ. هنالك نزعة السلم الرسمي، تستخدمها الحكومات الرأسمالية لإخفاء تحركاتها وخططها عن بعضها البعض وعن الاتحاد السوفييتي (عصبة الأمم، ندوات نزع السلاح – وضع الحرب خارج القانون، الخ...).
ب. وهنالك نزعة السلم التي عند الأممية الثانية (هيلفردينغ، بول بنكور، ماكدونالد) وليست هذه النزعة إلا جزء من النزعة السلمية عند مختلف الحكومات لكنها تزين بلاغتها بجمل «اشتراكية» وحتى «ماركسية».
ت. وهنالك نزعة السلم «الجذري» أو«الثوري» الذي يقر بأهوال الحرب ولا يعارضها إلا بـحماقات، وغالبا ما يفرط أصحابها في الحديث عن قوة التدمير وتقدم الأسلحة، ويهدفون من ذلك إلى أنْ يبينوا أن الحرب المقبلة إنما هي مستحيلة أو يستحيل، على الأقل، تحويلها حربا أهلية.
ث. وهناك نزعة السلم المنمقة بالدين وهي ترتكز على حركة دينية.
يجب على الشيوعيين، خلال نضالهم ضد نزعة السلم، أن يقوموا بتمييز جيد بين نزعة السلم البرجوازية وأخطاء الجماهير الشعبية. فالجماهير الشعبية تعارض الحرب، ومستعدة لمنعها، لكنها لا تعرف بعدُ الطريق المؤدي إلى الهدف وهو طريق الثورة. إذن، هي ضحية عجز ممثلي مختلف التوجهات السلمية. وعلى الشيوعيين واجب أن يفسروا للجماهير أخطاءها دون كلل، وأن يسيروا بها إلى الجبهة الثورية من أجل النضال ضد الحرب. لذلك وجب عليهم أن يناضلوا بجد ضد كل أكاذيب أنصار السلم وأن يفضحوا دون كلل أكاذيب المنظمات التالية:
ج. يلعب «السلم التعاوني»، تحت هذه التسمية دورا خاصا: إنه يرتكز على «الحلف التعاوني العالمي» وعلى «الجمعية التعاونية النسائية العالمية» في لندن. ويمكن أن نظيف إليهما منظمات البرجوازية اليسارية مثل «رابطة النساء العالمية من أجل السلم والحرية» .
13
كلما أصبحت أهوال الحرب قريبة وبديهية إلا وازداد خطر تلك النزعة التي تسمى «السلم الجذري» وهي ممثلة الآن خاصة في «يسار» الاشتراكيين– الديمقراطيين في عدة دول صغيرة (منها هولندا والنروج). في هذه التوجهات تقدم شعارات مصاغة في جملة جميلة مثل «لتذهب الحروب إلى غير رجعة» و«لنقاطع الحرب» و«إضراب عسكري» وغيرها. وهي جمل يستخدمها الزعماء الإصلاحيون على نطاق واسع لتضليل الجماهير. (وعلى هذا النحو تتحدث أممية أمستردام النقابية عن إضراب عام).
إن توصيات لينين لوفد السوفييت النقابي المتوجه إلى ندوة السلام في لاهاي في كانون الأول 1922 تجلب حقا كل انتباه الرفاق إلى النضال الذي يجب خوضه ضد هذا الضرب من السلم. ولهذه التوصية، اليوم، كامل قيمتها لأنه لا تزال حتى في صفوف الأحزاب الشيوعية، بشكل عفوي، أحكام مسبقة قوية وانحرافات في هذه القضية. لذا وجب:
أ. التحرك ضد جمل حماسية مثل: «نحن لا نتساهل أبدا مع الحرب». فلا يجب على الشيوعيين أن ينكبوا على تصحيح تلك الشعارات فحسب، بل يجب عليهم خوض نضال نشيط ضد ذلك التحريض بفضح المبشرين به وبشرح طبيعته الحقيقية الذي إنما هو إخفاء التحضير للحرب. كما يمكن أن نقول أكثر من ذلك في كثير من الحالات عن شعار «الحرب على الحرب» الذي يعلنه الاشتراكيون–الديمقراطيون كوعد من باب النفاق لتضليل الجماهير.
ب. يجب النضال ضد اقتراحات المسالمين «الجذريين» الذين يزعمون صد الحرب. ولا يجب على الشيوعيين أن ينكبوا على فضح أولئك الناس بوصفهم ثرثارين لا يقومون بشيء لتحقيق اقتراحاتهم ذات الجذرية الجميلة (إضراب عام، إضراب عسكري)، وإنما يجب على الشيوعيين أن يبينوا كامل خطأ تلك الاقتراحات السلمية وكامل صبيانيتها، مفسرين للجماهير الوضع الحقيقي الذي تندلع فيه الحرب. ومبينين كيف يستحيل حصر النضال في طرق معينة وكيف من اللازم اللجوء إلى جميع أشكال الصراع الطبقي.
ت. يجب خوض نضال صلب ومعارضة كل مظاهر عدم الاكتراث بخصوص موضوع أهوال الحرب في صفوف أحزابنا الشيوعية. فلذلك النضال ضرورة خاصة تجاه الأخطاء التي تقترفها عناصرنا في مقالاتها الصحفية وخطاباتها البرلمانية. ولا يُقبل السكوت عن أخطاء من هذا القبيل في أي حال من الأحوال.
ب. يجب أن نفسر دون كلل، وبجد، وبصورة أكثر حسية قدر الإمكان، كيف تمت الأمور في الحرب الأخيرة، ولماذا لم يكن من الممكن أن تكون على نحو آخر. يجب أن نبين، بوجه خاص، أن «الدفاع عن الوطن» سيكون موضع تساؤل بالضرورة، وأن الغالبية العظمى من الجماهير ستحل هذا التساؤل من وجهة نظر البرجوازية. (لينين)
يجب علينا، مستخدمين تجربة الحرب السابقة، أن نفهم أن عددا لا يحصى من الأسئلة النظرية والعملية سيطرح غداة إعلان الحرب. وأن غالبية المعبئين العظمى ستكون في وضع يستحيل عليها فيه درس تلك الأسئلة بقدر معين من التمعن والوعي والتمحيص. (لينين)
يجب أن نفسر للناس حقيقة الظروف التي ينشأ فيها كابوس الحرب وعجز المنظمات البروليتارية، حتى الثورية منها، أمام حرب محدقة. (لينين)
لقد كان البلاشفة، الذين لهم منظمة سرية عتيدة، الحزب الوحيد الذي أمكن له أن يواصل عملا ثوريا أثناء الحرب. لكنهم لم يستطيعوا أن يمنعوا الجماهير من قبول الشعار البرجوازي: «الدفاع عن الوطن» ولم يستطيعوا أن يمنعوا الحرب، رغم أن صراع العمال الطبقي في روسيا كان قد اتسم بنهوض هائل، وبعد أسابيع فقط من إعلان الحرب ظهرت المتاريس في شوارع بطرسبورغ. يجب قبل كل شيء تقديم تفسير جدي للصعوبات الهائلة التي تترتب عن نضال فعلي ضد الحرب وعندئذ فقط يمكن درس مسائل تكتيك ذلك النضال.
15
يجب مزج هذا العمل التحريضي والدعائي، على نحو صحيح، بالنشاط الثوري اليومي الذي يقوم به الحزب صلب الجماهير. وفيما يلي أهم واجبات النضال ضد الحرب الإمبريالية قبل نشوبها:
أ. يجب أن يستهدف عمل الحزب في المؤسسات والنقابات، قبل كل شيء، الفروع الصناعية اللازمة لتحريك الحرب ومسارها: التعدين والمنتجات الكيماوية والنقل. ويجب أن نولي أهمية جد خاصة للتطبيق الصحيح للجبهة البروليتارية المتحدة التي يجب تقوية نتائجها على شكل منظمات ولجان عمل وغيرها.
ب. نظرا لكون طبقة الفلاحين في معظم البلدان، هي التي تمثل ثقل الجيش، يجب الاهتمام بوجه خاص بالدعاية المعادية للعسكرة بين الفلاحين. إن هذا العمل سيسهله كره الحرب الذي يتصلب في جميع أنحاء الريف. إن البرجوازية تسعى جاهدة لتحافظ على تأثيرها على الريف وإثارة «كفاحية» الفلاحين. وهي تلجأ في ذلك إلى تدخل المالكين العقاريين والفلاحين الأغنياء ومنظمات قدماء المقاتلين والصحافة والكنيسة ومختلف الطرق الفاشية والسلمية. وعلى الشيوعيين أن يعارضوا ذلك النشاط بنشاطهم الخاص في المدن وذلك بتشديد حدة الصراع الطبقي. ويجب عليهم أن يقوموا بدعاية ضد الحرب بين الجماهير الفلاحية مرتكزين على تجربتها في الحرب العالمية ومازجين تلك الدعاية بمطالب الفلاحين الفقراء الاقتصادية. ويجب عليهم شرح موقف البروليتاريا من الحرب ويجب عليهم أن ينشؤوا فرقا للعمل في نقابات الفلاحين الرجعية. ويجب عليهم أن ينظموا ندوات للفلاحين الفقراء ضد الحرب وأن يأخذوا مصالح أولئك الفلاحين الفقراء الخاصة خلال الدعاية في الجيش بعين الاعتبار.
ت. يجب أن تلعب الحركات الوطنية الثورية في البلقان وبولونيا وغيرها دورا عالي الأهمية في النضال ضد خطر الحرب الإمبريالية وفي تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية. وفي هذه البلدان يجب أن يرتبط فيها النضال ضد خطر الحرب الإمبريالية بالنضال ضد الإقطاع وضد الاضطهاد القومي قصد تطوير الثورة الزراعية والوطنية.
لهذا السبب يصبح مشكل خلق وتوسيع التحالفات الثورية من العمال والفلاحين والقوميات المضطهَدة المعادية للرأسمالية وأهوال الحرب الإمبريالية، على أهمية قصوى عند الأحزاب الشيوعية.
ث. إن العمل بين الشباب وفي مقدمتهم الشباب العمالي، إنما هو قضية ذات أهمية فاصلة. يجب على كل الشيوعيين، وليس فقط منظمات شبيبتنا، أن يناضلوا بأكثر ما يمكن من الحيوية ضد المنظمات الرياضية البرجوازية والمنظمات الفاشية والمدارس العسكرية، وغيرها التي تحضر فيها البرجوازية الشباب للحرب الإمبريالية.
يجب، بعد ذلك، النضال ضد تحضير الشباب عسكريا قبل الدفع به إلى الثكنات مثلما يقع ذلك في البلدان البرجوازية. وحيثما كان ذلك التحضير إجباريا، إلا ويدعو الشيوعيون الشباب العمالي للانخراط فيها وينظمون في ذلك التكوين دعاية لتنوير الشباب وإثارة حل المنظمات العسكرية البرجوازية. ويجب أن يقوم نفس العمل في منظمات المتطوعين وجمعيات المواطنين التي تهدف التحضير العسكري. ولأجل ذلك توفد الأحزاب الشيوعية وقيادة الشبيبة بعض العناصر الأعضاء إلى تلك المنظمات، لكن لا يجب على الشيوعيين أن يطلبوا من الشباب العمالي أن يدخلوها، بل يطلب منهم أن يدخلوا منظمات الدفاع العمالي أو أن يخلقوا منظمات مثل تلك التي عند المتطوعين والمواطنين.
ج. نظرا لأهمية دور النساء في الصناعة وخصوصا في حالة حرب، فإن العمل بين العاملات وزوجات العمال يصبح له أهمية خاصة. ويجب مكافحة ما يمكن أن يُحدث الإمبرياليون فيهن من تأثير من خلال منظمات برجوازية صغيرة. لذا وجب تنظيمهن في نقابات وتجمعات جماهيرية بروليتارية أخرى. ويجب أن تأخذ مخططات تجنيد النساء باهتمام خاصٍ. وأن يولى انتباه كبير إلى تعاظم تأثير المنظمات البرجوازية السلمية والدينية والقومية على النساء (إن ذلك واقع). ولا يقبل أي تهاون في هذه الدعاية. ولا يمكن حصر القيام بهذا العمل على النساء الشيوعيات. إن ذلك خطأ في التقدير يجب التخلص منه بكل الوسائل.
ح. العمل المعادي للعسكرية. العمل في الجيش والأسطول، بين المجندين والاحتياطيين وفي منظمات الدفاع البرجوازية، حيث يجب أن يكون حضور العناصر البروليتارية جد قويا. كل ذلك إن هو إلا كلا عضويا يمثل عملا ثوريا ينجزه الحزب بين الجماهير لا بد أن يمتد إلى جميع العمال.
16
لقد رأى لينين أن «الوسيلة الوحيدة» لمواصلة كامل العمل الثوري بعد إعلان الحرب إنما هي خلق منظمة سرية. ويجب أيضا أن تكون هنالك منظمة غير شرعية للنضال ضد الحرب حتى قبل إعلان الصدام. وإن ذلك لمن أهم المشاكل، ولم تقع دراستها عمليا إلى الآن إلا بشكل غير كاف؛ فقد أُهملت كثيرا ولم ينظر فيها بوضوح. وفي بعض الحلقات في العديد من أحزابنا، لا يزال هناك الاحتفاظ بحكم مسبق واضح الانتهازية مفاده أن يعهد بعمل الدعاية المضادة للعسكرة إلى الشباب ومنظمات خاصة فقط، وكأن العمل في الجيش ليس واجبا على كامل الحزب. ويجب التحرك بصرامة ضد هذه الطريقة في النظر والشروع منذ الآن في العمل وفق روح تعاليم لينين. والمهمات الواجب تحقيقها هي:
أ. توسيع ما لدينا من خلايا في الورشات والمصانع التي نتيجة للإرهاب الذي يمارسه الأعراف والأنظمة البوليسية وفي ظروف محددة، يجب عليها كلها أن تتحول إلى اللاشرعية وإلى وضع سري. يجب القيام بكل شيء لتحضير ذلك؛
ب. تحضير الأجهزة القيادية وجهاز الربط وكذلك أجهزة صحافة الحزب التي يجب ضمان سيرها حتى في ظل نظام إرهاب أعلى.
يجب على الأحزاب الشيوعية، في الوقت الذي لا يتخلون فيه عن استغلال ما توفره لهم الشرعية من إمكانيات، أن ينخرطوا منذ الآن، وبنشاط شديد، في درس تلك المشاكل. وإذا ما أهملت الأحزاب الشيوعية هذا الواجب، فإن نظام القمع الذي من المؤكد أنه سيقوم لحظة إعلان الحرب والذي قد بدأت تظهر ملامحه في أغلب البلدان، سيُخمد منظمات الحزب ويقضي على منابع أساسية لنضال ثوري ضد الحرب.
17 يجب على الأحزاب الشيوعية أن تركز جهودها الآن على تحضير الجماهير وكسبها وتنظيمها من أجل النضال ضد الحرب الإمبريالية. ولا يجب الاقتصار في معارك البروليتاريا والعناصر الكادحة الأخرى ضد تقوية الاستغلال والاضطهاد (حول مسائل الأجور، وساعات العمل، والضرائب، والسكن، والسياسة الاجتماعية، والحيف، والقمع وتعاظم الخطر الفاشي) على المطالب الآنية لوحدها بل يجب أن تكون دوما مرتبطة بوضوح بالنضال ضد سياسة الحرب الإمبريالية، فجميع المسائل الهامة في السياسة الخارجية والتسلح ووضع موارد عسكرية جديدة وغيرها، يجب أن تخضع للدراسة من جانب الجماهير وأن تستخدم لشن مظاهرات ثورية. ويجب على الحزب الشيوعي، في هذا النضال، ودون أن يكف عن تقييم قواه بصحة، أن يقف في مقدمة الجماهير بكل جرأة وصلابة. ويجب عليه أن ينظم مظاهرات، وإضرابات واحتجاجات ضد سياسة الحرب التي تسلكها البرجوازية الإمبريالية، وأن يضع أمام الجماهير، وفي الوقت المناسب، قضية الإضراب العام وأشكالا أخرى من النضال أكثر جدية.
18
برنامج الشيوعيين السياسي زمن الحرب الإمبريالية هو ذات البرنامج الذي صاغه البلاشفة وطبقوه بقيادة لينين خلال النضال البطولي ضد الحرب العالمية الأولى. والنقاط الجوهرية في ذاك البرنامج هي:
أ. رفض الدفاع عن الوطن الإمبريالي في مثل تلك الحرب. فيفسر للعمال والفلاحين ما لتلك الحرب من طابع رجعي. وتكافح بكل قوة كل توجهات الحركة البروليتارية التي تحاول تبرير الحرب بشكل مكشوف أو ملتويا؛
ب. الانهزامية: المساهمة في هزيمة الحكومة الإمبريالية التي يتعلق بها الأمر في كل بلد؛
ت. روح أممية حقيقية: لا بجمل «أممية» و«اتفاق» شكلي محضٍ، بل بعمل ثوري حقيقي «انهزامي» من جانب البروليتاريا في جميع البلدان المتحاربة، عملا يهدف في كل بلد إلى الإطاحة بالبرجوازية القائدة؛
ث. تحويل حرب الدول الإمبريالية حربا أهلية تخوضها البروليتاريا ضد البرجوازية من أجل دكتاتورية البروليتاريا والاشتراكية بمظاهرات ثورية جماهيرية في المؤخرة وبأخوة في الجبهة؛
ج. يستحيل أن يقوم سلم «عادل» أو «ديمقراطي» إثر حرب إمبريالية إذا لم يُطحْ بالبرجوازية وإذا لم تتسلم البروليتاريا السلطة في البلدان المتحاربة الرئيسية.
لذا، لا يجب أن يكون الشعار شعار السلم بل شعار الثورة البروليتارية. ويجب على الشيوعيين أن يناضلوا بقوة ضد كل الجمل التي تبشر بالسلم وهي جمل تصبح في وقت معين الأداة الفكرية الرئيسية بيد البرجوازية لمنع تحول الحرب حربا أهلية.
لا يمكن حصر العمل في الدعوة إلى هذا البرنامج. فمن الضروري كسب الجماهير البروليتارية للنضال في سبيل هذا البرنامج بتطبيق تكتيك الجبهة المتحدة من القاعدة.
19 «تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية»، إنما يعني ذلك، في المقام الأول، أن تكون هنالك مظاهرات ثورية جماهيرية. ويرفض الشيوعيون، باقتناع، استخدام كل ما يزعم أنها «وسائل» نضال ضد الحرب التي تمنع تطوير المظاهرات الثورية الجماهيرية. ويرفضون أيضا الأعمال الفردية التي لا ترتبط بالعمل الثوري الجماهيري أو لا تسهل تطوره. وهم يناضلون ضد هذه الوصفات «المضادة للحرب» التي تينع بين العناصرِ البرجوازية الصغيرة في الحركة البروليتارية مثل «رفض حمل السلاح» و«رفض إطلاق النار»، الخ. إن هذه الوسائل البائسة لا تزال محبذة بين الجماهير. والعمال يعتقدون بجد أن بالإمكان بلوغ شيء ما من خلال ذلك. والحق أن تلك الدعوة إنما هي عبث ومضرة. فيجب أن يقول الشيوعيون للعمال أن النضال ضد الحرب أبعد من أن يكون نضال فرد واحد في زمن معين وأن المظاهرات الثورية التي تخوضها جماهير العمال والفلاحين، في المؤخرة كما في الجبهة للإطاحة بالبرجوازية بالسلاح هي الوسائل الوحيدة الواجب استخدامها والتي يجب أن تخضع لها جميع الوسائل الأخرى. وإذ يناضل الشيوعيون ضد تلك الوصفات المذكورة والتي تضر عمل الجماهير، فإنهم يوقظون في البروليتاريا روح البطولة الثورية من أجل النضال ضد الحرب الإمبريالية.
20
يقدر الشيوعيون دائما قضية الإضراب العام ضد الحرب من جهة تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية. ولا يمكنهم تقدير الإضراب العام على أنه، في حد ذاته، وسيلة نضال ضد الحرب. فمنذ 1907 حارب لينين وجهة نظر غوستاف هرفاي رافضا شعار الإضراب العام تلك «الوصفة السحرية» التي تقترح دون أخذ بعين الاعتبار الظروف والوضع الملموس، وبمعزل عن مجمل نضال البروليتاريا. ولقد أقر لينين عام 1922 حول هذه النقطة موقفا أكثر دقة من خلال تجربة الحرب العالمية. فما قدمه لينين من إشارات وتوصيات حول هذا الموضوع إلى الموفدين إلى ندوة لاهاي إنما يبقى ساري المفعول إلى الآن: يستحيل «الرد» على الحرب بالإضراب تماما كما يستحيل «الرد» عليها بالثورة بالمعنى البسيط والحرفي لتلك الكلمات. لكن إذ يرفض الشيوعيون شعار «الإضراب العام ردا على الحرب» وتنذرون العمال بمثل تلك الأوهام التي لا يمكنها إلا أن تضر النضال الحقيقي ضد الحرب، فإنهم لا يرفضون الإضراب العام إذا ما أتخذ كواحد من وسائل النضال. وهم يعتبرون رفض اللجوء إلى تلك الوسيلة انحرافا انتهازيا ينبغي تركه بصلابة. فالإضراب العام إذا ما كان إلى جانب أعمال جماهيرية أخرى (مظاهرات، إضرابات في المصانع التي تشتغل لصالح الدفاع الوطني، وإضرابات النقل، وغيرها) ويحرك الجماهير، هو أحد الوسائل الرئيسية في النضال وهو بمثابة انتقال إلى الانتفاضة المسلحة وهو أحد الأطوار التي يجب المرور بها لتحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية. ولا يقف هذا التحويل على إرادة الحزب فقط. وإنما يفترض وضعا ثوريا وقدرة استعداد البروليتاريا على التحرك جماهيريا وغير ذلك ومن الأمور التي هي غير موجودة وقت إعلان الحرب إنما توجد أثناء الصدام. وحتى أثناء الحرب لا يأتي الإضراب العام لوحده وإنما هو خلاصة سيل هائل من الأعمال الثورية الجماهيرية، والمظاهرات والإضرابات الجزئية وغير ذلك. ومن جانب الشيوعيين هو خلاصة تحضير وقائي يتضمن تضحيات ثقيلة. الإضراب العام زمن الحرب يعطي دون شك نتائج ثورية أسرع مما يعطيها زمن السلم. لكن لن يكون تحضيره وتنظيمه أسهل أبدا. وستتخذ البرجوازية إجراءات احتياطية، وستجيب عن الإضراب بتعبئة العمال المضربين أو بعسكرة المؤسسات. لهذا السبب لا يجب على الشيوعيين أن ينكبوا، حتى في زمن الحرب، على دعوة مجردة قصد إضراب عام. وإنما يجب عليهم أن يواصلوا عملهم الثوري اليومي في المؤسسات والنقابات مدافعين دائما عن مطالب العمال الاقتصادية، ورابطين تلك المطالب بالدعوة ضد الحرب، ومنظمين لجان ثورية في المصانع، وكاسبين قاعدة المنظمات النقابية ومزيحين العناصر الاشتراكية –الوطنية من تلك المنظمات وعندما تكتسب القاعدة وتنتخب أجهزة قيادية جديدة معارضة لتلك الإصلاحية فإنها تنظم، رغم أنف هذه الأخيرة، إضرابات جزئية وتفجرها وتوسعها. فلا يمكن أن يكون شعار الإضراب العام شعارا معلقا في الهواء. بل يجب أن يكون هدف كامل ذلك النشاط العملي ونتيجته.
في مثل ذلك الوضع، يجب على البروليتاريا أن تستعد للإضراب العام المظفر وان تقوده، في ظروف ملائمة إلى انتفاضة مسلحة.
21
يرفض الشيوعيون، أيضا، من جهة تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية، شعار رفض الخدمة العسكرية «مقاطعة الحرب» الذي يبشر به بعضٌ من أنصار السلم «الجذريين» و«يسار» الاشتراكيين–الديمقراطيين.
أ– إن فكرة جعل الحرب الإمبريالية مستحيلة بأن نطلب من الجماهير المعبئة عدم الاستجابة لنداء الخدمة العسكرية إنما هي وهم تماما مثلما هي كذلك فكرة «الرد» على الحرب بالإضراب العام. إن من يقترح هذه الوصفة إنما هو يضعف النضال الثوري الحقيقي ضد الحرب.
ب– حتى في حالة نجاح جزئي تحققه هذه «المقاطعة الجماهيرية» فإن نتيجة ذلك هي ألا يكون أكثر العمال صلابة ووعيا داخل الجيش؛ فذلك يمنع تحقيق عمل الثوريين المنتظم في الجيش (الذي هو إحدى المهمات الجوهرية في النضال ضد الحرب).
لهذا السبب كان لينين على صواب تام عندما كتب عام 1922 وبالاعتماد على تجربة الحرب العالمية:
قاطعوا الحرب. تلك جملة حمقاء. فيجب على الشيوعيين أن يسيروا في أي حرب رجعية.
لكن هذا التوجيه الذي قدمه لينين حول الخدمة العسكرية، لا يعني أن يجب على الشيوعيين أن يقوموا بالتحريض بين الجماهير حتى تنخرط في الجيش البرجوازي. إنه يعني أن على الشيوعيين أن يناضلوا بثبات ضد شعار المقاطعة الذي لا يمكنه إلا أن يضر ويخلق أوهاما، وأن يجب عليهم أن يعملوا في سبيل الثورة وتنظيم الجماهير في الجيش البرجوازي، وتسليح البروليتاريا وتحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية.
لذا، عندما توضع قضية الدخول في الجيش البرجوازي أو تلك المتعلقة برفض حمل السلاح «المقاطعة»، يجب على الأحزاب الشيوعية أن تنصح العمال والفلاحين الفقراء بأن يقبلوا الخدمة العسكرية وأن يتعلموا استخدام السلاح وأن يقوموا بعمل ثوري في الجيش حتى تكون اللحظة التي يديروا فيها سلاحهم إلى البرجوازية.
إذا ما ظهرت حركة جماهيرية كبرى تسعى إلى رفض الخدمة العسكرية لحظة إعلان الحرب، وجب على الشيوعيين أن يكونوا في صفوف تلك الحركة وأن يقدموا مطالب ملموسة وشعارات عمل جماهيري ضد الحرب الإمبريالية، ويجب عليهم أخيرا أن يستغلوا تلك الحركة استغلالا أقصى لتثوير الجماهير. لكن في مثل هذه الحالة، يجب على الشيوعيين أن يكافحوا مذهب السلم وشعار المقاطعة السلمي. يجب عليهم أن يعلنوا بكل صراحة أن تلك الوسيلة النضالية غير كافية وأننا لا نقدم شيئا إذا ما اقتصرنا على رفض حمل السلاح. ويجب عليهم أن يشرحوا للجماهير كيف أن الطريق الصحيح الوحيد للنضال ضد الحرب الإمبريالية إنما هو السعي إلى تحويل هذه الأخيرة حربا أهلية. ويجب القيام بدعوة قوية حتى تفهم الجماهير ضرورة العمل الثوري في الجيش البرجوازي. يجب على الشيوعيين أن يعبئوا حركات جماهيرية من ذلك القبيل نحو تكوين «كتائب» أنصار وتطوير الحرب الأهلية فورا إذا ما كان الوضع العام يمكنهم من ذلك. ويتعلق الأمر هنا بالبلدان التي توجد فيها حركة وطنية ثورية قوية. ففي مثل هذه البلدان، وعندما تعلن الحرب أو أثناءها (خصوصا إذا ما كانت حربا على الاتحاد السوفييتي)، وإذا ما كان الوضع ملائما، يمكن للشيوعيين أن يرفعوا شعار انتفاضة وطنية ثورية ضد الإمبرياليين وأن يشكلوا (كتائب الأنصار) فورا.
22 في البلدان التي الخدمة العسكرية فيها ليست إجبارية، تباشر حكوماتها حملة للحصول عل الانخراط في الجيش وقد تضطر إلى إعلان الخدمة العسكرية العامة الإجبارية. ومن المعلوم أن هدف الشيوعيين في هذه البلدان أيضا هو تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية. وفي إطار ذلك النضال يجب على الشيوعيين أيضا، أن يتحركوا ضد الدعوة البرجوازية التي تطلب متطوعين. كما يجب عليهم أيضا أن يناضلوا ضد تركيز الخدمة العسكرية الإجبارية. ويكون الأمر على نحو لا يذهب من خلاله في اعتقاد العمال أنه برفض الدخول في الجيش وبمكافحة كل قانون يرجى من وراءه تركيز الخدمة العسكرية العامة سيمكن ذلك من منع نشوب الحرب. فذلك سيكون وهما يجعل العمال لا يقفون على جدوى العمل الثوري في الجيش. فيجب أن يفسر جيدا للجماهير كيف أن ذلك النضال إنما هو نضال على صعيد ثانوي وليس هو الكل في المعركة العامة الموجهة ضد الحرب الإمبريالية. يجب تنظيم العمل الثوري في الجيش والجهر بضرورته أثناء الدعوة.
23
إن للعمل الثوري في الجبهة أعلى أهمية في تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية. ولا يجب أن يعكف الشيوعيون على دعاية بسيطة وإنما عليهم أن يرفعوا شعارات عمل توافق الوضع الملموس.
أ– عندما يرفع الجنود مطالب اقتصادية وشكاوى، يقع اللجوء إلى وسائل من قبيل رفض الخدمة جماعيا أو إلى العرقلة، كما تنظم بعض إضرابات الجنود وأطقم البواخر.
ب– الشعار العملي الرئيسي على الجبهة هو الأخوة. الهدف هو تقريب الجنود عمالا وفلاحين من الجهتين المتحاربتين وتوحيدهم ضد جنرالات البرجوازية. لقد بينت تجربة الحرب العالمية الأخيرة أن التآخي الجماهيري يؤدي حتما إلى تفكك الجيوش وتجمع طبقي وصراعٍ مسلح بين الجنود والضباط. ويعهد إلى الشيوعيين الذين هم في الجيش تنظيم التآخي معطين إياه لونا سياسيا جيد التميز، وفي مقدمة ذلك ما يتعلق بقضية السلم وتنظيم القوى الثورية في الجيش.
24
لقد تحولت حرب 1914–1918 الإمبريالية حربا أهلية في عدد لا بأس به من بلدان أوروبا الشرقية والوسطى مما مكن البروليتاريا الروسية من الظفر. ولدروس ثورة تشرين الأول (أكتوبر) مغزى حاسما فيما تعلق بموقف البروليتاريا من الحرب. إنها تبين، أولا، أن البرجوازية، في تلك الحروب الإمبريالية تكون مكرهة على تسليح العمال، لكنها في الأوقات الحرجة والهزائم، تفقد سيطرتها على الجماهير المسلحة. وثانيا، أن مواكبة منطقية للنضال ضد الحرب إنما يفترض عملا لتثوير جماهير الجنود، أي لتحضير الحرب الأهلية. وثالثا، أن الحروب الأهلية تفترض استعدادا جديا عند البروليتاريا وحزبها.
وتبين تجربة السنوات اللاحقة –ألمانيا (1919 و1923)، بلغاريا (1923)، إستونيا (1924) النمسا (فيينا، تموز 1927)– أن حرب العمال الأهلية لا تثيرها حروب البرجوازيين الإمبريالية فقط، بل يثيرها أيضا وضع الرأسمالية المعاصرة «العادي». إن انتفاضات البروليتاريا في شنغهاي في آذار 1927 وفي كانتون في كانون الأول من نفس العام، إنما تتضمن دروسا هامة بالنسبة للبروليتاريا، وخاصة بالنسبة للأمم المضطهَدة، بالنسبة للمستعمَرات وشبه المستعمَرات. إذ تبين أحداث شنغهاي بوجه خاص، كيف يمكن للانتفاضة البروليتارية أن تكون سلاحا في حرب وطنية ضد الإمبريالية وأعوانها.
تجبر هذه التجربة الشيوعيين على بسط، خلال نضالهم ضد الحروب الإمبريالية والمضادة للثورة، قبل كل شيء، وبدقة، مشاكلَ الحرب الأهلية البروليتارية وتحليل دروس تلك الانتفاضات وتمثلها.
25
تلك الدروس هي كما يلي:
أ. بالنسبة للظروف الأولية للانتفاضة: يجب أن يكون هنالك وضع ثوري، أي أن تكون هنالك أزمة في سلطة الطبقات القائدة، كأن تنتج مثلا عن هزائم عسكرية.
يجب أن يكون وضع الجماهير ثقيل الوطء والاضطهاد لا يطاق أكثر وذلك على وجه أشد من المعتاد، وأن تكون الجماهير أنشط وأكثر تأهبا للنضال لقلب الحكومة بالثورة. ويجب أن يكون هنالك حزب شيوعي متمرس يمتد نفوذه إلى أنشط شرائح البروليتاريا.
بالنسبة لتحضير الانتفاضة: لا يجب أن تعتمد الانتفاضة على الحزب القيادي فقط، بل أيضا على الجماهير البروليتارية. فما له أعلى أهمية هو العمل التحضيري في المنظمات الجماهيرية البروليتارية وفي مقدمتها النقابات ومشاركتها النشيطة في تحضير الانتفاضة، وخلق أجهزة الانتفاضة لتجميع الجماهير جهرا.
يجب أن تعتمد الانتفاضة على المد الثوري من جانب كل السكان الكادحين وفي مقدمتهم العناصر شبه البروليتارية، وعلى الفلاحين الفقراء.
ومن اللازم العمل بحيوية لإثارة تفكك الجيش البرجوازي. ولحظة الانتفاض، يوجه النضال لكسب الجيش.
يجب أن يكون تنظيم الانتفاضة والتحضير العسكري ضمن أهم مهمات العمل بين الجماهير البروليتارية وكذلك في المستعمرات وأشباه المستعمرات.
وعند تحديد لحظة اندلاع الانتفاضة تأخذ بالحسبان جميع تلك الاعتبارات الموضوعية والذاتية. ولا يمكن تحديد التوقيت النهائي إلا إذا وجدت صلة متينة بين الحزب وجماهير العمال الثوريين.
بالنسبة للتطبيق ذاته لذلك القرار، يجب الأخذ بقاعدة عامة مفادها أن لا لعب بالانتفاضة. فحالما يثار الانتفاض من اللازم مواصلة الهجوم بحيوية حتى يتحطم العدو نهائيا. فكل تردد ينتهي بالضرورة إلى هزيمة الحركة المسلحة. فمن اللازم وضع أكبر قوة ممكنة ضد قوة العدو الرئيسية. ويجب العمل على نحو يكون فيه النصر حليف البروليتاريا من جهة استراتيجية عالية الأهمية: فمن اللازم نشر الانتفاضة في أوسع نطاق ممكن دون تأخير. والانتفاضة تستوجب فنا. فالمشكل سياسي قبل كل شيء وليس علما عسكريا فقط. فلا يمكن أن تكون قيادة الانتفاضة إلا بيد حزب ثوري. ولحظة الانتفاض، يجب على الحزب أن يخضع كامل نشاطه لحاجات الصراع المسلح.
26 حرب الإمبرياليين على الاتحاد السوفييتي هي، بكل بداهة، حرب طبقية، حرب مضادة للثورة تشنها البرجوازية ضد البروليتاريا، هدفها الرئيسي قلب دكتاتورية البروليتاريا وتركيز نظام إرهاب أبيض ضد الجماهير البروليتارية والجماهير الكادحة في جميع البلدان. ويرتكز تكتيك نضال عمال البلدان الرأسمالية ضد تلك الحرب، على البرنامج البُلشفي في النضال ضد الحرب الإمبريالية؛ فيجب تحويل حرب البرجوازيات تلك حربا أهلية. ويجب ملائمة طرق النضال ومشاكله، قبل الحرب أو أثناءها، للظروف الملموسة لتحضير تلك الحرب ولطابعها الطبقي. ويلحق التكتيكَ تحويراتٌ هامة عندما يكون (الخصم) الذي يواجهه جنود جيش إمبريالي بلد دكتاتورية بروليتارية وليس قوة إمبريالية أخرى.
27
تجسيدا لقضية عمل التحريض في حال حرب إمبريالية على الاتحاد السوفييتي أو تحضيرها، من الضروري ملاحظة ما يلي:
أ. أن السلمية التي تخفي تحضير الحرب هي سند هام جدا لذلك التحضير. ولذلك من اللازم تقوية النضال ضد السلمية وضد شعاراتها المسالمة: ضد عصبة الأمم التي ستقود الحرب المقبلة المعلنة ضد الاتحاد السوفييتي باسم «الحضارة» و«السلم» وضد «السلمية الواقعية» التي تعتبر الاتحاد السوفييتي والثورات البروليتارية والوطنية تهديدا للسلم، وضد السلمية «الجذرية» التي تريد أن تحط من قيمة فكرة الدفاع عن السلطة السوفييتية بحجة معارضة «كل حرب».
ب. الاشتراكية–الديمقراطية أتت لتحضر بنشاط الحرب المضادة للثورة، الحرب على السلطة السوفييتية. لذلك من اللازم تقوية، بكل الوسائل، النضال ضد الزعماء الاشتراكيين– الديمقراطيين اليمينيين و«اليساريين» على حد سواء وكذلك ضد شركائهم التروتسكيون والفوضويون النقابيون. ومن اللازم قبل كل شيء أن تكشف وتفضح أمام الجماهير مختلف شعارات تلك العناصر وحججهم التي يستخدمونها لمحاولة تبرير الحرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية من قبيل: «النضال من أجل الديمقراطية ضد الدكتاتورية» و«التفسخ» و«غزو الكولاك» و«مذبحة» السلطة السوفييتية ومواعظ أخرى حول «الإمبريالية الحمراء» وشعارات أخرى مثل شعار «عدم الانحياز في حال حرب» وغير ذلك.
28
إن البروليتاريا العالمية التي ترى في الاتحاد السوفييتي مدافعا عنها، تقدره بتعاطف متعاظم. فإذا أمكن لنا أن نلاحظ أن الحرب الإمبريالية على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بوصفها حربا طبقية، ستكون مفهومة من جانب الجماهير البروليتارية بأكثر سرعة مما كان عليه الأمر خلال حرب 1917 وأن الجماهير الكادحة لها الآن تجربة الحرب الإمبريالية العالمية الأولى وأن طليعة البروليتاريا تجد في الأممية الشيوعية منظمة ثورية عتيدة، يمكننا أن نؤكد أن إمكانيات النضال ضد الحرب قد تعاظمت وأن الشروط الأولية لتطبيق تكتيك أكثر صلابة قد اكتسبت.
إن التأهب للحرب الآن أسهل مما كان عليه الأمر عام 1914 وذلك باشتداد الصراع الطبقي وبدفعه إلى صد تظاهرات الجماهير الثورية ضد الحكومات التي تسعى إلى إعلان الحرب على الاتحاد السوفييتي. ولقد قدم العمال الإنجليز مثالا له معنى لمثل ذلك العمل الثوري عام 1920 عندما كونوا لجان العمل وأكرهوا حكومتهم على التراجع عن ضربة سيئة كانت تحضرها ضد اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
إن الشروط الأولية التي تجعل البروليتاريا في البلدان الرأسمالية تحول الحرب الإمبريالية على الاتحاد السوفييتي حربا أهلية على البرجوازية إنما تقوم بسرعة أكبر مما يكون عليه الأمر في حرب بين إمبرياليين. لذلك، رغم أن الشيوعيين في البلدان الرأسمالية، في حال حرب على اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية يرفضون شعار (الإضراب العام) ولا ينهمكون في أوهام مبنية عليه، ويجب عليهم أن يتنبؤوا إمكانيات كبيرة لاستعمال الإضرابات الجماهيرية والإضراب العام قبل إعلان الحرب لحظة التحريك (التعبئة).
في حال هجمات مسلحة جزئية على الاتحاد السوفييتي، يجب على الشيوعيين في الأمم المضطهَدة وفي الدول الإمبريالية أن يبذلوا كل جهدهم لإثارة نهوض الأقليات القومية في أوروبا وفي المستعمرات أو شبه المستعمرات وأن ينظموا حروبا وطنية تحريرية ضد الإمبرياليين أعداء السلطة السوفييتية.
29
إذا ما وقع توجيه حرب إمبريالية ضد الاتحاد السوفييتي، وطن البروليتاريا العالمية، يتغير التكتيك الواجب تطبيقه مقارنة بالتكتيك الذي توجبه حرب فيما بين الإمبرياليين، على النحو التالي:
أ. لا تسعى طبقة عمال البلدان الإمبريالية إلى هزيمة حكوماتها في تلك الحرب فحسب، بل يجب عليها أيضا أن تسعى بنشاط إلى انتصار السلطة السوفييتية.
ب. لذا، لا يتحدد تكتيكها واختيار وسائل النضال بمصالح الصراع الطبقي في بلدانها فحسب، بل يتحدد أيضا بمصالح الحرب على الجبهة بما أنها حرب طبقية تشنها البرجوازية ضد الدولة البروليتارية.
ت. الجيش الأحمر ليس جيشا معاد. إنه جيش البروليتاريا العالمية ولا تصغي طبقة عمال البلدان الرأسمالية إلى إغراءات البرجوازية زمن الحرب، التي تتهمها بالخيانة العظمى. فلا يمكنها أن تتخلى، تحت الردع، عن مساعدة الجيش الأحمر ضد برجوازيتها.
30 إذا ما كان «الدفاع عن الوطن» غير مقبول به في البلدان الإمبريالية، فإنه يمثل واجبا عظيما على كل ثوري يعيش تحت نظام دكتاتورية البروليتاريا. فالدفاع هنا ممثل في البروليتاريا المسلحة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية. فقد أكسب انتصار ثورة تشرين الأول (أكتوبر) عمال العالم أجمع بلدا اشتراكيا: الاتحاد السوفييتي. إن الذود عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية من البرجوازية العالمية يستجيب للمصالح الطبقية، وهو واجب شرف للبروليتاريا العالمية. فخلال سنوات 1919 و1921 هزمت السلطة السوفييتية جيوش التدخل التي بعثت بها أربع عشرة دولة من بينها أعظم القوى الإمبريالية، وكان ذلك بفضل البروليتاريا العالمية التي كانت تناضل في سبيل دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وذلك بتنظيم أعمال جماهيرية ثورية. وإن هجوما جديدا تشنه الإمبريالية على الاتحاد السوفييتي، سيبين أن تضامن البروليتاريا الأممي إنما هو واقع رغم جميع الاستعدادات التي وقعت ورغم انف جميع الخطط المضادة للثورة التي تنسجها الاشتراكية–الديمقراطية. من يجب أن نعتبره حليف البروليتاريا العالمية في الدفاع عن اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية؟ أولا، الفلاحون الفقراء والجماهير الوسطى في أرياف الاتحاد السوفييتي؛ وثانيا، حركة التحرر الوطنية الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات.
31
تستجيب السياسة العالمية لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية لمصالح البروليتاريا، وهي الطبقة القائدة في الاتحاد، مثلما تستجيب لمصالح البروليتاريا العالمية. وتوحد كل حلفاء البروليتاريا بدكتاتورية البروليتاريا على نحو متين. وتخلق قاعدة لاستغلال تناحرات الدول الرأسمالية بعضها ضد بعض. لذلك فإن سياستها هي سياسة سلم تهدف إلى إبراز الذود عن الثورة العالمية وحماية مؤسسات البناء الاشتراكي، التي وجودها في حد ذاته ونموها يساهمان في تثوير العالم. وهي تصبو إلى تأجيل أي صدام مسلح مع الإمبريالية إلى أبعد ما يمكن. وتتمثل هذه السياسة من جهة الموقع الذي تأخذه تجاه الدول الرأسمالية وتجاه علاقات هذه الأخيرة بالمستعمرات، في نضال ضد الحروب الإمبريالية وضد حملات نهب المستعمرات وضد السلمية التي تقنع كل ذلك.
لا تعني أبدا سياسة السلم التي تنتهجها الدولة البروليتارية أن السلطة السوفييتية تقبل بوجود الرأسمالية طوعا؛ فذلك ما يروجه المظللون الاشتراكيون–الديمقراطيون وشركائهم التروتسكيون الذين يسعون إلى الحط من قيمة السلطة السوفييتية في عيون البروليتاريا العالمية. إن سياسة الدولة السوفييتية هي تلك التي رسمها لينين للديكتاتورية البروليتارية. وهي لا تمثل إلا وجها آخر أكثر (ملائمة) في الظروف الحالية، من وجوه النضال ضد الرأسمالية، ذلك النضال الذي تمسك به اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بكل ثبات منذ ثورة تشرين الأول (أكتوبر).
32 ليس لطبقة عمال الاتحاد السوفييتي أي وهم حول إمكانية سلم متين مع الإمبرياليين. فهي تعلم أن هجوما إمبرياليا على السلطة السوفييتية أمر لا مرد له، وأن حروبا بين دول بروليتارية ودول برجوازية، خلال مسار الثورة البروليتارية العالمية ليتحرر العالم من الرأسمالية، إنما هي حروب حتمية وضرورية. لذا، فأول واجب على البروليتاريا السوفييتية المناضلة في سبيل الاشتراكية أن تقوم بكل الاستعدادات اللازمة لحال حرب، أكان ذلك في سياستها أو في اقتصادها أو في جيشها. إذ وجب عليها أن تصقل جيشها الأحمر، الإدارة القوية عند البروليتاريا، كما وجب عليها أن تدرب الجماهير الكادحة على التمارين العسكرية. أما في الدول الإمبريالية فهنالك تناقض صارخ بين سياستها القائمة على سلاح هائل وبين جملها الجوفاء حول السلم. إن هذا التناقض لا يوجد عند السلطة السوفييتية التي تحضر دفاعها والتي تحضر الحرب الثورية وتنتهج، منطقيا، وبثبات سياسة سلم.
33
لقد أصبحت الحروب الوطنية الثورية التي تخوضها الشعوب المضطهدة في المستعمرات وأشباه المستعمرات ضد الإمبريالية، والتي تنبأ لينين بحتمية تطورها منذ عام 1916، والتي أقرت نظريا أول الأمر، – أصبحت– من وقائع التاريخ خلال السنوات الأخيرة. فمن ذلك حرب المغرب على الإمبرياليتين الفرنسية والإسبانية، والانتفاضات في سوريا وحروب المكسيك والنيكارغوا على إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية، وحروب كانتون الثورية على هونغ كونغ عام 1925، وأخيرا حملة الشمال في الصين خلال 1926–1927 تلعب الحروب الوطنية الثورية دورا هاما في المرحلة الراهنة من الثورة العالمية لذلك السبب يجب على البروليتاريا أن تولي أقصى انتباه إلى الدروس والتجربة الناتجة عن تلك الحروب وخاصة الدروس التي بقيت لدينا من حملة 1926–1927 في شمال الصين.
لقد ساندت، عن صواب كامل وقتئذ، حملة الجنوبيين على العسكريين في الشمال والإمبرياليين المتخفين وراءهم رغم أن البرجوازية كانت تقود تلك الحملة. فلم تكن البروليتاريا ترغب في هزم الحكومة الشمالية المضادة للثورة وتعمل على ذلك فحسب، بل كانت أيضا تعمل ضد البرجوازية المترددة، ضد دعاة الاتفاق، ضد الخيانة البرجوازية، كانت تعمل في سبيل قيادة ثورية للحرب وفي سبيل هيمنة البروليتاريا في ذلك العمل الواسع. وهذا الخط العام الذي بينته الأممية الشيوعية للشيوعيين الصينيين كان متفقا ومبادئ ماركس وأنجلس حول الحروب الوطنية في القرن الماضي مثلما هو متفق ومذهب لينين.
34
لكن الحزب الشيوعي الصيني قام بعدد من الأخطاء الفادحة، ستبقى بمثابة دروس جدية لشيوعيي كل البلدان المضطهَدة. لقد كان واجب الحزب الشيوعي الصيني في تلك الحرب أن يستخدم، بكل الوسائل، الوضع الثوري الذي كان موجودا وقتئذ، لخلق جيشه العمالي، وتوسيع منظمته العسكرية، وتحضير العمال والفلاحين، ويسهل على البروليتاريا السبل التي توصلها إلى قيادة الثورة. فرغم أن الظروف الموضوعية، خلال حملة الشمال، كانت ملائمة للحزب الشيوعي فإن هذا الأخير كان قد ظهر، عمليا، عاجزا على استغلال جهاز الكيومينتانغ العسكري والسياسي ليعمل صلب الجيش، ولم يحاول خلق جيش خاص به.
لقد انخرط الحزب الشيوعي في القيادة مع ضباط الكيومينتانغ حصرا، عوض أن يركز جهوده على الدعوة في صفوف جماهير الجنود في منظمتها وعوض أن يجلب الجماهير البروليتارية والفلاحية إلى ذلك الجيش ليغير طابعه. ولم يدرك الحزب الشيوعي ما لتسليح الجماهير البروليتارية والفلاحية من أهمية ثورية ولم يهتم كما ينبغي بتحضير وقيادة حرب أنصار من عناصر تستقطب من الطبقة الفلاحية.
35
إذ تساند البروليتاريا كل حرب وطنية ثورية، وجب عليها أن تطبق تكتيك يحدده تحليل ملموس للظروف والدور الذي تلعبه مختلف الطبقات، الخ، وهكذا كان تكتيك ماركس عام 1848 لما أطلق شعار الحرب على القيصرية مختلفا عن التكتيك الذي أقره عام 1870 هاجمت ألمانيا نابليون الثالث. ولقد كان الشيوعيون الصينيون على صواب تام، زمن الحملة على الشمال، لما عقدوا تحالفا ظرفيا مع البرجوازية الديمقراطية والسير مع هذه الأخيرة وذلك بقدر ما كان للشيوعيين من إمكانية القيام بالدعوة وتنوير العقول في المعسكر الوطني الثوري. ولقد كان من الواجب أن يكون تكتيك الشيوعيين الألمان عام 1923، عندما طرحت قضية الدفاع الوطني ضد التدخل الإمبريالي، الفرنسي، مختلفا تماما. إذ يجب على الحزب الشيوعي الألماني أن يربط قضية الدفاع عن البلاد بقضية النضال في سبيل الإطاحة بالبرجوازية التي كانت عاجزة عن لعب دور ثوري. وعلى نفس هذا المنوال وجب على الشيوعيين الصينيين أن يضعوا الآن قضية النضال الوطني ضد التدخل الياباني. إذ يجب عليهم أن يربطوا قضية الدفاع الثوري عن بلادهم بقضية النضال في سبيل الإطاحة بتشان كاي تشاك وبرجوازية الكيومينتانغ، وفي سبيل تحقيق دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية الديمقراطية.
إنه من الضروري أن نلاحظ أن الحروب الوطنية التي يحارب فيها العمال الإمبريالية والتي يمكن للعمال فيها أن يسيروا مع البرجوازية الديمقراطية مؤقتا أصبحت نادرة أكثر فأكثر، لأن برجوازية الشعوب المضطهَدة، التي تخشى ثورة بروليتارية وفلاحية أصبحت رجعية وتنساق إلى بيع نفسها للإمبرياليين. ونرى بوضوح متزايد قدوم حروب وطنية من طراز جديد لا تقوم بدور قيادي فيها إلا البروليتاريا. ويتعلق ذلك أيضا بالحروب الوطنية في أمريكا اللاتينية ضد إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية. إن اتجاه تحويل الحروب والانتفاضات الوطنية ثورةً ديمقراطية للبروليتاريا أو ثورة تقودها البروليتاريا، وهو اتجاه كان قد أشار إليه لينين منذ عام 1916، احتد بصورة هائلة.
36 ستلعب قضية الحرب الوطنية الثورية، – نظرا لوجود عدد كبير من القوميات والأقليات القومية المضطهَدة في العديد من دول أوروبا أعادتها من جديد اتفاقية فرساي– دورا هائلا في العالم، وقبل كل شيء إذا ما تعلق الأمر بتحويل حرب إمبريالية حربا أهلية. فليس فقط في المناطق الحدودية البولونية والرومانية يقع اضطهاد السكان الروس–البيض والأوكرانيين والبيساربيين بأقصى الوحشية والعنف لأنهم يسعون إلى الارتباط بوطنهم السوفييتي. ولا يجب على الأحزاب الشيوعية في تشيكوسلوفاكيا والبلقان وحدها أن تساند الحركات التحررية في الأمم المضطهَدة والأقليات القومية، بل وجب ذلك أيضا على الأحزاب الشيوعية في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا وبريطانيا العظمى (ايرلندا). ويجب على الأحزاب الشيوعية أن تقود نضال تلك الأمم والأقليات الثوري ضد الإمبريالية، وأن تدافع عن حق تلك القوميات في تقرير مصيرها بنفسها وحقها في الانفصال التام إذا ما طرح ذلك، دفاعا لا مساومة فيه. وإذ يطبق الشيوعيون هذه السياسة بثبات وجب عليهم أن يتهيؤوا وأن يهيؤوا الجماهير المضطهَدة حتى إذا ما أعلنت حرب إمبريالية أو حرب معادية للاتحاد السوفييتي إلا ونظموا انتفاضة أو حربا على البرجوازية.
37
ننتهي من خلال مذهب ماركس ولينين وتجربة الحروب الوطنية في السنوات الأخيرة إلى القواعد التالية في تكتيك البروليتاريا في حروب التحرير الوطنية:
أ. إذا ما دافعت البروليتاريا عن حرب من ذلك القبيل وتعاونت أحيانا مع البرجوازية مؤقتا فلا يعني ذلك أبدا أنها تخلت عن الصراع الطبقي. فحتى في الحالة التي تتحرك فيها البرجوازية مؤقتا بالاشتراك مع البروليتاريا ضد الإمبريالية، فإن البرجوازية تبقى عدوة البروليتاريا. فهي تحاول استخدام البروليتاريا في الوقت الذي تتبع فيه أهدافا خاصة بها لوحدها.
ب. لذا، لا يجب على البروليتاريا في أي حال من الأحوال أن تتبنى ببساطة سياسة البرجوازية وشعاراتها. بل يجب عليها، دون أدنى شك، أن تتحرك لصالحها هي وفق برنامج سياسي خاص بها، ووفق شعارات خاصة بها، وبخلق منظمات ثورية من صلبها (أحزاب، نقابات، مليشيات بروليتارية، كتائب بروليتارية). يجب على الشيوعيين أن يهيئوا الجماهير لحتمية الخيانة من جانب البرجوازية، وأن يتخذوا جميع التدابير الممكنة لضمان مواقع البروليتاريا، ويجب عليهم أن يحرجوا البرجوازية قدر مستطاعهم في نضالها من أجل مصالحها الطبقية الخاصة بها، ويجب عليهم أن يستعدوا للإطاحة بتلك القوة الاجتماعية. في حروب وطنية حيث تلعب البرجوازية والحكومات البرجوازية دورا مضادا للثورة (مثلما هو الحال في النضال الحالي الذي يخوضه العمال والفلاحون الصينيون ضد تقسيم الإمبرياليين الصين)، وجب عل الشيوعيين أن يتحركوا قصد الإطاحة بالحكومة البرجوازية تحت شعار الدفاع الثوري عن البلاد.
38
يجب وضع قضية الحروب الوطنية في البلدان التي التمايز الطبقي فيها ضعيف التقدم على ذلك المنوال، مثلما هو الحال عند المغاربة والدروز والسوريين والعرب. ففي هذه المجموعات الإثنية تلعب السلطة القبلية والإقطاعية دورا يشبه دور البرجوازية في المستعمرات الأكثر نموا. فالتعاون المؤقت مع أولئك القادة أثناء النضال الثوري ضد الإمبريالية مقبول. لكن يجب دوما أن نعير اهتماما إلى خطر مفاده أن أولئك القادة لا ينساقون إلى بيع أنفسهم للإمبرياليين، أو لا يخضعون النضال التحرري لمصالحهم الطائفية.
لذا، يجب أن ترتبط الحروب الوطنية لتلك الشعوب قدر المستطاع بالنضال ضد الإقطاع أو ضد الأسياد الإقطاعيين من أجل تصفية كل إقطاع.
39
إن مشاكل البروليتاريا العالمية المتعلقة بحروب التحرير التي تخوضها الشعوب المضطهَدة وبحملات الإمبريالية المضطهِدة على الحركات الوطنية الثورية والثورات هي تقريبا نفس المشاكل لما يتعلق الأمر بحرب إمبريالية ضد السلطة السوفييتية:
أ. النضال ضد حرب الاضطهاد بتشديد خطورة التناحرات الطبقية قصد تحويل تلك الحروب حروبا أهلية ضد البرجوازية الإمبريالية.
ب. تطبيق قويم ومواكب لتكتيك انهزام البلد الإمبريالي وجيوشه، ونضال في سبيل انتصار البلد المضطهد وتقديم العون لجيوش هذا الأخير.
ت. تقديم التشجيع للأخوة بين جنود الجيوش الإمبريالية وجنود الجيوش الثورية في المستعمرات، وتشجيع الدخول الجماعي لجنود الإمبريالية في الجيوش الوطنية الثورية.
ث. النضال ضد إرسال بواخر الجيش والنقل إلى المستعمرات بمظاهرات ثورية جماهيرية قبل كل شيء. والنضال ضد تمديد مدة الخدمة العسكرية للجنود المنخرطين في الحروب الاستعمارية والنضال ضد مضاعفة ميزانية الحرب وضد القروض التي يقدمها الإمبرياليون لحكومات مضادة للثورة وللعسكريين في المستعمرات، ونضال ضد الاستعدادات للحرب فوق أراضي الامتياز وسكك الحديد والأنهار في المستعمرات.
ج. معارضة المجازر التي يقوم بها الإمبرياليون في المستعمرات، ومعارضة كل الإجراءات التي يتخذونها لحماية الحكومات المحلية المضادة للثورة بغية سحق الجماهير الكادحة.
40
يختلف التكتيك الحالي ضد التدخل في الصين عما كان عليه لما كان جزء من البرجوازية الصينية والكيومينتانغ لا يزالان يلعبان دورا ثوريا معينا. ومجمل الحروب الداخلية القائمة اليوم بين عدة قادة عسكريين محليين هي تعبير عن صدامات قائمة بين مختلف القوى الإمبريالية حول تقاسم الصين. وجميع أطراف النزاع، الذين يمثلون مختلف فرق البرجوازية والملاكين، لها طابع مضاد للثورة. وعلى البروليتاريا العالمية، أمام الوضع الحالي في الصين، إلى جانب مواصلة نضالها الحيوي في سبيل الدفاع عن العمال والفلاحين الصينيين، أن تفضح الدور المضاد للثورة الذي تقوم به كل الحكومات البرجوازية والعسكريون في البلاد الذين هم أداة الإمبريالية. فضد الإمبريالية، لا يجب أن نساند إلا ثورة العمال والفلاحين الصينيين. ولا نقبل حاليا تطبيق شعار انضمام جيوش البرجوازيين الصينيين إلى الشعوب المضطهَدة في المستعمرات.
رغم أن التكتيك كان قد حور على هذا النحو، لا يجب بأي حال من الأحوال أن يضعف النضال ضد التدخل. لكن معظم الأحزاب الشيوعية انتهى إلى تلك النتيجة إثر تلك التحويرات في تكتيك الثورة الصينية، وهكذا سقطت في خطأ جدي.
41
إن إحدى أكبر أخطاء معظم الأحزاب الشيوعية هي طرح قضية الحرب بطريقة مجردة والنظر إليها من جهة الدعاية والتحريض حصرا، دون درس قضية الجيش، هذا العنصر الحاسم في جميع الحروب، دراسة كافية. فيجب أن نفسر للجماهير محتوى السياسة الثورية في قضية الحرب، كما يجب كسب الجيش. فدون ذلك يبقى كل نضال ضد الحرب الإمبريالية وكل مجهود لتحضير الحروب الثورية محصورا في مجال النظرية.
غالبا ما يفسر هذا الخطأ، إن أمكن القول، بالوراثة وبتقليد متعفن كان منذ الأممية الثانية القديمة، التي كانت تصرخ ضد الحرب الإمبريالية دون أن تقوم بأدنى عمل في الجيوش. وكانت تنعت كارل ليبنخت بـ«الفوضوي» لأنه كان يطالب بذلك العمل. ولقد كانت الأممية الثانية تنصح بـ«تعويض الجيش الدائم بميليشيا شعبية» عوض أن تقوم بسياسة ثورية في الجيش. إن شعار «الميليشيا الشعبية» هذا، الذي كان يلائم المرحلة التي كانت قد تكونت فيها دول قومية في أوروبا، كان له بعض قيمة ثورية وقتئذ. فقد كان يعني حل الجيش الدائم في زمن كانت تمثل فيه القيصرية والسلطة المطلقة تهديدا رجعيا للثورة (إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر). لكن مع نمو الإمبريالية، أصبح هذا الشعار لا يكفي أبدا وهو في آخر الأمر شعار شوفيني (هيدمان، 1912). وبعد أن تجددت الأممية الثانية تخلت عن وصفتها تلك لتخضع سياستها نهائيا لمصالح البرجوازية القومية في مختلف الدول. فقد دعت الأممية الثانية فرنسا إلى شعار إمبريالي هو «جيش الشعب» تحت غطاء التمسك بالشعار القديم: «ميليشيا شعبية». كما دعت في ألمانيا وإنجلترا إلى جيش من المرتزقة تحت غطاء نزع التسلح. وإن «حق كل دولة في اختيار تنظيم جيشها بحرية» الذي أعلنته الأممية الثانية ليس في الواقع إلا حرية تجديد أحداث 4 آب. ويواصل، في ذات الوقت، خدم البرجوازية الاشتراكيون–الديمقراطيون حملتهم التضليلية ضد الجيش الأحمر ودكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية رافضين ما يزعمون أنه «عسكرية حمراء».
42 يعارض الشيوعيون هذه السياسة الحزبية المضادة للثورة التي تخدم بكاملها مصالح البرجوازية بسياسة حربية ثورية لصالح الثورة البروليتارية العالمية. ومن المعلوم أن من غير الممكن أن تكون هنالك وصفة عامة لمعرفة أي موقف يمكن اتخاذه تجاه جيش من الجيوش. إذ يجب على البروليتاريا أن تستنير في علاقاتها بمختلف الجيوش بمبادئ مختلفة. فيجب عليها أن تعرف أي طبقة وأي سياسة يخدمها الجيش المعني. فما يجب تقدير أهميته ليس النظام العسكري الذي يجري به العمل في دولة من الدول وليس شكل تنظيم الجيش وإنما يجب قبل كل شيء معرفة ما إذا كان ذلك الجيش إمبرياليا أم وطنيا أم عماليا من جهة دوره السياسي. ويجب على الشيوعيين أن يستنيروا بتعاليم ماركس وأنجلس اللذان كانا يعارضان، زمن الحروب القومية الكبرى، فكرة الميليشيات الشعبية، تلك الفكرة الخيالية عند الاشتراكية–الديمقراطية البرجوازية الصغرى. ودعا إلى الخدمة العسكرية الإجبارية لإحلال الديمقراطية في الجيوش الموجودة ولتحويلها جيوشا ثورية. فقد دعا ماركس وأنجلس بعد كومونة باريس، – وقد استخلص أهم دروس الكومونة من جهة الثورة البروليتارية –، إلى تحطيم الآلة السياسية البرجوازية، ودعا في القضية العسكرية إلى حل الجيوش البرجوازية الدائمة وتعويضها بكتائب مكونة من عموم الشعب المسلح. ولقد استعاد لينين تعاليم ماركس وأنجلس وطورها بعد أن شوهتها الأممية الثانية، وصاغ برنامج الثورة البروليتارية العسكري.
43
يتحدد موقف البروليتاريا من الجيش في الدول الإمبريالية. بما يلي:
يمثل الجيش، بمعزل عما يمكن أن يكون له من تنظيم، جزءا من آلة الدولة البرجوازية. يجب على البروليتاريا، عندما تقوم بثورتها، أن تحطمه لا أن تحل فيه الديمقراطية. وإذ يبسط المشكل على هذا النحو، فلا يمكن أن يكون هنالك تمييز بين مختلف أنماط التنظيم سواء كان ذلك جيشا دائما أو ميليشيا وسواء كان ذلك جيشا قائما على أساس الخدمة العامة الإجبارية أو متكونا من مرتزقة أو جنودا محترفين. «ولا جنديا، ولا مليما لجيشكم» أي النضال الذي لا هوادة فيه ضد العسكرية البرجوازية ورفض جميع اعتمادات الحرب الخ. إن هذا المبدأ قابل للتطبيق على الجيش الدائم والميليشيا الديمقراطية على حد سواء فهما وجهان لواقع واحد: تسلح البرجوازية ضد البروليتاريا. والمطالب الديمقراطية الجزئية التي لا يمكن للبروليتاريا أن تتخلى عنها مهما كان الأمر تتخذ طابعا مغايرا تماما لذلك الذي تتخذه زمن الثورة الديمقراطية. فهدف تلك المطالب ليس إحلال الديمقراطية في الجيش أو الميليشيا بل إحداث التفكك فيها. ومن المعلوم أن هذا الموقف المبدئي، الذي هو نفسه تجاه جميع الجيوش الإمبريالية، لا يجب أن ينتهي بنا إلى إغفال الاختلافات الكبيرة القائمة بين مختلف الأنظمة الدفاعية والتنظيمية في جيوش مختلف الدول. إن تلك الاختلافات لها أهمية بالنسبة للنشاط العملي.
44
رغم أن جيوش البلدان الإمبريالية هي من عناصر آلة الدولة البرجوازية، فإنها تضم، أكثر فأكثر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، قوى السكان الحية، نتيجة ما ينشب بين الدول الرأسمالية من عدوانية وحروب. وإذا بمجمل السكان يقع تجنيده («الأمة المسلحة»، تعبئة النساء، إخضاع الشباب للاستعدادات العسكرية، الخ). ولقد ضعف هذا الاتجاه بعض الوقت لما انتهت الحرب العالمية. لكن الآن، عشية حرب جديدة، يظهر هذا الاتجاه بقوة كبيرة (في الولايات المتحدة، وفرنسا، وبولونيا). وكنتيجة مباشرة لذلك، فإن التناحرات الطبقية القائمة بين البرجوازية والبروليتاريا، بين المستغِلين والمستغَلين لها تواصل في الجيوش يقوم بين الضباط و– الجنود العاديين– إن مفعول تجنيد الجماهير هو، كما قال أنجلس، هدم جميع الجيوش البرجوازية من الداخل.
لذا، لا يجب على الشيوعيين أن «يقاطعوا» تلك الجيوش، بل يجب عليهم أن يدخلوها وأن يقوموا بقيادة ثورية لمسار التفكك الداخلي الموضوعي ذاك.
تبذل البرجوازية الجهد بكل الوسائل لتضمن لنفسها جيشا قويا بتدريب قاس وبانضباط وحشي بعزل الجنود عن السكان وبمنعهم عن الاهتمام بالسياسة، وأحيانا بأن تضمن لهم وضعا متميزا في المجتمع.
نلاحظ أن البرجوازية، في هذه السنوات الأخيرة، تتبنى أكثر فأكثر، نظام انتداب جيش محترف متكون من النخبة حتى في البلدان التي لا تزال فيها الخدمة العسكرية إجبارية مثل فرنسا أو في البلدان التي كان فيها ذلك مثل ألمانيا. لكنها لا تستطيع أن تتفادى ضرورة عسكرة الجماهير. فهي لا تنجح إلا في المزج بين استعمال «المرتزقة» و«الأمة المسلحة» أو منظمات من قبيل الميليشيات. ولا تستطيع أن توقف مسار تفكك جيوشها وإنما تستطيع أن تعطل ذلك المسار وتعرقل بصورة كبيرة العمل الثوري. لذا، فإن من واجب الشيوعيين أنْ يدرسوا بتمعن ظروف العمل التي خلقتها الرجعية وأنْ يعارضوا الطرق البرجوازية الجديدة بطرق عمل ثورية جديدة.
45 يجب على موقف البروليتاريا من الجيش الإمبريالي أن يناسب تماما موقفها من الحرب الإمبريالية. وهكذا فإن الانهزامية وشعار تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية هما عنصران يساعدان على توضيح الطريقة الواجب اتباعها في تناول المشاكل الأكثر خصوصية في الدفاع وتنظيم الجيش. المليشيا البرجوازية والخدمة العسكرية الإجبارية على الجميع والتربية العسكرية للشباب كل ذلك كان فيما مضى من ضمن مطالب الديمقراطية الثورية. لكننا لا نجد اليوم في كل ذلك سوى وسائل رجعية اعتيادية لاضطهاد الجماهير وتحضير الحرب الإمبريالية. إذن وجب النضال ضد كل ذلك بحيوية قصوى. إن مبدأ السياسة الشيوعية هذا قابل للتطبيق حتى في البلدان التي كونت فيها البرجوازية فصائل عسكرية محترفة وتخلت عن الخدمة العسكرية الإجبارية على الجميع (مثال ذلك ألمانيا). ورغم ما في الخدمة العسكرية الإجبارية من بعض التسهيلات بالنسبة للعمل الثوري، إذ يمكن العمال من التدرب على استعمال السلاح، لا يجب على الشيوعيين أن يطالبوا بتطبيق ذلك النظام في بلد إمبريالي، بل وجب عليهم أن يحاربوه، تماما مثلما وجب عليهم أن يعارضوا تكوين جيش محترف. يبين لنا شعار «تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية» كيف يجب على الشيوعيين أن يناضلوا ضد كل إجراء (بما في ذلك الخدمة الإجبارية) يؤدي إلى عسكرة الجماهير. وإذ تعسكر الإمبريالية العمال وتعلمهم استخدام السلاح فإنها تخلق ظروفا ملائمة لانتصار البروليتاريا في حرب أهلية. لذلك لا تلجأ البروليتاريا إلى حجج أنصار السلام لمعارضة عسكرة الجماهير. فإذ نناضل في سبيل الثرة والاشتراكية فإننا لا نتخلى عن حمل السلاح. ونبذل الجهد فقط لفضح الطرق الإمبريالية لعسكرة الجماهير تلك الطرق المرسومة سلفا لخدمة البرجوازية. نحن نعارض تلك العسكرة بشعار تسليح البروليتاريا. وعلى الشيوعيين في ذات الوقت واجب الدفاع وإبراز مطالب الجنود تلك المطالب التي، في ظروف محددة، تماثل الصراع الطبقي صلب الجيش ويمكنها أن تقوي العلاقات بين الجنود ذوي الأصول البروليتارية أو الفلاحية والعمال غير المجندين.
46
يمكن أن تكون المطالب الجزئية كما يلي:
ما يتعلق بنظام الدفاع:
حل الجيوش المحترفة وإطارات ووحدات الإسناد؛ نزع سلاح الحرس وحله وكذلك الشرطة والحرس المتحرك والقوى الخاصة الأخرى المسلحة خصيصا للحرب الأهلية؛ نزع سلاح الجمعيات والرابطات الفاشية وحلها؛ إلغاء مجالس الحرب، وتقليص مدة الخدمة العسكرية؛ تطبيق النظام الترابي (يقوم الجنود بخدمتهم العسكرية في المناطق المنتمين إليها)؛ إلغاء التجنيد الإجباري؛ تكوين لجان الجنود؛ حق المنظمات البروليتارية في تعليم أعضائها استخدام الأسلحة وحقها في أن تختار بنفسها من يباشر ذلك التعليم (تدريب).
لقد طبقت الحكومات الرأسمالية في بعض الأحيان تقليص مدة الخدمة العسكرية. وإذا بشكوك تقدم حول ضعف أساس هذا المطلب من جهتنا. لكن ذلك التقليص في حد ذاته يضعف أحيانا نظام الجيش الإمبريالي وليس يقويه.
لذا، وجب أن نطالب به كمطلب جزئي بالنسبة للجيوش القائمة على نظام الخدمة الإجبارية إذا ما تحققت الشروط التالية:
1. خط انهزامي شديد الوضوح؛
2. اتخاذ جميع الاحتياطات حتى لا يقع خلط تلك المطالب الجزئية بمطالب الاشتراكيين– الديمقراطيين.
3. تحطيم كل الأوهام حول إمكان إلغاء العسكرة بتلك الوسائل.
من البديهي أن المطالب الجزئية يجب أن تكون ملموسة دائما، أي يجب أن تقدم في الشكل والوقت اللذان يكون لها فيهما أكثر حظا في أن تكون شعبية بين الجماهير وفي أن تثور هذه الأخيرة. وإذا ما تبنت الحكومات البرجوازية تقليص مدة الخدمة العسكرية أو طالب به اشتراكيون– ديمقراطيون، فإنه من اللازم النضال أو قبل كل شيء ضد الإجراءات الاعتيادية التي تتخذ بالتوازي لتقوية النظام البرجوازي (عسكرة كل السكان، تكوين إطارات صلبة محترفة، الخ). ويجب أن يعارض برنامج تقليص مدة الخدمة العسكرية، وهو برنامج خاطئ من جهة الديمقراطية، ببرنامج انهزامي جذري قوامه مطالب جزئية. يجب تجاه الجيوش المحترفة والفصائل المرتزقة، أن تطالب، عموما، لا بتقليص مدة خدمتهم العسكرية بل بحق تلك العناصر في مغادرة الخدمة العسكرية بملأ إرادتهم ووقت ما يشاءون ذلك.
ب. ما يتعلق بحقوق الجنود وحياتهم المادية:
رفع أجورهم؛ تحسين المعيشة؛ تنظيم لجان إدارية مكونة من الجنود؛ إلغاء العقوبات التأديبية؛ تحطيم إجبارية إبداء الخشوع العسكري تجاه القادة (التحية وغيرها)؛ معاقبة جد صارمة لمحاولات النيل من كرامة الجنود من جانب الضباط أو من دنى منهم رتبة؛ الحق في ارتداء لباس مدني خارج العمل العسكري؛ الحق في مغادرة الثكنة يوميا (بعد انتهاء العمل)؛ عطلة مع رفع الأجر خلالها؛ الحق في الزواج دون ترخيص خاص؛ منح عائلية؛ الحق في الاشتراك في أي جريدة؛ الحق في العمل النقابي وفي تكوين النقابات؛ الحقوق الانتخابية والحق في حضور الاجتماعات السياسية.
جزء كبير من الجيش في العديد من الدول الرأسمالية يتكون من أقليات قومية مضطهَدة. في حين تتكون إطارات الضباط كليا أو في أغلبها من ممثلين للقومية المهيمنة إن هذا الوضع العام يخلق مجالا ملائما تماما للعمل الثوري في الجيش. لذلك وجب علينا أن نضيف إلى مطالبنا الجزئية الخاصة بجماهير الجنود مطالب خاصة بالأقليات القومية (مثال ذلك حق خدمة موطن الرأس، حق التكلم باللغة الأم خلال الخدمة العسكرية، الحق في القيادة، الخ.).
47
لم نعدد كل الأقسام المكونة للمطالب. لكن يجب أن تصاغ مطالب القسمين المذكورين أعلاه لا داخل الجيش بل خارجه (في البرلمان وفي الاجتماعات العامة، الخ) ولا يمكن لهذه الدعاية أن تكون ذات جدوى إلا إذا كانت تحافظ دائما على طابع ملموس. فوجب لذلك: أن نعرف جيدا الجيش وظروف الخدمة العسكرية ومطالب ومصالح الجنود، الخ. أي كل ما يمكن الحصول عليه باتصال شخصي دائم. أن نأخذ بالحسبان النظام الدفاعي في الدولة المعنية والوجه الذي طرحت فيه القضية العسكرية في تلك الدولة في كل لحظة.
أن نأخذ بعين الاعتبار حالة الجيش النفسية العامة والوضع السياسي في البلاد في كل لحظة. فلا نطالب، على سبيل المثال، بأن يقوم الجنود بانتخاب الضباط إلا إذا ما تقدم تفكك الجيش بما فيه الكفاية.
أن نربط المطالب الجزئية بشعارات الحزب الشيوعي الجوهرية: تسليح البروليتاريا، ميليشيا بروليتارية، الخ. لا يمكن لجميع تلك المطالب أن تكون لها قيمة ثورية إلا إذا ما ارتبطت ببرنامج سياسي واضح يرمي إلى تثوير الجيش البرجوازي. يجب التمسك، بوجه خاص، بتنظيم الجيوش قصد الدفاع عن مصالحهم الخاصة في اتحاد تام مع البروليتاريا الثورية سواء قبل دخولهم الخدمة العسكرية (جمعيات المنخرطين، صناديق التضامن) أو بعد ذلك (لجان الجنود) أو أخيرا، بعد أن ينتهوا من الخدمة العسكرية (جمعيات قدماء الجنود الثوريين). وتلقى على عاتق النقابات البروليتارية مهمة الحفاظ على استمرار الصلة بنقابات أعضائها الذين جندوا ومراقبة تكوين منظمات أولئك الأعضاء.
48 تختلف ظروف العمل الثوري في الجيوش المحترفة عن تلك التي في الجيوش المكونة على أساس الخدمة الإجبارية. وعادة يصعب القيام بالدعوة إلى المطالب الجزئية المذكورة أعلاه في النوع الأول من الجيوش. لكن لا يمكن بأي عذر من الأعذار التخلي عن ذلك العمل. فالجيوش المحترفة متكونة أساسا من عناصر بروليتارية (عاطلين) وفلاحين فقراء. ويمثل ذلك قاعدة للعمل بين جماهير تلك الجنود. ومن الواجب الأخذ بعين الاعتبار التركيبة الاجتماعية للفصائل المسلحة وخصوصياتها، فنقوم بدعوة جد حيوية ضد الفصائل المسلحة الخاصة التي تكونها البرجوازية خصيصا لمحاربة البروليتاريا (الحرس والشرطة) وضد العصابات المسلحة من المتطوعين (الفاشية) بوجه خاص. ونناضل خاصة بلا هوادة ضد التبشير الإصلاحي الذي ينادي (بالجدوى العمومية) وبـ (الشرطة الشعبية) و(الحق الطبيعي) عند الفاشيين وغير ذلك من الترهات. ونهتم خصوصا بتأجيج حقد السكان على الفصائل المسلحة الخاصة فاضحين طابع هذه الأخيرة الحقيقي. لكن نعمل في ذات الوقت على إثارة التفكك الاجتماعي في تلك المنظمات العسكرية وكسب ما فيها من عناصر بروليتارية.
49 يجب أن يتناسب العمل الثوري في الجيش والعمل الثوري بين الجماهير البروليتارية والفلاحية الفقيرة. فإذا ما كان هنالك وضع ثوري وإذا ما انتخب عمال المصانع لجانهم إلا وأصبح شعار لجان الجنود شعارا راهنا فيساهم في تقريب جماهير الجنود من البروليتاريا والفلاحين الفقراء في النضال في سبيل السلطة. يجب على الشيوعيين كلما مكنتهم الظروف أن ينظموا جماهير الجنود لخلق مجالس (سوفييتات) حتى في الجيوش المحترفة لتوجيهها ضد الجنرالات والبرجوازية. وحيث لم تمكن تركيبة الفصائل من تحقيق ذلك يجب المطالبة بنزع السلاح فورا وحل جميع الفصائل المسلحة.
50
كل شعارات المطالب الجزئية الديمقراطية تتحدث عن نزع سلاح البرجوازية وتسليح البروليتاريا.
يتم تسليح البروليتاريا بطرق مختلفة في مختلف مراحل الثورة. فقبل الاستيلاء على السلطة وخلال الفترة الأولى التي تلي الاستيلاء عليها، فإنه ينبغي لذلك ميليشيا بروليتارية، ميليشيا من الشغيلة وحرسا أحمر. كما ينبغي لذلك أيضا أنصارا حمر. فالجيش الأحمر هو شكل التنظيم العسكري للسلطة السوفييتية: إنه جيش دكتاتورية البروليتاريا.
ليس شعار ميليشيا بروليتارية (شغيلة، عمال، فلاحون) بالنسبة للبلدان الإمبريالية سوى شكلا من أشكال صيغة تسليح البروليتاريا لمرحلة السياسة الحزبية للثورة البروليتارية في المرحلة التي تنظم فيها الجيش الأحمر. وفي حال غياب وضع ثوري مباشر فإن ذلك الشعار ليس له سوى أهمية دعائية، لكنه يمكن أن يصبح شعارا مباشرا في النضال ضد الفاشية.
عموما، إن شعار ميليشيا بروليتارية أو ميليشيا الشغيلة هو نداء تطلقه الجماهير البروليتارية نفسها وليس مطلبا يقدم إلى الحكومة البرجوازية. ولا يمكن أن نطالب الحكومات أو البرلمانات بتكوين ميليشيا بروليتارية إلا في حالات استثنائية (في الحالة التي تكون فيها الحكومة حكومة اشتراكيين– ديمقراطيين وحيث يكون الاشتراكيون– الديمقراطيون أغلبية في البرلمانات وبين الجماهير). ولا يتعلق الأمر هنا إلا بفضح الحزب الاشتراكي– الديمقراطي.
الحرس الأحمر هو جهاز الانتفاضة. وواجب الشيوعيين هو أن يقوموا بالتحريض قصد تكوينه وتكوينه فعلا كلما توفر وضع ثوري مباشر.
51
مهما كان الحال لا يجب أن يغيب عن نظرنا أن وجود ميليشيا بروليتارية أو حرس أحمر في إطار الدولة البرجوازية في بلد إمبريالي زمن السلم العالمي هو أمر غير مقبول ومستحيل.
إن الميليشيا البروليتارية هي المنظمة المسلحة للبروليتاريا التي تناضل في سبيل إرساء دكتاتورية البروليتاريا أو هي جهاز دكتاتورية البروليتاريا تلك قصد سحق المستغلين. وإنه على ذلك الأساس اختلف شعارنا ميليشيا بروليتارية عن مشاريع الإصلاحيين فيما يتعلق بـ«الدفاع العمالي» الأصفر، المتكون من عناصر بروليتارية منتقاة خصيصا على أساس انعدام الوعي عندها أو شرائها بالمال. فمنظمات (دفاع عمالي) من ذلك القبيل استخدمت لتفكيك البروليتاريا وقمعها في روهر في أيار 1923، وبعد انتفاضة فيينا عام 1927. يجب على الشيوعيين أن يناضلوا بشراسة ضد ألاعيب الاشتراكيين– الديمقراطيين المضللة.
52 يجب أن نميز شعارات الكفاح: ميليشيا بروليتارية أو حرس أحمر، وهي شعارات يجب أن توجد قبل امتلاك السلطة وهي ليست إلا أشكالا جنين الجيش الأحمر، عن شعارات أخرى كالميليشيا التي ستكون بعد الانتفاضة وتقوية دكتاتورية البروليتاريا، عندما تصبح الاختلافات الطبقية والدولة في طريق الاختفاء. فلأجل مقاومة الإمبريالية تحتاج البروليتاريا إلى جيش أحمر قوي ومنضبط ومسلح جيدا ومكافح. ولتحقيق هذه الواجبات حاليا يلزمنا جيش دائم يمثل نواة جماهير السكان الكادحين المسلحين. سيكون عبثا برجوازيا صغيرا ومضادا للثورة أن نطالب دكتاتورية البروليتاريا، في جو وسط رأسمالي بأن تقبل نظام الميليشيا فورا وبكامله. فالتحقيق الكامل لمبدأ الميليشيا دون إضعاف القوة العسكرية لن يكون ممكنا إلا على قاعدة تطور كامل للقوى المنتجة في النظام الاشتراكي وتربية الجماهير تربية شيوعية. وفقط بانتصار الثورة البروليتارية في عدة دول كبرى رأسمالية يمكن أن ينتهي إلى النتيجة التالية : تعتني الحكومة البروليتارية، في سياستها العسكرية، بتعويض الجيش الأحمر الدائم بميليشيا طبقية فورا (وذلك ما بينه أيضا اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع الثامن) في جميع الأحوال، يجب أن تكتسي منظمة الدفاع للديكتاتورية البروليتارية طابعا طبقيا واضحا سواء في الفكر والانضباط أو في النظام. ولا يجب قبول العناصر المكونة للطبقات المستغِلة في الأجهزة النشطة.
53 أثناء مرحلة الثورات والحروب الوطنية التي تخوضها الشعوب المضطهدة ضد الإمبريالية، اتخذت القضية العسكرية في جميع البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة أهمية فاصلة. ويصح ذلك سواء على البلدان التي هي في حرب على الإمبريالية أو كانت في ذلك (الصين، المغرب، سوريا، النيكارغوا) أو على البلدان التي يجب فهم الحرب فيها بصورة أخرى (الهند، مصر، المكسيك، الفيليبين، كوبا). ومن الواضح أنه إذا ما قامت حروب تشنها قوميات على الإمبريالية فإن من الواجب بسط القضية بصورة مغايرة تماما لما هو عليه الحال إذا ما تعلق الأمر بنزاع بين دول إمبريالية.
54 لا يجب أن يغيب عن نظرنا أبدا أنه يوجد في تلك البلدان نوعان من الجيوش مختلفان تمام الاختلاف. الأول جيش قومي (وهو ليس دائما جيشا ثوريا). والثاني جيش الإمبرياليين (وهو متكون إما من أفواج فاتحة بعثتها الدول الاستعمارية، وإما من أصيلي مستعمرات أخرى، وإما أخيرا، من كتائب تألفت من سكان البلد المعني نفسه). نجد في الصين كلا النوعين من الجيوش، ونرى كيف تتحول الجيوش القومية جيوشا في خدمة الإمبريالية: فبعد انقلاب تشان كاي تشاك، وضع الجيش القومي الصيني نفسه، في الواقع، في خدمة الإمبرياليين. وإنه لمنِ الطبيعي أن تتخذ الطبقات البروليتارية الثورية الكادحة مواقف مختلفة تماما تجاه ذانك النوعين من الجيوش. ففيما يتعلق بالجيوش القومية، من الملائم أن نطبق برنامج ماركس وأنجلس العسكري للفترة 1848–1876 مع بعض التحويرات. أي برنامج دمقرطة تلك الجيوش قصد تحويلها فصائل ثورية. أما فيما يتعلق بجيوش الإمبرياليين، فلا يمكننا أن نطبق عليها إلا برنامج الانهزام أي يجب إثارة تفككها الداخلي. وكلما صادفتنا فرق خاصة من الضباط أو ذات تكوين عسكري برجوازي طبقيا إلا وعملنا على عزلها وتصفيتها، أي إلا واتبعنا البرنامج الذي بسطناه خلال حديثنا عن عملنا في البلدان الإمبريالية إلى جانب هذين النوعين من الجيوش، يجب أن نميز من جهة التكتيك، نوعا ثالثا من الجيوش في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة يدور صلبه صراع بين الحركة الوطنية والإمبرياليين، صراع يدور في نفس الجيش الذي يخضع لقيادة الإمبرياليين (الهند، مصر، الهند الصينية، سوريا، الجزائر، تونس، الخ... ) في مثل هذه الحالة، وأخذا بعين الاعتبار الظروف الملموسة، من الضروري أن نمزج عناصر البرنامجين، أي برنامج الانهزام تجاه الجيوش ومختلف ألوية الجيوش الخاضعة للقيادة الإمبريالية إلى جانب شعار تسليح الشعب (ميليشيا) وشعار الجيش الوطني. يجب ملائمة شعار جيش وطني للوضع الملموس وطرحه بشكل يمنع الإمبرياليين وعملائهم من إمكانية أي تلاعب به (جيش تام الاستقلال عن الإمبرياليين وله تنظيم ديمقراطي واسع ينتخب ضباطه، الخ). يجب أن تطالب شعاراتنا، سواء كنا في المستعمرات أم في البلدان الإمبريالية، بإخراج الجيوش الاستعمارية من المستعمرات وإرجاع كوادر وضباط الجيوش المحلية.
55 لأجل تحديد الموقف الذي نتبناه تجاه النظام العسكري في المستعمرات وأشباه المستعمرات، من الضروري، أن نأخذ بالحسبان الدور السياسي الذي يلعبه هذا البلد أو ذاك في هذا الوقت أو ذاك أثناء المراحل الفاصلة من الثورة العالمية: هل أن البلد المعني حليف الاتحاد السوفييتي أم عدوه، هل هو حليف الثورة الصينية أم عدوها، الخ. عموما، يجب على البروليتاريا والجماهير الكادحة في البلدان المضطهدة أن تدافع عن نظام التسلح الديمقراطي الذي على قاعدته يتعلم كل الشغالون استخدام الأسلحة، وهو نظام يرتقي بقدرات البلاد الدفاعية ويحصنها ضد الإمبريالية. يمكن العمال والفلاحين من التأثير في الجيش ويسهل النضال من أجل هيمنة البروليتاريا في الثورة الديمقراطية. إن الشعارات من قبيل الخدمة العسكرية الإجبارية، والتربية العسكرية للشباب، والميليشيا الديمقراطية، والجيش الوطني، الخ. هي من ضمن البرنامج الثوري ولن يكون في الدول الإمبريالية مثيلا له. في مرحلتنا، يجب أن يكون تكتيك الحركات الوطنية الثورية خاضعا لمصالح الثورة البروليتارية العالمية. لا يمكن للثوريين أن يتبنوا نفس البرنامج إذا ما تعلق الأمر ببلدان مضطهدة تلعب أيضا دور المضطهِد وخادم الإمبريالية، بشن حرب على ثورة بروليتارية أو وطنية. يجب على مناضلينا هناك، مطلق الوجوب، أن يمزجوا الدعاية إلى الحرب الثورية للدفاع عن البلدان الثورية الأخرى بالدعاية إلى سياسة حرب ثورية والانهزام تجاه الحرب التي يشنها بلدهم وجيشهم. إن هذا الخط هو الخط الواجب اتباعه حاليا في أقاليم الصين الخاضعة لسلطة جنرالات الكيومينتانغ.
56
عند صياغة البرنامج العسكري في البلدان المضطهَدة، يجب أن يأخذ بالحسبان مستوى التطور الاقتصادي والسياسي لتلك البلدان.
في البلدان التي لم تمر بعد بالثورة الديمقراطية. يجب أن نطبق عموما شعار تسليح عموم الشعب (ميليشيا وطنية)، وذلك، قبل كل شيء، حيث يكون التنافر بين البرجوازية والبروليتاريا غير واضح كفاية (سوريا، المغرب، مصر). يجب أن يرتبط هذا الشعار بمطالب ديمقراطية موجهة ضد الإقطاع والعسكرية الإقطاعية والبرجوازية. أما في البلدان التي الانقسام الطبقي فيها واضح كفاية والثورة الديمقراطية فيها لم تنتهي بعد، كأمريكا اللاتينية، يجب أن يكون هنالك شعار طبقي: فنطالب بميليشيا بروليتارية وفلاحية.
في البلدان التي تمر بمرحلة الثورة الديمقراطية، لا يكفي شعار الميليشيا أبدا. يجب أن نطالب بتنظيم جيش ثوري. طبعا لا يمنعنا ذلك من أن نعلن في ذات الوقت، شعار الميليشيا، خاصة عند التحضير لانتفاضة، ونلاحظ أن تسليح البروليتاريا، دون أن يتعارض ذلك مع تسليح الشعب بأكمله، هو جزء أساسي في التسلح العام. فخلال المشاركة في تنظيم التسلح العام للشعب، من الضروري إطلاقا خلق وحدات بروليتارية خاصة يقودها زعماء ينتجون من صلبها.
في البلدان التي بلغت مرحلة الانتقال من الثورة الديمقراطية إلى الثورة البروليتارية، يمكننا أن تطبق البرنامج العسكري الخاص بالشيوعيين في البلدان الإمبريالية ببعض التحويرات الملموسة. يعوض عندئذ شعار ميليشيا ديمقراطية بشعار ميليشيا بروليتارية. (ميليشيا بروليتارية، ميليشيا بروليتارية– فلاحية). حالما تبرز قضية الاستيلاء على السلطة، خلال الثورة في المستعمرات، إلا ووجب أن توضع على جدول الأعمال قضية تنظيم الجيش الأحمر في ذات الوقت الذي توضع فيه قضية تنظيم السوفييتات. فعندئذ تصبح الأشكال الثورية–الديمقراطية في تنظيم الجيش غير صالحة ومن اللازم تبني تنظيما طبقيا تمليه الثورة البروليتارية.
57
لأجل النضال ضد الإمبريالية متبعين سياسة عسكرية وطنية–ثورية من الضروري أن ننخرط في عمل منتظم من الدعاية والتحريض بين صفوف جيوش المستعمرات. وبالتالي وجب على الشيوعيين والوطنيين الثوريين أن يولوا الاهتمام الأكثر جدية لدراسة مختلف رتب جيوش المستعمرات ولصياغة طرق فعلية للعمل صلبها. فمثلما بينه مثال الصين، كثيرا ما كان للعمل صلب الجيوش المرتزقة المحلية ضعيفة الانضباط والأجر، أكبر حظوظ النجاح.
يمكن للمطالب الجزئية أن تشبه بعض الشيء تلك التي أشير إليها في البلدان الإمبريالية. لكن هنا أيضا، يجب أن نأخذ بحسبان فائق مجمل الظروف الملموسة (الأصل، تركيبة الجيوش ونفسيتها، الوضع المادي الخ.) ويجب الشروع بوجه خاص في صياغة مطالب الجنود المحليين والذود عنهم ضد الإهانات والسخرية التي يمارسها عليهم الضباط البيض.
يجب أن يكتسي عمل الشيوعيين صلب الجيوش الوطنية طابعا آخر. لكنه هام بدرجة قصوى مثلما بينته الحرب الوطنية في الصين في 1926–1927. إذ تكمن مهمة الشيوعيين هنا، في تنظيم خلايا في كامل الجيش حتى يجعلوا منه أداة واعية في النضال ضد الإمبريالية وحتى يحاربوا فيه، لجانب مصالح الثورة الوطنية، العناصر المشكوك فيها ضمن الضباط، وحتى يخضعوا القيادة التي لم تتحول بعد إلى أيادي شيوعية، إلى مراقبة الجنود بواسطة أوسع ديمقراطية ثورية. فلا يجب أن ننسى أن في عهد الثورة الفرنسية كانت جيوش الوفاق قد حققت أكبر انتصاراتها بواسطة نظام انتخاب الضباط التي كان جاري به العمل. وفي المقابل سهل التنظيم غير الديمقراطي للجيوش في الجنوب الصيني خيانة البرجوازية وجنرالاتها وانقلابها الذي قامت به في 1926–1927 .
58
خلال التحضير النفسي والمادي لحروب جديدة إمبريالية مضادة للثورة، تصطدم الإمبريالية حاليا بصعوبة عالية الجدية. إنه الشعور العفوي المشمئز من الحرب الذي تملك الجماهير وخصوصا منها العمال والفلاحين والنساء الكادحات منذ الحرب العالمية الأخيرة. إلا يجعل ذلك الإمبريالية مضطرة إلى أن تحضر الحرب تحت غطاء النزعة السلمية. وفي ذات الوقت اكتسبت النزعة السلمية مغزى جديدا، موضوعيا من جهة أنه إيديولوجيا وأداة صراع الإمبريالية العالمية ضد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية متصدر الثورة العالمية والذائد عنها. فهنا يجب أن نجد المحتوى الموضوعي والهدف الرئيسي للمقترحات وندوات نزع السلاح التي تقوم بها الدول الإمبريالية وبوجه خاص (العمل) الذي تقوم به عصبة الأمم في هذا المجال، ومناقشة (قضية الأمن) ومشاريع خلق محاكم التحكيم واتفاقات تعلن (الحرب خارج القانون) وغير ذلك. إن جميع تلك المشاريع والاتفاقيات والندوات السلمية تنتهي إلى ما يلي:
أ. ينجح الإمبرياليون في إخفاءِ تسلحهم؛
ب. تسعى القوى العظمى إلى تآمر الواحدة ضد الأخرى والتآمر على كل واحدة على حدة محاولة الحصول، عبر اتفاقيات، على تخفيض تسلحِ الخصم ولا ترمي إلا إلى تقوية قوتها العسكرية الخاصة؛
ت. قيام اتفاقيات مؤقتة بين القوى العظمى قصد تقوية نفوذها على البلدان الضعيفة والمضطهدة؛
ث. تحت غطاء من الشعارات السلمية تقوم تعبئة إيديولوجية وسياسية ضد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. إن (نزع السلاح) عند الإمبرياليين ليس شيئا آخر سوى تحضير مباشرا أو غير مباشر للحرب.
لذا، فالنضال ضد أكاذيب نزع السلاح ونزعة السلم يمثل الآن إحدى المهمات الرئيسية في النضال ضد الحرب الإمبريالية.
59
إن أهم أداة عند الإمبريالية في هذه المهزلة هي الاشتراكية–الديمقراطية التي تروج بين الجماهير أوهاما حول إمكانية نزع السلاح وإلغاء كل الحروب مع الإعلان أن ليس من الضروري قلب الرأسمالية قبل كل شيء. يوجد ضمن الاشتراكية– الديمقراطية اتجاهان فيما يتعلق بقضية نزع السلاح هما في ذات الوقتِ اتجاهات النزعة السلمية البرجوازية.
أحد هذين الاتجاهين، الذي كاوتسكي مبشر به منذ عام 1911، «يكتشف» بعض القوى الموضوعية في الرأسمالية، هي في الواقع غير موجودة، قوى تؤدي إلى نزع السلاح وإلغاء الحروب. يمثل هذا الاتجاه سياسة التعاون مع البرجوازية «اليسارية» قصد تخفيض التسلح. والحصول على إبرام اتفاقيات دولية بين الإمبرياليين، لتجنب الحرب أو حتى «منعها». وحدد لينين هذا الموقف، منذ 1916، فاعتبره «منزعا سلميا برجوازيا تاما». شكلت هذه النظرات من 1914 إلى 1918 إيديولوجيا «الوسط». لكن منذ نهاية الحرب العالمية وبداية التحركات السلمية التي انخرطت فيها الحكومات الإمبريالية، أصبحت جزءا مكونا لسياسة الدوائر القيادية في الأممية الثانية. إن هذه السياسة يدافع عنها يمين الاشتراكيين– الديمقراطيين مثلما يدافع عنها أغلبية «يسار»هم. فهي تُقدم على أنها سياسة سلمية «واقعية» وهي لا تختلف في شيء عن سياسة البرجوازية الإمبريالية. يتعلق الأمر، هنا، بنظرية «الإمبريالية المنظمة» تلك النظرية التي تؤكد أن الرأسمالية، في مرحلتها الإمبريالية الحالية، تطور بنفسها العوامل الموضوعية الرامية إلى هزم الحرب وإبعادها عن «العالم المتحضر» الخ. كما يتعلق الأمر هنا أيضا، بنظرية «الإمبريالية العليا» و«التحالفات» الإمبريالية و«الاتفاقيات» والكارتيلات الدولية، من جهة أنها وسائل ترمي إلى إلغاء التناحرات الإمبريالية. في الواقع، لا يوجد عند الإمبريالية أي اتجاه يهدف إلى إلغاء الحرب. عكس ذلك، كل الوقائع، التي يعددها «دعاة السلم الواقعيون» لتخدير الجماهير، إنما هي سمات تبين التحضير لحروب إمبريالية على نطاق هائل، حروب لا تشمل بضع أمم فقط، بل مجموعات كاملة من الأمم. ليس شعار الولايات المتحدة الأوروبية أو الولايات المتحدة العالمية في ظل النظام الرأسمالي إلا وهما. لكن حتى ما إذا تحقق، فإنه يتخذ حتما طابعا رجعيا لأنه يمثل اتحادا لسحق الثورة البروليتارية والحركة الوطنية التحريرية عند الشعوب المستعمرة. كل النزعات الموجهة في هذا الاتجاه (مثال ذلك حركة التوحيد الأوروبي) هي رجعية بكل وضوح.
60 يتدخل أنصار المنزع الثاني بوصفهم دعاة سلم (متجذرون) أو (ثوريون) ويطالبون بنزع كامل للسلاح لا فقط بالنسبة للبرجوازية، بل أيضا نزع سلاح البروليتاريا أي التخلي عن شعار تسليح البروليتاريا. أثناء الحرب الإمبريالية، تبنى هذا الشعار أيضا بعض الأمميين الثوريين الذين لم يجدوا تعبيرا آخر عن صدق إخلاصهم في إنهاء العسكرية. في الواقع، لا يأخذ هذا الشعار بعين الاعتبار ضرورة تسليح البروليتاريا لأجل الحرب الأهلية بل يرفضه كغيره من ضروب التسليح. وذلك ليس بشعار ثوري، بل هو بقضه وقضيضه تعبيرا عن يأس البرجوازية الصغيرة. إن النقد الذي قام به لينين عام 1916 يحافظ على كامل أهميته ويجب إعطاءه الآن، أكثر أهمية حتى وإن كانت مجموعة أنصار هذا الشعار جد ضعيفة الأهمية الآن. فقد بينت ثورة تشرين الأول (أكتوبر) لكل ثوري وفي الضرورة المطلقة لتسليح البروليتاريا. فتعويض شعار تسليح البروليتاريا بشعار نزع سلاحها لا يمكن أن يكون الآن إلا عملة رجعية. لهذا السبب وجب على الشيوعيين أن يعملوا على تبيان الوضع الحقيقي للعمال الذي يغريهم شعار نزع السلاح وخاصة في الدول الصغيرة، وأن يناضلوا بلا رحمة ضد الزعماء «اليساريين» الذين يدافعون عن هذه النظرية. نجد أيضا النظرية التي مفادها أن المحاكم الدولية يمكنها أن تمنع الحرب. لكننا نعلم أن مؤسسات من هذا القبيل لا تصلح أكثر من فقاقيع رغوة الصابون التي سرعان ما تنحل عند أول اصطدام. فتلك المحاكم هي بمثابة أدوات القرصنة بأيدي القوى الإمبريالية. يتفق اتجاه الاشتراكية–الديمقراطية حول نقطة في قضية نزع السلاح والسلم فهما يعتقدان أن العائق الرئيسي أمام نزع السلاح إنما يتشكل من البلدان التي (لا توجد فيها ديمقراطية) أي من وجود دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية.
61 وقع التنصيص في اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع الثامن على أن من واجب البروليتاريا، أن تتخذ تجاه مقترح الاتحاد السوفييتي في قضية نزع السلاح، موقفا مبدئيا مختلفا كل الاختلاف عما يجب أن تتخذه من موقف تجاه مشاريع النفاق لنزع السلاح التي تقدمها الدول الرأسمالية، ونظرا لما لهذه القضية من أهمية خاصة في النضال ضد المنزع السلمي، فإنه من الضروري بسطها أمام الجماهير بأكبر قدر من الوضوح. يتميز مقترح نزع السلاح العام والكامل التي تقدمت به الحكومة السوفييتية إلى اللجنة التحضيرية التي كونتها عصبة الأمم في تشرين الثاني 1927، جذريا، عن جمل ومشاريع الإمبرياليين وخدمهم الاشتراكيين الديمقراطيين، من جهة الهدف ومن جهة الجدية، كما من جهة أهميته الموضوعية. لا يرمي المشروع السوفييتي إلى نشر الأوهام السلمية، بل يرمي إلى تحطيمها ولا يرمي إلى حماية الرأسمالية بالصمت والتغاضي عن نواحيها المتعفنة، بل يرمي إلى نشر الأطروحة الماركسية الأساسية التي تؤكد أنه لا يمكن إلغاء الحروب إلا بإسقاط الرأسمالية. لقد اقترحت الحكومة السوفييتية على الإمبرياليين الذين يثرثرون بخبث حول هذا الموضوع، نزع السلاح فعليا، فنزع عنهم قناع السلام. إنه من البديهي ألا يعول أي شيوعي على أن الإمبرياليين سيقبلون المشروع السوفييتي. ومع ذلك فإن هذا المقترح ليس فيه شيء من النفاق، فقد وضع بكل صدق، لأنه ليس في تعارض مع سياسة الدولة البروليتارية في الداخل والخارج، في حين أن جمل الإمبرياليين عن نزع السلاح، تتعارض مع ما تقوم به الحكومات البرجوازية من سياسة نهب واضطهاد. السلطة السوفييتية هي دكتاتورية البروليتاريا في خدمة مصالح أغلبية السكان المستغلين منذ قرون. فلا تتبع السلطة السوفييتية سياسة نهب واضطهاد. إن لها سياسة سلم في خدمة البروليتاريا العالمية. كما يتميز مقترح الاتحاد السوفييتي عن المشاريع البرجوازية والاشتراكية–الديمقراطية بماله من أهمية موضوعية. فهو لا يخفي سياسة عدوانية وليس تعبيرا عن يأس البرجوازية الصغيرة، وإنما يعبر عن أحد أهداف الاشتراكية، وهو هدف ستحققه البروليتاريا الثورية بعد انتصارها في النطاق العالمي.
62 لقد استخدم الاشتراكيون–الديمقراطيون في محاربة المشروع السوفييتي أكثر الوسائل تعفنا مستخدمين ما قدمته التروتسكية من شعارات. فقد حاولوا أن يشوهوا مقترح الحكومة السوفييتية حول نزع السلاح أمام أعين الجماهير مقدمين إياه عل أنه «تحريف لللينينية»، وكانتقال في اتجاه «الترميدور»، الخ... وينتج عن كل ما سبق أن ليس ذلك إلا تبريرا منحطا. إن البرنامج الثاني بتاريخ آذار 1928، الذي تقدم به الوفد السوفييتي بعد أن وقع رفض برنامجه حول نزع السلاح نزعا كاملا، كان قوامه اقتراح نزع جزئي للسلاح بتقليص القوات البرية والبحرية، (إن هذا البرنامج) لا يمثل أبدا مساومة أمام المنزع السلمي، بل العكس، ينتهي إلى نزع القناع ويوضح، بوجه خاص، موقف القوى العظمى تجاه الدول الصغيرة والأمم المستغَلة. إن موقف الحكومة السوفييتية فيما يخص قضية نزع السلاح هي مواصلةُ سياسة لينين وتحقيق منهجي لمذهبه.
63 إن عمال الاتحاد السوفييتي، الذين انتصروا على البرجوازية في الحرب الأهلية وأرسوا دكتاتورية البروليتاريا في بلدهم، بمستطاعهم أنْ يستخدموا طريقة جديدة تتمثل في أنْ يقترحوا على الإمبرياليين نزع التسلح نزعا عاما، خلال نضالهم ضد المنزع السلمي هذا السلاح المسموم عند الإمبريالية. لكن البروليتاريا التي لا تزال تناضل في الدول الرأسمالية من أجل السلطة لا يمكنها أنْ تستخدم هذه الطريقة. فالمقترحات أو المطالب التي يمكن أنْ توجهها إلى برجوازيتها وحرسها ليست العمل الثوري بل تعويض شعار تسليح البروليتاريا بشعار نزع سلاحها ورفض الحرب الأهلية والانتصار للاشتراكية. لذا وجب على الشيوعيين أنْ يحاربوا على النحو الأكثر حيوية الاستنتاجات الخاطئة من ذلك القبيل المستخلصة من مشروع نزع السلاح الذي قدمته الحكومة السوفييتية؛ فهي استنتاجات تناقض المغزى الثوري لهذا البرنامج، ومن الضروري مكافحة كل انحراف من هذا النوع في صفوف الحزب نفسه.
64
إن هذا الاختلاف في تطبيق طرق النضال ضد المنزع السلمي عند كل من البروليتاريا في الاتحاد السوفييتي والبروليتاريا في البلدان الرأسمالية ليس دليلا على تناقض بين هاتين الأخيرتين ولا يجب أنْ نستنتج من ذلك أنْ لا يمكن للشيوعيين في البلدان الرأسمالية أن يستخدموا مقترحات الحكومة السوفييتية في تحريض الجماهير. بالعكس، يجب استغلال سياسة الاتحاد السوفييتي في نزع السلاح لغاية التحريض بأكثر حيوية وعلى نطاق أوسع مما جرى عليه الأمر إلى وقتنا الحاضر. لكن يجب استغلاله لا بوضع نفس المطالب الخاصة ببلده وإنما بـ :
1. استقطاب أنصار للاتحاد السوفييتي مدافعين عن السلم والاشتراكية؛
2. باستغلال نتائج السياسة السوفييتية في نزع السلاح وفضح الإمبرياليين خلال نضالنا لتحطيم كل الأوهام السلمية، وذلك بالدعاية بين الجماهير لصالح الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تبلغ نزع السلاح وإلغاء الحرب: تسليح البروليتاريا وإسقاط البرجوازية وإرساء دكتاتورية البروليتاريا.
65
لقد أشار اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع الثامن إلى عدة نقائص وأخطاء عند الأحزاب الشيوعية وحدد جملة من المهمات الملموسة الخاصة التي يجب أن تنجزها جميع الفروع قصد النضال ضد الحرب.
تبقى تلك التعاليم بمجملها سارية المفعول. ولقد اكتسبنا تجربة منذ الاجتماع الموسع الثامن. ويستخلص المؤتمر الشيوعي العالمي السادس من تلك التجربة كل الاستنتاجات الملائمة لعمل الأحزاب الشيوعية في المستقبل.
66
إن النقص الرئيسي الذي لا تزال جميع فروع الأممية الشيوعية غارقة فيه هو الاستنقاص من خطر الحرب واقترابها. إن ذلك بديهي، فجميع الفروع تقريبا لا تعمل بالحيوية التي يتطلبها إنجاز قرارات الاجتماع الموسع الثامن. حدثان حديثان لهما أعظم أهمية – مراسلة انجلترا سفيرها في مصر وحرب اليابان على الصين – مرا دون أدنى اهتمام وكأنهما حادثتين صغيرتين لا معنى لهما أبدا. ونظرا لما هنالك من تقدم سريع نحو اليسار عند الجماهير مما يشير إلى أنها تحس بخطر الحرب، فمن المحتمل أنْ يجد الشيوعيون أنفسهم في مؤخرة البروليتاريا عوض أن يسيروا بها إلى معركة معاداة الحرب. وكثير من الفروع هي تحت تأثير الدعاية البرجوازية والاشتراكية-الديمقراطية لصالح «السلم» و«نزع السلاح» و«التحكيم العالمي»، ولا ترى أن الحرب محدقة وتتحدث عنها وكأنما هي شيء بعيد جدا.
يظهر الاستنقاص من خطر الحرب، ومن خطر حرب على الاتحاد السوفييتي، على وجه أخص، في عدم فهم الوقائع والمظاهر التي تشخص تحضير الحرب المتواصل. ومثال ذلك أن الرفاق الفرنسيين لم يستشفوا من استدعاء راكوفسكي انخراط فرنسا انخراطا حاسما في طريق التحضير الدبلوماسي للحرب على الاتحاد السوفييتي إلا بعد مرور مدة طويلة نسبيا. واعترف الحزب اليوغسلافي بأنه لم يأخذ بالحسبان اقتراب خطر الحرب خلال النزاع الإيطالي–اليوغسلافي. وكثير من الأحزاب الشيوعية في بلدان البلطيق لم تقف، من الوهلة الأولى، على المغزى الحقيقي في طرق تحضير الكتلة المعادية للاتحاد السوفييتي في دول البلطيق (مثال ذلك المحادثات المتصلة بالاتحاد الجمركي بين استونيا وليتوانيا). كل تلك الأخطاء التي وقع الاعتراف بها وتصحيحها إنما تبين كم يكون خطيرا أن نترك الأمور تمر دون أن نتأهب لتدابير تحضير الحرب.
67
إن أحد أهم النقائص في عمل الأحزاب ضد الحرب هو ما في طريقتها في النظر إلى هذه القضية من كثرة التجريد والرمز وحتى السطحية.
تحصر بعض الفروع نشاطها في مداخلات في البرلمانات والاجتماعات العامة والحال أن قضية الحرب يُبت فيها في الكواليس. ولم تعرف أحزابنا بعدُ كيف تمزج النضال البرلماني ضد الحرب بالعمل خارج البرلمان حتى تمتلك مطالبنا شعبية (لقد انحصر عمل الشيوعيين التشيك فيما تعلق بقضية سانت–غوثار وفيما تعلق بنقل الأسلحة إلى الصين في احتجاجات محتشمة في البرلمان وفي الجرائد).
لا تنفصل القضايا الدولية عن قضية الحرب، وكلها جزء من الصراع الطبقي العام؛ لذا، يجب ربطها بالصراعات الطبقية الداخلية، وخاصة، بالصراعات في مؤسسات الصناعة الحربية بالمعنى الأصلي للكلمة.
تستوجب مكننة القوات العسكرية وعسكرة الصناعة المرتبطة بالحرب ارتباطا مباشرا نشاطا حيويا داخل فروع تلك الصناعة وداخل منظماتها النقابية والبروليتارية الأخرى. ولا يوجد إلى حد الآن إلا القليل مما يدل على أن الأحزاب الشيوعية قد شرعت بجد في انجاز هذه المهمة الأولية.
68
دائما ما تُقدر قضية الحرب على نحو كثير التجريد، وذلك سبب ما نحن فيه من عجز عن الوقوف موقف محدد في مسائل سياسة الحرب؛ فأحيانا لا تتحرك الأحزاب، أو تتحرك بعد تأخر كبير ضد أكاذيب ومعاداة العسكرة عند الاشتراكيين الديمقراطيين الذين غالبا ما يجدون صدى بين الجماهير (مثال ذلك حملة الاشتراكيين الديمقراطيين في ألمانيا حيث قدموا أنفسهم كـ«معارضين مبدئيين» للحرب)، وأحيانا أخرى تلجأ الأحزاب الشيوعية إلى تفادي المسائل الملموسة لسياسة الحرب من خلال جمل ذات طابع عام، وعوض أن تتناول المسائل الملموسة، تجدها تكرر شعارات دعائية مجردة.
إنه خاصة في المسائل المتعلقة بالجيش أين نلاحظ عزوفا عما يمس النضال من أجل المطالب والإصلاحات الجزئية الملموسة التي تضعف، بالفعل، العسكرة (تقليص مدة الخدمة العسكرية، النضال فيما يتعلق بتركيبة الجيوش، الخ). لقد وقع التخلي عن النضال في سبيل الإصلاحات للاشتراكيين الديمقراطيين بالكامل. وهؤلاء الأخيرين لم تقع معارضتهم ببرنامج سياسي بروليتاري حقيقي في سياسة الجيش؛ برنامج يرمي إلى إضعاف العسكرة وصياغة مقترحات عملية تتعلق بتسليح العمال.
إن الفروع التي اتخذت التدابير التنظيمية اللازمة لتأدية عمل جيد منتظم ضد العسكرة عددها ضئيل. والعمل بين جنود جيشي البر والبحر في البلدان الأكثر تهديد بقوتها العسكرية غير كاف إطلاقا. فما لم يفهم هنا بعدُ أن الأمر يتعلق بعمل جماهيري، وأن من اللازم أنْ تكون هنا وسيلة تحريض ودعاية في الجيش. وفي بعض البلدان يقع النشاط المعادي للعسكرة بين الشباب في نطاق ضيق جدا، وفي بلدان أخرى يقتصر ذلك النشاط على المجندين دون قاعدة تنظيمية في جماهير الجنود. وإذا كان العمل بين جنود بحرية البلدان الرأسمالية يجري بحيوية غير كافية فإن ذلك يبرهن على أن هناك استنقاص من دور جيش البحر في الحرب المقبلة. ولم يقع استغلال تأثير العائلات على العسكر في جيشي البر والبحر استغلالا منتظما في أي مكان.
69
في كل مكان هنالك استنقاص من الأهمية الهائلة للعمل بين فلاحي الأقليات القومية والمستعمرات. فإنه لمن الضروري إعطاء العمل في جميع هذه المجالات أكبر اهتمام.
لا يجب أن تقتصر الحملة ضد الحرب في الأرياف على المناسبات وكثرة البهرجة، بل يجب أن تكون عملا منهجي ومنتظم ومرتبطا بالمطالب المباشرة عند الفلاحين الشغيلة. والمهمة الخاصة التي تقوم هنا هي العمل بين شباب الفلاحين. وإنه لمن مطلق الضرورة أنْ تولى أهمية خاصة بإقامة صلة تراسل بين القرية الفلاحين في الجيش عن طريق من يتحصل منهم على رخص مغادرة الثكنة، الخ؛ إن ما يُكتسب من تجربة في هذا المجال له أعلى أهمية زمن الحرب.
يجب علينا، فيما يتعلق بالعمل بين الأقليات القومية، أنْ ندافع، بأكثر حيوية مما كان، عن مطالب الأمم المضطهَدة، وأنْ نناضل ضد إذلالها من جانب الإمبرياليين، وأنْ نقود المنظمات الوطنية الثورية.
يجب على الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية أنْ تقيم صلة ثابتة بما يقابلها من منظمات شيوعية ونقابات في البلدان المستعمَرة. ويجب على الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية أنْ تساند الحركات الثورية في المستعمرات على كل نحو. وعلى الأحزاب الشيوعية في كل البلدان أنْ تولي اهتماما خاصا بتأليف منظمات غير حزبية من طراز رابطة معاداة الإمبريالية مثلا، وأنْ تؤلف جبهة متحدة من البروليتاريا في البلدان الرأسمالية والحركة الوطنية التحررية للشعوب المضطهَدة للنضال ضد الحرب.
70 لم يقع الدفع بالنضال ضد الفاشية على نحو كاف في العديد من الفروع إلى حد الآن. فمن الضروري أنْ تُطور أكبر المبادرات استقامة في هذا المجال من جهة الفكر ومن جهة التظاهرات الجماهيرية الثورية ضد الفاشية. ويجب أنْ يُأخذ في الحسبان لا فقط التوجهات الفاشية البينة، بل أيضا توجهات ومنظمات شبه فاشية تتحرك تحت راية الديمقراطية أو الاشتراكية–الديمقراطية («راية الإمبراطورية» في ألمانيا، والتوجهات الاشتراكية–الفاشية في قمة البيروقراطيتين الاشتراكية–الديمقراطية والنقابية، الفاشية في المصنع، الخ). يجب على هذا النضال ضد الفاشية أن يكون مرتبطا على النحو الأكثر متانة قدر الإمكان بالنضال ضد الحرب الإمبريالية.
71
تتميز الفترة الراهنة بموجة جديدة من الدعاية «للسلم» و«نزع السلاح» وبدعاية حادة «لمنع الحرب» من جانب البرجوازية. كما أظهرنا القليل جدا من التحرك في النضال ضد الدعاية البرجوازية «للسلم» وضد الدعاية الاشتراكية–الديمقراطية لما يُزعم أنه «إمبريالية حمراء» في الاتحاد السوفييتي و«ضد البلشفية، سبب الحروب». وحتى فضحنا للطابع الحقيقي لعُصبة الأمم، التي تقوم بدور رئيسي في خلق الأوهام السلمية عند الجماهير، لم نقم به بما يكفي من منهجية وحيوية.
في معظم الأحوال لم نهتم بمهمة الشيوعيين الرئيسية نحو نتائج ندوة جينيف؛ فقد كانت تلك المهمة تقوم على مزج النضال ضد الحرب بالدعاية لدكتاتورية البروليتاريا وتسليح البروليتاريا. وارتُكبت في بعض البلدان أخطاء سلمية مثالها إعلان شعار نزع السلاح.
72
بعد اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع الثامن، لم تعر معظم الأحزاب الانتباه الضروري لنشر طريقة لينين الصحيحة في النضال ضد الحرب بين الجماهير. والمسائل الرئيسية في النضال ضد الحرب. ولم تُدرس المسائل الرئيسية للنضال ضد الحرب في الأجهزة النظرية والصحفية للأحزاب بما فيه الكفاية، وخصوصا ما تعلق بتوضيح المسائل الملموسة الجزئية. يجب اعتبار ذلك نقصا كبيرا في عمل الأحزاب نظرا لكون الأمر يتعلق في معظم الحالات بمسائل راهنة واهتمت بها الاشتراكية-الديمقراطية اهتماما كبيرا.
لا يزال عمل الأحزاب يشكو من نقص في الوضوح الإيديولوجي في جميع المسائل.
وطرح بعض الرفاق (في فرنسا وسويسرا والنمسا) قضية «الدفاع عن الوطن» مع إيطاليا في حال وقعت الحرب. وأيد آخرون «مقاطعة» محضة وبسيطة لمعسكرات التدريب العسكري (في أمريكا). كل هذه الأمثلة من الانحرافات، صحيح أن الأجهزة القيادية للأحزاب قد صححتها فيما بعد، تبين أن من الضروري أنْ ننخرط في الدعاية الأكثر جدية والأكثر اتساعا، داخل الأحزاب نفسها وبين الجماهير في ذات الوقت، في موضوع خطر الحرب والطرق التي ستستخدم في هذا الصراع.
73
مهمات التحريض الرئيسية في النضال ضد خطر الحرب وخصوصا ضد إذكاء نار حرب على الاتحاد السوفييتي والتحضير لها هي كما يلي:
1. نظرا لاقتراب خطر الحرب يجب أن تكون الشعارات الرئيسية: «الدفاع عن الاتحاد السوفييتي» و«مساندة النضال الثوري عند الشعوب المستعمَرة والمضطهَدة» و«النضال ضد الحرب الإمبريالية».
2. يجب على كامل عمل التحريض أن يفضح، باستمرار، مآرب النهب عند مختلف التكتلات الإمبريالية في كل البلدان. ويجب أن يستهدف، على نحو خاص، الإمبرياليين الأمريكان والإمبرياليين الإنجليز الذين يتزعمون تحضير الحرب على الاتحاد السوفييتي، والإمبرياليين الإنجليز واليابانيين مدشنوا التدخل العسكري في الصين. وتجب المطالبة بنشر كل المعاهدات السرية وكل الاتفاقات العسكرية السرية.
3. يجب نقد وكشف مقترحات الاشتراكيين–الديمقراطيين التي تدعو إلى «الحد من التسلح» والدفاع عن بروتوكول جينيف ونظام محكمة تحكيم اجباري.
4. يجب القيام بحملة حيوية لفضح الدعاية «للسلم الصناعي» والتعاون الطبقي والنقابات المحايدة (غير المتسيسة) واتحاد الشركة، تلك الدعاية التي يبشر بها زعماء النقابات الإصلاحية والتي هي بالأساس تخدم تحضير الحرب.
5. يجب الشروع، منذ الآن، في شرح لماذا يجب على العمال، أثناء الحرب المقبلة، أنْ يبتغوا هزيمة وطنهم الإمبريالي. ويجب أنْ يكون شعار «تحويل الحرب الإمبريالية حربا أهلية»، منذ الآن، وقبل أي إعلان حرب، الفكرة الموجهة في دعايتنا.
6. يجب أنْ يقوم بالنضال ضد التقسيم الإمبريالي للصين كل الأحزاب الشيوعية في هيئة حملات جماهيرية عظيمة وفي هيئة نضال ضد تدابير القوى العظمى الخاصة، عسكرية وسياسية. ويجب أنْ يرتبط هذا النضال بالنضال ضد خطر حرب إمبريالية جديدة أمتن ارتباط.
74
إن أهم التدابير، والتي كان اجتماع تنفيذية الأممية الشيوعية الموسع الثامن قد حدد جزءا كبيرا منها، هي كما يلي:
– مظاهرات النساء والأطفال في طريق الفرق العسكرية المتوجهة إلى الجبهة وفي مناطق الإقلاع. ومظاهرات النساء والأطفال والقاصرين أمام مبنى البرلمان؛
– التحريض ضد الحرب في المنظمات النسائية البروليتارية والبرجوازية الصغيرة. وطلب ندوات للمندوبين تحت شعار «ضد الحرب الإمبريالية»؛
– تجمع النساء أمام المعامل والمصانع وكذلك الأحياء البروليتارية التي بعثت بمندوبين؛
– استخدام مجالس المندوبين الموجودة حاليا أو التي ستكون كجهاز قار يمكن من الحملة ضد الحرب الإمبريالية. يجب إنجاز تكتيك الجبهة المتحدة وعمل لجان «لتخفض الأيادي أمام الاتحاد السوفييتي!» بأكثر وضوح، وجذب النقابات إلى هذه اللجان؛
– يجب خوض النضال، على كامل الخط، ضد الفاشية التي تمثل أحد الدروع المسلحة للثورة المضادة؛
– يجب تأليف منظمات جماهيرية من نوع الاتحاد الألماني لمقاتلي الجبهة الحمراء، في كل مكان أمكن فيه ذلك؛
– يجب التحرك ضد الفاشية وضد الحرب داخل المنظمات الرياضية؛
– يجب استخدام وتقوية المنظمات الطبقية الموجودة لضحايا الحرب بانتظام (تعاونيات، أرامل، الخ)، للنضال ضد الحرب الإمبريالية؛
– يجب على الشباب الشيوعي أنْ يطور صلة متينة بالحزب، وعملا أكثر حيوية بين الشباب العمالي والفلاحي حيث يقع انتداب الجنود؛
– يجب أيضا استخدام مؤسسات رجال التعليم وأولياء التلاميذ وفرق الأطفال الشيوعية؛
– يجب تأليف منظمات جديدة من الأطفال قصد النضال ضد التأثير الإمبريالي في المدارس.
75
إن تحضير الأحزاب الشيوعية نفسها هي مهمة على أعلى أهمية. ويجب أنْ تربى فروع الأممية الشيوعية بروح التضامن الأممي العميق؛ فذلك شرط لا بد منه لتحضير الأحزاب الشيوعية للحرب. وكذا إرساء الصلة الأكثر متانة بين جميع الفروع قبل بداية الحرب.
سيكون الإرهاب المسلط على كل حركة ثورية وضد الأحزاب الشيوعية أثناء التعبئة التي تسبق الحرب أكثر ضراوة. وسيساق الآلاف والآلاف من العمال الشيوعيين والثوريين إلى مراكز الاعتقال وفق قائمات تُعد سلفا. فالإمبرياليون سيدفعهم الخوف إلى القضاء لا على الأحزاب الشيوعية العلنية فحسب، بل على كامل أجهزة الأحزاب السرية وقياداتها.
يجب على الأحزاب أنْ تستعد لكل ذلك منذ الآن. ويجب على الأحزاب الشيوعية العلنية أنْ تفكر بكل جدية في أنْ تستعد للتراجع إلى العمل غير الشرعي السري في اللحظة التي يتوجب فيها ذلك. ويجب تغيير طرق التنظيم والصلات التنظيمية من الأعلى إلى الأسفل في الوقت المناسب. ويجب تحضير أعضاء الحزب للوضع الجديد الناتج عن التعبئة وبداية الحرب.
76
يذكر المؤتمر الشيوعي العالمي السادس بكلمات لينين التالية:
إن النضال ضد الحرب أبعدُ من أنْ يكون أمرا يسيرا. إنه يتطلب من جميع الأحزاب أنْ تُخضع نفسها لنقد صارم جدا، وأنْ تراقب ما أنجزته من عمل إلى حد الآن بانتظام لتناضل ضد خطر الحرب ولتحضير الأحزاب للنضال أثناء الحرب؛ فمن واجبها أنْ تقف على كل ما تقترفه من أخطاء وتصححها بسرعة وبكل رباطة جأش.
يُلزم المؤتمر الشيوعي العالمي السادس كل فروع الأممية الشيوعية بأنْ تعطي النضال ضد الحرب طابعا أكثر أممية، وأنْ تتخذ التدابير التحضيرية للتنسيق العالمي للتحركات الثورية حتى تكون متأهبة لمواجهة الحرب بالتحركات الجماهيرية العالمية العظيمة لما تحين اللحظة.
1
يعلن المؤتمرُ الشيوعي العالمي السادس أن «الأطروحات في القضيتين القومية والاستعمارية» التي صاغها لينين وأقرها المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني تحتفظ بكامل أهميتها ويجب أن تواصل توجيه نشاط الأحزاب الشيوعية. فمنذ المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني أخذت الأهمية العملية للمستعمرات وأشباه المستعمرات من جهة أنها عامل أزمة في النظام الإمبريالي العالمي تتعاظم بقدر كبير.
فمن ناحية أولى، أصبحت المستعمرات، من جهة أنها موضوع استغلال لا يمكن للإمبريالية أن تستغني عنه، مصدرا دائما للنزاعات والحروب بين الإمبرياليين أكثر بكثير مما مضى. وتتواصل دون توقف من جانب الدول الإمبريالية حروب النهب والخطط الحربية الجديدة ضد مختلف الشعوب التي بقيت إلى حد ما مستقلة، وتعاظم تحضيرات القوى الإمبريالية لحروب فيما بينها في سبيل اقتسام المستعمرات من جديد.
ومن ناحية ثانية، أصبح عالم المستعمرات وأشباه المستعمرات الشاسع بؤرة حركة ثورية جماهيرية لا تخمد. نتجت هذه الظاهرة ذات الأهمية التاريخية العظيمة، في جزء منها، عن التغيرات التي حصلت في وضع المستعمرات وأشباه المستعمرات الرئيسية الداخلي — في اقتصادها وتركيبتها الاجتماعية — أثناء الحرب الإمبريالية العالمية وبعدها؛ فمن ذلك تقوية عناصر التطور الصناعي الرأسمالي وتعميق الأزمة الزراعية وتطور البروليتاريا وبدء تنظمها وإفقار أوسع جماهير الفلاحين وغير ذلك. ونتجت، في جزء آخر، عن التغيرات التي حصلت في الوضع العالمي؛ فمن ذلك الصعوبات التي اعترضت القوى الإمبريالية الرئيسية خلال الحرب والأزمة التي عاشتها الإمبريالية العالمية إثر تلك الحرب. ثم بعد ذلك احتداد عدوانية السياسة الاستعمارية التي تنتهجها كل من إنجلترا واليابان والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وهولندا كنتيجة «للسلم» الإمبريالي. وأيضا، انتقال روسيا من قوة إمبريالية إلى قوة بروليتارية معادية للإمبريالية. ونضال شعوب الاتحاد السوفييتي الظافر ضد الإمبريالية العالمية في سبيل الدفاع عن استقلالها. ومثال الحل الثوري للقضية القومية. وتأثير البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي. وأخيرا تقوية الحركة الشيوعية في البلدان الرأسمالية ونشاطها لصالح المستعمرات.
لقد عجلت هذه الوقائع كلها استفاقة الجماهير الشعبية الهائلة سياسيا في المستعمرات وأشباه المستعمرات تعجيلا كبيرا. وفجرت جملة من الانتفاضات الثورية العظيمة التي غالبا ما ربطت النضال التحرري المعادي للإمبريالية بتطور قوى الصراع الطبقي في الداخل ربطا وثيقا أصيلا.
2
لقد اكتسبت الثورة الصينية أهمية عالمية من الدرجة الأولى. كان قمع العمال الصينيين في شنغهاي في 30 أيار 1925 إشارة انطلاق موجة ثورية عظيمة في الصين. فأكبر المراكز الصناعية مثل شنغهاي وتيان تسين وهانكيو وكانتون والمستعمَرة الإنجليزية هنغ كنغ كانت كلها مسرح إضرابات ثورية جماهيرية أثارت موجة من تحركات جماهير الفلاحين ضد المالكين العقاريين الصينيين والجنتري. لقد عملت البرجوازية الوطنية حتى في هذه المرحلة الأولى من الحركة الوطنية الثورية الواسعة على حصر النضال الثوري في أهداف قومية فقط؛ كالنضال ضد العسكريين ومقاطعة الإمبرياليين وما إلى ذلك. وفي ذات الوقت الذي كانت تنهض فيه الموجة الثورية بدأت الثورة المضادة في تنظيم قواها (انقلاب تشان كاي شيك في آذار 1926، وقمع مظاهرات الطلبة في بيكين، وتنظيم جناح الكيومنتانغ الأيمن الذي انخرط في النضال ضد الفلاحين في كوانتونغ وكوانغسي، وغير ذلك). إن الحملة على الشمال التي بدأت في صيف 1926، والسيطرة على جملة من المناطق، وهزيمة العديد من التجمعات العسكرية الرجعية وتحطمها، قد رافقه نمو عظيم في الحركة الجماهيرية (احتلال المصالح الإنجليزية في هان كيو وكيو كيانغ، إضراب عام في شنغهاي تحول إلى انتفاضة مسلحة، نمو هائل في الحركة الفلاحية). لقد طرحت الانتفاضة المظفرة في «شنغهاي» في نيسان 1927 قضية هيمنة البروليتاريا على الحركة الوطنية الثورية ودفع البرجوازية المحلية نهائيا إلى معسكر الرجعية، وأملت الانقلاب المعادي للثورة الذي قام به تشانغ كاي شيك.
إن الأنشطة المستقلة للعمال الذين يناضلون في سبيل السلطة، وخاصة استمرار نهوض الحركة الفلاحية التي تتحول إلى ثورة زراعية، دفع أيضا حكومة ووهان التي تشكلت بقيادة جناح الكيومنتانغ البرجوازي الصغير، إلى المعسكر المعادي للثورة. غير أن الموجة الثورية كانت قد تراجعت. وخلال سلسلة من الانتفاضات (انتفاضة هولانغ فاي تنغ، تمرد الفلاحين في هونان وهوبي وكفانتغ وكيانغسو) حاول العمال والفلاحون انتزاع السلطة من الإمبرياليين والبرجوازية والمالكين العقاريين وبالتالي منع هزيمة الثورة. لكنهم فشلوا في ذلك. إن آخر مظهر قوي لهذه الموجة الثورية كان انتفاضة عمال كانتون البطلة التي حاولت تحت شعار السوفييتات أن تربط الثورة الزراعية بتحطيم الكيومنتانغ وإقامة دكتاتورية العمال والفلاحين.
3
في الهند، أثارت سياسة الإمبريالية الإنجليزية المعرقلة لتطور الصناعة الهندية غضبا شديدا عند البرجوازية الهندية التي تدعمت كطبقة عوض انقسامها السابق إلى شيع وطوائف دينية والذي تجلى في عام 1916 في اندماج «المؤتمر الوطني الهندي» —أداة البرجوازية الهندية— بـ«الرابطة الإسلامية»؛ وأقامت الجبهة المتحدة الوطنية في مواجهة الإمبريالية. إن الخوف من حركة ثورية أثناء الحرب أجبر الإمبريالية الإنجليزية على القيام بتنازلات لصالح البرجوازية المحلية تجسدت في الميدان الاقتصادي في رفع قيمة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، وفي الميدان السياسي في الإصلاحات البرلمانية التافهة التي أدخلت في عام 1919. غير أن النتائج الفظيعة للحرب الإمبريالية (المجاعة والأوبئة سنة 1918)، والتردي الفظيع في حالة الجماهير الغفيرة من السكان الكادحين، وتأثير ثورة تشرين الأول (أكتوبر) في روسيا وسلسلة الانتفاضات في البلدان المستعمَرة (مثل نضال الشعب التركي في سبيل الاستقلال) قد أحدثت في جماهير الشعب الهندي غليانا كبيرا تجلى في سلسلة التحركات الثورية ضد الإمبريالية الإنجليزية. انتهت هذه الحركة الكبيرة الأولى المعادية للإمبريالية في الهند (1919—1922) بخيانة البرجوازية الهندية الثورة الوطنية، خيانة حتمها خاصة الخوف من تصاعد موجة انتفاضات الفلاحين وإضرابات العمال ضد الأعراف المحليين. إن اندحار الحركة الوطنية الثورية وتفسخ القومية البرجوازية تدريجيا سمحَا للإمبريالية الإنجليزية بالعودة إلى سياسة عرقلة التطور الصناعي في الهند. وتبين آخر إجراءات الإمبريالية الإنجليزية في الهند أن التناقض الموضوعي بين الاحتكار الاستعماري وتطلع الهند نحو تطور اقتصادي مستقل يتعمق من سنة إلى أخرى ويؤدي إلى أزمة ثورية عميقة جديدة.
لا يأتي التهديد الحقيقي ضد الهيمنة الإنجليزية من معسكر البرجوازية بل من حركة جماهير العمال الهنديين المتصاعدة التي تتطور إلى إضرابات ضخمة. وفي ذات الوقت، يشهد احتداد الأزمة في الريف على نضج الثورة الزراعية. تحدد هذه الظواهر تغيرا كليا في الوضع السياسي في الهند.
4 في إندونيسيا، تضطر الإمبريالية الهولندية، أكثر فأكثر، إلى منح أعظم القوى (الإمبرياليتين الأمريكية والإنجليزية) إمكانية المزيد من توريد البضائع ورؤوس المال. وهكذا تضطر الإمبريالية الهولندية إلى أن تلعب في الواقع دورا ثانويا في إندونيسيا؛ دور “الوسيط” الذي يمارس مهمة الحارس والجزار إلى جانب مهمات أخرى. لقد كانت الانتفاضة التي اندلعت في جافا في تشرين الثاني 1926، نتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية التي عمقت بؤس أوسع جماهير السكان، وقمع الحكومة الحركة الوطنية الثورية بعنف. قاد الشيوعيون هذه الانتفاضة بقدر كبير. وقد نجحت الحكومة في إغراقها في الدم وتحطيم الحزب الشيوعي وإعدام وسجن الآلاف من خيرة مناضلي العمال والفلاحين. إن الإصلاحات التافهة التي أدخلتها الحكومة لاحقا لإطفاء حقد أوسع الجماهير الشعبية وكسب دعم القادة الوطنيين الإصلاحيين في مهمة “تسكين” الجماهير لم تحسن شيئا من وضعية فئات الشعب الكادحة. تخلق الأزمة الاقتصادية المتواصلة (أزمة صناعتي السكر والمطاط وخاصة هجوم رأس المال في سبيل تشديد ظروف العمل، وتعاظم البطالة) ظروفا موضوعية لتحركات حتمية جديدة تشنها جماهير العمال والفلاحين ضد الإمبريالية.
5 في شمال إفريقيا، بدأت سلسلة من انتفاضات قبائل القبايل في الريف ضد الإمبرياليتين الفرنسية والإسبانية في سنة 1925. ولحقها تمرد القبائل الدرزية على الإمبريالية الفرنسية في سوريا الواقعة تحت “الحماية”. ولم ينجح الإمبرياليون في السيطرة على المغرب إلا بعد حرب طويلة. إن تغلغل رأس المال الأجنبي بكثافة في هذه البلدان ولد قوى اجتماعية جديدة. وقد تجسد ظهور البروليتاريا الحضرية ونموها في موجة من الإضرابات تتطور لأول مرة في فلسطين وسوريا وتونس والجزائر. وسيدخل فلاحو هذه البلدان أيضا في النضال شيئا فشيئا وإن كان ذلك ببطء.
6
إن تعاظم توسع الإمبريالية الشمال أمريكية اقتصاديا وعسكريا في بلدان أمريكا اللاتينية يجعل من هذه القارة أحد المسارح الرئيسية لتناقضات مجمل النظام الاستعماري الإمبريالي العدائية. إن نفوذ إنجلترا في هذه البلدان، الذي كان حاسما قبل الحرب، والذي انحدر بالكثير منها إلى وضعية شبه مستعمَرة قد حلت محله، بعد الحرب، تبعية أقوى تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. احتلت الإمبريالية الشمال أمريكية مواقع التحكم في اقتصاد هذه البلدان بفضل تزايد تصدير رؤوس المال؛ وأخضعت حكوماتَها لرقابتها المالية، محرضة في ذات الوقت، البعض على البعض الآخر. لقد أخذت هذه السياسة العدوانية للإمبريالية الأمريكية طابعا عنيفا مكشوفا بتزايد بلغ حد التدخل المسلح (نيكاراغوا). تقود البرجوازية الصغيرة نضال التحرر الوطني ضد الإمبريالية الأمريكية الذي بدأ في أمريكا اللاتينية إلى حد كبير. أما البرجوازية الوطنية التي تشكل فئة محدودة جدا من السكان (ما عدا الأرجنتين والبرازيل والشيلي) والمرتبطة بكبار المالكين العقاريين من ناحية أولى وبرأس المال الأمريكي من ناحية ثانية، فهي في معسكر الثورة المضادة.
اكتست الثورة المكسيكية التي انطلقت عبر نضال الفلاحين الثوري في سبيل الأرض ضد المالكين العقاريين والكنيسة في ذات الوقت وإلى درجة كبيرة، طابع النضال الجماهيري ضد الإمبريالية الأمريكية والإنجليزية. وأدى إلى تكوين حكومة من البرجوازية الصغيرة التي تسعى للحفاظ على السلطة بتنازلات للمالكين العقاريين والإمبريالية الشمال أمريكية. إن انتفاضات الفلاحين وإضرابات العمال وغيرها في الإكواتور ضد حكومة المالكين العقاريين في الساحل وضد حكومة أصحاب البنوك والبرجوازية التجارية لغياكي كانت الدافع لانقلاب عسكري وتركيز حكومة عسكرية دكتاتورية في سنة 1925. سلسلة من الانقلابات في الشيلي. وحرب أنصار على الإمبريالية الشمال أمريكية في نيكاراغوا، وسلسلة من الانتفاضات في جنوب البرازيل، وانتفاضة العمال الزراعيين في باتوغوني في الأرجنتين، وانتفاضات الهنود في بوليفيا والإكواتور وكولومبيا، والانتفاضات والإضرابات العامة العفوية والمظاهرات الجماهيرية في فينيزويلا وكولومبيا والحركات الجماهيرية المعادية للإمبريالية في كوبا وفي كل أمريكا الوسطى وفي كولومبيا وغيرها. تشهد كل أحداث السنوات الأخيرة على تعاظم المسار الثوري وتعمقه، وخاصة الغضب المتنامي في بلدان أمريكا اللاتينية على الإمبريالية العالمية.
7 لقد نجحت الإمبريالية إلى حد الآن وفي أغلب الحالات في إغراق الحركة الثورية في البلدان المستعمَرة في الدم. لكن كل القضايا الأساسية التي أثارت تلك التحركات بقيت دون حل. لم يختف التناقض الموضوعي بين السياسة الاستعمارية عند الإمبريالية العالمية وتطور الشعوب المستعمَرة المستقل أبدا لا في الصين ولا في الهند ولا في أي بلد آخر من البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة بل يزداد حدة باستمرار ولا يمكن أن ينتفي إلا عن طريق نضال الجماهير الكادحة الثوري الظافر في المستعمرات. وطالما لم ينتف ذلك التناقض فإنه سيفعل في كل مستعمَرة وشبه مستعمَرة كأحد أهم العوامل الموضوعية في الثورة. وفي ذات الوقت، تقوم السياسة الاستعمارية عند الدول الإمبريالية كواحد من أقوى أسباب التناحر والحروب فيما بينها. هذا التناحر يزداد عمقا ويلعب في أشباه المستعمرات خاصة بالرغم من تعدد أحلاف الإمبرياليين، دورا مهما بعض الشيء. لكن التناحر بين العالم الإمبريالي من جهة أولى والاتحاد السوفيتي والحركة البروليتارية الثورية في البلدان الرأسمالية من جهة ثانية، له أكبر أهمية في تطور الحركة الثورية في المستعمرات.
8
إن تشكل جبهة قتال بين القوى النشطة والثورة الاشتراكية (الاتحاد السوفيتي والحركة البروليتارية الثورية في البلدان الرأسمالية) من جهة أولى والقوى الإمبريالية من جهة ثانية له في العصر الحالي من التاريخ العالمي أهمية أساسية حاسمة. تمثل الجماهير الكادحة في المستعمرات والتي تناضل ضد الاستعباد الإمبريالي جيشا عسكريا قويا في الثورة الاشتراكية العالمية. إن البلدان المستعمَرة هي أكثر محاور القتال خطورة حاليا عند الإمبريالية العالمية. ويزداد تجمع الحركات الثورية التحررية في المستعمرات وأشباه المستعمرات حول راية الاتحاد السوفييتي؛ مقتنعة عبر تجربة مريرة أن لا خلاص لها إلا بالتحالف مع البروليتاريا الثورية وبانتصار الثورة البروليتارية العالمية على الإمبريالية العالمية.
ويدعم عمال الاتحاد السوفييتي والحركة البروليتارية في البلدان الرأسمالية بقيادة الأممية الشيوعية، وسيدعمون بهمة متزايدة وبنشاطهم، النضال التحرري لكل الشعوب المستعمَرة في نضالها في سبيل التحرر النهائي من نير الإمبريالية. أكثر من ذلك: إن التحالف بين الاتحاد السوفييتي والبروليتاريا الثورية في البلدان الإمبريالية يخلق عند الجماهير الكادحة لشعوب الصين والهند وكل البلدان المتأخرة، المستعمَرة وشبه المستعمَرة، إمكانية تطور مستقل وحر، اقتصادي وثقافي، متجنبة مرحلة سيادة النظام الرأسمالي وحتى تطور العلاقات الرأسمالية بوجه عام.
يفتح عصر الإمبريالية والحروب والثورات الذي تنشأ فيه الديكتاتورية البروليتارية بذلك أفقا في منتهى الجد لتطور الشعوب المستعمَرة. إن تحليلا شموليا للاقتصاد العالمي المعاصر لا يبشر بأفق مرحلة جديدة وطويلة من الرخاء الرأسمالي، وإنما بالانهيار الحتمي للرأسمالية التي أنهت حاليا دورها التاريخي التقدمي وأصبحت كابحا للتقدم، وتتفكك تاركة المكان لدكتاتورية البروليتاريا (الاتحاد السوفييتي)، وتجر البشرية إلى مصائب جديدة. وهكذا توجد الإمكانية الموضوعية لتطور غير رأسمالي في المستعمرات المتأخرة و“تحويل” الثورة الديمقراطية البرجوازية في المستعمرات المتقدمة ثورة اشتراكية بروليتارية بفضل مساعدة دكتاتورية البروليتاريا في البلدان الأخرى. إذا كانت الظروف الموضوعية ملائمة، تصبح تلك الإمكانية واقعا. ذلك أن المسار الحقيقي للأحداث يحدده الصراع والصراع وحده. لذا، فإن الدفاع عن هذا الطريق في النظرية والممارسة، والنضال من أجله بحزم، إنما هو واجب كل الشيوعيين. كما يطرح هذا الأفق على المستعمرات قضية الاستيلاء على السلطة الثورية بواسطة السوفييتات.
وهكذا تجد كل القضايا الأساسية للحركة الثورية في المستعمرات وأشباه المستعمرات نفسها في صلة مباشرة بالصراع التاريخي العظيم بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، هذا الصراع الذي شرعت الآن الإمبريالية توجيهه على نطاق عالمي ضد الاتحاد السوفييتي، وداخل كل بلد رأسمالي بعينه، بين السلطة الطبقية البرجوازية والحركة الشيوعية.
9
لا يمكن فهم تاريخ المستعمرات المعاصر إلا إذا أعتبر جزءا من تاريخ تطور مجمل الاقتصاد الرأسمالي من أكثر أشكاله بدائية حتى مرحلته الأخيرة: الإمبريالية.
وبقدر ما تزج الرأسمالية بمجال المستعمرات الشاسع في فلك اقتصادها العالمي القائم على الاستغلال وتصيد الربح بقدر ما يعكس تاريخ البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة الاقتصادي والسياسي كل الخطوط التي تميز ما يسمى “رسالة التمدين والتثقيف” في نمط الإنتاج الرأسمالي والنظام الاجتماعي البرجوازي. إنها تكشف على الأخص وبوضوح عنيد طرق وممارسة «التراكم البدائي في رأس المال». سياسة غزوات واضطهاد متسمة ببشاعة غريبة عبر نهبها الاستعماري وحملاتها التأديبية، وحروب الأفيون وغارات القرصنة، وتموينها الإجباري للسكان المحليين بماء الحياة والكتب المقدسة وسموم أخرى تنتج بغزارة في البلدان المسيحية جدا في أوروبا وأمريكا. تلك كانت أهم العوامل التي ساعدت على تقوية النظام الرأسمالي.
بالرغم من أكاذيب الإمبرياليين الحقيرة وخدمهم الإصلاحيين (ماكدونالد وأوتو باور وشركائهما) الذين يعلنون أن الإمبريالية “تجلب النهضة والتقدم والثقافة إلى الشعوب المتخلفة” فإن المرور إلى عصر الرأسمالية الاحتكارية لم يخفف أبدا من العبء الذي يجثو على كاهل الجماهير الغفيرة من الشعوب المستعمَرة. فالنتائج المدمرة التي يجلبها في كل مكان التطور الرأسمالي، خاصة في أولى مراحل وجوده، يعاد إنتاجها في المستعمرات بدرجة مرعبة وبسرعة متزايدة بفعل تغلغل رأس المال الأجنبي. إن التقدم الذي أحدثته الرأسمالية، على العكس، لم يقع بصفة عامة تحسسه أبدا. ففي أي مكان تسيطر فيه الإمبريالية تكون بحاجة في المستعمرات إلى سند اجتماعي؛ فتتحد في البداية مع الفئات المسيطِرة في النظام الاجتماعي القديم —الإقطاعيون والبرجوازية التجارية والربوية— ضد أغلبية الشعب. تسعى الإمبريالية في كل مكان إلى المحافظة وتأبيد كل أشكال الاستغلال السابقة عن الرأسمالية (خاصة في الريف) التي هي أساس وجود حلفائها الرجعيين. إن الجماهير الشعبية في هذه البلدان مجبرة على دفع مبالغ طائلة لصيانة أدوات النظام الاستعماري من جيش وشرطة وجهاز إداري. إن المجاعة والأوبئة التي تتعاظم خاصة في صفوف الفلاحين المفقرين، وانتزاع أراضي السكان المحليين بالجملة، وظروف العمل غير الإنسانية (في المزارع ومناجم الرأسماليين البيض وغيرها كثير) الأسوأ حتى من العبودية المفضوحة — تمارس في كل مكان تأثيرها المشؤوم على سكان المستعمرات، وتؤدي أحيانا إلى القضاء على تجمعات بأكملها. إن دور الدول الإمبريالية “التعليمي والتثقيفي” في المستعمرات هو في الواقع دور الجلاد.
10
يجب أن نميز في البلدان المستعمَرة بين المستعمرات التي استخدمتها البلدان الرأسمالية كمستوطنات لفائض سكانها فأصبحت بذلك امتدادا لنظامها الرأسمالي الخاص (أستراليا، كندا وغيرهما) وبين المستعمرات التي يستغلها الإمبرياليون كأسواق ومصدر مواد أولية ومجال استثمار رؤوس المال أساسا.
ليست عظمة أهمية هذا التمييز تاريخية فحسب بل اقتصادية وسياسية أيضا. لقد أصبحت المستعمرات من النوع الأول من بلدان التاج؛ أي أجزاء من النظام الإمبريالي بحكم تطورها العام وتتمتع بحقوق مساوية لتلك التي للدولة الاحتكارية أو تكاد تكون كذلك. وقد أعاد التطور الرأسمالي فيها إنتاج نفس التركيبة الاجتماعية التي في الدولة الاحتكارية صلب السكان البيض المهاجرين بينما أبيد السكان المحليون إلى حد كبير؛ لا يتعلق الأمر هنا بنظام استعماري على الصورة الموجودة في المستعمرات من النوع الثاني.
يقوم بين هذين النوعين نوع انتقالي يوجد فيه إلى جانب الكثير من التجمعات السكانية المحلية، عدد ذو شأن من السكان البيض تكون من المعمرين (إفريقيا الجنوبية، زيلندا الجديدة، الجزائر وغيرها). وتمثل البرجوازية القادمة من الدولة الاحتكارية من جهة الجوهر «امتدادا» استعماريا لبرجوازية الدولة الاحتكارية في هذه البلدان (مستعمرات الهجرة)، ومعظم مصالح هذه البرجوازية يطابق مصالح الدولة الاحتكارية الاستعمارية وتهتم هذه الأخيرة إلى درجة معينة بتقوية “فرعها” الرأسمالي في المستعمَرة، خاصة عندما ينجح ذلك “الفرع” الإمبريالي في إخضاع السكان المحليين القدامى أو ربما محوهم كليا. كما يمكن أن تؤدي الخصومة بين مختلف الأنظمة الإمبريالية في سبيل النفوذ في هذه البلدان شبه المستقلة إلى انفصالها عن الدولة الاحتكارية وحتى إلى ارتباطها بمنافسي هذه الأخيرة. وغالبا ما ترغم تلك الأسباب الإمبريالية على أن تمنح لوكالتها في هذه المستعمرات (بلدان التاج) بعض الاستقلال السياسي والاقتصادي فتصبح عندئذ قوة حليفة وقرينة لإمبرياليتها الخاصة بها.
11
يمثل النظام الاستعماري الإمبريالي في جوهره احتكارا لا يرتكز على الإكراه الاقتصادي فحسب، بل أيضا على الإكراه غير الاقتصادي لبرجوازية البلد الإمبريالي في البلد التابع، إنه احتكار ذو وظيفتين رئيسيتين: من جهة أولى، استغلال المستعمرات استغلالا شرسا (مختلف أشكال الجزية المباشرة وغير المباشرة، أرباح قصوى متأتية من ترويج منتجات صناعة الدولة الاحتكارية ومن تزويد هذه الأخيرة بالمواد الأولية بأثمان بخسة مع استخدام يد عاملة رخيصة جدا)، ومن جهة ثانية، يصلح الاحتكار الإمبريالي للحفاظ على شروط وجوده الخاص وتطويرها أي إخضاع الجماهير المستعمَرة.
إن الإمبريالية من جهة وظيفتها كمستغِل استعماري هي بالنسبة للبلد المستعمَر طفيلي يمتص دم بنيته الاقتصادية قبل كل شيء. وواقع أن هذا الطفيلي يمثل تجاه ضحيته ثقافة عالية، وفي الحقيقة مستغِل أكثر قوة وخطورة، لا يغير شيئا من طابع وظائفه الطفيلي من وجهة نظر البلد المستعمَر. لقد اتبع الاستغلال الرأسمالي في كل بلد إمبريالي طريق تطور قوى الإنتاج، لكن الأشكال الاستعمارية والخصوصية في الاستغلال الرأسمالي التي تستخدمها البرجوازية الإنجليزية والفرنسية وغيرهما تكبح على العكس، في آخر المطاف، تطور القوى المنتجة في مستعمراتها. فقوامها ألا تقوم من عمل البناء إلا ما قل منه (سكك حديدية، موانئ) وكان ضروريا للسيطرة العسكرية على البلد ولاستمرار سير آلة الجباية ولسد حاجيات تجارة البلد الإمبريالي.
تُجبَر معظم فلاحة المستعمرات على العمل في سبيل التصدير؛ لكنها لا تتحرر من جراء ذلك أبدا من عراقيل الأشكال الاقتصادية السابقة عن الرأسمالية. وتتحول، عموما، إلى اقتصاد بضاعي “حر” عبر إخضاع أشكال الإنتاج السابقة عن الرأسمالية لحاجيات رأس المال المالي، وتكثيف طرق الاستغلال السابقة عن الرأسمالية، وإخضاع اقتصاد الفلاحة لنير رأس المال التجاري والربوي اللذان يتطوران بسرعة، وتقوية أعباء الجباية وغير ذلك كثير. ويشتد استغلال الفلاحين، لكن لا تتجدد طرق إنتاجهم. ويتم، عموما، تحويل المواد الأولية المستخرجة من المستعمرات لا بصناعة تحويلية في المستعمَرة بل في البلدان الرأسمالية وخاصة في الدولة الاحتكارية. ولا تصرف الأرباح المستخلصة من المستعمرات عموما قصد الإنتاج فيها، بل تستخرج من البلد المستعمَر لتستثمر إما في الدولة الاحتكارية أو في مجالات التوسع الإمبريالي الجديدة. وهكذا، يكون الاستغلال الاستعماري من جهة اتجاهه الجوهري، كابحا لتطور القوى المنتجة في المستعمرات. إنه ينهب الخيرات الطبيعية وخاصة يستنزف احتياطات القوى المنتجة البشرية في البلد المستعمرَ.
12
لكن في حال تسبب الاستغلال الاستعماري في تطور معين في إنتاج المستعمرات، فإن ذلك التطور يأخذ اتجاها خاصا بفعل الاحتكار الإمبريالي. ولا يقع تشجيعه إلا إذا كان يطابق مصالح الدولة الاحتكارية والحفاظ على احتكارها الاستعماري خاصة. يمكنها أن تدفع مثلا جزءا من الفلاحين إلى الانتقال من زراعة الحبوب إلى زراعة القطن أو السكر أو المطاط (السودان، كوبا، جافا، مصر وغيرها). لكن ذلك يتم بطريقة ليس فقط لا تتطابق مع مصالح التطور الاقتصادي المستقل في البلدان المستعمَرة بل على العكس تقوي أكثر من ذي قبل تبعية المستعمرات تجاه الدول الاحتكارية الإمبريالية. وتُستحدث زراعات جديدة عوض تلك التي حطمتها السياسة الاستعمارية لتوسيع تزويد الإمبريالية العالمية بالمواد الأولية. وتتحول أنظمة الري الجديدة التي شيدت لهذا الغرض عوض الأنظمة القديمة المحطمة إلى أداة استغلال مكثف للفلاحين في أيدي الإمبرياليين. وتقوم محاولات لتكييف العلاقات الزراعية التي، في جزء كبير منها، خلقتها نفس السياسة الاستعمارية لنمط الإنتاج الرأسمالي قصد توسيع السوق الداخلية. إن المزارع الكبرى من كل نوع تخدم مصالح رأس المال المالي في الدول الاحتكارية. تُستغل ثروات مناجم المستعمرات لفائدة حاجيات صناعة الدولة الاحتكارية، خاصة قصد جعل هذه الأخيرة مستقلة عن مصادر المواد الأولية في البلدان الأخرى التي لا تخضع لاحتكارها. تلك هي أهم مجالات الإنتاج في المستعمرات. إن تطور الإنتاج في المستعمرات يزداد نسبيا فقط عندما تكون الصناعة عملية في غاية البساطة (صناعتي التبغ والسكر، وغيرهما)، وحيث يمكن تقليص نفقات نقل المواد الأولية بصورة محسوسة بتحويلها على عين المكان. عموما، تحمل المؤسسات الرأسمالية (عدا المحدثة لغايات حربية) أساسا أو كليا طابعا رأسماليا زراعيا يتميز بتركيبة رأس مال عضوية ضعيفة. إن التصنيع الحقيقي في البلدان المستعمَرة وخصوصا خلق صناعة آلية حيوية قادرة على تطوير قوى البلد المنتجة تطويرا مستقلا لا تشجعها الدولة الاحتكارية بل تعرقلها. وهكذا تتجسد جوهريا وظيفته في الاضطهاد الاستعماري: يُجبَر البلد المستعمَر على التضحية بمصالح تطوره المستقل وعلى لعب دور الملحَق الاقتصادي (فلاحة، مواد أولية) للرأسمالية الأجنبية قصد تقوية السلطة الاقتصادية والسياسية لبرجوازية البلد الإمبريالي وتأبيد احتكارها الاستعماري وتقوية توسعها في بقية العالم على حساب الطبقات الكادحة في البلد المستعمَر.
مثلما بينت «الرأسمالية الكلاسيكية» في العصر السابق عن الإمبريالية، بوضوح لا مثيل له، عبر نهبها المستعمرات، كل الخصائص السلبية لتحطيم الماضي دون بناء خلاق لاقتصاد جديد؛ كذلك فإن المؤشر الأكثر دلالة على انحلال الإمبريالية، وطابعها الربوي والطفيلي يظهر بوضوح في اقتصادها في المستعمرات. إن اتجاه القوى الإمبريالية العظمى نحو إخضاع مستعمراتها المحتكرة لحاجيات الاقتصاد الرأسمالي في الدولة الاحتكارية على نحو متزايد وأكثر صرامة، يؤدي لا فقط إلى تحطيم النظام الاقتصادي التقليدي لسكان المستعمَرة المحليين، بل أيضا إلى انقطاع التوازن بين مختلف فروع الإنتاج، وفي نهاية الأمر إلى إبطاء تطور القوى المنتجة في المستعمرات اصطناعيا.
يتمثل الاتجاه العام المشترك بين كل الدول الاحتكارية، من جهة أولى، في جعل المستعمَرة جزءا خاضعا في نظامها الإمبريالي، في سبيل تمكين هذا الأخير من أن يكفي نفسه اقتصاديا وأن يواجه الأنظمة الإمبريالية الأخرى؛ ومن جهة ثانية، في حرمان المستعمرات من علاقات مباشرة مع مجمل الاقتصاد العالمي، وفي كسب وظيفة الوسيط والحكم الأعلى في علاقات البلد المستعمَر الاقتصادية بالعالم الخارجي. إن هذا الاتجاه في تقوية التبعية الأحادية للمستعمرات تجاه الدولة الاحتكارية يشحذ خصومة مختلف القوى الإمبريالية والتروستات العالمية، الخ...
إن تطور العلاقات الرأسمالية واستغلال الجماهير الشعبية في المستعمرات التي تحددها هذه الظروف تأخذ أشكالا متنوعة جدا.
13
نظرا لكون الغالبية العظمى من سكان المستعمرات ملتصقة بالأرض، فإن الأشكال الضارية لاستغلال الفلاحين التي تستخدمها الإمبريالية وحلفاؤها (طبقة المالكين العقاريين ورأس المال التجاري والربوي) تكتسي أهمية خاصة. فبفعل التدخل الإمبريالي (ضرائب، تصدير منتجات صناعة الدولة الاحتكارية وغير ذلك) يرافق إدماج الأرياف في الاقتصاد النقدي والبضاعي إفقار اقتصاد الفلاحة وخراب حرفها، وغير ذلك؛ ويتم ذلك بطريقة أسرع بكثير مما سبق له أن تم في البلدان الرأسمالية المتقدمة: في المقابل، يضبط التطور الصناعي البطيء حدودا ضيقة على عملية ظهور العمال. إن هذا التفاوت المهول بين التحطيم السريع للأشكال الاقتصادية القديمة والتطور البطيء للأشكال الجديدة قد أحدث في الصين والهند وإندونيسيا ومصر وغيرها، “نقصا في الأرض” كبيرا جدا وتضخما سكانيا في الأرياف وزيادة كبيرة في الريع العقاري وتجزئة قصوى للأراضي التي يزرعها الفلاحون. بالإضافة إلى أن علاقات الاستغلال والاضطهاد القديمة، الإقطاعية وشبه الإقطاعية التي وقع “تعصيرها” بعض الشيء دون أن يصبح تحملها أكبر، تنيخ بكل ثقلها على الفلاحين كما في السابق. إن الرأسمالية التي شملت أرياف المستعمرات بنظام جبايتها وجهاز تجارتها وزعزعت العلاقات السابقة عن الرأسمالية (بقضائها على المشاعة القروية مثلا)، لم تحرر أبدا بذلك الفلاحين من نير أشكال اضطهادهم واستغلالهم السابقة عن الرأسمالية. ولم تقم سوى بالتعبير عنها نقدا (عوضت السخرة والإجارة عينا بالإجارة نقدا بصورة جزئية، والضريبة العينية بالضريبة النقدية وغير ذلك)، الأمر الذي زاد في تعميق بؤس الفلاحين. و“لنجدة” الفلاحين من وضعهم المزري، يأتي المرابون الذين يسلبونهم. وفي بعض الأحيان (كما في بعض مناطق الهند والصين) يخلقون عبودية وراثية لاستخلاص ديونهم.
بالرغم من كل تنوع العلاقات الزراعية في مختلف البلدان المستعمَرة وحتى في مختلف مناطق بلد بعينه، فإن الوضعية البائسة عند جماهير الفلاحين هي دائما نفسها تقريبا: فهم بفعل التبادل غير مؤهلين لرفع مستوى تقنية زراعتهم وتنظيمها. إن إنتاجية عملهم واستهلاكهم ينقصان. وإفقار الفلاحين في هذه البلدان ظاهرة عامة. ففي الهند والصين وإندونيسيا، بلغ إفقار الفلاحين درجة حيث أصبح العنصر المهيمن حاليا في الريف هو الفلاح الفقير دون أرض أو تقريبا كذلك، وغالبا ما يكون ضحية مجاعة. إن الملكية العقارية الكبيرة غير مرتبطة أبدا تقريبا بالاستثمار الزراعي الكبير ولا تصلح إلا لجمع خلاص الإيجار من الفلاحين، بالإضافة إلى أنه غالبا ما توجد سلسلة كاملة من المستأجرين وما تحت المستأجرين، وسطاء طفيليين بين المزارع والمالك العقاري الكبير (جنتري، زومندار) أو الدولة. إن شبكات الري الاصطناعي القديمة ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للفلاحة في هذه البلدان قد انهارت في البداية بفعل التدخل الإمبريالي. ولما وقع تجديدها فيما بعد على قاعدة رأسمالية، فقد أصبح استعمالها باهظا جدا عند للفلاح. ويزداد تواتر المحاصيل السيئة. ويجد الفلاح نفسه أعزل أمام الكوارث والأوبئة من كل نوع. لقد وقع إقصاء جماهير غفيرة من الفلاحين عن مسار الإنتاج، وليس لهم أية إمكانية للحصول على عمل في المدن، ونادرا ما يجدونه في الأرياف حيث يتحولون إلى “عمال آسيويين” بائسين.
تخلق هذه الوضعيةُ البائسة عند الفلاحين أزمةَ السوق الداخلية بالنسبة للصناعة، وتشكل بذلك عائقا قويا أمام التطور الرأسمالي في البلد. إن الإمبريالية مثل البرجوازية الوطنية في الهند والصين ومصر، تعاني من ذلك البؤس عند الفلاحين بوصفه عائقا أمام توسيع استغلالها. لكن، مثلها أيضا، تجد نفسها مرتبطة عبر مصالحها الاقتصادية والسياسية بالملكية العقارية الكبيرة وبرأس المال التجاري والربوي، فلا تستطيع تحقيق إصلاح زراعي له بعض أهمية.
يزداد تفكك الاقتصاد المنزلي والحرف الفلاحية. ويخلق تطور التجارة فئة غفيرة من البرجوازية التجارية المحلية التي تمارس أيضا وظيفة المحتكر والمرابي. إن سيادة رأس المال التجاري والربوي وهيمنتهما في الظروف الخصوصية في اقتصاد المستعمرات تعرقل نمو رأس المال الصناعي. ويعاني رأس المال الوطني بازدياد دائم في معركة السوق الداخلية من منافسة رؤوس المال الأجنبية الواردة ومن العرقلة التي تخلقها العلاقات السابقة عن الرأسمالية في الريف. وتنشأ في بعض قطاعات الإنتاج صناعة محلية كبيرة (صناعة خفيفة خاصة) وينشأ ويتطور رأس المال الوطني والبنوك الوطنية رغم تلك العراقيل.
تسعى المحاولات البائسة لتحقيق إصلاحات زراعية دون الإضرار بالنظام الاستعماري إلى انجاز تحول المالك شبه الإقطاعي إلى مالك رأسمالي تحولا بطيئا، وإلى تكوين فئة صغيرة من الفلاحين الأغنياء في بعض الأحيان. ولا يؤدي ذلك عمليا إلا إلى دوام تعاظم إفقار الأغلبية الساحقة من الفلاحين، مما يشل أكثر تطور السوق الداخلية. وتتطور على قاعدة هذه المسارات الاقتصادية المتناقضة القوى الاجتماعية الأساسية في الحركات الوطنية.
14
في مرحلة الإمبريالية، يتضح دور رأس المال المالي في إحراز الاحتكار الاقتصادي والسياسي في المستعمرات بجلاء خاص. يظهر ذلك خاصة في بعض النتائج الاقتصادية التي أدى إليها استغلال رأس المال في المستعمرات؛ فيغزو التجارة خاصة ويلعب دور رأس مال ربوي (قروض) أساسا وينزع إلى الحفاظ على آلة دولة القمع الإمبريالية في المستعمرات وتقويتها (بواسطة قروض الدولة وغير ذلك) أو إلى إحراز مراقبة أجهزة حكومة البرجوازية المحلية في البلدان شبه المستعمَرة المسماة مستقلة مراقبة تامة.
يسرع تصدير رأس المال إلى المستعمرات تطور العلاقات الرأسمالية فيها. ويؤدي الجزء الذي يوظف في إنتاج المستعمرات من رأس المال المصدر إليها إلى تسريع التطور الصناعي جزئيا؛ ليس قصد تدعيم استقلال اقتصاد المستعمَرة وإنما على العكس لتقوية تبعيتها تجاه رأس المال المالي في البلدان الإمبريالية. تستخدم عموما رؤوس المال المصدرة إلى المستعمرات كليا تقريبا في سبيل امتلاك واستخراج المواد الأولية أو من أجل تطوير طرق الاتصال (سكك حديدية، منشآت بحرية، تهيئة الموانئ وغير ذلك) التي تسهل نقل المواد الأولية وتربط وثيقا المستعمرات بالدول الاحتكارية. إن شكل الاستثمارات المفضل في الفلاحة هو مشاركة رأس المال في الزراعات الكبرى قصد إنتاج أغذية ذات طلب في السوق واحتكار مصادر من المواد الأولية هائلة. إن نقل الجزء الأكبر من فائض القيمة المستخلص من اليد العاملة الرخيصة للعبيد المستعمَرين إلى الدولة الاحتكارية يحد إلى درجة كبيرة من نهوض اقتصاد البلدان المستعمَرة ومن تطور قواها الإنتاجية ويشكل معرقلا لتحرر المستعمرات اقتصاديا وسياسيا.
هناك خاصية جوهرية أخرى في علاقات الدول الرأسمالية بالمستعمرات، وهي اتجاه مختلف مجموعات رأس المال المالي الاحتكارية إلى احتكار كل التجارة الخارجية لبعض البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة، وبالتالي إخضاعها لرقابتها وترتيب كل القنوات التي تربط اقتصاد المستعمَرة بالسوق العالمية. إن التأثير المباشر الذي يمارسه هذا الاحتكار للتجارة الخارجية من جانب عدد قليل من شركات التصدير الاحتكارية، على التطور الرأسمالي في المستعمرات لا يتجسد كثيرا في تطور السوق الداخلية القومية بل في تكييف التجارة الداخلية المبعثرة في المستعمرات لحاجيات التصدير، وفي امتصاص الطفيليين الإمبرياليين ثروات البلدان المستعمَرة الطبيعية. هذه الخاصية في تطور تجارة المستعمرات تجد أيضا تعبيرا خصوصيا عنها في شكل وطابع البنوك الإمبريالية في المستعمرات: فهي تستخدم مدخرات السكان المحليين أساسا في سبيل تمويل تجارة المستعمرات الخارجية.
15
يقود كل السياسة الاقتصادية الإمبريالية نحو المستعمرات هاجس المحافظة على تبعيتها وتقويتها وفي تكثيف استغلالها وفي عرقلة تطورها المستقل ما أمكن ذلك. ولا يمكن أن يجبر برجوازية الدولة الإمبريالية على السماح بتطور الصناعة الكبرى في المستعمرات إلا في ظروف خاصة؛ فالحاجة إلى إدارة حرب أو التحضير لها يمكن في مستوى معين أن تجر إلى خلق مختلف المشاريع التعدينية والكيماوية في المستعمرات التي لها أهمية استراتيجية كبرى (مثال ذلك الهند). ويمكن لمنافسة أقوى الخصوم أن تجبر الدولة الاحتكارية على إقرار بعض التنازلات في سياستها الجمركية لكن مع الحرص على أن تضمن لنفسها رسوما متميزة. ومن أجل رشوة بعض فئات برجوازية المستعمرات وأشباه المستعمرات، خاصة في مراحل نهوض الحركة الثورية، يمكنها التخفيف إلى حد معين من ضغطها الاقتصادي. لكن حالما تختفي تلك الظروف الاستثنائية وغالبا غير الاقتصادية تسعى السياسة الاقتصادية الإمبريالية فورا إلى اضطهاد وعرقلة التطور الاقتصادي في المستعمرات. ينتج عن ذلك أن تطور الاقتصاد الوطني في المستعمرات وخاصة تصنيعها والتطور المستقل والكامل لصناعتها لا يمكن أن ينجزا إلا في تناقض صارخ مع سياسة الإمبريالية. ولذلك فإن الطابع الخصوصي لتطور البلدان المستعمرة يتضح خاصة في كون نمو قوى الإنتاج فيها يتحقق خلال مصاعب استثنائية وتشنجات وينحصر في بعض الفروع الصناعية اصطناعيا.
يؤدي كل ذلك حتما إلى ضغط متزايد باستمرار تمارسه الإمبريالية على البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة، مثيرا مقاومة قوية متزايدة من جانب العناصر الاجتماعية الاقتصادية التي أحدثتها الإمبريالية نفسها. إن دوام عرقلة التطور المستقل يقوي بازدياد دائم التناحر ويثير أزمات ثورية وحركات مقاطعة وانتفاضات وطنية ثورية.
من جهة أولى، تحتد التناقضات الموضوعية الملازمة للتطور الرأسمالي في المستعمرات. وبالتالي تتكاثف أيضا التناقضات بين تطور المستعمرات المستقل ومصالح برجوازية الدول الإمبريالية. ومن جهة ثانية، يخلق شكل الاستغلال الرأسمالي الجديد، قوة ثورية حقا: البروليتاريا، التي يتجمع حولها بازدياد ملايين الفلاحين لمواجهة اضطهاد رأس المال المالي بمقاومة منظمة. إن كل نعيق الإمبرياليين وعملائهم حول سياسة تخلي القوى الإمبريالية عن الاستعمار وحول تشجيع “نهوض المستعمرات الحر” ليست سوى أكاذيب إمبريالية. ومن بالغ الأهمية أن يفضح الشيوعيون في البلدان الإمبريالية وفي البلدان المستعمَرة هذه الأكذوبة.
16
كما هو الشأن في كل المستعمرات وأشباه المستعمرات، فإن تطور القوى المنتجة وجماعية العمل في الصين والهند في مستوى منخفض نسبيا. هذه الواقعة، يضاف إليها الاضطهاد الأجنبي وتواجد بقايا قوية من الإقطاع والعلاقات السابقة عن الرأسمالية، تحدد طابع المرحلة المقبلة من الثورة في هذه البلدان. يتعلق الأمر بالنسبة للحركة الثورية في هذه البلدان بثورة ديمقراطية برجوازية؛ أي مرحلة تحضير مقدمات دكتاتورية البروليتاريا والثورة الاشتراكية. إذن: يمكننا أن نضبط المهمات الجوهرية التالية في الثورات الديمقراطية البرجوازية في المستعمرات وأشباه المستعمرات:
أ. تغيير ميزان القوى لصالح البروليتاريا، تحرير البلد من نير الإمبريالية (تأميم المصالح، السكك الحديدية، البنوك، ومؤسسات أجنبية أخرى)؛ تحقيق الوحدة القومية هناك حيث لم تتحقق بعد؛ الإطاحة بسلطة الطبقات المستغِلة التي تقف وراءها الإمبريالية؛ تركيز مجالس بروليتارية وفلاحية وجيش أحمر؛ إرساء دكتاتورية العمال والفلاحين؛ تدعيم هيمنة البروليتاريا.
ب. إنجاز الثورة الزراعية؛ تحرير الفلاحين من كل أشكال الاستغلال والعبودية السابقة عن الرأسمالية والاستعمارية؛ تأميم الأرض؛ اتخاذ إجراءات جذرية لتحسين وضعية الفلاحين في سبيل إقامة التحالف الاقتصادي والسياسي الأوثق بين المدينة والريف.
ج. مع التطور اللاحق في الصناعة ووسائل النقل وغيرهما، وما يصاحبه من نمو البروليتاريا، يجب تطوير تنظيم البروليتاريا النقابي وتدعيم الحزب الشيوعي وإكسابه موقعا قياديا حصينا بين الجماهير البروليتارية وكسب يوم العمل من ثمان ساعات.
د. إقامة المساواة بين القوميات وبين الجنسين (مساواة المرأة في الحقوق) وفصل الدولة عن الكنيسة وإلغاء نظام الطوائف وإقرار التعليم السياسي ورفع المستوى الثقافي العام عند الجماهير في المدينة والقرية وما إلى ذلك.
إن سير حركة العمال والفلاحين الثورية؛ نجاحاتها أو إخفاقاتها في النضال ضد الإمبرياليين والإقطاعيين والبرجوازية ستحدد إلى أي مدى ستتمكن الثورة الديمقراطية البرجوازية من أن تحقق عمليا جميع مهماتها الأساسية، والجزء الذي لا يمكن أن يتحقق منها إلا بالثورة الاشتراكية. إن تحرير المستعمرات من نير الإمبريالية يسهله تطور الثورة الاشتراكية في العالم الرأسمالي. ولا يمكن أن يتأكد نهائيا إلا بانتصار البروليتاريا في البلدان الرأسمالية المتقدمة. ولا بد من حد أدنى معين من الشروط لانتقال الثورة إلى مرحلتها الاشتراكية. فمن ذلك مستوى معين من التطور الصناعي وتنظيم نقابي عمالي وحزب شيوعي قوي. والأهم هو بالتحديد تطوير حزب شيوعي قوي له تأثير كبير في الجماهير. وهذا ما سيكون له مسارا بطيئا وشاقا إلى أقصى حد في هذه البلدان إذا لم تعجله الثورة الديمقراطية البرجوازية التي ولدتها الظروف الموضوعية نفسها في تلك البلدان.
17
تتميز الثورة الديمقراطية البرجوازية في المستعمرات عن الثورة الديمقراطية البرجوازية في بلد مستقل، خاصة بصلتها العضوية بالنضال في سبيل التحرر الوطني من النير الإمبريالي. إن العامل الوطني له تأثير كبير على المسار الثوري في كل المستعمرات وأشباه المستعمرات حيث تتجلى العبودية الإمبريالية بكامل فظاعتها التي تسحق الجماهير الشعبية. كما يمكن للعامل الوطني أن يؤثر لا في حركة البروليتاريا والفلاحين فحسب بل يحور أيضا، في مجرى الثورة، موقف كل الطبقات الأخرى. فأولا، تقع البرجوازية الصغيرة الحضرية الفقيرة والمثقفون البرجوازيون الصغار بالدرجة الأولى وعلى نطاق واسع في البداية، تحت تأثير القوى الثورية النشطة. ثانيا، إن موقع برجوازية المستعمَرة في الثورة الديمقراطية البرجوازية له طابع انتهازي إلى حد كبير. ويكون تأرجحها في سياق الثورة أكبر من تأرجح برجوازية البلد المستقل (مثلا ترددات البرجوازية الروسية في 1905—1917). إنه لمن المهم جدا أن ندرس بتبصر، حسب الحالات الملموسة، التأثير الخاص للعامل الوطني الذي يحدد بدرجة كبيرة أصالة الثورة في المستعمرات، ومن المهم جدا أخذه بعين الاعتبار في تكتيك الحزب الشيوعي المعني.
إلى جانب النضال في سبيل التحرر الوطني، فإن قضية الثورة الزراعية تشكل محور الثورة الديمقراطية البرجوازية في البلدان المستعمَرة المتقدمة. لذلك يجب على الشيوعيين أن يتابعوا بأشد الانتباه تطور الأزمة الزراعية وعمق التناقضات الطبقية في الريف. ويجب عليهم، منذ البداية، أن يعطوا لغضب الجماهير البروليتارية وللحركة الفلاحية توجها واعيا وثوريا، وتوجيههم ضد الاستغلال والعبودية الإمبريالية وضد نير مختلف العلاقات السابقة عن الرأسمالية الإقطاعية وشبه الإقطاعية التي تدمر اقتصاد الفلاحين. إن الحالة المتأخرة بدرجة كبيرة، للفلاحة ووجود نظام إيجار غير إنساني، ونير رأس المال التجاري والربوي هي أكبر العراقيل أمام تطور القوى المنتجة في فلاحة المستعمرات وهي في تناقض لا مثيل له مع الأشكال المتطورة جدا للتبادل بين إنتاج المستعمرات الفلاحي والسوق العالمية التي بعثتها الإمبريالية واحتكرتها.
18
لا تشغل البرجوازية الوطنية في تلك البلدان المستعمَرة موقعا موحدا تجاه الإمبريالية. جزء منها، البرجوازية التجارية قبل كل شيء، يخدم مباشرة مصالح رأس المال الإمبريالي (ما يسمى برجوازية الكمبرادوريين). عموما، يدافع هذا الجزء بطريقة منسجمة تقريبا، مثل حلفاء الإمبريالية من الإقطاعيين وأصحاب الرواتب العليا من الموظفين المحليين، عن رؤية غير وطنية وإمبريالية موجهة ضد مجمل الحركة الوطنية. الجزء المتبقي من البرجوازية المحلية، وخاصة الفئة الممثلة لمصالح الصناعة المحلية، يقف على أرضية النضال الوطني ويشكل اتجاها متذبذبا بصفة مميزة وينزع إلى المساومات بحيث يمكن أن نسميه وطنيا إصلاحيا (أو حسب اصطلاح أطروحات المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني، توجها «ديمقراطيا برجوازيا»). صحيح أننا لم نعد نرى في الصين بعد 1925 هذا الموقع الوسطي عند البرجوازية الوطنية، بين المعسكرين الثوري والإمبريالي. فإثر وضعية خاصة وقف جزء كبير من البرجوازية الوطنية الصينية في البداية على رأس حرب التحرير الوطنية. فيما بعد انتقلت نهائيا إلى المعسكر المعادي للثورة. في الهند ومصر لا نزال نلاحظ إلى الآن حركة قومية برجوازية نموذجية، حركة انتهازية، تنزع إلى ترددات كبيرة وتتأرجح بين الإمبريالية والثورة.
إن استقلال البلد عن الإمبريالية الذي يوافق مصالح كل الشعب المستعمَر يوافق أيضا مصالح البرجوازية الوطنية، لكنه في تناقض مطلق مع كامل طبيعة النظام الإمبريالي. إلا أن مختلف الرأسماليين المحليين هم إلى حد كبير مرتبطون برأس المال الإمبريالي من خلال مصالحهم المباشرة وعبر طرق متنوعة جدا. يمكن للإمبريالية أن ترشو مباشرة جزءا هاما منهم. ويمكن أن تخلق لهم موقعا معينا، وعلى نطاق أوسع مما فعلت حتى الآن، ككمبرادور؛ كوسيط تجاري؛ كمستغِل أدنى؛ كحارس محتشدات للشعب المستعبَد. لكن الإمبريالية تحتفظ لنفسها بموقع سيد العبيد والمستغِل الاحتكاري الأعلى. فلا توافق الإمبريالية عن طواعية أبدا على سيطرة حرة للبرجوازية الوطنية، وعلى إمكانية التطور الرأسمالي المستقل و”الحر“ والسيادة على الشعب ”المستقل“. هنا، يكون تناقض المصالح بين البرجوازية الوطنية في البلد المستعمَر والإمبريالية، موضوعيا وجوهريا على هذا الصعيد. فالإمبريالية تقتضي سجود البرجوازية الوطنية.
إن البرجوازية المحلية، وهي الأضعف، مستعدة دوما للسجود أمام الإمبريالية. غير أن استسلامها ليس نهائيا ما لم يكن هنالك خطر ثورة طبقية مباشرا وحقيقيا وحادا ومهددا من جانب الجماهير. لاجتناب ذلك الخطر ومن أجل تقوية موقعها في وجه الإمبريالية تسعى هذه القومية البرجوازية في هذه المستعمرات لكسب دعم البرجوازية الصغيرة والفلاحين وجزء من البروليتاريا. إن حظوظها في النجاح قليلة فيما يتعلق بالبروليتاريا (بعد استيقاظ البروليتاريا للحياة السياسية في هذه البلدان). لذلك يهمها أكثر أن تحصل على دعم الفلاحين. لكن هنا تكمن النقطة الأضعف عند برجوازية المستعمرات إذ أن الاستغلال الذي لا يحتمل للفلاحين في المستعمرات لا يمكن إلغاؤه إلا بالثورة الزراعية. إن المصالح المباشرة لبرجوازية الصين والهند ومصر شديدة الارتباط بالملكية العقارية الكبيرة وبرأس المال الربوي وبصفة عامة باستغلال الجماهير الفلاحية بحيث تتدخل البرجوازية ليس فقط ضد الثورة الزراعية ولكن أيضا ضد كل إصلاح زراعي حاسم. إنها تخشى، ليس دون موجب، واقع أن الطرح الواضح وحده للمشكل الزراعي سيثير الغليان الثوري وسيعجل انتشاره بين جماهير الفلاحين. وهكذا فالبرجوازية الإصلاحية غير قادرة تقريبا على تطرق الحل العملي لهذا المشكل الجوهري والصعب. في المقابل، تسعى بجمل وتصرفات قومية لا أهمية لها، إلى أن تبقي الجماهير البرجوازية الصغيرة تحت تأثيرها وإلى إجبار الإمبريالية على تنازلات معينة. لكن الإمبرياليين يشددون الخناق أكثر فأكثر. ذلك أن البرجوازية ليست في وضع يمكنها من مواجهتهم بمقاومة جدية تذكر إلا أنها تتصنع “حزما في مبادئها القومية”، كما تقوم بإشاعة الأوهام عن إمكانية تسوية سلمية مع الإمبريالية. إن الجماهير تتخلص بالضرورة من المغالطتين وتفقد أوهامها الإصلاحية تدريجيا.
19
إن التقدير الخاطئ للتوجه الأساسي الوطني الإصلاحي عند البرجوازية الوطنية يخلق في هذه البلدان المستعمَرة إمكانية وقوع أخطاء خطيرة في استراتيجية الأحزاب الشيوعية المعنية وتكتيكها. نوعان من الأخطاء ممكنان:
. إن عدم فهم الفرق بين التوجه الوطني الإصلاحي والتوجه الوطني الثوري يمكن أن يقود إلى سياسة تتمثل في تذيلٍ للبرجوازية، وإلى تمايز سياسي وتنظيمي غير واضح كفاية تجاه البرجوازية، وإلى غموض الشعارات الثورية الأساسية (خاصة شعارات الثورة الزراعية). ذلك كان الخطأ الأساسي الذي وقع فيه الحزب الشيوعي الصيني في 1925—1927.
. إن الانتقاص من الأهمية الخاصة عند الوطنية الإصلاحية البرجوازية —التي تختلف عن المعسكر الإقطاعي الإمبريالي— بفعل تأثيرها الكبير على البرجوازية الصغيرة والفلاحين وحتى جزء من البروليتاريا، على الأقل في أولى مراحل الحركة، يمكن أن يؤدي إلى سياسة انعزالية وإلى عزل الشيوعيين عن الجماهير الكادحة.
في كلتا الحالتين المذكورتين، ليس هنالك عناية كافية لتحقيق المهمات التي كان حددها مؤتمر الأممية الشيوعية الثاني على أنها مهمات أساسية للأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمَرة، أي مهمات النضال ضد الحركات الديمقراطية البرجوازية داخل البلد المعني نفسه. فدون هذا النضال، دون تحرير الجماهير الكادحة من تأثير البرجوازية والوطنية الإصلاحية لا يمكننا بلوغ هدف الحركة الشيوعية الاستراتيجي الأساسي في الثورة الديمقراطية البرجوازية: هيمنة البروليتاريا. فدون هيمنة البروليتاريا، التي يمثل الدور القيادي للحزب الشيوعي فيها جزءا لا يتجزأ منها، فإن الثورة الديمقراطية البرجوازية بدورها، لا يمكن أن تنجَز حتى نهايتها، فضلا عن الحديث عن الثورة الاشتراكية.
20
تلعب البرجوازية الصغيرة دورا هاما جدا في المستعمرات وأشباه المستعمرات. وهي تتألف من عدة فئات تلعب كل واحدة منها أدوارا مختلفة جدا خلال مختلف مراحل الحركة الوطنية الثورية.
الحرفي، الذي يعاني من المزاحمة التي تخلقها البضائع المستوردة، يعادي الإمبريالية. لكنه في ذات الوقت يمارس استغلالا لا حدود له للمرافقين والصناع الذين يستخدمهم. وبالتالي فهو يعادي الحركة البروليتارية الواعية بأهدافها الطبقية. لكنه في ذات الوقت يعاني هو نفسه كثيرا من استغلال رأس المال التجاري والربوي. إن الوضع غير الواضح والميؤوس منه إلى أقصى حد عند هذه الفئة يحدد ترددها، وغالبا ما تكون ضحية تأثير الأوهام الرجعية.
التاجر، الحضري والريفي، مرتبط باستغلال القرية عبر التجارة والربا ويتشبث بأشكال الاستغلال البالية ويفضلها على آفاق توسيع السوق الداخلية. لكن هذه الفئات غير متجانسة. فهذه الأجزاء من البرجوازية التجارية، وهي مرتبطة بوجه من الوجوه بالكمبرادوريين، لها موقف مغاير لتلك التي ينحصر نشاطها في السوق الداخلية حصرا.
المثقفون البرجوازيون الصغار، الطلبة وغيرهم، هم غالبا الممثلون الأكثر حزما لا للمصالح الخصوصية للبرجوازية الصغيرة فحسب ولكن أيضا للمصالح الموضوعية العامة للبرجوازية القومية بأسرها. وغالبا ما يتدخلون، في أولى مراحل الحركة الوطنية، كأبطال النضال الوطني. إن دورهم على رأس الحركة هام نسبيا. ولا يمكنهم، عموما، أن يكونوا مدافعين عن مصالح الفلاحين لأن الفئات الاجتماعية التي ينحدرون منها مرتبطة بالمالكين العقاريين. يمكن للموجة الثورية الصاعدة أن تدفع بهم نحو الحركة النقابية حاملين فكرهم البرجوازي الصغير المتذبذب والمتردد. فقط القليل منهم يمكنه أن يقطع الصلة بطبقته في مجرى النضال وأن يبلغ درجة فهم مهمات النضال الطبقي البروليتاري وأن يصبح مدافعا نشطا عن مصالح البروليتاريا. وغالبا ما يعطي المثقفون البرجوازيون الصغار فكرهم لونا اشتراكيا وحتى شيوعيا. ولقد لعبوا دورا ثوريا في النضال ضد الإمبريالية، ولا يزال لهم اليوم ذلك الدور في بلدان معينة مثل الهند ومصر. ويمكن للحركة الجماهيرية أن تجرهم وراءها، لكن يمكنها أيضا أن تدفع بهم إلى أسوأ معسكرات الرجعية أو أن تتسبب في انتشار الاتجاهات الخيالية الرجعية في صفوفهم.
إلى جانب هذه الفئات يوجد في مدن المستعمرات عدد كبير من السكان الحضريين الفقراء الذين يدفع وضعهم موضوعيا إلى تأييد الثورة: حرفيون لا يستغلون عمل الغير، تجار الشوارع، مثقفون عاطلون، فلاحون مفقرون يبحثون عن مصدر رزق وغيرهم. وتوجد أيضا، في مدن المستعمرات كما في قراها، فئة غفيرة من “العمال الآسيويين” أنصاف العمال الذين لم يمروا بمدرسة الإنتاج المعملي ويعيشون من مكاسب عرضية.
يمثل الفلاحون، إلى جانب البروليتاريا وباعتبارهم حلفائها، إحدى القوى المحركة للثورة. تمثل جماهير الملايين التي لا تحصى من الفلاحين الأغلبية الساحقة من السكان حتى في أكثر المستعمرات تطورا (في بعض المستعمرات 90% من السكان). حليف العمال الرئيسي في الريف هم الجماهير الغفيرة من المزارعين الجياع وصغار الفلاحين المسحوقين من البؤس وبكل أشكال الاستغلال السابقة عن الرأسمالية والرأسمالية والذين فقدوا إلى درجة كبيرة فلاحتهم حتى على الأرض المؤجرة، والذين وقع إقصاؤهم عن مسار الإنتاج ويذوون تدريجيا من الجوع والمرض، وأخيرا العمال الفلاحون. لا يمكن للفلاحين أن يحرزوا على تحررهم إلا تحت قيادة البروليتاريا، لكن لا يمكن للبروليتاريا أن تبلغ بالثورة الديمقراطية البرجوازية إلى النصر إلا بالتحالف مع الفلاحين.
يتم التمايز الطبقي داخل الفلاحين في المستعمرات وأشباه المستعمرات، حيث لا تزال توجد بقايا قوية من الإقطاع والعلاقات السابقة عن الرأسمالية، ببطء نسبيا. ولكن تطورت علاقات السوق إلى درجة أن الفلاحين لم يعودوا يشكلون جمهورا متجانسا من وجهة النظر الطبقية. في الريف الصيني والهندي، وخاصة في بعض المناطق في هذين البلدين، يمكن أن نجد الآن عناصر منحدرة من الفلاحين تستغل العمال الفلاحيين والفلاحين بواسطة الربا والتجارة وتشغيل اليد العاملة وريع الأرض المقنع والماشية وأدوات الفلاحة وغيرها. في المرحلة الأولى من نضال الفلاحين ضد المالكين العقاريين، يمكن عموما أن تجر البروليتاريا كل الفلاحين. لكن يمكن أن تنتقل بعض الفئات العليا من الفلاحين إلى الثورة المضادة لاحقا. ولا تستطيع البروليتاريا كسب دور قيادة الفلاحين إلا إذا ناضلت بتفان في سبيل مطالبهم الجزئية ومن أجل إنجاز الثورة الزراعية إنجازا كاملا، وأن تكون على رأس نضال أوسع جماهير الفلاحين في سبيل حل القضية الزراعية حلا ثوريا.
21
تمتلك البروليتاريا في المستعمرات وأشباه المستعمرات سمات خاصة تعلب دورا هاما جدا في تكوين حركة بروليتارية مستقلة وفكر عمالي طبقي في هذه البلدان. تنحدر أغلبية العمال الساحقة في المستعمرات من الريف المفقر الذي يبقى العامل مرتبطا به حتى في المصنع. وفي أغلب المستعمرات (باستثناء بعض المدن الصناعية الكبرى مثل «شنغهاي»، «بومباي»، «كلكوتا» وغيرها) ليس لنا عموما سوى الجيل العمالي الأول يشغل الصناعة الكبيرة. ما تبقى من البروليتاريا يتألف من حرفيين أفلسوا ولفظتهم الصناعة الحرفية المتفككة والمنتشرة على نطاق واسع حتى في المستعمرات الأكثر تقدما. يحمل الحرفي المفلس والمالك الصغير إلى صفوف البروليتاريا عقلية وفكرا تعاونيا يسمحان بتسرب التأثير الوطني الإصلاحي في الحركة البروليتارية في المستعمرات. إن التقلبات الكبيرة لأعدادها (كثرة تغير اليد العاملة في المصانع، الرجوع إلى الريف وتوافد جماهير فلاحين جديدة مفقرة على الصناعة) والنسبة الكبيرة من النساء والأطفال وتنوع اللغات والأمية والأفكار المسبقة الدينية والانغلاق، يجعل كلها التحريضَ والدعايةَ المنتظمين عملية صعبة، وتؤخر تطور الوعي الطبقي عند العمال. غير أن الاستغلال الشرس الذي يمارسه رأس المال المحلي والأجنبي بأكثر الأشكال فظاظة، وغياب كل حق سياسي عند العمال، يخلق الظروف الموضوعية التي على أساسها تتجاوز الحركة البروليتارية في المستعمرات بسرعة كل الصعوبات وتجر وراءها جماهير متعاظمة باستمرار في النضال ضد المستغِلين المحليين والإمبرياليين.
كانت المرحلة الأولى من تطور الحركة البروليتارية في المستعمرات وأشباه المستعمرات (من 1919 إلى 1923 تقريبا) مرتبطة عضويا بنهوض الحركة الوطنية الثورية نهوضا عاما إثر الحرب العالمية. وقد تميزت بإخضاع مصالح البروليتاريا لمصالح النضال المعادي للإمبريالية الذي تقوده البرجوازية المحلية. وعندما تأخذ الإضرابات والنشاطات البروليتارية الأخرى طابعا منظما، فعادة ما ينظمها المثقفون البرجوازيون الصغار الذين يحصرون المطالب البروليتارية في قضايا النضال الوطني. في المقابل، فإن الطابع الأكثر أهمية للمرحلة الثانية من نهوض الحركة البروليتارية الذي بدأ في المستعمرات بعد المؤتمر الشيوعي العالمي الخامس، يتمثل في دخول البروليتاريا في المستعمرات الحلبة السياسية كقوة وكطبقة مستقلة تواجه البرجوازية الوطنية وتنخرط في النضال ضدها في سبيل مصالحها الطبقية الخاصة ومن أجل الهيمنة على الثورة الوطنية عامة. هذه الخاصية للمرحلة الجديدة من الثورات في المستعمرات أكدها بصفة مطلقة تاريخ السنوات الأخيرة، وخاصة مثال الثورة الصينية الكبرى والانتفاضة في إندونيسيا. كل الأمور تؤكد أن البروليتاريا في الهند تتحرر أيضا من تأثير القادة الوطنيين الاشتراكيين والاشتراكيين الإصلاحيين، وتغدو عنصرا سياسيا مستقلا يناضل ضد الإمبرياليين البريطانيين والبرجوازية المحلية.
22
لكي نحدد بطريقة صحيحة مهمات الحركة الثورية المباشرة من المهم أن نأخذ كنقطة انطلاق درجة النضج التي بلغتها هذه الحركة في مختلف البلدان المستعمَرة. تتميز الحركة الثورية في الصين عن الحركة الحالية في الهند بجملة من السمات الأساسية التي تطبع الفارق في نضج الحركة في هذين البلدين. ويجب بصفة مطلقة استخدام ما سبق من تجربة الثورة الصينية في الحركة الثورية الهندية وغيرها من المستعمرات المشابهة. لكن، سيكون أسلوبا خاطئا كليا أن نطبق التجربة الصينية إذا أردنا تحديد المهمات المباشرة والشعارات والطرق التكتيكية في الهند ومصر وغيرها، على الصورة التي كانت مناسبة في الصين أثناء مرحلة ووهان مثلا أو على الصورة الضرورية حاليا.
إن الميل إلى إنكار الصعوبات الحتمية والأهداف الخاصة بالمرحلة الحاضرة للحركة الثورية في الهند ومصر وغير ذلك لا يمكن أن يكون إلا مضرا. يجب إنجاز عمل كبير لتكوين الأحزاب الشيوعية وتثقيفها، ولتطوير المنظمات النقابية للبروليتاريا، ولتوجيه النقابات نحو الطريق الثوري، ولتفجير أعمال اقتصادية وسياسية جماهيرية، قبل أن تنجز في هذه البلدان ببعض حظوظ النجاح المهمات التي كانت صحيحة تماما في الصين خلال مرحلة ووهان بوصفها أهدافا مباشرة لنضال البروليتاريا والفلاحين.
إن مصالح الصراع في سبيل السيطرة الطبقية للبرجوازية الوطنية تجبر أهم الأحزاب البرجوازية في الهند ومصر (السوارجيون، والوفديون) على مواصلة إظهار معارضتهم للكتلة الإمبريالية الإقطاعية السائدة. هذه المعارضة ليست ثورية بل إصلاحية وانتهازية بكل بساطة. إلا أن هذا الواقع لا يعني أنْ ليس لها أهمية خصوصية. ليس للبرجوازية الوطنية أهمية القوة التي تقوم بالنضال ضد الإمبريالية، لكن هذه المعارضة الإصلاحية البرجوازية لها مغزى حقيقي وخاص — سلبي وإيجابي— بالنسبة لتطور الحركة الثورية وذلك عندما تمتلك تأثيرا على الجماهير.
إن الواقع الأكثر أهمية هو أنها تعرقل الحركة الثورية وتؤخر تطورها بقدر ما تنجح في جر الجماهير الكادحة وإبعادها عن النضال الثوري. لكن، من ناحية أخرى، عمل المعارضة البرجوازية ضد الكتلة الإمبريالية الإقطاعية المهيمنة —رغم كونه لا يرمي بعيدا جدا— يمكن أن يعجل في حدود معينة يقظة أوسع الجماهير الكادحة للحياة السياسية، رغم كونها ليست ذات أهمية كبيرة في حد ذاتها. إن النزاعات الملموسة والمكشوفة بين البرجوازية الوطنية الإصلاحية والإمبريالية رغم كونها ليست ذات أهمية كبيرة في حد ذاتها، يمكن في ظروف معينة، أن تصبح السبب غير المباشر لاندلاع أعمال ثورية كبيرة عند الجماهير.
صحيح أن البرجوازية الإصلاحية تسعى بنفسها لتمنع حركتها المعارضة من أن تكون لها مثل تلك النتائج وأن تشلها مسبقا بطريقة أو بأخرى. لكن هنالك حيث توجد الظروف الموضوعية لأزمة سياسية عميقة، فإن حركة المعارضة الوطنية الإصلاحية ونزاعاتها مع الإمبريالية حتى الأكثر تفاهة والأقل ارتباطا بالبؤرة الحقيقية للثورة يمكن أن تكتسي أهمية بالغة الخطورة.
يجب على الشيوعيين أن يتعلموا استخدام كل تلك النزاعات وتأجيجها وتقوية أهميتها وربطها بالتحريض على الشعارات الثورية وإيصالها إلى ذهن أوسع الجماهير، ودفع هذه الجماهير لعمل مستقل ومفتوح وأن تكون لها مطالبها الخاصة، وما إلى ذلك.
23 في النضال ضد الأحزاب من نوع السوارجيين والوفديين، يتمثل التكتيك الصحيح في هذه اللحظة في فضح طابعها الحقيقي الوطني الإصلاحي بنجاح. هذه الأحزاب كانت قد خانت عديد المرات النضال في سبيل التحرر الوطني دون أن تنتقل نهائيا بعدُ إلى المعسكر المضاد للثورة مثل الكيومنتانغ. ومن المؤكد أن تفعل ذلك فيما بعد. لكن في الوقت الراهن هي خطرة بالضبط لأن وجهها الحقيقي لم ينكشف بعد أمام أعين أوسع الجماهير الكادحة. في سبيل هذا الهدف، مازال ضروريا عمل كبير من التربية الشيوعية. وكذلك يجب لهذه الجماهير أن تكتسب بنفسها تجربة سياسية جديدة وكبيرة جدا. إذا لم ينجح الشيوعيون منذ الآن في زعزعة ثقة الجماهير الكادحة في القيادة البرجوازية الوطنية الإصلاحية للحركة الوطنية، فإن هذه القيادة ستصبح خطرا كبيرا يهدد الثورة زمن الصعود المقبل من الموجة الثورية. لذا، من المهم مساعدة الجماهير الكادحة في الهند ومصر وإندونيسيا ومستعمرات أخرى مشابهة على أن تتحرر من تأثير الأحزاب البرجوازية بواسطة تكتيك شيوعي صحيح يناسب ظروف المرحلة الراهنة. ولا يمكن الحصول عل ذلك بجمل كبيرة تبدو جذرية جدا حول غياب أي فرق بين المعارضة الوطنية الإصلاحية (السوارجيون والوفديون الخ...) وبين الإمبرياليين البريطانيين وحلفائهم الإقطاعيين المعادين للثورة، يمكن للقادة الوطنيين الإصلاحيين بسهولة استعمال مثل هذه المبالغة لتأليب الجماهير على الشيوعيين. إن الجماهير ترى في المعسكر الإمبريالي—الإقطاعي العدو الرئيسي والمباشر للتحرر الوطني، وهو أمر صحيح في حد ذاته في المرحلة الراهنة من الحركة في الهند ومصر وإندونيسيا (بقدر ما لا نتناول إلا جانبا واحدا من القضية). في النضال ضد هذه القوة المهيمنة المعادية للثورة، يجب على الشيوعيين الهنديين والمصريين والإندونيسيين أن يكونوا في المقدمة. يجب عليهم أن يحاربوا بأكثر فعالية وبطريقة أكثر انسجاما وأكثر جرأة من أي مجموعة برجوازية صغيرة وطنية ثورية. طبعا ليس في سبيل تنظيم انقلابات أو محاولات للقيام بانتفاضات لم تنضج بعدُ لأقلية ثورية صغيرة. وإنما في سبيل تعبئة أوسع الجماهير الكادحة لمظاهرات وأعمال أخرى قصد ضمان مشاركة حقيقية لهذه الجماهير في الانتفاضة المظفرة للمرحلة اللاحقة من النضال الثوري. لكن ليس دون أهمية، أن يفضح بشراسة عند الجماهير الكادحة الطابع الوطني الإصلاحي السوارجيين والوفديين وأحزاب قومية أخرى، وخاصة قادتها، وعدم انسجامهم وترددهم في الحركة الوطنية، ومساومتهم ورغبتهم في تسوية مع الإمبرياليين البريطانيين، وخياناتهم السابقة ومقاومتهم الرجعية للمطالب الطبقية للعمال والفلاحين، وجملهم القومية الجوفاء، والأوهام المضرة التي ينشرونها حول التحرير السلمي للبلد وتخريبهم للطرق الثورية في النضال في سبيل التحرر الوطني. يجب نبذ كل حلف بين الحزب الشيوعي وبين المعارضة الوطنية الإصلاحية. هذا لا ينفي اتفاقات مؤقتة وتنسيق بعض النشاطات المحددة ضد الإمبريالية إذا كان بالإمكان استخدام نشاط المعارضة البرجوازية لاندلاع حركة جماهيرية، وإذا لم تضيق هذه الاتفاقات من حرية الحزب الشيوعي في التحريض والتنظيم بين الجماهير. من المعلوم أنه يجب على الشيوعيين أن يناضلوا بالتوازي وبأشد القوة، فكريا وسياسيا ضد القومية البرجوازية وضد أدنى مظهر لتأثيرها داخل الحركة البروليتارية. في مثل هذه الحالات يجب على الحزب الشيوعي أن يحرص خاصة، ليس فقط على المحافظة على استقلاله السياسي الكامل وعلى إبراز وجهه الحقيقي، لكن أيضا وبالاعتماد على وقائع، على فتح عيون الجماهير الكادحة الواقعة تحت تأثير المعارضة البرجوازية لكي ترى كل عدم استقرار هذه المعارضة وخطر الأوهام الديمقراطية البرجوازية التي تنشرها.
24
إن فهما خاطئا للتوجه الجوهري لحزب البرجوازية الوطنية الكبيرة يجر إلى خطر فهم خاطئ لطابع ودور الأحزاب البرجوازية الصغيرة. كقاعدة عامة، يمر تطور هذه الأحزاب من الموقع الوطني الثوري إلى الموقع الوطني الإصلاحي. حتى حركات مثل اتجاه صن يات صن في الصين ومذهب غاندي في الهند وساركات إسلام في إندونيسيا، كانت في البداية اتجاهات فكرية جذرية برجوازية صغيرة أصبحت فيما بعد في خدمة البرجوازية الكبيرة والاتجاهات الوطنية الإصلاحية. مذ ذلك الوقت، نشأ من جديد في الهند ومصر وإندونيسيا جناح جذري من مجموعات برجوازية صغيرة (مثل الحزب الجمهوري، و«الوطني»، وساركات رايات)، تمثل وجهة نظر وطنية ثورية منسجمة بعض الشيء. في الهند، يمكن أن تتشكل مجموعات وأحزاب برجوازية صغيرة جذرية مشابهة.
لكن لا يجب أن ننسى أن هذه الأحزاب مرتبطة في جوهرها بالبرجوازية الوطنية. يقدم المثقفون البرجوازيون الصغار الذين هم على رأس هذه الأحزاب مطالب وطنية ثورية، لكنهم في ذات الوقت، عن وعي منهم إلى درجة معينة، ممثلو التطور الرأسمالي في بلدانهم. يمكن لبعض هذه العناصر أن تصبح أتباعا للأوهام الرجعية من كل ضرب. لكن تجاه الإمبريالية والإقطاعية تكون في البداية، وهذا ما يميزها عن أحزاب البرجوازية الوطنية الكبيرة، ليست الممثلة للإصلاحية إنما الممثلة الثورية تقريبا للمصالح المعادية للإمبريالية لبرجوازية المستعمَرة إلى حين أن يطرح تطور المسار الثوري بوضوح وبحدة، المشاكل الداخلية الجوهرية للثورة الديمقراطية البرجوازية، خاصة قضية الثورة الزراعية ودكتاتورية العمال والفلاحين. عندئذ تكف الأحزاب البرجوازية الصغيرة عادة عن أن يكون لها طابع ثوري. فما إن تضع الثورة مصالح العمال والفلاحين الطبقية لا فقط ضد سيطرة الكتلة الإقطاعية والإمبريالية بل أيضا ضد سيطرة طبقة البرجوازية، حتى تنتقل المجموعات البرجوازية الصغيرة، عادة، إلى جانب الأحزاب الوطنية الإصلاحية.
من مطلق الضرورة أن تعمل الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان منذ البداية على أن تتمايز على النحو الأكثر وضوحا عن الأحزاب والمجموعات البرجوازية الصغيرة سياسيا وتنظيميا. إن تعاونا مؤقتا بين الحزب الشيوعي والحركة الوطنية الثورية مقبول عندما تقتضيه مصلحة النضال الثوري. في بعض الظروف يمكن حتى عقد تحالف ظرفي، إذا كانت الحركة الوطنية الثورية تناضل فعلا ضد السلطة القائمة وإذا كانت ثورية حقا وإذا كان ممثلوها لا يمنعون الشيوعيين من تربية الفلاحين والجماهير الغفيرة من الكادحين بالروح الثورية. لكن في سياق أي تعاون، يجب أن يفهم بوضوح شديد أنه لا يجب أن يتفسخ في شكل اندماج للحركة الشيوعية في الحركة البرجوازية الصغيرة الثورية. يجب أن تحافظ الحركة الشيوعية، مطلقا ومهما كانت الظروف، على استقلالية الحركة البروليتارية؛ استقلاليته الذاتية في التحريض والتنظيم والتحرك.
نقد عدم انسجام المجموعات البرجوازية الصغيرة وترددها، والتنبؤ بتردداتها والاستعداد لمواجهتها مع استخدام في ذات الوقت كل الطاقات الثورية لهذه الفئات والقيام بنضال حازم ضد التأثير البرجوازي الصغير في صفوف العمال والسعي بكل الوسائل إلى انتزاع الجماهير الفلاحية الغفيرة من تأثير الأحزاب البرجوازية الصغيرة وانتزاع الهيمنة على الفلاحين منها، – تلك هي مهمات الأحزاب الشيوعية.
25
لن تبلغ الحركة الثورية في الهند ومصر وغيرها درجة من النضج مرتفعة كالتي في الصين إلا عند قيام موجة ثورية كبيرة في هذه البلدان. في حالة تأخر وقوعها فإن النضج السياسي والعضوي للقوى المحركة للثورة يمكن أن يتم عبر تطور تدريجي، بطيء نسبيا. لكن إذا قامت الموجة الثورية الكبيرة باكرا يمكن للحركة أن تبلغ سريعا درجة عالية من النضج. وليس من المستبعد، إذا كانت الظروف ملائمة بصفة استثنائية، أن تقود الثورة مباشرة إلى الاستيلاء على السلطة من طرف العمال والفلاحين. لكن من الممكن أيضا أن ينقطع المسار الثوري لوقت طويل إلى حد ما خاصة إذا لم تبلغ الموجة الثورية المقبلة إلا قوة ومدى ضعيفين نسبيا. لذا يجب تحليل كل وضعية ملموسة بوضوح كبير
1) درجة تطور القيادة الثورية البروليتارية للحركة أي الحزب الشيوعي (تعداد الحزب، درجة استقلاله، وعيه الطبقي، قدرته الكفاحية، نفوذه، صلته بالجماهير، تأثيره في النقابات وفي الحركة الفلاحية).
2) درجة التنظيم والتجربة الثورية عند البروليتاريا وفي حد معين عند الفلاحين. إن التجربة الثورية للجماهير هي تجربة النضال. يجب أن تتحرر من تأثير الأحزاب البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. وبما أن هذه الشروط لا تجتمع بدرجة كافية، حتى في أحسن الحالات، قبل أول انفجار للثورة، فإن الأزمة الثورية يجب أن تكون عميقة بصفة استثنائية، والموجة الثورية طويلة جدا لكي تتمكن الثورة الديمقراطية البرجوازية من بلوغ النصر الكامل للعمال والفلاحين فورا. يمكن أن نتصور مثل هذا الاحتمال مثلا إذا كانت الإمبريالية المسيطرة منشغلة بالتوازي بحرب طويلة خارج البلد المستعمَر.
26
إن الجدلية التاريخية الحية والملموسة التي أظهرتها لنا أولى مراحل الثورة الديمقراطية البرجوازية في الصين تقدم للشيوعيين، خاصة لأولئك الذين يناضلون في البلدان المستعمَرة، تجربة ثمينة يجب دراستها بتمعن لاستخلاص الدروس الصحيحة منها، خاصة فيما يتعلق بما ارتكبه الشيوعيون من أخطاء خلال عملهم في المستعمرات. لقد كانت مدة الموجة الثورية فيها طويلة على نحو غير عادي (تجاوزت السنتين) لأنها كانت قد اقترنت بحرب داخلية مديدة. ونظرا لكون حملة الشمال لم تكن موجهة مباشرة ضد القوى الإمبريالية الكبرى، التي بقيت —نتيجة عدائها المتبادل— في البداية سلبية نسبيا، فقد كان في أيدي القيادة البرجوازية للحركة الوطنية كانتون لعدة سنوات —وهو إقليم رغم محدوديته— وله سلطة مركزية تستند إلى جيش الخ... وهذا يفسر لماذا اعتبر، في هذا الظرف الاستثنائي، جزءٌ كبير من البرجوازية في البداية حربَ التحرير الوطني بمثابة قضيته الخاصة. إن الكيومنتانغ الذي تلعبُ البرجوازية صلبه فعليا الدور القيادي أصبح على رأس الحركة الوطنية الثورية في زمن قصير. ولقد شكل هذا الواقع، خلال الأحداث اللاحقة، أكبر خطر على الثورة. كما أن من الخصائص التي يجب ذكرها في الوضعية الصينية هي واقع أن البروليتاريا فيها أقوى من برجوازيتها مقارنة بما عليه البروليتاريا في المستعمرات الأخرى. صحيح أنها كانت ضعيفة التنظيم لكن مع صعود الموجة الثورية كان نمو التنظيمات البروليتارية سريعا إلى درجة قصوى. فبعد أن كان الحزب الشيوعي مجموعة صغيرة ارتفع تعداده إلى 60000 عضوا (وأكثر من ذلك لاحقا) في زمن قصير جدا، وكسب تأثيرا كبيرا في الجماهير البروليتارية. وطبيعي أن عددا كبيرا من العناصر البرجوازية الصغيرة قد دخل الحزب. هذا الحزب تنقصه التجربة الثورية وأكثر من ذلك التقاليد البُلشفية. إن العناصر المتذبذبة غير المتحررة من الميول البرجوازية الصغيرة الانتهازية، التي لم تفهم جيدا مهمات الحزب الشيوعي المستقلة ودوره والتي كانت تعارض كل تطوير حاسم للثورة الزراعية، هيمنت على قيادته. إن الانخراط المؤقت للشيوعيين في الحزب القائد للثورة الوطنية —الكيومنتانغ— يستجيب في حد ذاته إلى مقتضيات وضعية النضال وحتى إلى مصالح العمل الضروري إطلاقا للشيوعيين ضمن الجماهير البروليتارية الغفيرة التي تتبع هذا الحزب. بالإضافة إلى ذلك، فقد حصل الحزب الشيوعي الصيني في البداية في الإقليم الخاضع لحكومة الكيومينتانغ على إمكانية تطوير تحريض مستقل ضمن الجماهير البروليتارية والفلاحية وضمن جنود الجيش الوطني وضمن منظماتها. ولقد كان للحزب في ذلك الوقت من الإمكانيات أكثر مما استغل. لم يشرح للجماهير آنذاك موقعه الطبقي البروليتاري المتميز عن مذهب صن يات صن وغيره من الاتجاهات البرجوازية الصغيرة بوضوح كاف. ولم يمارس الشيوعيون في صفوف الكيومينتانغ سياسة مستقلة ولم يتفطنوا إلى أنه عندما يصبح تكوين الحلف أمرا ضروريا، يجب أن يكون للشيوعيين موقفا نقديا تجاه العناصر البرجوازية وأن يتدخلوا دوما كقوة مستقلة. لقد تخلى الشيوعيون عن فضح ترددات البرجوازية الوطنية والقومية البرجوازية، في حين كان يجب أن يكون هذا العمل من أهم مهمات الحزب الشيوعي أثناء المرحلة الأولى. كان الانقسام الحتمي للكيومنتانغ يقترب كلما تقدم الجيش الوطني. ولم تتخذ قيادة الحزب الشيوعي الصيني أي أمر تقريبا في سبيل توحيد العمال والفلاحين الثوريين في حلف نضالي مستقل يكون بإمكانه مواجهة قيادة الكيومينتانغ. وهكذا، فاجأ انقلاب تشان كاي شاك البروليتاريا الثورية غير المستعدة إطلاقا، محدثا الارتباك في صفوفها. لكن قيادة الحزب الشيوعي لم تستخلص حتى آنذاك أن الثورة قد انتقلت إلى مرحلة جديدة ولم تغير مجرى الحزب في الاتجاه الذي أملاه الانقلاب، وبما أن الجناح اليساري من القادة البرجوازيين الصغار للكيومنتانع واصل السير لبعض الوقت مع الحزب الشيوعي فإن تمايزا إقليميا قد تم: تشكلت حكومتا «ناكنين» و«ووهان». لكن في «ووهان» أيضا لم يلعب الحزب الشيوعي دورا قياديا وسرعان ما بدأت في إقليم «ووهان» مرحلة ثانية متسمة من جهة بعناصر ناشئة من ازدواجية السلطة لم تتضح (استولت اتحادات الفلاحين في الريف على عدد معين من المهمات الراجعة للحكومة ووسعت النقابات من مهماتها تحت ضغط الجماهير التي تبحث عن حل «عامي» مستقل لقضية السلطة)، ومن جهة أخرى بغياب شروط ناضجة كفاية في سبيل تنظيم سوفييتات كجهاز للانتفاضة ضد حكومة «ووهان» التي مازالت تخوض نضالا ثوريا ضد حكومة «ناكنين» الممثلة للبرجوازية التي خانت الثورة. عرقل الحزب الشيوعي آنذاك مباشرة النشاط المستقل للجماهير الثورية ولم يساعدها على تجميع وتنظيم قواها ولم يساهم في تقويض تأثير ومواقع قادة الكيومنتانغ في البلاد وفي الجيش، ولم يستخدم لهذا الغرض مشاركته في الحكومة، بالعكس، لقد شجب كل نشاط لهذه الحكومة (بعض القادة البرجوازيين الصغار في الحزب ذهبوا إلى حد المشاركة في نزع سلاح العمال المضربين في «ووهان» وإقرار الإرسال التأديبي إلى «تشانغشا»).
كان الأمل في اجتناب القطيعة مع القادة البرجوازيين الصغار في حكومة «ووهان» هو أساس هذه السياسة الانتهازية. لكن لم يقع فعليا سوى تأجيل هذه القطيعة. فعندما أخذت انتفاضات الجماهير طابعا مهددا أخذ قادة الكيومنتانغ في «ووهان» يسعون إلى الاتحاد مع حلفائهم في الخندق المقابل. وتواصل حركة العمال والفلاحين الثورية دوما جهودها لبلوغ النصر. الآن أصلح الحزب الشيوعي الصيني سياسته وانتخب قيادة جديدة واحتل مكانه على رأس الثورة. لكن الموجة الثورية كانت قد تراجعت. وفي المعارك البطولية الجماهيرية التي أنجزت تحت شعار السوفييتات، تم فقط بلوغ نجاحات مؤقتة وفي بعض المناطق فقط تطورت الثورة الزراعية في الوقت المناسب، وفي المناطق الأخرى نهضت المؤخرة الفلاحية الغفيرة متأخرة جدا وعوض الأخطاء الانتهازية الفادحة السابقة تظهر اليوم في بعض المناطق المحلية أخطاء انقلابية خطيرة جدا.
ارتكب الشيوعيون أيضا أخطاء كبيرة عند التحضير للانتفاضات. إن الهزائم الثقيلة ألقت من جديد بالثورة، التي كانت قد دخلت مرحلة تطورها الثانية في الجنوب، إلى نقطة انطلاق هذه المرحلة.
27 مع بلوغ البرجوازية الوطنية السلطة فإن تركيبة كتلة العسكريين القديمة قد تغيرت. إن الكتلة الجديدة التي في السلطة هي اليوم العدو المباشر الرئيسي. للإطاحة بها وجب كسب الجماهير الحاسمة من العمال والفلاحين للثورة. ففي ذلك تتمثل أهم مهمات الحزب الشيوعي الصيني في المرحلة الحاضرة. لقد امتلك العمال الصينيون تجربة هامة. يجب تقوية الحركة النقابية وجعلها أكثر ثورية وتدعيم الحزب الشيوعي. إن جزءا معينا من الفلاحين الصينيين قد تخلص من الأوهام الديمقراطية البرجوازية وأظهر نشاطا هاما في النضال الثوري، لكنه مجرد أقلية لا أهمية لها من جمهور الفلاحين العظيم في الصين. من الممكن جدا أن تلتحق بعض المجموعات البرجوازية الصغيرة بموقع الوطنية الإصلاحية (صلب الكيومنتانغ أو على هامشه) لكي تحظى بتأثير في صفوف الجماهير البروليتارية عن طريق نوع من معارضة ديمقراطية برجوازية (تانغ بنغ شان، أما الزعماء النقابيون الاشتراكيون الديمقراطيون فينتمون هم أيضا إلى هؤلاء الإصلاحيين البرجوازيين الصغار). لا يجب التقليل من شأن هذه المحاولات. إن عزلها وفضحها أمام الجماهير، عبر تكتيك شيوعي صحيح، هو شرط ضروري مطلقا لكي يتمكن الحزب الشيوعي من أن يحتل موقعا قياديا فعلا عند حلول موجة ثورية جديدة في الصين. يجب على الحزب منذ الآن أن ينشر بين الجماهير في كل مكان فكرة السوفييتات وفكرة دكتاتورية العمال والفلاحين وفكرة أن انتفاضة مسلحة جديدة ومظفرة للجماهير لا بد منها. ويجب على الحزب أن يشدد منذ الآن في تحريضه على ضرورة الإطاحة بالكتلة التي في السلطة وأن يعبأ الجماهير في سبيل مظاهرات ثورية مع الأخذ بعين الاعتبار بدقة الظروف الموضوعية التي تواصل نضجها في سبيل الثورة، ومع استخدام كل إمكانية لتعبئة الجماهير، يجب على الحزب الشيوعي أن يتجه باستقامة وبعناد نحو الاستيلاء على سلطة الدولة وتنظيم السوفييتات كجهاز انتفاضة، وانتزاع ملكية المالكين العقاريين، وطرد الإمبرياليين الأجانب ومصادرة أملاكهم.
28
إن تأليف الأحزاب الشيوعية وتطويرها في المستعمرات وأشباه المستعمرات، والقضاء على عدم التناسب العميق بين الوضع الثوري الموضوعي وضعف العامل الذاتي، يشكل إحدى ألح مهمات الأممية الشيوعية. تصطدم هذه المهمة بعدد معين من الصعوبات المشروطة بالتطور التاريخي في هذه البلدان وبتركيبتها الاجتماعية. إن التطور الصناعي في هذه البلدان ضعيف والبروليتاريا لا تزال فتية وقليلة العدد نسبيا (بالنسبة للسكان). إن إرهاب النظام الاستعماري والأمية وتنوع اللغات وما إلى ذلك، يجعل من الصعب تنظم البروليتاريا وتطورها بصفة عامة، ونمو الأحزاب الشيوعية السريع بصفة خاصة. التقلب في أعداد البروليتاريا، وكبر نسبة النساء والأطفال هي الخطوط المميزة لعمال المستعمرات. ويطغى في عدد كبير من المناطق العمال الموسميون، وحتى كوادر العمال الأساسية مازال لها قدم في القرية. إن ذلك يسهل الصلة بين البروليتاريا والفلاحين، لكنه يجعل تطور وعي العمال الطبقي صعبا. بينت التجربة أن في أغلب البلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة تُنتدب الكوادر الشيوعية، في جزء هام إذا لم يكن في الجزء الغالب، من بين البرجوازية الصغيرة في البداية وخاصة من بين المثقفين وفي أحيان كثيرة من بين الطلبة.
ليس من النادر أن تتوافد هذه العناصر على الحزب لأنها ترى فيه عدو الإمبريالية الأكثر فعالية، إلا أنها لا تفهم دوما كفاية أن الحزب الشيوعي ليس حزب نضال ضد الاستغلال الإمبريالي والاضطهاد الوطني فحسب، بل يناضل بحزم ضد كل استغلال واضطهاد بوصفه حزب البروليتاريا. وفي مجرى النضال الثوري، يرتقي عدد كبير من هؤلاء الشيوعيين إلى مستوى وجهة النظر الطبقية البروليتارية، في حين أن جزءا كبيرا منهم يتخلص بصعوبة من الحالة الفكرية وتردد البرجوازية الصغيرة. إن تلك العناصر الحزبية هي بالضبط التي تجد صعوبات أكثر في أن تقيم بطريقة صحيحة، في الظرف الدقيق، دور البرجوازية الوطنية، وفي أن تتحرك بانسجام ودون تردد في قضية الثورة الزراعية وغيرها. ليس للبلدان المستعمَرة أية تقاليد اشتراكية ديمقراطية، لكن ليس لها أيضا أية تقاليد ماركسية. وعلى أحزابنا الفتية أن تتخلص من بقايا الفكر القومي البرجوازي الصغير في مجرى النضال وتكوين الحزب لكي تجد طريق البُلشفية.
هذه الصعوبات الموضوعية تجبر الأممية الشيوعية أكثر على تخصيص اهتمام جد متميز لتكوين الحزب في المستعمرات وأشباه المستعمرات. في هذا الصدد، وبصفة خاصة، تتوجب مسؤولية كبرى على الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية. يلزم لأجل هذا لا فحسب المساعدة في صياغة خط سياسي صحيح وتحليل دقيق للتجربة في ميدان التنظيم والتحريض ولكن أيضا تربية منتظمة للكوادر الشيوعية وطبع وترجمة حد أدنى معين من الأدب الماركسي اللينيني إلى لغة مختلف البلدان المستعمَرة، وأخيرا مساعدة نشطة ما أمكن في الدراسة والتحليل الماركسيين للقضايا الاقتصادية والاجتماعية للبلدان المستعمَرة وشبه المستعمَرة وفي خلق صحافة للحزب، الخ. يجب على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات وأشباه المستعمرات بذل كافة جهودها لتربية إطار من المناضلين المنبثقين من البروليتاريا نفسها، مستخدمين مثقفي الحزب كمسيرين ومحاضرين لحلقات الدعاية ومدارس الحزب القانونية وغير القانونية لتربية خيرة العمال ليكون منهم محرضين ودعاة ومنظمين وقادة متشبعين بالروح اللينينية. يجب على الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمَرة أيضا أن تصبح أحزابا شيوعية حقيقية بتركيبتها الاجتماعية. فإلى جانب استيعاب أفضل المثقفين الثوريين عبر التمرس في النضال اليومي والمعارك الثورية الكبرى، يجب على الأحزاب الشيوعية أن تكرس أكبر اهتمامها في تدعيم المنظمة الشيوعية في المصانع والمناجم، وبين عمال النقل وبين أنصاف الأقنان في المزارع الكبرى، وفي كل مكان تمركز فيه الرأسماليةُ العمالَ. يجب على الحزب الشيوعي أن يبعث خلاياه في الأحياء البروليتارية وفي أحياء المناجم وفي الثكنات البروليتارية والمزارع المحصنة والمتمرسة ضد المحرضين. كما لا يجب إهمال العمل ضمن الحرفيين والصناع والبائسين. يجب أن ينتظم العمال المحليون والعمال القادمون من الدول الاحتكارية في نفس المنظمة الحزبية، ويجب استخدام تجربة أعرق الأحزاب في التنسيق بين العمل العلني والعمل السري بتكييفها مع وضع البلدان المستعمَرة لأجل تفادي، قدر الإمكان، ما حدث مثلا في الصين حيث وقع تحطيم منظمات جماهيرية هامة بسرعة نسبيا ودون مقاومة كبيرة بواسطة ضربات الرجعية الأمر الذي أضعف صلة الحزب الشيوعي بالجماهير بصورة استثنائية.
29 تتمثل المهمة الرئيسية من بين مهمات الشيوعيين المباشرة العامة في المستعمرات وأشباه المستعمرات، إلى جانب تطوير الأحزاب الشيوعية، في العمل في النقابات. إن استقطاب غير المنظمين وقبل كل شيء من القطاعات الصناعية الأكثر أهمية مثل التعدين والمناجم والنقل والنسيج وغيرها. وتحويل المنظمات الحالية إلى نقابات طبقية حقيقية، والنضال ضد القادة النقابيين الوطنيين الإصلاحيين والرجعيين في سبيل قيادة تلك المنظمات. تلك هي المهمات في الميدان النقابي. الصنف الآخر من المهمات يتمثل في الدفاع عن مصالح العمال الاقتصادية ومطالبهم المباشرة في النضال ضد الأعراف، وفي قيادة الإضرابات بنشاط وذكاء. في النقابات الرجعية التي تجمع جماهير بروليتارية، وجب على الشيوعيين أن يقوموا بعمل دعائي ثوري. وفي البلدان التي تحتم الوضعية فيها ضرورة إيجاد نقابات ثورية منفصلة (لأن القيادة النقابية الرجعية تمنع استقطاب غير المنظمين، وتكبح أبسط متطلبات الديمقراطية النقابية، وتحول النقابات إلى منظمات صفراء، وما إلى ذلك). يجب حل هذه القضية باتفاق مع قيادة الأممية النقابية الحمراء. من المهم تتبع، بانتباه خاص جدا، مؤامرات أممية أمستردام في البلدان المستعمَرة (الصين، الهند، شمال إفريقيا) وفضح طبيعتها الرجعية أمام أعين الجماهير. من واجب الحزب الشيوعي في الدولة الاحتكارية أن يساعد بفعالية الحركة النقابية الثورية في المستعمرات عبر توجيه إرشادات وإرسال معلمين دائمين. لقد وقع عمل القليل جدا في هذا المجال إلى حد الآن.
30
أينما وجدت المنظمات الفلاحية وجب على الحزب الشيوعي أن يتخذ كل التدابير في سبيل التغلغل فيها مهما كان طابعها طالما أنها منظمات جماهيرية حقا. إن إحدى مهمات الحزب المباشرة تتمثل في أن يطرح بصحة القضية الزراعية صلب البروليتاريا، وأن يبين لها أهمية الثورة الزراعية ودورها الحاسم، وفي أن يعرف أعضاء الحزب طرق التحريض والدعاية والتنظيم في صفوف الفلاحين. من واجب كل منظمة في الحزب أن تدرس الوضعية الزراعية الخاصة في دائرة نشاطها وأن تصوغ مطالب الفلاحين المباشرة المناسبة. يجب على الشيوعيين دائما أن يطبعوا الحركة الفلاحية الموجودة بطابع ثوري، ويجب عليهم أيضا أن ينظموا لجانا أو اتحادات فلاحين ثورية جديدة، ويجب الحفاظ على صلة منتظمة بين هذه المنظمات والحزب الشيوعي. صلب جماهير الفلاحين كما في صفوف العمال يجب القيام بدعاية نشطة لصالح تحالف نضالي بين العمال والفلاحين. يمكن للأحزاب “البروليتارية والفلاحية” أن تتحول ببالغ السهولة إلى أحزاب برجوازية صغيرة مبتذلة مهما كان الثوب الثوري الذي يمكن أن ترتديه في فترات معينة؛ لذلك فإن تأسيسها غير مرغوب فيه؛ فلا يجب على الحزب الشيوعي أن يشيد تنظيمه على أساس الدمج بين طبقتين أبدا. كما لا يمكنه أن يسعى إلى تنظيم أحزاب أخرى على هذا الأساس الذي يميز المجموعات البرجوازية الصغيرة.
يمكن للحلف النضالي بين الجماهير البروليتارية والفلاحية أن يتجسد في ندوات ومؤتمرات ممثلي اتحادات (أو لجان) الفلاحين الثوريين والنقابات، التي تستدعى دوريا وتحضر بعناية. يمكن في بعض الحالات أن يكون من الملائم إنشاء لجان عمل ثورية لتنسيق نشاط المنظمات البروليتارية والفلاحية ولقيادة مختلف الأعمال الجماهيرية، وما إلى ذلك. أخيرا، في زمن الانتفاضة، ستكون إحدى المهمات الحزب الشيوعي الجوهرية تأليف مجالس نواب العمال والفلاحين (سوفييتات). يجب على الحزب الشيوعي أن يبذل جهده لإحراز تأثير حاسم على الحركة الفلاحية مهما كانت الظروف. وأن يلجأ إلى تطبيق الأشكال التنظيمية لحلف عمالي وفلاحي، التي تسهل ما أمكن قيادة الحركة الفلاحية، وتخلق الشروط لتحويل هذه الأشكال في المستقبل إلى سوفييتات كجهاز للانتفاضة وللسلطة.
31
يعيش الشباب العمالي في البلدان المستعمَرة معاناة خاصة. إن أهميته صلب البروليتاريا في هذه البلدان أقوى بكثير مما هي عليه في البلدان الرأسمالية العريقة. لا يعرف استغلال الشباب أي تقييد قانوني: وقت عمل غير محدد، ظروف عمل فظيعة، شراسة الأعراف والمراقبين. وليس وضع الشباب الفلاحي أفضل من ذلك. وليس غريبا أن يشارك الشباب العمالي والفلاحي بنشاط في كل الحركات الثورية في البلدان المستعمَرة. لقد شكلت هذه الشبيبة الجزء الأكبر من المنظمات الثورية والجيوش الفلاحية في الصين وكتائب الأنصار الكوريين، الذين يناضلون ضد المستعمِرين اليابانيين، وثوار إندونيسيا الأبطال، وغيرهم كثير. إن أهم مهمة وأكثرها إلحاحا عند أممية الشباب الشيوعية في البلدان المستعمَرة هي إنشاء منظمات ثورية جماهيرية تحت القيادة الشيوعية. إن تربية كوادر قيادية شيوعية حقا لحركة الشباب يضاهي من حيث الأهمية الطابع الجماهيري والتركيبة البروليتارية أساسا لمنظمات الشبيبة الشيوعية. إلى جانب الشباب العمالي، يكون من الملائم استقطاب أفضل العناصر الثورية من صلب الطبقة الفلاحية وشبابها مع السعي إلى تقوية العناصر البروليتارية في الأجهزة القيادية في فدراليات الشبيبة. إن استقطاب الشباب غير العمالي جماهيريا يكون مقبولا بالنسبة لمنظمات الشبيبة فقط عندما تضمن غالبية بروليتارية وقيادة شيوعية صلبة في تركيبتها.
يجب على الشبيبة الشيوعية، خلال مشاركتها في كامل نضال الحزب الشيوعي، أن تجتنب على حد سواء، كلا من النزوع إلى تعويض الحزب في قيادة البروليتاريا (الاتجاه المسمى “طلائعي”) وعقلية التصفية التي تقوم على نفي ضرورة حركة شباب شيوعية وتختزل دور فدراليات الشبيبة الشيوعية في دور منظمات الطلبة أو المنظمات العامة وغير المحددة للشبيبة.
كما يجب على الشبيبات الشيوعية في المستعمرات أن تستخدم شبكة المنظمات العلنية الإضافية لأجل كسب الجماهير الغفيرة من الشبيبة البروليتارية والفلاحية ومن الطلبة الثوريين ولأجل انتزاعها من تأثير الوطنية الإصلاحية والاتجاهات الثورية المغلوطة. يجب إعطاؤها برنامجا ثوريا وضمان أن يقود الحزبُ تلك الشبيبات الشيوعية.
يجب على الشبيبات الشيوعية أن تعمل في المنظمات من هذا النوع والتي توجد الآن، وأن تجرها إلى النشاط الثوري وتحقق فيها التأثير والقيادة. عند استخدام هذه المنظمات وعند جر جماهير الشبيبة الكادحة إلى النضال الثوري لا يجب على منظمات الشبيبة الشيوعية أن تفقد استقلالها وأن تنحصر في عملها الخاص. إن فقدان طابعها الشيوعي وما ينجر عنه من فقدان متوقع لقيادة حركة الشباب الثورية هما خطران كبيران على منظمات الشبيبة الشيوعية. لذا، فمع العمل ضمن المنظمات الإضافية في سبيل استخدامها وتطويرها، يجب على الشبيبة الشيوعية أن تقوي عملها الخاص، وأن تتدخل بطريقة معلنة أمام جماهير الشبيبة الكادحة وأن تستقطب أجود عناصر هذه المنظمات الجماهيرية إلى الشبيبة الشيوعية. إن فروع النقابات والاتحادات الفلاحية واتحادات الشبيبة البروليتارية والجمعيات المعادية للعسكرة والجمعيات الرياضية والمؤسسات الطلابية المحلية وغيرها هي من تلك المنظمات الجماهيرية.
يُلزم المؤتمرُ الشيوعي العالمي السادس كل الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمَرة بأن تساهم بنشاط في بعث حركة شبيبة شيوعية وتطويرها وأن تناضل ضد كل عقلية متخلفة صلب البروليتاريا والنقابات والتي تميل إلى إهمال مصالح الشبيبة البروليتارية وإلى رفض المشاركة في النضال في سبيل تحسين وضعية الشباب المستغَل.
32 أخذ استغلال اليد العاملة من النساء والأطفال اتساعا كبيرا بطريقة خصوصية وأشكالا وحشية في البلدان المستعمَرة: أجر مجاعة أشد من البؤس، يوم عمل أطول من أن يحتمل، شراء النساء والأطفال في بعض المناطق للعمل في المزارع الكبرى بشروط استعبادية، عيش يشبه الجحيم في منازل العمال، سلوك وحشي وإهانات من جانب المشغلين؛ تلك هي ظروف عمل النساء والأطفال. غير أن البرجوازية والمبشرين وغيرهم الذين بحوزتهم مبالغ مالية طائلة يقومون بعمل رجعي واسع النطاق في صفوف النساء العاملات. لكن العاملات في المستعمرات المدفوعات إلى اليأس، يستيقظن شيئا فشيئا إلى الوعي الطبقي ويسلكن الطريق الثوري ويلتحقن بصفوف البروليتاريا المناضلة بهمة وشجاعة. ودليل ذلك هو أولا مشاركة العاملات الصينيات في النضال الثوري مشاركة مليئة بالتفاني (إضرابات النساء الجماهيرية، بطولة بعض العاملات، دخول الفلاحات في كتائب الأنصار). يجب على الأحزاب الشيوعية في المستعمرات وأشباه المستعمرات أن تولي اهتماما كبيرا للعمل ضمن هذه الفئات البروليتارية خاصة في المؤسسات حيث تسود اليد العاملة النسائية. يجب عليها أن تنظم النساء في النقابات بانتظام. وأن تنتدب أفضلهن للحزب. يجب على الحزب إلى جانب نضاله ضد تأثير المنظمات المعادية أن يسعى إلى كسب النساء العاملات مستخدما كل وسائل التحريض والدعاية العلنية وغير العلنية شفويا وكتابيا. وبالإضافة إلى هذه المهمات العامة أمام الأحزاب الشيوعية في المستعمرات هناك جملة من المهمات الخصوصية الناجمة عن مميزات التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والوضع السياسي في كل بلد. يشير المؤتمر الشيوعي العالمي السادس إلى بعض المهمات المباشرة الأكثر أهمية تاركا كل حزب يحدد مجموعة مهامه في برنامج نشاطه الملموس.
33
في الصين، ستطرح الموجة الثورية الجديدة على الحزب من جديد المهمة العملية المباشرة لتحضير الانتفاضة المسلحة وتنفيذها من جهة أنها الطريق الوحيد لإتمام الثورة الديمقراطية البرجوازية والقضاء على سلطة الإمبرياليين والمالكين العقاريين والبرجوازية الوطنية: سلطة الكيومنتانغ. في الآونة الحاضرة المتميزة في مجملها بغياب موجة ثورية للجماهير الغفيرة من الشعب الصيني، فإن خط الحزب العام هو النضال لكسب الجماهير. هذه السياسة التي تمارس في ظروف اشتداد الحركة المعادية للإمبريالية ونهوض حركة الإضراب والنشاط الفلاحي الذي لا يزال متواصلا، تفرض على الحزب تعبئة كل قواه في سبيل تجميع البروليتاريا وتوحيدها حول شعارات الحزب الأساسية، وعملا تنظيميا هائلا في سبيل تقوية النقابات والاتحادات الفلاحية الثورية، وحدا أقصى من التدرب على قيادة العمل اليومي الاقتصادي والسياسي صلب جماهير العمال والفلاحين، وعملا مكثفا في سبيل شرح تجربة الفترة الثورية المنقضية للبروليتاريا. ويجب على الحزب، في ذات الوقت، أن يشرح للجماهير استحالة تحسين جذري لوضعهم واستحالة القضاء على هيمنة الإمبرياليين وحل قضايا الثورة الزراعية دون تحطيم سلطة الكيومنتانغ والعسكريين وتركيز سلطة السوفييتات.
يجب على الحزب أن يستخدم كل نزاع حتى الأشد ضآلة بين العمال والرأسماليين في المصنع، وبين الفلاحين والمالكين العقاريين في الريف، وبين الجنود والضباط في الجيش ليعمق هذه النزاعات الطبقية ويشحذها قصد تعبئة الجماهير الغفيرة من العمال والفلاحين وكسبهم للحزب. يجب على الحزب أن يستخدم كل حالات عنف الإمبريالية العالمية ضد الشعب الصيني، عنف يكتسي حاليا طابع الغزو العسكري لأقاليم بأكملها، وكل الإنجازات الدموية للرجعية المسعورة، حتى يوسع نطاق معارضة الجماهير الشعبية للطبقات المهيمنة.
إن نجاح هذا النضال لكسب الجماهير يتوقف في جزء كبير منه على تطبيق تكتيك يقدر الوضع تقديرا صحيحا وعلى إصلاح الأخطاء واتجاهات أقصى اليسار (نزعة انقلابية، روح مغامرة عسكرية، إرهاب فردي، وغيرها) والانتهازية التي تقوم على المطالبة بالدعوة إلى الجمعية الوطنية وإعادة تركيز حكومة الكيومنتانغ. ويجب على الحزب، في ذات الوقت، أن يهزم كل الميول نحو تعويض أساليب الإقناع وتربية الجماهير بأساليب القسر والتحكم، التي تقوي خطر عزلة الحزب عن الجماهير الكادحة وهي عزلة قوية في وضعية القمع الرهيب الحالية.
يجب على الحزب أن يسعى، في العمل الداخلي، إلى إعادة تنظيم الخلايا واللجان المحلية التي حطمتها الرجعية، وتحسين تركيبة الحزب الاجتماعية بتركيز اهتمام خاص على بعث خلايا الحزب في قطاعات الإنتاج الرئيسية (في المصانع الأساسية ومعامل السكك الحديدية). ويجب على الحزب الشيوعي الصيني أيضا أن يعير اهتماما بالغا لضبط التركيبة الاجتماعية لمنظماته في الريف حتى تصبح مكونة من العناصر البروليتارية وشبه البروليتارية وفقراء الأرياف بصورة رئيسية. كما يجب تطبيق مبدأ المركزية الديمقراطية بقدر ما تسمح به ظروف العمل السري لديمقراطية الحزب الداخلية ومناقشة القضايا وحلها جماعيا. والنضال، في ذات الوقت، ضد الميول الديمقراطية لبعض المنظمات والتي تؤدي إلى خرق الانضباط الحزبي وإلى تزايد نقص المسؤولية وإلى تحطيم نفوذ مراكز الحزب القيادية. يجب تقوية التربية النظرية عند أعضاء الحزب والرفع من تكوينهم السياسي وممارسة دعاية منتظمة للماركسية واللينينية ودراسة تجارب ودروس المراحل السابقة من الثورة الصينية (فترة «ووهان» وانتفاضة «كانتون» وغيرها). إن مهمة الحزب الشيوعي الصيني تجاه أحزاب «الطريق الثالث» (التانغ بنغ شان، واتغ شين واي) التي هي أداة الثورة المضادة الرأسمالية والزراعية تتمثل في محاربتها بقوة وفضح نشاطها الوطني الإصلاحي بالاعتماد على ممارسة الحركة المعادية للإمبريالية والحركة الجماهيرية والتنديد بها كعميلة للطبقات السائدة.
الشعارات الرئيسية لكسب الجماهير هي: 1– القضاء على هيمنة الإمبريالية؛ 2–مصادرة المشاريع والبنوك الأجنبية؛ 3– توحيد البلد مع حق كل أمة في تقرير مصيرها؛ 4– القضاء على سلطة العسكريين والكيومينتانغ؛ 5– تركيز سلطة مجالس العمال والفلاحين والجنود (سوفييتات)؛ 6– يوم عمل من ثمان ساعات ورفع الأجور وإعانة العاطلين والضمانات الاجتماعية؛ 7– مصادرة كل أراضي المالكين العقاريين الكبار، إعادة الأرض للفلاحين والجنود؛ 8– إلغاء كل ضرائب حكومة العسكريين والموظفين المحليين ووضع ضريبة تصاعدية واحدة على الدخل؛ 9–التحالف مع الاتحاد السوفييتي والحركة البروليتارية العالمية.
34
إن مهمات الشيوعيين الجوهرية في الهند هي النضال ضد الإمبريالية الإنجليزية في سبيل تحرير البلد والقضاء على كل بقايا الإقطاع والثورة الزراعية وتركيز دكتاتورية العمال والفلاحين في شكل جمهورية سوفييتية. لا يمكن إنجاز هذه المهمات بنجاح إلا عندما يوجد حزب شيوعي قوي يحسن الوقوف على رأس الجماهير الغفيرة من البروليتاريا والفلاحين وكل الكادحين ويقودها إلى الانتفاضة المسلحة ضد الإقطاع والإمبريالية.
إن حركة إضرابات البروليتاريا الهندية التي تتطور حاليا واستقلالها عن القومية البرجوازية وطابعها الشمولي وامتدادها إلى كل قطاعات الإنتاج تقريبا وتواتر الإضرابات وطول مددها والصلابة والحزم الشديدين في سلوك العمال وانبثاق قادة الإضرابات من الجماهير البروليتارية نفسها، كل ذلك يدل على انعطاف في تاريخ البروليتاريا الهندية ويبين أن في الهند قد نضجت الشروط الضرورية لإنشاء حزب شيوعي جماهيري. إن اندماج كل المجموعات الشيوعية والشيوعيين الفرادى المبعثرين في أرجاء البلاد، في حزب واحد سري مستقل وممركز هو أول واجبات الشيوعيين الهنديين. ومع نبذ مبدأ تأسيس الحزب على طبقتين فإنه يجب على الشيوعيين استخدام صلات الأحزاب البروليتارية والفلاحية الموجودة مع الجماهير الكادحة في سبيل تقوية حزبهم الخاص. لا يجب عليهم أن ينسوا أن سيطرة البروليتاريا لا يمكن تحقيقها دون وجود حزب شيوعي موحد وصلب ومسلح بالنظرية الماركسية. يجب أن يكون تحريض الحزب الشيوعي مرتبطا بنضال العمال في سبيل مطالبهم المباشرة وأن يشرح في ذات الوقت أهداف الحزب الشيوعي العامة وطرقه في سبيل بلوغها. من الضروري تكوين خلايا في المؤسسات التي لها دور نشط في الحركة البروليتارية، في تنظيم وقيادة الإضرابات والأعمال السياسية. يجب على المنظمات الشيوعية منذ البدء أن تعير اهتماما خاصا إلى خلق كوادر قيادية بروليتارية في الحزب.
في النقابات، يجب على الشيوعيين الهنديين أن يفضحوا القادة الوطنيين الإصلاحيين دون هوادة، وأن يناضلوا بنشاط في سبيل تحويل النقابات إلى منظمات طبقية حقيقية للطبقة العاملة، ومن أجل إحلال الممثلين الثوريين للجماهير البروليتارية محل القيادة الإصلاحية الحالية. يجب بالخصوص فضح الأسلوب المفضل للإصلاحيين الهنديين المتمثل في فض النزاعات بوساطة ممثل الإمبريالية الإنجليزية بوصفه حكما «حياديا» بين العمال والأعراف. في هذا النضال يجب طرح مطالب الديمقراطية النقابية والتركيبة البروليتارية للمنظمة النقابية، وغير ذلك. يجب أن تكون نقاط ارتكاز عمل الحزب في النقابات الفرق الشيوعية والمجموعات المتكونة من شيوعيين ومتعاطفين. يجب أيضا استخدام موجة الإضرابات الحالية لتنظيم العمال غير المنظمين. إن عمال المناجم وصناعة التعدين والبؤساء العاملين في المزارع الكبرى والأجراء الفلاحيين عموما، هم الجزء الأقل تنظما من البروليتاريا الهندية. يجب على الشيوعيين أن يعيروهم الاهتمام اللازم.
يجب على الشيوعيين أن يفضحوا الوطنية الإصلاحية عند المؤتمر الوطني الهندي وأن يعارضوا جمل السوارجيين والغانديين وغيرهم حول المقاومة السلبية بالشعار العاصف الداعي إلى النضال المسلح في سبيل تحرير البلد وطرد الإمبرياليين.
أما بالنسبة للفلاحين والمنظمات الفلاحية، فعلى الشيوعيين الهنديين أولا مهمة تعريف جماهير الفلاحين الغفيرة بمطالب الحزب العامة في القضية الزراعية. يجب على الحزب أن يصوغ برنامج عمل لهذا الغرض. يجب على الشيوعيين، من خلال العمال المرتبطين بالريف وبطريقة مباشرة أيضا، أن يشددوا نضال الفلاحين في سبيل مطالبهم الجزئية وأن ينظموا في مجرى النضال اتحادات فلاحية. يجب الحرص خاصة على ألا تسقط المنظمات الفلاحية التي سيقع إنشاؤها تحت تأثير المستغِلين في الريف. يجب إعطاء المنظمات الفلاحية الموجودة برنامجا واضحا قوامه مطالب ملموسة ودعم نشاط الفلاحين عبر مظاهرات بروليتارية في المدن. لا يجب نسيان أن على الشيوعيين أن لا يتخلوا في أية فرصة عن حقهم في أن ينتقدوا جهرا التكتيك الانتهازي والإصلاحي عند قادة المنظمات الجماهيرية التي يعملون فيها.
35 إن سحق انتفاضة 1926 في إندونيسيا واعتقال ونفي آلاف من أعضاء حزبنا قد شتتاه تنظيميا إلى أقصى حد. تتطلب الحاجة إلى إعادة بناء منظمات حزبنا المدمرة طرق عمل جديدة تتلاءم وظروف السرية التي خلقها النظام البوليسي عند الإمبريالية الهولندية. وهذا بعض من مهمات الحزب الشيوعي الإندونيسي الأساسية: نقل مركز ثقل الحزب إلى حيث تتمركز البروليتاريا الحضرية والريفية في المعامل والمزارع الكبرى، وإعادة تكوين النقابات التي وقع حلها والنضال في سبيل شرعية وجودها، الاهتمام الخاص بمطالب الفلاحين الجزئية والعملية، تطوير المنظمات الفلاحية وتقويتها، والعمل في كل المنظمات الوطنية الجماهيرية حيث يجب على الحزب الشيوعي أن يكون فرقا وأن يجمع حوله العناصر الوطنية الثورية، والنضال النشط ضد الاشتراكيين الديمقراطيين الهولنديين الذين يحاولون بدعم من الحكومة أن يؤلفوا قاعدة في البروليتاريا المحلية، واجتذاب العمال الصينيين الكثيرين إلى النضال الطبقي وللنضال الوطني الثوري، وإقامة صلات بين الحركتين الشيوعيتين في الصين والهند.
36 يجب على الشيوعيين في كوريا أن يقووا عملهم صلب البروليتاريا؛ وعليهم في سياق جهدهم لزيادة نشاط الفدراليات البروليتارية والفلاحية وتقوية تنظيمها أن يعيدوا تنظيم النقابات وجعلها تشمل الفئات الأساسية من البروليتاريا؛ وأن يعيدوا ربط النضالات الاقتصادية بالمطالب السياسية. ويجب عليهم في ذات الوقت أن يربطوا مطلب التحرر الوطني للبلد بشعار الثورة الزراعية الذي تتعاظم حيويته بتزايد إفقار الفلاحين في ظل نظام النهب الاستعماري. يجب القيام بعمل صبور من التربية الثورية صلب الجماهير الكادحة المنخرطة في المنظمات الدينية الكبرى (شان دو جيل وغيرها) لتخليصها من تأثير الزعماء الوطنيين الإصلاحيين. يجب تقوية التأثير الشيوعي في كل المنظمات الثورية الجماهيرية الموجودة. وعوض إنشاء حزب وطني ثوري موحد يرتكز على الانتماء الفردي، يجب العمل على تنسيق وتوحيد نشاط مختلف المنظمات الوطنية الثورية بواسطة لجان عمل مشتركة وإنشاء حلف فعلي للعناصر الثورية وفي ذات الوقت نقد عدم انسجام وترددات القوميين البرجوازيين الصغار، وفضحهم دوما أمام الجماهير. يجب استقطاب قوى جديدة في الحزب الشيوعي خاصة من بين عمال الصناعة. فذلك سيكون أفضل ضمانة لتطور الحزب تطورا بُلشفيا، وسيسهل خاصة التصفية الضرورية لنزعة التكتل المضرة صلب الحزب.
37 لن يلعب الحزب الشيوعي في مصر دورا هاما في الحركة الوطنية إلا عندما يعتمد على البروليتاريا المنظمة. إن تكوين نقابات العمال المصريين وتقوية النضالات الطبقية وقيادتها هي إذن أولى مهمات الحزب الشيوعي المصري وأهمها. إن أعظم خطر على الحركة النقابية في مصر الآن هو غزو القوميين البرجوازيين النقابات. دون نضال نشط ضد تأثيرهم يستحيل قيام منظمة طبقية حقيقية للعمال. إن إحدى نقائص الشيوعيين المصريين الأساسية في الماضي كانت العمل صلب عمال المدن فقط. وتتمثل إحدى مهمات الحزب الرئيسية في طرح القضية الزراعية طرحا صحيحا وفي جر ما أمكن من الجماهير الغفيرة من العمال الزراعيين والفلاحين إلى النضال وتنظيمها. ويجب تكريس اهتمام خاص ببناء الحزب نفسه الذي لا يزال ضعيفا.
38 يجب على الشيوعيين في المستعمرات الفرنسية في شمال إفريقيا أن يعملوا في كل المنظمات الوطنية الثورية الجماهيرية الموجودة الآن حتى يوحدوا فيها العناصر الثورية حقا على برنامج منسجم وواضح لحلف نضالي عمالي وفلاحي. أما منظمة «نجم شمال إفريقيا» فلا يجب على الشيوعيين أن يعملوا على أن تتطور في شكل حزب، بل في شكل حلف نضالي لمختلف المنظمات الثورية، مع انخراط جماعي لنقابات عمال الصناعة والفلاحة، واتحادات فلاحين، الخ... من الضروري ضمان الدور القيادي للبروليتاريا الثورية فيها، قبل كل شيء، يجب تطوير الحركة النقابية التي هي قاعدة تنظيم التأثير الشيوعي في الجماهير. إن التعاون الوثيق بصفة متزايدة دوما بين الشق الثوري من البروليتاريا البيضاء والبروليتاريا المحلية هو مهمتنا الثابتة. في القضية الزراعية يجب معرفة توجيه السخط المتنامي عند السكان الريفيين الناجم عن سياسة انتزاع الملكية التي تنتهجها الإمبريالية الفرنسة، في اتجاه نضال منظم جيدا (تنظيم أفضل لإضرابات العمال الفلاحيين، تقوية نقابات العمال الفلاحيين في الجزائر، وغيرها). يجب على المنظمات الشيوعية في كل بلد أن تستقطب العمال المحليين بالدرجة الأولى وأن تناضل ضد الازدراء الذي يتعرضون له. يجب أن تكون الأحزاب الشيوعية المتألفة حقا من عمال محليين فروعا في الأممية الشيوعية مستقلة شكلا وفعلا.
39
بالتوازي مع قضية المستعمرات، يلفت المؤتمر الشيوعي العالمي السادس بجد اهتمام الأحزاب الشيوعية إلى قضية السود. تختلف وضعية السود من بلد إلى آخر. لذا، فهي تتطلب دراسة وتحليلا بصورة ملموسة. يمكن تقسيم المناطق التي تقطنها جماهير سوداء غفيرة على النحو التالي:
أ. الولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان أمريكا الجنوبية حيث تشكل جماهير السود الغفيرة أقلية مقارنة بالسكان البيض؛
ب. اتحاد جنوب إفريقيا حيث يشكل السود الأغلبية مقارنة بالمستوطنين البيض؛
ت. الدول السوداء وهي في الواقع مستعمرات أو شبه مستعمرات الإمبريالية (ليبيريا، هايتي، سان دومينيك)؛
ث. كل إفريقيا الوسطى المقسمة إلى أحزمة ومناطق تحت وصاية مختلف القوى الإمبريالية (إنجلترا، فرنسا، البرتغال، وغيرها).
يجب أن تحدد مهمات الأحزاب الشيوعية وفق كل وضعية ملموسة.
يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية قرابة 12 مليون من السود أغلبهم مزارعون يدفعون إيجارهم عينا ويعيشون ظروفا شبه إقطاعية. إن وضعية هؤلاء المزارعين السود هي نفس وضعية الأجراء الزراعيين ولا تختلف إلا شكليا عن العبودية التي ألغاها التشريع. يمارس المالكون العقاريون البيض الذين يجمعون وظائف أسياد الأرض وتجار ومرابين وجلادي السود، سياسة الإقامة الجبرية ووسائل أخرى من وسائل الديمقراطية البرجوازية الأمريكية، ويعيدون إنتاج أبشع أشكال استغلال مرحلة العبودية. بفضل تصنيع الجنوب فإن طبقة بروليتارية سوداء بدأت تتكون، وتتواصل في ذات الوقت وبسرعة متزايدة هجرة السود نحو الشمال حيث تتكون أغلبيتهم من عمال غير مختصين. إن تطور البروليتاريا السوداء هو الحدث الأكثر أهمية في السنوات الأخيرة. لكن في ذات الوقت تتكون في أحياء السود برجوازية صغيرة ينبثق عنها مثقفون إلى جانب فئة ضعيفة من البرجوازية يصبحون عملاء للإمبريالية.
إن إحدى أهم مهمات الحزب الشيوعي تتمثل في النضال في سبيل المساواة الكاملة والحقيقية للسود، ومن أجل القضاء على كل حيف اجتماعي وسياسي وكل عنصرية. من واجب الحزب الشيوعي أن يناضل بكل قوته ضد أقل مظاهر العنصرية البيضاء، وأن ينظم مقاومة نشطة ضد عدالة «اللنش» وأن يكثف عمله بين العمال السود ويضم أكثرهم وعيا داخل الحزب ويناضل في سبيل قبولهم في كل منظمات العمال البيض وقبل كل شيء في النقابات (الأمر الذي لا ينفي تنظيمهم في نقابات منفصلة إذا ما استوجب الأمر ذلك) وأن ينظم جماهير الفلاحين والعمال الفلاحيين في الجنوب. وأن يعمل بين الجماهير السوداء البرجوازية الصغيرة موضحا الطابع الخيالي والرجعي للاتجاهات البرجوازية الصغيرة مثل مذهب الغارفية، ومقاومة تأثيرها في البروليتاريا.
في دول جنوب الولايات المتحدة حيث توجد جماهير غفيرة من السود يجب رفع شعار حق السود في تقرير مصيرهم. إن التحويل الجذري للنظام الزراعي في دول الجنوب هو إحدى المهمات الأساسية في الثورة. يجب على الشيوعيين السود أن يشرحوا للعمال والفلاحين السود أن تحالفا وثيقا ونضالا مشتركا مع البروليتاريا البيضاء ضد البرجوازية الأمريكية وحدهما قادران على تحريرهم من الاستغلال الوحشي وأن الثورة البروليتارية الظافرة وحدها ستحل نهائيا القضيتين الزراعية والوطنية في جنوب الولايات المتحدة لصالح الأغلبية الساحقة من سكان البلد السود.
تمثل جماهير السود في اتحاد جنوب إفريقيا أغلبية السكان. وقد صادر المستوطنون البيض ودولتهم أراضيها؛ وهي محرومة من الحقوق السياسية ومن حق التنقل بحرية وتعاني من أسوأ اضطهاد عنصري وطبقي ومن أساليب الاستغلال والاضطهاد الرأسمالية والسابقة عنها. يجب على الحزب الشيوعي الذي سبق له أن أحرز بعض النجاحات صلب البروليتاريا السوداء أن يستمر بهمة أكبر في نضاله في سبيل المساواة الكاملة للسود وإلغاء كل الإجراءات والقوانين الموجهة خصيصا ضدهم ومن أجل مصادرة أراضي المالكين العقاريين. أثناء استقطاب العمال السود وتنظيمهم في النقابات والنضال في سبيل قبول السود في نقابات العمال البيض، فإنه من واجب الحزب أن يناضل بكل الوسائل ضد كل الأفكار المسبقة العنصرية بين العمال البيض واجتثاثها كليا من صفوفه. يجب على الحزب أن يرفع بنشاط وانسجام شعار إرساء جمهورية محلية مستقلة تضمن حقوق الأقلية البيضاء، ويجب أن يناضل فعليا في سبيل تحقيق هذا الشعار. بقدر ما يفتت تطور العلاقات الرأسمالية نظام القبائل، يجب على الحزب أن يكثف التربية الطبقية للفئات المستغلة من السكان السود وأن يسعى إلى انتزاعهم من تأثير المستغِلين الذين يصبحون أكثر فأكثر عملاء للإمبريالية.
في مستعمرات وسط إفريقيا، يأخذ الاستغلال أسوأ الأشكال ويجمع بين طرق الاستغلال العبودية والإقطاعية والرأسمالية. في المرحلة التي تلت الحرب يسعى رأس مال الدول الاحتكارية الإمبريالية، بقوة أكبر دوما، إلى التغلغل في المستعمرات الإفريقية، مساعدا على حشد الجماهير الغفيرة المستغَلة المتحولة إلى عمال في المزارع وفي المناجم وغيرها. ويلزِم المؤتمرُ الشيوعي العالمي السادس الأحزابَ الشيوعيةَ في الدول الاحتكارية القطع مع اللامبالاة التي أظهرتها تجاه الحركات الجماهيرية في هذه المستعمرات، وأن تساعد بنشاط هذه الحركات سواء في الدول الاحتكارية وفي المستعمرات نفسها. يجب عليها أن تدرس الحل في هذه البلدان بتمعن قصد فضح الانتصارات الدموية للإمبريالية وخلق إمكانية صلة عضوية مع العناصر البروليتارية الناشئة في هذه المستعمرات الأكثر معاناة من الاستغلال الإمبريالي البشع.
40
يجب على الشيوعيين في أمريكا اللاتينية أن يلعبوا دورا نشطا في الحركة الثورية الجماهيرية الموجهة ضد نظام كبار مالكي الأرض وضد الإمبريالية، حتى عندما لا تزال هذه الحركة تحت قيادة البرجوازية الصغيرة. لكن لا يجب على الأحزاب الشيوعية أن تخضع لحلفائها الوقتيين مهما كان الحال. أثناء النضال في سبيل الهيمنة على الحركة الثورية، يجب على الأحزاب الشيوعية قبل كل شيء، أن تحافظ دوما على استقلالها السياسي والتنظيمي وأن تعمل في سبيل أن يصبح الحزب قائد البروليتاريا. يجب على الشيوعيين أن يؤكدوا على الشعارات التالية بوجه خاص في تحريضهم:
1– انتزاع (دون عِوض) المزارع الكبرى واللاتيفوندات وإعادة جزء منها إلى العمال الفلاحيين لغايات العمل الجماعي وتوزيع الجزء المتبقي على الفلاحين والمستأجرين والمستوطنين؛
2 – مصادرة المؤسسات الأجنبية (مناجم، مؤسسات صناعية، بنوك، وغيرها) وأهم مؤسسات البرجوازية الوطنية وكبار مالكي الأرض؛
3 – إلغاء ديون الدولة وتصفية رقابة الإمبريالية على البلد؛
4 – إدراج يوم العمل من ثمان ساعات والقضاء على ظروف العمل شبه العبودية؛
5 – تسليح العمال والفلاحين وتحويل الجيش ميليشيا بروليتارية وفلاحية؛
6 – تركيز سلطة سوفييتات العمال والفلاحين والجنود محل سيطرة كبار المالكين العقاريين والكنيسة الطبقية.
يجب أن يكون شعار حكومة بروليتارية فلاحية، المضاد لما يسمى بالحكومات “الثورية” التي تنشئها الدكتاتورية العسكرية البرجوازية الصغيرة، مركز التحريض الشيوعي.
إن الشرط الجوهري لنجاح مجمل الحركة الثورية في هذه البلدان هو تقوية فكر وتنظيم الأحزاب الشيوعية وصلتها بالجماهير البروليتارية والمنظمات الجماهيرية. يجب على الأحزاب الشيوعية أن تتجه إلى تنظيم العمال الصناعيين في نقابات طبقية دون كلل، وبالدرجة الأولى عمال المؤسسات الكبرى التي تملكها الإمبريالية، ورفع مستواهم السياسي ووعيهم الطبقي، وإلى اجتثاث فكر الإصلاحية والنقابية الفوضوية والتعاونية. في ذات الوقت يجب تنظيم الفلاحين والمزارعين والمستأجرين في الاتحادات الفلاحية. يجب تطوير منظمة «الرابطة المعادية للإمبريالية» التي يجب أن تعمل فيها الفرق الشيوعية. إن التعاون الوثيق ما أمكن بين المنظمات الثورية الجماهيرية للعمال والفلاحين، والصلة بين الأحزاب الشيوعية لبلدان أمريكا اللاتينية، وصلتها مع المنظمات العالمية المناسبة ومع البروليتاريا الثورية في الولايات المتحدة، هي من ضمن أهم المهمات.
41
إن أهم مهمات الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية في قضية المستعمرات لها طابع ثلاثي. أولا، يجب إقامة صلة نشطة بين الأحزاب الشيوعية والنقابات الثورية في البلدان الاحتكارية وما يقابلها من منظمات ثورية في المستعمرات. إن ما أقيم إلى حد الآن من الصلات بين الأحزاب الشيوعية في البلدان الاحتكارية ونظيرتها الحركة الثورية في البلدان المستعمَرة لا يمكن اعتباره كاف عدا بعض الاستثناءات النادرة. لا يمكن تفسير هذا الواقع بالصعوبات الموضوعية إلا جزئيا. يجب الإقرار بأن كل أحزاب الأممية الشيوعية لم تفهم بعد الأهمية الحاسمة لإقامة علاقات وثيقة ومنتظمة ودائمة مع الحركات الثورية في المستعمرات في سبيل تدعيم هذه الحركات بطريقة نشطة ومباشرة وعملية. لا يمكن اعتبار موقف الأحزاب الشيوعية في البلدان الإمبريالية في قضية المستعمرات بُلشفيا حقا إلا إذا دعمت فعلا الحركة الثورية في المستعمرات ونضال البلدان المستعمَرة ضد الإمبريالية. فهنا يكمن معيار نشاطها الثوري بوجه عام.
يتمثل الصنف الثاني من المهمات في دعم نضال الشعوب المستعمَرة ضد الإمبريالية بصفة حقيقية عبر تنظيم أعمال جماهيرية فعلية للعمال. في هذا الميدان كان أيضا نشاط الأحزاب الشيوعية في أهم البلدان الرأسمالية غير كاف. يجب بصفة مطلقة أن يصبح تحضير وتنظيم مثل هذه الأعمال التضامنية أحد العناصر الأساسية في التحريض الشيوعي في الجماهير البروليتارية في البلدان الرأسمالية. يجب على الشيوعيين أن يفضحوا طابع النهب الحقيقي للنظام الاستعماري الرأسمالي عبر جميع وسائل التحريض التي بحوزتهم (صحافة، مظاهرات عامة، منابر برلمانية) يجب عليهم أن يفضحوا بعناد شبكة الأكاذيب التي تقدم النظام الاستعماري على أنه عمل حضارة وتقدم شامل. في هذا الميدان، هناك مهمة متميزة تتمثل في النضال ضد منظمات المبشرين التي هي إحدى نقاط الارتكاز الأكثر نشاطا للتوسع الإمبريالي ولإخضاع الشعوب المستعمَرة.
يجب على الشيوعيين أن يعبئوا الجماهير الغفيرة من العمال والفلاحين في البلدان الرأسمالية في سبيل مطلب استقلال الشعوب المستعمَرة وسيادتها الكاملين. يجب أن يكون النضال ضد قمع انتفاضات المستعمرات الدموي وضد تدخل الإمبرياليين المسلح في الثورات الوطنية وضد تعاظم العدوانية الحربية عند الإمبريالية وضد الفتوحات العسكرية الجديدة نضالا حازما ومنظما ومليئا بالتفاني من جانب البروليتاريا العالمية؛ فمن الضروري استخلاص كل الدروس من واقع أن أي فرع من فروع الأممية الشيوعية في البلدان الرأسمالية لم يتوصل إلى تعبئة الجماهير على نطاق كاف للدفاع الفعلي عن الثورة الصينية ضد الهيمنة المستمرة للإمبريالية العالمية. إن التحضيرات في سبيل حرب عالمية وحملة الإمبرياليين ضد شعوب مستعمرا“تهم” قصد “ترويضهم” تطرح مهمة دعم الثورات في المستعمرات دعما نشطا. ويجب أن يحتل هذا الهدف مركز نضال العمال في البلدان الرأسمالية.
يجب أن يعتبر الحزب الشيوعي النضال ضد السياسة الاستعمارية عند الاشتراكية-الديمقراطية جزءا لا يتجزأ من نضاله ضد الإمبريالية. لقد أكدت الأممية الثانية نهائيا، بموقفها من قضية المستعمرات في مؤتمرها الأخير في بروكسل ما كان قد أبرزه بكل وضوح كل النشاط العملي لمختلف الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية في سياسة دعم الإمبريالية بنشاط في استغلال الشعوب المستعمَرة واضطهادها. لقد تبنت رسميا وجهة نظر عُصبة الأمم، ومفادها أن الطبقات السائدة في البلدان الرأسمالية المتطورة لها “حق” الهيمنة على غالبية شعوب الكون في سبيل إخضاعها لنظام استغلال واستعباد وحشي قصد تضليل جزء من البروليتاريا وجعلها معنية بالحفاظ على نظام النهب الاستعماري. تدافع الاشتراكية-الديمقراطية عن مغانم الإمبريالية في المستعمرات الأكثر مدعاة للخزي والتقزز. إنها تخفي طابع النظام الاستعماري الرأسمالي الحقيقي والصلة القائمة بين السياسة الاستعمارية وخطر حرب إمبريالية جديدة تهدد العمال والجماهير الكادحة في العالم أجمع. فأينما أخذ تمرد الشعوب المستعمَرة شكل نضال تحرري ضد الإمبريالية إلا واصطفت الاشتراكيةُ الديمقراطية دوما وفعلا ورغم جملها الكاذبة إلى جانب جزاري الثورة الإمبرياليين. وصوتت الأحزاب الاشتراكية في جميع البلدان في السنوات الأخيرة للاعتماد المالي الذي طلبته حكوماتهم لشن الحرب على الشعوب المستعمَرة التي تناضل في سبيل تحررها (المغرب، سوريا، إندونيسيا). وتشارك بنفسها مباشرة في الاستغلال الاستعماري؛ فقد وقع تعيين اشتراكيين فرنسيين حكاما لمستعمرات تحت أوامر الحكومات الإمبريالية، وتشارك التعاونيات الاشتراكية البلجيكية في المؤسسات الاستعمارية (لاستغلال سكان الكونغو السود). إنهم يدعمون أشد الإجراءات شراسة لخنق الانتفاضات في المستعمرات، (دافع قادة حزب العمل البريطاني عن التدخل في الصين، وتدخل الحزب الاشتراكي الهولندي لقمع انتفاضة إندونيسيا). إن النظرية الاشتراكية-الديمقراطية التي مفادها أنه يمكن إصلاح النظام الاستعماري الرأسمالي فيصبح “نظاما استعماريا جيدا” ليست سوى قناعا يسعى من خلاله الاشتراكيون الديمقراطيون إلى إخفاء وجههم الاشتراكي الديمقراطي الحقيقي. يجب على الشيوعيين أن يزيحوا عنهم هذا القناع وأن يشرحوا للجماهير الكادحة في البلدان الإمبريالية كيف أن الأحزاب الاشتراكية هي شريك وعون مباشر في السياسة الاستعمارية الإمبريالية، وأنها خانت كامل البرنامج الاشتراكي بالأسلوب الأكثر شناعة فأصبحت وكيل الإمبريالية الضارية في الدول الاحتكارية والمستعمرات.
يجب على الشيوعيين أن يتابعوا بأشد الانتباه كل محاولات الاشتراكية-الديمقراطية التي تسعى بمساعدة الحكومات الرأسمالية إلى توسيع تأثيرها في المستعمرات وتأسيس فروع ومنظمات فيها. هذه المحاولات تتوافق مع سياسة هذا الشق من الاستعماريين الإمبرياليين الذي ينوي تدعيم مواقعه في المستعمرات برشوة بعض الفئات المحلية. إن الظروف الخصوصية في بعض المستعمرات يمكنها أن تساهم في بعض نجاحات هذه السياسة وأن تحدث تطورا مؤقتا في الحركة الإصلاحية في هذه البلدان تحت تأثير الاشتراكية-الديمقراطية في البلدان الرأسمالية. وتتمثل مهمة الحزب الشيوعي في النضال بحيوية ضد مثل هذه المحاولات وفي فضح سياسة الاشتراكيين الاستعمارية أمام الجماهير المحلية وتوسيع الكراهية المستحقة التي تكنها الشعوب المضطهَدة للإمبرياليين حتى تشمل القادة الاشتراكيين الديمقراطيين عملاء الإمبريالية.
لا يمكن للأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية أن تحقق نجاحات في كل هذه المجالات إلا إذا طورت دعاية مكثفة في صفوفها الخاصة لشرح وجهة النظر الشيوعية في قضية المستعمرات واجتثاث كل بقايا فكر الاشتراكية-الديمقراطية في هذه القضية والقضاء على كل انحراف عن الخط اللينيني الصحيح.
إلى كل العمال والفلاحين!
إلى شغيلة العالم أجمع!
إلى كل الشعوب المستعمَرة والمضطهَدة!
إلى الجنود في الجيوش والأساطيل الرأسمالية!
يا رفاقنا،
يا إخوتنا،
إن مؤتمر الأممية الشيوعية السادس، الذي يمثل العمال الثوريين من كل البلدان والشعوب والأمم والأعراق، يعلي صوته من موسكو، العاصمة الحمراء للعالم الجديد الذي يُشيد، ويدعوكم أنتم ملايين الناس في العالم أجمع، لتستعدوا للنضال الدفاعي ضد قوى الرأسمالية التي أصبحت مفرطة القذارة.
إن رأس المال، سيد العالم، الذي يستغل قوة العمل بوحشية ويمتصها حتى النخاع، ويستعمل جسم العامل كمجرد ملحق للتقنية الرأسمالية بصورة محمومة، ويستعمل آلاتً وأجهزةً جديدة وجيدة في خدمة الربح، ويعتمد على العمل المتسلسل باطراد، دافعا بملايين العمال إلى الرصيف، وملق إليهم بفضلات أتعس من الخبز. إن رأس المال هذا، يندفع في حرب على حقوق البروليتاريا وحرياتها، ويقلص من مستوى معيشتها باطراد، ويستل سكينه المضرج بالدم ليدشن الإرهاب الأبيض، ويزرع ألغاما هدامة لحرب عالمية جديدة، مستترا بجمل جوفاء وزائفة عن السلم العالمي.
تضع الإمبريالية الحرب على جدول الأعمال من جديد. ويحتد التنافس بين أهم دول المجموعات المالية الرأسمالية كل يوم. ويشتد هجومها على المستعمرات باطراد. وتحاول إحكام قبضتها على اتحاد الجمهوريات البروليتارية العملاق.
تضع الولايات المتحدة الأمريكية يدها بشكل متزايد القوة على بلدان وقارات جديدة بما فيها بلدان التاج التابعة لخصمها الرئيسي: بريطانيا العظمى. إن رأس المال الأمريكي الذي يتربع على خزائنه الفولاذية المملوءة بالذهب الذي كان قد استخرج بما أهدر من دم في ميادين المعارك الأوربية، يخرب جمهورية المكسيك، ويرسل ببعثاته التأديبية إلى النيكارغوا، ويرسي بواخره الحربية في موانئ الصين. وبعد أن تمكن من تقييد جملة كاملة من بلدان أوروبا وأمريكا الجنوبية بسلسلة ذهبية من القروض، أصبح لا يهاب من أن يعاملها معاملة الكلاب، وأن يصيح في وجهها بغلظة: «أرقد»، كلما تجرّأت على مقاومة إرادته المقدسة.
يواجه رأسُ المال الأمريكي، في كامل سواحل المحيط الأطلسي وفوق تراب الصين المترامي الأطراف، الإمبرياليةَ اليابانية المسعورة، العنيفة، الماكرة، والداهية، التي احتلت جيوشها جزءا عظيما من الصين. تخوض الإمبريالية اليابانية حرب استنزاف على كل قوى الشعب الصيني الذي لم يقبل الخضوع للنظام الوحشي والدموي. إن عشرات الملايين من العمال والفلاحين والحرفيين تعاني من نير الإمبريالية اليابانية، التي في الوقت الذي تصفي فيه حساباتها مع الشعب الصيني بكل غلظة، تستعد فيه لمعركة رهيبة مع خصمها الأمريكي، وهي تتخذ من اعتداءاتها الاستفزازية ضد الاتحاد السوفييتي هدنة في تلك المعركة.
تمثل تلك الاعتداءات حلقة من سلسلة طويلة من الحقد العام الذي تكنه الدول الإمبريالية ضد دول دكتاتورية البروليتاريا، التي تعيش وتتطور وتشيد في كل مكان رغم نعيق الحقد الذي ينبعث من معسكر الأعداء ورغم ضجيج السيوف المهددة لتضعف دكتاتورية العمال الاشتراكية وتركعها.
تستعد القوى، وعلى رأسها بريطانيا العظمى، للحرب على الاتحاد السوفييتي، رغم كل التناقضات القائمة بين قوى رأس المال ورغم ما بينها من عداءات مطردة العمق. وتستعد لها بانتظام، تستعد لها بكل الوسائل، تستعد لها كل لحظة. إن محاولات جملة من القوى (من أمريكا القوية إلى النمسا الضعيفة، تلك الفضلة التي تهدمت في صفوف القوى الأوروبية) لتنظيم حصار مالي واقتصادي على الاتحاد السوفييتي، وقطع العلاقات الدبلوماسية، وتنظيم أحلاف دبلوماسية وعسكرية ضد الاتحاد السوفييتي، وتهديدات جمهورية المارشال ببلسودسكي الاستفزازية المتواصلة، ذلك العسكري الفخور بنفسه والذي يرفع بوقاحة تمثيل الشعوب المزعوم إلى مصاف العاهرات ويدق الأرض بحذائه محدثا ضجيجا كبيرا وذلك بقدر ما هو على نذالة وخزي عندما يلعق أحذية الجنرالات والوزراء في فرنسا وبريطانيا العظمى، والنشاط المكشوف تقريبا لهيئة أركان الوفاق في دول البلقان الحدودية وفي رومانيا، وأخيرا الاستفزازات القذرة من جانب الإمبريالية. يجب أن يكون كل ذلك إشارة إنذار للعمال الشرفاء، لكل العمال المضطهَدين في العالم الذين يرون في الاتحاد السوفييتي وطنهم الذي انتُزع من المالكين والرأسماليين وأعداء الشعب الكادح المجرمين، مقابل ما أهدره أبناء البروليتاريا من دم.
إن القراصنة «المتمدنون»، كلاب الولايات المتحدة الأمريكية المسعورة، ذئاب الدبلوماسية السرية، وكبار رجال البنوك، وملوك الاحتكارات الذين يخوضون جميعا حربا إجرامية في الصين، ويجردون شعب الصين من آخر موارده، ويقتلون خيرة أبنائه، ويعدون الاعتداءات عليه، وينظمون قواهم للاعتداء على الاتحاد السوفييتي برا وبحرا وجوا، ويتسلحون حتى أخمص أقدامهم، ويوجهون العِلم لغرض أكثر الحروب وحشية وأكثرها دمارا وأكثرها حيوانية التي سوف تقتل الإنسانية بالغازات الخانقة وتتركها تعاني من آلام أمراض مميتة جعلوها معدية بطريقة اصطناعية، الذين يستحضرون ما كان في العصور الوسطى من محاكمة الكنيسة للداروينية وهي أجود مذهب في القرن التاسع عشر، والذين يسنون القوانين المسمومة ضد الأفكار «المقلقة» والذين أعدموا ساكو وفانزيتي بالكرسي الكهربائي –تلك الجريمة البشعة التي تجمد الدم في عروقكم وتثير فيكم، بكل عفوية، نبرات اللوعة والثأر– إن أولئك القراصنة «المتمدنون» وكل حاشيتهم المتعلمة وغير المتعلمة، العلمانية والدينية، يطلقون عاليا صياحهم ضد وحشية البلاشفة ويعلنون «حبهم للسلم».
لم يشهد تاريخ البشرية أبدا، زمنا فيه مثل ذلك النفاق والفسق. كما لم يشهد زمنا فيه فكرا على درجة من القذارة والتضليل مثلما هو عليه فكر الإمبريالية المعاصر «السلمي». إن دور ذلك الفكر إنما هو، في السياسة الخارجية، تحضير الحرب بأكثر الطرق شراسة ووحشية ورجعية وتدميرا. فكلما احتد الجري المسعور إلى التسلح إلا ونشطت جهود أعوانه الرسميين وغير الرسميين لتأليف خطب «سلمية» ووضع اتفاقيات «السلام» وتنظيم الندوات وصياغة مشاريع «السلام» ومقترحات «السلام». إن «عصبة الأمم»، مولود فرساي، وهي أكثر اتفاقيات القرصنة نزقا في العقود الأخيرة، تخفي حقيقة النشاط الحربي عند أعضائها بصياغة مشاريع نزع السلاح. إن الاتحاد السوفييتي يفضح أحابيلهم وأما أصدقاء السلام العظماء، الذين يرفضون فضح ذلك التضليل الدبلوماسي، فقد أصبحوا مسخرة مقرفة. لقد سقطت أقنعة السلام وأصبح الجميع يرى التكشير الإمبريالي في وضح النهار.
إن «عصبة الأمم» هي، في المقام الأول، منظمة رجعية. لكنها في ذات الوقت وُجهت ضد أمريكا. فإذا بجمهورية الدولار قد أعلنت بلسان قائدها، أنها وضعت على جدول الأعمال «اتفاقها». فلقد اضطر رأس المال الأمريكي بكل هيمنته وامتلاكه لأجود الآلات وأكبر خزائن الذهب وأحدث تقنية حربية، اضطر أن يحافظ على قيمته القانونية العالمية. وإذا بالحرب توضع «خارج القانون»، واليابان «لا يشن حربا» على الصين، بل «تحمي مصالحها فقط». والولايات المتحدة الأمريكية لا تقوم بمجازر في النيكارغوا أثناء حربها، وإنما «ترعى الأمن فقط». ولا تتسلح البلدان الرأسمالية قصد الحرب، وإنما ترغب فقط في النضال انتصارا «للتمدن». إن رجال السياسة الإمبريالية الذين يخفون مراميهم الإمبريالية ونزوعهم إلى الحرب ليست إلا من دخان قوامه اتفاقيات سلام وجمل مخدرة مسمومة بجمل جوفاء عن السلام، يعملون كل ما بوسعهم لتقييد البروليتاريا كلما اتسع لهم الوقت وتوجيه الضربات ضد الحركات الثورية في المستعمرات وإضعاف مؤخرة الجمهوريات السوفييتية.
العنف والفساد، استغلال العمال دون رحمة وإفساد شرائحهم العلياء وتوحيد جبهة ضد منظمات الجماهير الواسعة كلما أصبحت على قوة مهددة، سياسة تشتيت صفوف العمال، تصعيد الهجمات ضد الأحزاب الشيوعية: تلك هي المؤشرات الراهنة. وموازاة للإرهاب السافر في إيطاليا والبلقان والإعدامات الجماعية في الصين، تقوم موجة ثأر في إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان.
تمتشق «المدنية البرجوازية» سيف الذبح دون توقف. ويتفرج السفاحون الإمبرياليون على ضحاياهم دون اكتراث رغم أنهم يحسون أن الدم المهدَر سيَدفع بالآلاف إلى الثأر. في هذا الزمن الذي يَشتم فيه الجميع رائحة البارود والدم في كل أنحاء العالم، وحيث تشتد فيه تناحرات الرأسمالية إلى أقصاها، وحيث يشتد فيه نضال البروليتاريا، وحيث تهب الملايين من جماهير المستعبَدين في المستعمرات، وحيث تندفع فيه، على الدوام، قوافلُ جديدة من المظلومين للدفاع عن الاتحاد السوفييتي، موطن حركات التحرر، في هذا الزمن يظهر في الصدارة دور الخيانة الذي تقوم به الاشتراكية–الديمقراطية والأممية الثانية وأنصارها في أمستردام.
يجب، من جهة مصالح العمال الطبقية، الآن أكثر من ذي قبل، أنْ يكون لدى العمال فهما كاملا لطابع مصالحهم الطبقي وتحديدا واضحا لحدوده. وأنْ يفهموا عدم وجود اتفاق بين مصالحهم ومصالح رأس المال الشرسة واستغلاله الوحشي والبطالة وسياسة حل المنظمات البروليتارية والإرهاب الفاشي. ففي هذه المرحلة المحتدة، حيث يسود السلطان الحديدي لرأس مال الاحتكارات، تبشر أحزاب الاشتراكية–الديمقراطية بالتعاون الطبقي و«السلم الصناعي» و«ديمقراطية الاقتصاد»، بعد أن خانت بكل خزي كل تقاليد النضال الطبقي وداست أبسط مقومات شرف البروليتاريا. «سلم صناعي» في الاقتصاد ودعم البرجوازية في السياسة – تلك هي حكمة الخيانة بكاملها عند الاشتراكية–الديمقراطية.
من وجهة نظر مصالح العمال الطبقية، من الضروري، في هذا الوقت بوجه خاص، أن يفضح كل نزوع إلى الحرب من جانب البرجوازية. ويجب التذكير بخطر الحرب وتنبيه الجماهير. ففي هذه المرحلة بالذات يتحول الساسة الاشتراكيون–الديمقراطيون إلى قراصنة مدرعين. ويبادرون بالتحريض لأكثر الحروب بشاعة ويخرون ساجدين أمام العسكرية و«يلطفون» من صورة الجيوش الرأسمالية بنشاط، ويبدون تقريضا في عصبة الأمم الإمبريالية، ويتهجمون على اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، ويبدون تأثرا أمام الوثائق التي يقدمها سفاحو ساكو وفانزيتي، وهم ممتلؤون بأكثر الروح السلمية تسمما. وعندما يبذلون الجهد لتبرئة الإمبريالية من حقيقة تحضير الحرب، يتهمون الاتحاد السوفييتي بتهمة الإمبريالية. إنهم هم أبطال 4 آب 1914، ينبطحون أرضا أمام هيئات الأركان الإمبريالية، ويمدون أيديهم وخوذات الحرب على رؤوسهم لينالوا الأموال لقاء ما سيقضونه في صفوف البرجوازية ضد جنود الثورة البروليتارية.
يجب، من وجهة نظر مصالح العمال الطبقية، الآن أكثر من ذي قبل، أن تقوم وحدة العمال الصناعيين مع الجماهير الكادحة في المستعمرات. تقف الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية في هذه القضية، رغم ذلك، إلى جانب المضطهِدين، إلى جانب الإمبرياليين، إلى جانب دول القرصنة الإمبريالية وأعوانها. فقد ساند الاشتراكيون الفرنسيون حكومتهم عندما سحقت مدن القبايل الفقيرة والمدن السورية بنيران مدافعها الثقيلة. وتدخلت حكومة ماكدونلد علنا كسفاح للهندوس، ويباشر أعضاء من حزب العمل تنفيذ الأوامر المباشرة للبرجوازية البريطانية. كل الأحزاب الاشتراكية ساندت فعلا حكوماتها في القضية الصينية. ولم تبدي بعض الملاحظات الانتقادية المحتشمة إلا في حالات استثنائية وتحت تأثير ضغط الجماهير. إن مؤتمر بروكسل الاشتراكي، الذي لم يساند الكيومنتانع في ماضيه الثوري، يتضامن معه الآن وقد أصبح كلب حراسة دموي في خدمة الإمبريالية وسفاح الحركة البروليتارية الأكثر شراسة. لقد اتخذ مؤتمر بروكسل تلك القرارات المخزية في القضية الاستعمارية واقتبسها حرفيا تقريبا من وثائق عصبة الأمم.
وأخيرا من وجهة نظر مصالح العمال الطبقية، فإن وحدة البروليتاريا نفسها، هي الآن أكثر ضرورة من ذي قبل. إن النضال ضد عدو قوي التنظيم، النضال ضد الاحتكارات العملاقة، النضال ضد دولة رأس المال التي ترعى مصالح الطغمة المالية الرأسمالية، إن ذلك النضال يستوجب وحدة قصوى عند البروليتاريا. وإنه لفي هذا الوقت بالذات يباشر الوكيل الاشتراكي الديمقراطي للبرجوازية الإمبريالية، المهمة المحددة له، ألا وهي تقسيم صفوف العمال.
إن قادة الأحزاب الاشتراكية–الديمقراطية والنقابات الإصلاحية، أبطال الوحدة مع البرجوازية واحتكاراتها وهيئة أركانها، دعاة السلم الصناعي والتعاون مع رجال البنوك والبورصة، يبذلون كل ما في وسعهم لإقصاء الشيوعيين والعمال الثوريين عموما من المنظمات الجماهيرية، إنهم يقسمون النقابات والمنظمات الرياضية ويشتتون صفوف العمال ذوي الفكر الحر. فكلما ازداد تشبثهم بالوحدة مع البرجوازية، إلا وازداد نضالهم الشرس ضد الوحدة مع البروليتاريا.
تدعو الأممية الشيوعية كل العمال، كل الشغيلة إلى رص صفوفهم وأن يقيموا وحدة البروليتاريا، وتحقيق وحدتها مع الفلاحين الكادحين وتحقيق وحدتها مع شعوب الشرق المستعبَدة، ضد المضطهِدين، ضد كل الأعداء الطبقيين.
لقد أقر مؤتمر الأممية الشيوعية السادس برنامجا أمميا يربط جميع فروع الأممية ويلزمها. فلأول مرة، منذ ولادة الحركة البروليتارية الثورية، سيكون بين أيدي البروليتاريا وثيقةٌ فصولها بمثابة قوانين عند ملايين العمال المنظمين في كل أنحاء العالم ومن كل أعراق وأمم الأرض. إنه ليس وثيقة خضوع سلمي للبرجوازية والعيش معها في سلم ذليل. وليس إعلان خزي وانحطاط للوحدة مع البرجوازية، فلا تعني تلك الوحدة سوى المرور إلى معسكر العدو الطبقي وفرارا وخيانة وردة، إنما هو نجم يضيء نضال ملايين المضطهَدين ضد المضطهِدين، نضال الجماهير البروليتارية، نضال الشغيلة من كل لون، أبيض وأصفر وأسود، في المنطقة الاستوائية وفي أكثر نقاط كوكبنا تأخرا، في المصانع والمزارع، في المناجم وسكك الحديد، في الغابات والمدن، في الصحراء وأينما وجد صراع طبقي. إنه برنامج وحدة البروليتاريا ونضال حياة أو موت ضد البرجوازية، إنه برنامج دكتاتورية البروليتاريا العالمية التي لا مرد لها.
تدعو الأممية الشيوعية إلى أكثر التجمع متانة تحت راية الصراع الطبقي، راية الثورة البروليتارية، راية دكتاتورية البروليتاريا. لقد استطاعت الرأسمالية أن تخرج من دمار الحرب الإمبريالية. لقد نجحت في ذلك بإطلاق قواها إلى أقصى حد، ضاغطة على العمال بشكل هائل ومركعة إياهم تحت سطو العبودية، لكنها بدأت من جديد تتهالك تحت ثقل تناقضاتها، ويدفعها انهيارها التاريخي، من جديد وبقوة أشد، إلى دوامة من الكوارث لا سابق لها ومداها المميت يجتاج العالم أجمع.
تدعو الأممية الشيوعية كل الشغيلة إلى العمل الدفاعي. منذ اليوم، يجب توحيد صفوف المقاتلين اليوم تلو اليوم ودون كلل. منذ اليوم، يجب أن نجمع الجماهير، وأن نرسل بأوفى الدعاة من البروليتاريا إلى جنود الجيوش والأساطيل، للاستعداد للساعة التي يعطي فيها الإمبرياليون إشارة الخزي لتقاتل العمال. ففي تلك اللحظة، يجب أن تدور المدافع الثقيلة حول محاورها فتوجه فوهاتها صوب رؤوس الإمبرياليين. فلا خير من ذلك المرمى في الحرب الإمبريالية.
إن الحلف الإمبريالي الذي لا يستطيع أن يرى بعينه المرتبكة سوى الماضي ولا يستطيع أن يتبين المستقبل، يكتفي بطمأنة نفسه بوهم الهدوء النسبي في أوروبا التي يقدم لها مصاص الدماء الأمريكي بعض الفتات لإنعاشها. لكن العامل الذي مرت على كاهله تجربة الحرب والفضائل الفذة لترشيد الرأسمالية وكامل مهزلة السلم الصناعي، ينظر بعين ثاقبة فيميز ويتلمس التراكم العملاق في تناقضات الرأسمالية ونمو الصراع الطبقي الذي شهده كل العالم تقريبا. إضراب في إنجلترا، انتفاضة في فينا، إضراب في ألمانيا، نتائج الانتخابات في فرنسا، مقاطعة عمال ألمانيا الاشتراكية–الديمقراطية في قضية القرصنة المدرعة، صمود عنيف لعمال وفلاحي الصين، البراكين التي يتعاظم لهيبها في أمريكا الجنوبية، تقدم الوعي الطبقي بين السود، وآلاف المؤشرات الأخرى. أفلا يبين كل ذلك أن العالم الرأسمالي مزروعا ألغاما جيدا!
تدعو الأممية الشيوعية كل الشغيلة، وعلى رأسها العمال الصناعيين، إلى النضال في سبيل الذود عن كل شبر من التراب اكتسبوه، إلى النضال ضد هجوم رأس المال، إلى النضال ضد استعباد البروليتاريا، إلى النضال ضد سياسة الإمبريالية، إلى النضال ضد الحرب. تدعو الأممية الشيوعية كل الشغيلة والمضطهَدين إلى الدفاع المثابر عن الثورة الصينية التي سقط شهداءها وأبطالها بسيف السفاح. تدعو الأممية الشيوعية إلى يقظة قصوى وإلى نضال مباشر ضد السلم الزائف والتضليل السلمي. تدعو الأممية الشيوعية إلى القطع الفوري مع البرجوازية وإلى وحدة كل صفوف البروليتاريا وإلى النضال الذي لا رحمة فيه ضد أعداء البروليتاريا.
ـ ضد وحدة الاشتراكية–الديمقراطية مع البرجوازية، من أجل وحدة البروليتاريا!
ـ ضد الاشتراكية–الإمبريالية، من أجل الدفاع البطولي عن إخوتنا في المستعمرات!
ـ ضد السلم الزائف، من أجل نضال حياة أو موت ضد الحرب الإمبريالية!
ـ ضد الإصلاحية والفاشية، من أجل الثورة البروليتارية!
عاشت دكتاتورية البروليتاريا في الاتحاد السوفييتي!
عاشت الثورة البروليتارية العالمية!
المؤتمر الشيوعي العالمي السادس
موسكو، 1 أيلول (سبتمبر) 1928.
خطاب في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البُلشفي للاتحاد السوفييتي من 4 إلى 12 تموز 1928
جلسة 5 تموز 1928
أيها الرفاق، أول ما يشد انتباهنا، هو كبر حجم مشروع برنامج الأممية الشيوعية، فهناك من يقول إنه جد طويل وجد ثقيل، ويطلب اختزاله إلى النصف أو إنقاص الثلث منه وأن تدرج في البرنامج بضع صيغ عامة لا أكثر وأن نطلق على ذلك اسم برنامج. أعتقد أن رفاقا من هذا القبيل يفتقرون إلى أساس لذلك؛ فالذين يطلبون أن يختزل البرنامج إلى النصف أو حتى إنقاص الثلث منه لا يأخذون بعين الاعتبار المهمة التي واجهت محرري المشروع. فواقع الأمر أن برنامج الأممية لا يمكنه أن يكون برنامجا لأحد الأحزاب القومية، أو لنقل، لا يمكن أن يكون برنامجا للأمم «المتمدنة» فقط.
يجب أن يشمل البرنامج جميع الأحزاب الشيوعية في العالم أجمع، كل الأمم، كل الشعوب بيضاء كانت أم سوداء. تلك هي الخاصية الأساسية المميزة لمشروع البرنامج. لكن كيف يمكن للبرنامج أن يشمل الحاجيات الأساسية والخطوط الأساسية لعمل جميع فروع الأممية الشيوعية في الشرق وفي الغرب إذا ما أختزل إلى النصف أو أنقص منه الثلث؟
لنترك الرفاق يحاولون حل هذه المعضلة المستعصية.
لذلك أعتقد أن اختزال البرنامج إلى النصف أو إنقاص الثلث منه، إنما يعني تحويله من برنامج إلى قائمة صيغ مجردة لا قيمة لها بالنسبة لفروع الأممية الشيوعية. لقد وجد واضعو البرنامج مشكلا مزدوجا: فمن جهة أولى، كان على عملهم أن يشمل الخصائص الرئيسية والأساسية لجميع الأحزاب الشيوعية في العالم؛ ومن جهة ثانية، كان يجب القيام بذلك العمل على نحو لا تكون فيه مختلف مقولات البرنامج صيغا جوفاء، بل مقولات تمكن من تقديم مبادئ توجيهية عملية للبلدان والشعوب على شدة تنوعها، وللأحزاب الشيوعية والمجموعات الشيوعية على اختلافها. يجب الإقرار بأن حل هذه المعضلة في نص قصير ومقتضب إنما هو أمر مستحيل تماما.
أغرب الأمور أن الرفاق الذين يقترحون اختزال البرنامج إلى النصف أو إنقاص الثلث منه، هم أنفسهم الذين يضعون في الصدارة مقولات من شأنها أن تضاعف حجم مشروع البرنامج الحالي إن لم تثلثه. في الحقيقة إذا ما أدرجنا في مشروع البرنامج بسطا مطولا يتناول النقابات والتعاونيات والثقافة والأقليات القومية الأوروبية، الخ، سيكون بديهيا عندئذ أن يمنع ذلك في الواقع تقليص البرنامج؟ فسيكون النص الحالي عندئذ مضاعفا إن لم يكن مثلثا. يجب أن نقول نفس الشيء للرفاق الذين يطلبون إما أن يكون البرنامج عرضا ملموسا للأحزاب الشيوعية أو أن يفسر كل صغيرة حتى المقترحات الشخصية. أولا، سيكون من الخطأ أن نقول أنه يجب أن يكون عرضا فقط أو أن يكون كذلك أساسا. ذلك خاطئ. فلا يمكن أن نطلب ذلك من برنامج. وفضلا عن ذلك سيمدد البرنامج بشكل كبير. ثانيا لا يمكن أن يبلغ التفسير في البرنامج كل التفاصيل، وكل مقولة تقريرية أو نظرية. فتلك مهمة تضمن في نصوص تدعيم البرنامج، ولا يجب أن نخلط بين البرنامج ونصوص التدعيم.
تتعلق القضية ببنية البرنامج ونظام ترتيب الفصول داخل مشروع البرنامج.
يطلب بعض الرفاق أن ينقل الفصل المتعلق بهدف الحركة النهائي (الشيوعية) إلى آخر البرنامج. أعتقد أن ذلك يفتقر إلى أساس أيضا. فبين الفصل المتعلق بأزمة الرأسمالية والفصل المتعلق بالمرحلة الانتقالية، يوجد في مشروع البرنامج فصل يتعلق بالشيوعية: بالنظام الاقتصادي الشيوعي. هل ترتيب الفصول هذا قويم؟ أعتبر ذلك قويما جدا. فلا يمكن الحديث عن مرحلة انتقالية دون أن نكون قد تحدثنا سلفا عن النظام الاقتصادي الذي هو في هذه الحالة نظام الشيوعية الاقتصادي الذي يقترح البرنامج الانتقال إليه. فنحن نتحدث عن مرحلة انتقالية، الانتقال من الرأسمالية إلى نظام اقتصادي آخر. لكن الانتقال إلى أين، إلى أي نظام بالضبط ذلك ما يجب أن نبدأ بدراسته قبل أن نشرع في وصف مرحلة الانتقال بصفتها تلك.
يجب على البرنامج أن يتقدم مما هو غير معروف إلى ما هو معروف، مما لنا قليل المعرفة به إلى ما لنا به أكثر معرفة. فأن نشفع حديثنا عن أزمة الرأسمالية بحديثنا عن مرحلة الانتقال دون أن يسبقه حديث عن النظام الذي يجب علينا أن نقوم بالانتقال إليه إنما ذلك يخلق خلطا عند القارئ ويخرق ضرورة تعليمية أولية، هي في ذات الوقت ضرورية لبنية البرنامج. لذا، يجب أن يبسط البرنامج مهمة القارئ بأن يتقدم به مما لنا به قليل المعرفة إلى ما لنا به أكثر معرفة، لا أن نجعل مهمته أكثر صعوبة.
يعتقد بعض الرفاق، أن الفقرة المتعلقة بالاشتراكية-الديمقراطية لا يجب إدراجها في الفصل الثاني من مشروع البرنامج، ذلك الفصل الذي يتناول المرحلة الأولى من الثورة البروليتارية واستقرار الرأسمالية. وهم يعتقدون أنهم يثيرون بذلك قضية لها صلة ببنية البرنامج. لا شيء من ذلك يا رفاق. الحق أننا نواجه هنا قضية سياسية. فإذا ألغينا الفقرة المتعلقة بأسباب استقرار الرأسمالية الجزئي، فلا يتعلق الأمر هنا ببنية البرنامج وإنما يتعلق الأمر بتقدير الوضع السياسي في مرحلة الاستقرار الجزئي، وفي تقدير دور الاشتراكية-الديمقراطية الرجعي من جهة أنه أحد عوامل ذلك الاستقرار. ولا يمكن ألا يعلم أولئك الرفاق أننا لا نستطيع أن نفتقد فقرة تتعلق بالاشتراكية-الديمقراطية في الفصل المتعلق باستقرار الرأسمالية الجزئي، لأننا لا نستطيع تفسير ذلك الاستقرار نفسه دون أن نصف دور الاشتراكية-الديمقراطية بأنه أحد عوامل ذلك الاستقرار الرئيسية. وإذا كان الأمر على خلاف ذلك وجب علينا أيضا أن نحذف من ذلك الفصل الفقرة المتعلقة بالفاشية لننقلها مع تلك المتعلقة بالاشتراكية-الديمقراطية إلى الفصل المتعلق بالأحزاب. لكن أن نحذف هاتين الفقرتين (المتعلقتين بالفاشية والاشتراكية-الديمقراطية) من الفصل الذي يتناول استقرار الرأسمالية الجزئي سوف يعني أن نجرد أنفسنا من السلاح وأن نجرد أنفسنا من أية إمكانية لتفسير الاستقرار الرأسمالي. وبديهي ألا نقبل ذلك.
القضية المتعلقة بالسياسة الاقتصادية الجديدة وشيوعية الحرب. إن السياسة الاقتصادية الجديدة هي سياسة دكتاتورية البروليتاريا التي تهدف إلى الانتصار على العناصر الرأسمالية وبناء اقتصاد اشتراكي وذلك باستعمال السوق ومن خلاله، وليس عبر تبادل مباشر للبضائع، دون السوق وخارجه. هل يمكن للدول الرأسمالية حتى أكثرها تطورا أن تتجنب المرور بالسياسة الاقتصادية الجديدة خلال الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية؟ لا أعتقد أنها تستطيع ذلك. فستكون السياسة الاقتصادية الجديدة، بعلاقاتها بالسوق واستخدام تلك العلاقات، أساسية مطلقا لكل بلد رأسمالي خلال مرحلة دكتاتورية البروليتاريا. عندنا رفاق ينفون هذا التأكيد.
لكن ماذا يعني نفي هذا التأكيد؟ يعني ذلك أولا الدفاع عن الفكرة التي مفادها أنه سيكون عندنا، حالما تستولي البروليتاريا على السلطة، تنظيم التوزيع وتبادل الإمدادات بين المدينة والريف وبين الصناعة والإنتاج الصغير، جاهزا للاستعمال مائة بالمائة. وسيخول ذلك فورا قيام تبادل مباشر للبضائع، دون سوق ودون دورة البضائع ودون اقتصاد نقدي. يكفي أن نطرح القضية لنتبين مدى خراقتها. ثانيا، ذلك يعني الدفاع عن الفكرة التي مفادها أنه يجب على الثورة البروليتارية حالما تستولي البروليتاريا على السلطة أن تتبع طريق تجريد البرجوازيتين الوسطى والصغرى من الملكية، وأنه يجب عليها أن تضع على عاتقها مشقة هائلة لتوفير الشغل وتأمين مصدر العيش لجيش خلق اصطناعيا قوامه ملايين من العاطلين الجدد. يكفي أن نطرح القضية حتى نتبين كم يكون الأمر على خراقة وجنون إذا ما اعتمدت دكتاتورية البروليتاريا مثل تلك السياسة. فأحد الأمور الجيدة في موضوع السياسة الاقتصادية الجديدة هو أنها تجنب دكتاتورية البروليتاريا تلك الصعوبات وأخرى مماثلة. لكن ينتج عن ذلك أن السياسة الاقتصادية الجديدة هي مرحلة حتمية في الثورة الاشتراكية في جميع البلدان. هل يمكن أن نقول نفس الشيء في شيوعية الحرب؟ أيمكننا أن نقول أن شيوعية الحرب مرحلة حتمية في الثورة البروليتارية؟ لا.
لا يمكننا ذلك. لقد فُرضت شيوعية الحرب على دكتاتورية البروليتاريا بسبب حالة الحرب والتدخل الأجنبي. وكان الغرض منها إقامة التبادل المباشر للمنتجات بين المدينة والريف، لا عن طريق السوق بل بجانب السوق، وأساسا وفق إجراءات فوق-اقتصادية وجزئيا عسكرية، قصد تنظيم توزيع المنتجات بالكيفية التي تؤمن الاعتمادات للجيوش الثورية في الجبهة وللعمال الذين في المؤخرة. ومن البديهي، أنه لو لم تكن هنالك حالة حرب وتدخل، لما كان هنالك شيوعية الحرب. وبالتالي لا يمكننا أن نؤكد أن شيوعية الحرب مرحلة تطور اقتصادي حتمية في الثورة البروليتارية.
سيكون من الخطأ الاعتقاد أن دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بدأت عملها بشيوعية الحرب.
كذا ذهب بعض الرفاق في التفكير. إن الأمر عكس ذلك. لم تبدأ دكتاتورية البروليتاريا عمل البناء في بلادنا بشيوعية الحرب، بل بإعلان المبادئ التي سميت بالسياسة الاقتصادية الجديدة. والجميع يعرف كراس لينين مهمات سلطة السوفيياتات المباشرة الذي نشر في بداية عام 1918 والذي وضع فيه لينين لأول مرة مبادئ السياسة الاقتصادية الجديدة. صحيح أن تلك السياسة قد توقفت مؤقتا بسبب ظروف التدخل وأنها لم تستأنف إلا بعد ثلاثة أعوام إثر انتهاء الحرب والتدخل. لكن حقيقة رجوع دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية إلى مبادئ النيب -تلك المبادئ التي أعلنتها في مطلع عام 1918- إنما هي حقيقة تبين بوضوح أن على دكتاتورية البروليتاريا أن تواصل عملها البنائي في الأيام التي تلت الثورة وعلى ما يجب أن يرتكز عمل البناء ذاك. طبعا إذا وضعنا في رؤوسنا اعتبارات اقتصادية نخلط أحيانا بين شيوعية الحرب والحرب الأهلية فنماثل إحداهما بالأخرى. طبعا ذلك من الخطأ. فمما لا ريب فيه أن استيلاء البروليتاريا على السلطة في تشرين الأول 1917 كان له شكل حرب أهلية. لكن سيكون من الخطأ إذا ما اعتقدنا أننا شرعنا في تطبيق شيوعية الحرب في تشرين الأول 1917. وأنه لمن السهل جدا أن نتصور حربا أهلية لم تطبق فيها شيوعية الحرب تماما كما لم يقع التخلي فيها عن مبادئ السياسة الاقتصادية الجديدة، مثلما كان الأمر عندنا في بداية 1918 قبل التدخل. يقول البعض أن الثورات البروليتارية تندلع منعزل بعضها عن بعض وبالتالي لن تستطيع أي ثورة بروليتارية أن تتفادى تدخلا أجنبيا وبالتالي لن تتفادى شيوعية الحرب. هذا ليس صحيحا. فالآن وقد نجحنا في تقوية السلطة السوفييتية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، الآن وقد تطورت الأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية الرئيسية وتعاظمت قوة الأممية الشيوعية، لا يمكن ولا يجب أن تكون هنالك ثورات بروليتارية منعزلة. فلا يمكننا أن نغمض أعيننا عن عوامل مثل تنامي احتداد أزمة الرأسمالية، ووجود الاتحاد السوفييتي، وتطور الشيوعية في كل البلدان. (صوت يهتف: «كانت الثورة في المجر معزولة»). كان ذلك في عام 1919، ونحن الآن في عام 1928. وللتأكد من أن حجج بعض الرفاق كانت حججا نسبية وظرفية بالفعل يكفي أن تتذكروا الثورة في ألمانيا عام 1923، فوقتئذ كانت دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية تستعد لتقديم مساعدة مباشرة للثورة الألمانية. (صوت يهتف: «انعزال الثورة في ألمانيا، انعزال فرنسا عن ألمانيا»). أنتم تخلطون بين البعد المكاني والانعزال السياسي. فمن الطبيعي أن يكون البعد المكاني عاملا. لكن لا يجب خلطه بالانعزال السياسي. وكيف يمكن أن نتصور عمال البلدان التي تقوم بالتدخل؟ هل تعتقدون أنهم سيمكثون صامتين إذا ما كان هنالك تدخل في الثورة الألمانية وأنهم لن يهجموا على المتدخلين من المؤخرة؟ وكيف يمكن تصور اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وطبقته العمالية؟ هل تعتقدون أن الثورة البروليتارية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ستتابع بهدوء تخريب المتدخلين؟ لكي نواجه المتدخلين، لا يهم بأي حال من الأحوال أن نقيم علاقات ترابية مع بلد الثورة، فيكفي أن نطعن المتدخلين في أكثر نقاط ترابهم حيوية حتى يفهموا كامل حقيقة التضامن البروليتاري. لنفترض أننا هجمنا على بريطانيا العظمى في لينينغراد وكبدناها خسائر جسيمة فهل ينتج عن ذلك أنها ستحاول أن تثأر منا في لينينغراد ضرورة. لا، لا شيء من ذلك. فيمكنها أن تثأر منا بعيدا في باتوم، أوديسا، باكو، أو في لديسفستك. نفس الشيء ينطبق على أشكال المساعدة والدفاع اللذان تقدمهما دكتاتورية البروليتاريا للثورة البروليتارية في إحدى البلدان الأوروبية ضد المتدخلين الإمبرياليين.
لكن إذ أُقر أن التدخل وبالتالي شيوعية الحرب لا تقومان حتما في جميع البلدان يمكننا ويجب علينا أن نقر بأن لهما بعض الاحتمال. لذا، أنا أخالف حجج أولئك الرفاق في الوقت الذي أتفق معهم في الاستنتاج؛ أي يجب أن تستبدل الصيغة التي مفادها أنه في ظروف عالمية محددة، هنالك إمكانية قيام شيوعية الحرب في البلدان التي تندلع فيها الثورة البروليتارية بصيغة أخرى مفادها أن التدخل وشيوعية الحرب لهما بعض الاحتمال.
قضية تأميم الأرض. لا أوافق أولئك الرفاق الذين يقترحون تغيير الصيغة المتعلقة بتأميم الأرض بالنسبة للبلدان الرأسمالية المتطورة. وهم يطلبون أن نعلن تأميم كل الأرض في تلك البلدان منذ أول أيام الثورة البروليتارية. كما لا أوافق أولئك الرفاق الذين يقترحون ألا نذكر شيئا عن تأميم كل الأرض في البلدان الرأسمالية المتطورة. فأنا أشاطر الرأي الذي (مثلما يقوم بذلك مشروع البرنامج) يقول بإمكانية تأميم كل الأرض مع إضافة ما يفيد أن حق الفلاح الصغير والفلاح المتوسط في استغلال الأرض سيكون مضمونا. يقترف أولئك الرفاق خطأ عندما يعتقدون أنه كلما كان البلد الرأسمالي عالي التطور إلا وكانت عملية تأميم كل الأرض في ذلك البلد أسهل.
إن الأمر على عكس ذلك فكلما كان البلد الرأسمالي عالي التطور إلا وكان تأميم كل الأرض أصعب، لأن تقاليد الملكية الخاصة للأرض أقوى في تلك البلدان مما يجعل محاربة تلك التقاليد أكثر صعوبة. اقرؤوا أطروحات لينين حول القضية الزراعية تلك الأطروحات التي قدمها إلى مؤتمر الأممية الشيوعية الثاني. فهو ينبه فيها عن قصد إلى التصرفات المتسرعة وغير المسؤولة في هذا الاتجاه. وستفهمون كيف أن حجج أولئك الرفاق خاطئة. إن الملكية الخاصة للأرض في البلدان الرأسمالية الأقل تطورا حيث مبدأ الملكية الخاصة للأرض لم يصبح بعد عميق التجذر عند الفلاحين. هنا في روسيا، في وقت معين يقول الفلاحون أن الأرض ليست ملكا لأحد وأنها أرض الله. وذلك ما يفسر في الحقيقة أنه في عام 1906 وما قبله، وفي إطار أفق ثورة ديمقراطية برجوازية في بلادنا، وضع لينين في الصدارة موضوعة مفادها تأميم كل الأرض مع الإقرار مسبقا بأنه يجب ضمان استغلال الأرض للفلاح الصغير والفلاح المتوسط، معتبرين أن الفلاحين سيتفهمون ذلك وسيقبلون به. من المهم أيضا، أن نلاحظ أن لينين نبه الأحزاب الشيوعية التابعة للبلدان الرأسمالية في المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني عام 1920 إلى ألا يضعوا في الصدارة موضوعة تأميم كل الأرض بما أن فلاحي تلك البلدان، وقد تشبعوا بشعور التملك الخاص، سوف لن يهضموا مثل تلك الموضوعة فورا. هل يمكننا أن نغض الطرف على هذا الاختلاف ونرفض أن نولي اهتماما لمقترحات لينين؟ من البديهي ألا نستطيع ذلك.
قضية المحتوى الداخلي لمشروع البرنامج. يظهر أن بعض الرفاق يلاحظون أن المحتوى الداخلي لمشروع البرنامج ليس أمميا تماما. وأن له طابعا «جد روسيا». لم أسمع هنا مثل هذه الاعتراضات. لكن يبدو أن شيئا من هذا القبيل يدور في بعض الحلقات حول الأممية الشيوعية. ما الذي يمكن أن يغذي مثل هذه النظرة؟ هل يرجع ذلك إلى وجود فصل خاص حول اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية؟ لكن ما العيب في ذلك؟ فهل أن ثورتنا من حيث طابعها ثورة قومية، وقومية حصرا؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف أمكننا إذن أن نقول أن بلدنا يمثل قاعدة للحركة الثورية العالمية وأداة للتطوير الثوري لجميع البلدان وأنه الوطن الأم للبروليتاريا العالمية؟
إن بيننا أشخاص (المعارضة على سبيل المثال) يعتبرون أن الثورة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية كانت ثورة قومية أساسا وحصرا. لكن المعارضة أفلست في هذه النقطة بالذات. إنه لمن الغريب أن يكون هنالك أشخاص حول الأممية الشيوعية يستعدون لاقتفاء خطى المعارضة. أيمكن أن تكون ثورتنا، في شكلها، ثورة قومية وقومية حصرا؟ لكن ثورتنا ثورة سوفييتية. والشكل السوفييتي للدولة البروليتارية، إنما هو إجباري لدكتاتورية البروليتاريا في بلدان أخرى تقريبا. فلا غرابة أن يكون لينين قد قال إن الثورة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية قد دشنت عهدا جديدا من التطور التاريخي، إنه عهد السوفييتات. ألا ينتج عن ذلك أن ثورتنا هي ثورة أممية عظمى، وذلك لا فيما يتعلق بطابعها فحسب بل أيضا فيما يتعلق بشكلها. وتقدم أنموذجا لما يجب أن تكون عليه الخطوط الكبرى للثورة البروليتارية في أي بلد. ومما لا ريب فيه أن يفرض الطابع الأممي لثورة على دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية جملة من الواجبات تجاه الجماهير البروليتارية والمضطهَدة في العالم أجمع.
وذلك ما كان يفكر فيه لينين عندما قال إن الثورة البروليتارية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية إنما هي قائمة قصد أن تقوم بكل ما في وسعها لتطوير الثورة البروليتارية في البلدان الأخرى وظفرها. وماذا ينتج عن ذلك؟ ينتج عن ذلك، على أقل تقدير، أن ثورتنا تكون جزئا من الثورة العالمية وأنها تكون قاعدة الحركة الثورية العالمية وأداتها.
مما لا ريب فيه أيضا، أن لا فقط على الثورة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية واجبات تجاه البروليتاريا في جميع البلدان، وهي واجبات تقوم بها تماما، بل إن على عمال جميع البلدان واجبات لها أهمية لا بأس بها تجاه دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية في نضاله ضد أعداء الداخل والخارج، وفي حربه على الحرب التي تستهدف تحطيم الثورة البروليتارية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية بأن يتشبثوا بأن تنتقل الجيوش الإمبريالية مباشرة إلى جانب دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية عند احتمال قيام حرب ضده. لكن إلا ينتج عن ذلك أن الثورة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية إنما هي غير منفصلة عن الحركة الثورية في البلدان الأخرى، وأن ظفر الثورة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية إنما هو ظفر الثورة في العالم؟
أمن الممكن، بعد كل ذلك، أن نقول إن الثورة في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية هي ثورة قومية فحسب، منعزلة وليس لها أي صلة بالحركة الثورية في العالم؟ أيمكننا أن نفهم أي شيء عن الحركة الثورية العالمية، إذا ما اعتبرنا أن لا صلة لها بالثورة البروليتارية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية؟
إذا، ما القيمة التي يمكن أن تكون لبرنامج الأممية الشيوعية، إذا تغاضى عن القضية الأساسية المتعلقة بطابع ومهمات الثورة البروليتارية في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وبواجباته تجاه البروليتاريا في جميع البلدان وواجبات عمال جميع البلدان تجاه دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وبواجباته تجاه البروليتاريا في جميع البلدان وواجبات عمال جميع البلدان تجاه دكتاتورية البروليتاريا في اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية وهو البرنامج الذي يتناول الثورة البروليتارية العالمية؟
لذلك كله أعتقد أن الاعتراضات التي تقول بـ«الطابع الروسي» لمشروع البرنامج الذي قدمه اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية إنما هي تحتوي على -كيف أستطيع أن أسمي ذلك بلطف- حسنا، تحتوي اقتباسا سيئا وذوقا متشككا.
لنمر الآن إلى بعض الملاحظات المنفردة. اعتبر أولئك الرفاق على صواب، أولئك الذين أشاروا إلى تحسين جملة في الصفحة 55 من مشروع البرنامج التي تتحدث عن أقسام كادحة من السكان الفلاحيين «الذين يتبعون دكتاتورية البروليتاريا». إن تلك الجملة هي إما محض سوء فهم وإما خطأ حدث أثناء المراجعة ويجب أن تحسن. لكن يخطئ رفاق آخرون عندما يقترحون إدراج جميع تعريفات لينين لدكتاتورية البروليتاريا؟ نجد في الصفحة 52 من مشروع البرنامج تعريفا لدكتاتورية البروليتاريا معظمه مقتبس عن لينين كما يلي:
«تواصل دكتاتورية البروليتاريا الصراع الطبقي في ظروف جديدة. إنها نضال حاد دموي وغير دموي، عنيف وسلمي، عسكري واقتصادي، تربوي، وإداري، ضد قوى المجتمع القديم وتقاليده، ضد الرأسماليين داخل البلاد، ضد مقاومة برجوازية جديدة يولدها الإنتاج البضاعي الذي لم يصفى بعد.»
يتضمن البرنامج أيضا عددا معينا من التعريفات للدكتاتورية تتعلق بالمهمات الخاصة للدكتاتورية في مختلف مراحل الثورة البروليتارية. أعتقد أن ذلك كاف تماما. (صوت يهتف: «إحدى صياغات لينين، أسقطت»). لقد كتب لينين صفحات بأكملها حول دكتاتورية البروليتاريا وإذا ما أدرج كلها في مشروع البرنامج أخاف أن يثلث حجمه.
لقد كان استعمال بعض الرفاق لأطروحة لينين حول تحييد الفلاح المتوسط التي قدمها إلى المؤتمر الشيوعي العالمي الثاني، استعمالا خاطئا. فقد أعلن لينين عن قصد، أنه فور الاستيلاء على السلطة وفي المرحلة الأولى من دكتاتورية البروليتاريا في البلدان الرأسمالية، لا يمكن للأحزاب الشيوعية أن تعتمد على شيء أكثر من اعتمادها على تحييد الفلاح المتوسط، أعلن لينين عن قصد أنه فقط بعد تقوية دكتاتورية البروليتاريا يمكن للأحزاب الشيوعية أن تنظم تحالفا ثابتا مع الفلاح المتوسط. كذلك ونحن نحرر مشروع البرنامج لا يجب علينا أن نغض الطرف عن هذا التوجيه الذي وضعه لينين، فضلا عن أن ذلك يتفق تماما وتجربة ثورتنا. خاطئة أيضا تلك الملاحظة التي قدمها بعض الرفاق حول القضية القومية. وليس لهم أساسا للتأكيد على أن مشروع البرنامج يتغاضى عن العامل القومي في الحركة الثورية.
إن قضية المستعمرات هي بالأساس قضية قومية. ولقد أولينا اهتماما كاف في مشروع البرنامج بالاضطهاد الإمبريالي واضطهاد المستعمرات والحكم الذاتي القومي وحق الأمم والمستعمرات في الانفصال... فإذا كان يدور في ذهن أولئك الرفاق مشكل الأقليات القومية في أوروبا الوسطى يمكننا أن نشير إلى ذلك في مشروع البرنامج. لكنني أعارض أن نتناول ذلك بصورة منفصلة عن القضية القومية في أوروبا الوسطى.
أخيرا، فيما يتعلق بالملاحظات التي أبداها بعض الرفاق حول إعلان بولونيا بلدا من النوع الثاني من التطور نحو دكتاتورية البروليتاريا. فأولئك الرفاق يعتقدون أن تصنيف البلدان إلى ثلاثة أصناف؛ بلدان ذات مستوى عال من التطور الرأسمالي (أمريكا، ألمانيا، بريطانيا العظمى) وبلدان ذات تطور رأسمالي متوسط (بولونيا، روسيا قبل ثورة شباط) وبلدان مستعمَرة، تصنيفا خاطئا. فهم يدافعون عن فكرة إدراج بولونيا ضمن النوع الأول من البلدان، وأنه لا يمكن الحديث إلا عن نوعين من البلدان (بلدان رأسمالية وبلدان مستعمَرة).
ليس ذلك صحيحا يا رفاق. فإلى جانب البلدان المتطورة من الناحية الرأسمالية -حيث يقود انتصار الثورة إلى دكتاتورية البروليتاريا مباشرة- توجد بلدان ذات تطور ضعيف من الناحية الرأسمالية، حيث توجد بقايا الإقطاع ومشكل زراعي خاص من النوع المعادي للإقطاع (بولونيا، رومانيا...) وحيث يكون للبرجوازية الصغيرة، الفلاحية بوجه خاص، كلمة هامة في حال نهوض ثوري، وحيث انتصار الثورة يستوجب، إذا ما أردنا أن يؤدي إلى دكتاتورية البروليتاريا، اعتماد بعض المراحل الانتقالية من حيث الشكل على الأقل، أي اعتماد دكتاتورية العمال والفلاحين.
في بلدنا أيضا، هناك أشخاص مثل تروتسكي، كانوا يقولون قبل ثورة شباط أن لا أهمية جدية للفلاحين وأن شعار الساعة هو «لا للقيصر، نعم لحكومة عمالية». وتعلمون أن لينين عارض ذلك الشعار بحيوية وعارض كل استنقاص من الدور الهام للبرجوازية الصغيرة وخصوصا الفلاحين. لقد كان في بلدنا في تلك الأيام أشخاص يعتقدون أنه بعد قلب القيصرية، ستحتل البروليتاريا موقعا مهيمنا فورا. لكن ما الذي حدث في الواقع؟ ما حدث هو أنه بعد ثورة شباط مباشرة، دخلت الجماهير الواسعة من البرجوازية الصغيرة الساحة ومكنت الأحزاب البرجوازية الصغيرة من الهيمنة وعلى رأسها الاشتراكيون الثوريون والمناشفة الذين لم يكونوا إلى حد ذلك الوقت سوى أحزابا جد صغيرة أصبحت فجأة قوة مهيمنة في البلاد. ما سبب ذلك؟ سببه هو أن الجماهير البرجوازية الصغيرة الواسعة ساندت الاشتراكيين الثوريين والمناشفة. ومما ينتج عن ذلك هو إمكانية تفسير كيف قامت دكتاتورية البروليتاريا في بلدنا كنتيجة للتطور السريع نسبيا للثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة اشتراكية. ستكون شكوكنا ضعيفة في أن تكون بولونيا ورومانيا من البلدان التي تنتمي إلى هذا النوع من البلدان التي ستشهد انتقالا سريعا نسبيا عبر بعض المراحل الانتقالية نحو دكتاتورية البروليتاريا. لذلك أعتقد أن أولئك الرفاق على خطأ عندما يعتقدون أنه لا يوجد سوى نوعان من الحركة الثورية في اتجاه دكتاتورية البروليتاريا تمثل بولونيا ورومانيا النوع الثاني. تلك هي يا رفاق ملاحظاتي حول مشروع برنامج الأممية الشيوعية. فيما يتعلق بأسلوب مشروع البرنامج وبعض الصياغات المطردة، لا يمكنني إلا أن أؤكد أن مشروع البرنامج جيد، يمكن أن نعتقد أن بعض الأمور يمكن تحسينها وتحديدها بأكثر دقة وغير ذلك. لكن ذلك إنما هو من مشمولات لجنة البرنامج التي عينها المؤتمر الشيوعي العالمي السادس